أدب الرعب والعام

المخلوق الأثيري ( 5 )

بقلم : محمد فيوري – مصر
للتواصل : [email protected]

المخلوق الأثيري ( 5 )
وأخرجت من معطفها سلسة الماس ونظرت إليها

سراج : ” اخرس انت ، إنتوا اللي زيكم ملوش لزمه شوية ناس مليين الشوارع والارصفه يسرقوا اللي رايح واللي جي .. إنتوا ربنا خلقكم ليه ، ربنا خلقكم ليه ، إنتوا ولا حاجه ولا حاجه مجرد حشرات وصراصير بين الناس ، سرقتي بنتي انتي سرقتي بنتي هند .. فين بنتي ردي “.. ثم يهدأ سراج ويفك يده شيئا فشيئا وتسقط الفقيرة لتفارق الحياة في الحال .

لاحظ عمرو الموقف وهو مذهول فتوجه إلى سيارته بسرعة وبدأ بتشغيل المحرك لكي يرحل ، ثم نظر سراج إلى سيارة عمرو وترك كل شيء وهو مرتبك وذهب ناحية السيارة .

سراج بانفعال وصوت مرتفع : ” استناني يا حيوان انت استناني رايح فين “..

صعد سراج إلى السيارة فانطلق عمرو بها مسرعا وهو متوتر، يتملكه الرعب والخوف من أفعال سراج الغير متزنة .

سراج : ” وصلني مكتبي حالا وخود خطبتك ريجان وسافر بره مصر مش عايز اشوفك فيها خالص .. سامعني “..

ثم ينظر سراج إلى هاتفه ويتصل بأحد ويقول : ” ايوه يا عدلي تعالالي المكتب فورا فورا استناني في مكتبي فورا “..

تصل سيارة عمرو وينزل منها سراج مسرعا ويغلق الباب فينطلق عمرو بسيارته بسرعة جنونية ليسمع المارة أصوات أطارات سيارته وينظرون إلى السيارة وهي تبتعد .

دخل سراج غرفة مكتبه وكان ينتظره عادلي بالداخل وهو يدخن السيجار ..

عادلي : ” خير مالك هي ألَّبنت الصحفيه اللي مش سيباك في حالك عملتلك حاجه تاني “..

يجلس سراج ويقول : صحفية ايه وزفت ايه .. بنتي هند يا عدلي ضاعت مني ، بنتي هند ضاعت وانا السبب ومش عارف راحت فين ، انا موتة وحده شحاته فالشارع انا مش شايف ومش عارف اعمل ايه عايز هند ترجع وبس لحضني “..

عدلي : ” اهدا اهدا وهانجيب هند ، انت ناسي احنا مين يا سراج … احنا اللي عملنا الفقرا واحنا اللي عملنا الاغنيا …. واحنا اللي بنعرف نجيب حقنا كويس واللي ضايع مننا… هند هترجع وتبات في حضنك اطمن يا سراج .. انا ماعرفش الحكايه ايه ومش عايز اعرف ، احنا ورآنا شغل وكل ثانيه محسوبة مش فاضيين للكلام ده …. يظهر الشُعَاع الأبيض اللي انت شوفته فالمستشفي لِسَّه بيظهرلك ومخليك متوتر “..

سراج بتعجب : ” ايه اللي بتقوله ده !! .. شعاع ابيض ايه ؟.. “..

يقف عدلي ويتحرك ويذهب وينظر إلى الخارج من نافذة الغرفة وهو يتحدث ” الشُعَاع الأبيض اللي انت قولتيلي عليه واللي خلاك تساعد الراجل العجوز والبنت الصغيرة “.. ثم يعود بخطوات هادئة ويجلس مره أخرى أمام سراج .

سراج : ” انا قولتلك ان فيه شعاع ابيض خلاني اساعد الراجل العجوز والبنت انا قولتلك كده “..

عدلي : ” آه قولتيلي كده ومش ناسي كلامك وفكره .. بس انا خايف عليك وعلى عقلك شكلك جالك زمايهر يا سراج ” .

سراج : ” اسمه زهايمر يا عدلي الزهايمر ، هي دروس الاتيكيت والبروتوكول في التعامل مع الناس اللي كنّا بناخدها طول السنين دي كلها نسيتها ولا ايه ….. وبعدين انا، انا واثق اني ماكلمتكش في حاجه زي كده نهائي انا واعي “..

***

دعوته فاستجاب ، حقا أنت الخالق العظيم حقا أنت المجيب ، فانا اعلم انك خلقتي ابيض نقي ودعوتي تستجاب . وقبل أن انطق بها أنت تعلم ما بداخلي فهي عندك تستجاب .

ومتى أنتم تكفون عن الشر وتصبح قلوبكم بيضاء نقية وتنطقون كلمة الحق وتتقون الله لتصل دعواتكم إليه دون حواجز و هي تخترق السحاب ، فأنا خلقت أسبحه واحمده مثلي مثل المخلوقات والكائنات الكثيرة الأخرى بالكون ، فكانت أيامي ومئات سنيني بليل القمر المظلم لن تمر بها لحظه واحده دون التسبيح بحمده وشكره وتعظيمه ولكن بعد ما جئت إليكم .. إلى كوكبكم .. كوكب الأرض .. تضاعف التمجيد والحمد والشكر والتكبير والتعظيم إلى خالقي الله الواحد الأحد ، تضاعف لأنني رأيت بعيني كم أنا بالفعل كنت محظوظ ، وكم أنتم بالفعل تائهون متخبطون بأعمالكم وسجلاتكم المليئة ، وكان حديثي حديث يدار ما بيني وما بين نفسي ، وإن تحدثت إليكم بصوت مسموع فأدرككم وعقولكم لا تستوعب ، وستظلمون بتفكيركم المخلوقات الأخرى المسبحة إلى الخالق العظيم وتدعوني بها ، فأنا لا أتأثر أو أؤثر أو اظهر أو أتحدث لكم بصوت مسموع .. فهذه هي صفاتي وبعد اكتسابي شيئا من الشعور و رؤية سراج لي دعوت الخالق أن أبقى على صفاتي كما هي من الأساس إلى يومي الأخير ويوم فنائي واستجاب العظيم الجبار .

***

أجد سكرتيرة سراج بعد الاستئذان بالدخول والسماح تتقدم ناحية سراج ..

السكرتيرة : ” سراج بيه في وحده اسمها ريم عايزه تقابل حضرتك ادخلها ولا اخليها لحد ماتخلص مع عدلي بيه “..

سراج : ” ريم !! خليها تدخل “..

تدخل ريم بهدوء وتقول ” سراج بيه انا أسفه اني جيت من غير معاد … انا خدت نيفين خلاص وهي عندي فالبيت .. بس ليا طلب عند حضرتك وأسفه جدا … ممكن تكتبلي الشيك أنهارده علشان البيت مافيهوش ولا مليم وعلشان اقدر اجيب حاجات للبنت الصغيرة دي “..

يقف سراج ويقترب من ريم : ” اولا انتي جيتي من غير معاد وثانيا انا ماكونتش هكتبلك شيك انا مش مسؤل عنك ولا عنها ولا عن جوزك علشان اصرف عليكم ، انا كنت عايزك تخديها وخلاص علشان اريح دماغي وانسى الموضوع .. اطلعي بره واياكي تيجي هنا تاني “..

تندهش ريم وترتجف خوفا وتخرج مسرعة . وذهبت أنا مع ريم حتى وصلت خارج البناية بخطواتها السريعة وهي تتلفت إلى الوراء من حين لآخر ، ثم ابتعدت عن البناية وتوقفت وأخرجت من معطفها السلسة الماس ونظرت إليها وابتسمت ، وأعادتها مره أخرى بداخل معطفها ، وتوجهت في طريقها إلى منزلها .. مازلت مع ريم ودخلت أنا معها المنزل وهي تغلق خلفها الباب وبدون سابق إنذار أو تعبيرات على وجهها نظرت إلى زوجها حمزة وقالت ” طالقني يا حمزه انا جبتلك ألبنت اللي بتحلم بيها عايزه اطلق علشان ماتعايرنيش كل شويه اني مابخلفش“..

حمزه : ” انتي اتجننتي يا ريم اطلقك ايه اللي بتقوليه ده .. وبعدين انا عمري عايرتك ولا جبتلك سيرة الخلفه “..

ريم : ” من غير كلام كتير طلقني بالتلاته حالا “..

يقف حمزه وهو مندهش ” انتي فكره الكلمة دي سهله انتي اول مره تبقي كده في ايه مش فاهم .. وبعدين مين يطلب الطلاق قبل مين .. انا ولا انتي .. انتي آه مابتخلفيش وعمري ماتكلمت فالموضوع ده وبحبك وهافضل معاكي لحد ما اموت “..

ريم تزداد انفعالا وتصرخ بصوت مرتفع : ” بقولك طلقني بالتلاته انت مش سامعني خلاص بقيت اخرس طلقني بالتلاته دلوقتي مش طايقه اشوفك ادامي “..

حمزه : ” انتي طالق طالق طالق يا ريم خلاص ارتحتي .. وبعدين الذنب اللي انتي جبتيه لحد البيت هنا هعمل فيه ايه انتي عارفه اني البيت مافيهوش ولا مليم ، وانتي جبتي البنت اليتيمه دي هنا حرام عليكي يا شيخه مين اللي هايشيل ذنبها دلوقتي انا ولا انتي هاتخديها ولا هاتسبيهالي انا مش عايز أتحمل ذنب مش عايز ذنب “..

ريم : ” لاء هاسبهالك يا ابو العيال آه نسيت لو البنت دي ربنا طول في عمرها ، ابقي كلمها عني وقولها كان ليكي ام كانت هاتيشلك في عنيها وتحبك قوي لو كانت معاكي وانتي معاها ، انا كرهت ايام الفقر معاك يا حمزه “..

تخرج ريم من المنزل وتغلق خلفها الباب بشدة ، ثم يجلس حمزة وهو مستغرب متعجب سارحا لوقت طويل ثم يقف ويذهب إلى غرفة نيفين ويجلس بجوارها فتفتح نيفين عيناها بهدوء وتقول : ” عايزه سندوتش حلاوه يا جدي انا جعانه “..

حمزة : ”.. سندوتش ايه يا حبيبتي “..

نيفين : ” يا جدي سندوتش حلاه اللي انت بتجبهولي على طول “..

يقف حمزة ويقول : ” حاضر حاضر من عنيا الاتنين ، بس انا مش جدك يا حبيبتي انا بابا حمزه ، هاروح .. هاروح اشتري الحلاوه بسرعه ماتخفيش هرجع على طول .. ماتخفيش يا نيفين يا حبيبتي “..

يذهب حمزة ليشتري الحلاوة ويترك نيفين وحيدة تغمض عيناها وتغيب عن الوعي وتعود وهي تتحدث وتبتسم .

نيفين : ” بس يا جدي بقي بطل هاموت من الضحك .. يا جدي يوسف بطل .. لاء لاء ماتبوسنيش علشان شعر دقنك بيشوكني … يا جدي بطل مش قادره اضحك “..

يعود حمزه ومعه الحلاوة وهو يبتسم ويجلس بجوار نيفين بهدوء ويقول : ” نيفين يا حبيبتي انا جبتلك الحلاوه قومي يلا علشان تكلي ، نيفين يلا يا حبيبتي .. نيفين نيفين … نيفين “..

***

حقا لا يعلم الغيب إلا أنت وحدك يا الله ، فأنا لا اعلمه وأنتم لا تعلّموه ، فلا تتفننوا بكلماتكم مع الغير وبإدعاءاتكم الكاذبة بينكم وبين بعضكم بعلم الغيب ، فلا مستقبل تذهبون إليه ، إنه طريق مسدود ، فهو سيأتي إليكم في يوم ليصبح حاضر ملموس فيعبر ويمر خلال أيامكم المعدودة ليصبح لكم ماضي ، لا تنطقوا بالكذب لا تنطقوا بالكذب فانا رأيت .. فأنا رأيت ورأيت ورأيت على أرضكم يا ارض الإنسان ..

رأيت الطيب يظلمه الكثير … رأيت لغني يهين الفقير

رأيت عقول لن تكف أبدا بالإيذاء عن التفكير

رأيت التبذير رأيت البخل بعينه ورأيت أفعال الشرير

رأيت الحروب تحاصر وتبيد كل ما هو جميل بالتدمير

رأيت ألبعض إلى البعض يحددون العمر ويخططون ألمصير

رأيت اليتيم ألمسكين ممنوعا منعا باتا أن يكون له بالمشافي سرير

أنسيتم من هو العلي الخبير .. العظيم الكبير

 

فوداعا .. وداعا.. وداعا … يا دنيا الأثرياء و الفقير .

***

رجاء مشاهدة الفيديو إلى آخره .

 

تاريخ النشر : 2015-07-07

guest
76 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى