أدب الرعب والعام

قصر الشيطان

بقلم : قيصر الرعب – السودان

قصر الشيطان
كان .. قصر ! .. قديم جدا .. والأشجار حوله يابسة ..


1- قصر غريب ولوحات غريبة …

“تبا” .. هكذا صرخ (سليم)حتى أيقظ اخاه (عاطف)الذي غرق في نوم عميق بجانبه في السيارة . أنهم الان في منتصف طريق العودة من زيارة قريب لهما وسلك (سليم) طريق مختصر موحش خالي من السيارات .

قال (عاطف) وهو يتثائب : “ماذا حدث؟”

“نفذ الوقود..وانا نسيت ان أزودها بالوقود الكافي..”

“ماذا؟!..ما كان يجب ان اتوقع منك ان تتذكر تزويد السيارة بالوقود..فأنت تنسى أسمك في بعض الأحيان و…”

وانطلق (عاطف)يعد ل(سليم)المرات التي نسى فيها أشياء مهمة..تجاهله (سليم)وشرع يتأمل المكان الذي توقفت فيه السيارة .. هناك غابة تحف الطريق..غابة كئيبة وضوء القمر الفضي زادها كآبة..لن يندهش لو رأى ساحرة تركب مكنسة تمر من أمام القمر وهي تضحك ضحكتها الكريهة..!

فتح (عاطف)باب السيارة وخرج ودخل الهواء البارد وقال : “لنبحث عن بيت قريب نبيت فيه الليلة و(الصباح رباح)”

“ولماذا نبحث لنبت في السيارة أنها آمنة ودافئة ..ألا تشاهد افلام الرعب الحمقى يتوهون داخل الغابة فيقابلهم المسخ أو الشبح.. السيارة أفضل”

“أنت جبان..في الواقع لا تحدث هذه الأشياء..أرى ضوء هناك ربما هنالك من يضيفنا عنده”

انطلق الأثنان- يتوغلان في الغابة-نحو الضوء..الحشرات تعزف موسيقى الليل المعتادة في الغابة..و فروع الأشجار تميل إليهما كأنها تريد خطف أرواحهما ذاتها. (عاطف)شاب فارع الطول، قوي البنيان، شجاع، لا يؤمن بالأشباح وهذه الأشياء لذا تراه في المقدمة يمشي في ثقة… بينما أخوه (سليم)العكس تماما شاب نحيل، متوسط القامة، يؤمن بالأشباح وهذه الأشياء لذا تراه يتبع (عاطف)بتردد وتوجس.

وعندما وصلا مصدر الضوء كان..قصر!..قديم جدا..والأشجار حوله يابسة ليس فيها ورقة خضراء واحدة..كأنها علامة ما..وفي شجرة من تلك الأشجار غراب-يبدو انه فقد عينه في صراع مع احد أقرانه-يرمقهما في ثبات . نظر (سليم)الى (عاطف)نظرة أدرك الأخير ما معناها : “لا يوجد مكان غيره”

اقتربا من بوابة القصر الداخلية..هناك رأس أسد معدني يبرز من البوابة وعلي فمه حلقة معدنية تستخدم لطرق البوابة..طرق(عاطف)البوابة بالحلقة..كان (سليم) يتوقع ان يفتح البوابة دراكيولا شخصيا ..لكن البوابة لم تفتح..دفع (عاطف)البوابة فأذا بها مفتوحة..أمامهما ممر طويل على جانبيه مشاعل استخدمت لتضئ المكان..وفي نهاية الممر طاولة ضخمة وهناك ممران علي اليسار وعلي اليمين تتناثر فيهما الغرف..هناك درج يقود للطابق الثاني..

لفت انتباه(سليم)الممر الأيمن في نهايته نافذة يدخل منها ضوء القمر الذي أضفى على الممر طابع مرعب..وتلك اللوحات المعلقة علي جدران الممر زادته رعب..هناك لوحة تمثل شخص عملاق يلتهم أنسان كتب تحت اللوحة (زحل يلتهم ابنه)..ولوحة أخرى تمثل عجوزين سعيدين يأكلان شيئا ما…لكن يمكنك ملاحظة أن أحدهما متحلل كتب تحت اللوحة(عجوزان يأكلان الحساء)..لوحة أخرى فيها نساء مجتمعات أمام جدي وكتب اسفل اللوحة(ساحرات السبت).

************************

…خارج القصر ترون ذلك الشئ يقع علي الأرض من احد الأشجار…

************************

تجاهل (سليم) باقي اللوحات…نظر الى أخيه فوجده يحملق في وسط الطاولة الضخمة..كان هناك في مركز الطاولة جمجمة ضخمة..وبجانبها شمعدان فيه ثلاث شموع مشتعلة.. أخرجهما من تأملاتهما للمكان صوت البوابة تفتح وخطوات تقترب….وتقترب….وتقترب.

************************

2-عشاء وعجوز وأخوة …

برز للأخوين ثلاث شبان يلبسون السواد وتبعهم عجوز يلبس ثياب باليه وفي عينيه-او في عينه لأن عينه الثانية يضع عليها رقعة مثل القراصنة- نظرة هلع يبدو اقرب الى المجانين..ظلو ينظرون للأخوين بضع ثوان ثم قال احدهم : “من انتما؟..وماذا تفعلان في منزلنا؟”

رد (عاطف) : “مرحبا..انا(عاطف)وهذا اخي (سليم)..كنا في طريقنا الى منزلنا بالسيارة لكن نفذ الوقود في نصف الطريق..بحثنا عن مكان فيه بعض الوقود او مكان نبيت فيه..و وجدنا هذا المكان طرقنا الباب لكن لم يرد أحد فدخلنا وها نحن ذا..”

اخذو يتكلمون مع بعضهم البعض..والعجوز ينظر الى اعلى كأن نيزك سيسقط عليه في اي لحظة..كان الثلاثة قد انتهو من النقاش فيما بينهم قال احدهم بصوت غليظ للأخوين : “ستبقون معنا الليلة..وفي الصباح سنزودكم بالوقود اللازم..اعتبرو نفسكم في منزلكم..وكما انكم لستم الوحيدين”..

وفجأة صرخ الشاب :”مفيستوووووووو”.. سمعوا صوت خطوات تنزل الدرج من الطابق الثاني وظهر شاب يلبس مثل الثلاثة ونظر الى الأخوين ونظر الي العجوز فقال له الشاب : “لقد طرق هذين الاثنين الباب لماذا لم تستقبلهما؟”

“اسف لقد كنت احضر الط..كنت منهمك في عملي ولم اسمع الطرقات..”

“هؤلاء ضيوفنا الليلة..احضرت بعض الطعام للعشاء..واليوم دورك في تحضير العشاء ستجد الطعام في السيارة” وذهب الى الخارج وجلس الجميع حول الطاولة بينما الشاب ذا الصوت الغليظ قال : “نسيت ان اعرفكم بأنفسنا انا (م) وهذا (ت) وهذا(ي)وهذا الذي ذهب يعد العشاء (س) ونحن اخوة وانا أكبرهم ونعيش في هذا القصر الذي ورثناه من جدنا”

قال(عاطف) : “ما الذي كنت تعنيه ب(أنكم لستم الوحيدين)” .. أشار (م)الى العجوز الذي ما زال يتوقع النيزك : “وجدناه فاقد الوعي في مكان قريب من القصر عندما أفاق كان يتكلم بلغة غريبة لكن (ت)قال انها اللاتينية وهو يجيدها فطلب منه ان يتكلم بالأنجليزية لو كان يتكلمها لكي نفهم نحن ما يقول فتكلم العجوز بأنجليزية قديمة من ايام شكسبير بصوت تحسب انه يأتي من بئر عميق وقال لنا بأنه لايتذكر شئ وانه يتذكر اسمه فقط وهو (جوفيسول)وهو اسم غريب لكنه مألوف لي.. لم نجد معه ما يدل علي هويته و جلبناه معنا الي هنا”

هز (عاطف) رأسه : “هذا القصر يبدو من القرون الوسطى”

“نعم فأنه قديم جدا و..”وبعد حديث دام عشر دقائق عن القصر وقدمه و…ألخ..أتى الطعام..نهض (م)ليدلهم على مكان غسل أيديهم وفي الطريق مال (عاطف) الى (سليم) الذي كان شارد طول حديثهم عن القصر : “عشاء وسرير مريح ننام فيه حتى الغد أليس هذا افضل من السيارة؟”

“لا أدري لكن لدي شعور بأن السيارة افضل..هل سمعت الأسم الغريب الذي نادى به (م) (س)في اول مرة؟”

“نعم سمعته..لماذا تسأل؟”

“لا شئ..لا شئ”لكن (سليم)كان يردد في نفسه “هناك شئ خطأ في كل هذا”

وفي اثناء العشاء الذي كان صامتا كان (سليم)وضع في ذهنه عدة توقعات عن طبيعة سكان هذا القصر اولها كانت انهم غيلان يأكلون البشر وسيصبحون طعام لهم..والثاني هو انهم مستذئبين والليلة مقمرة..وانهم سيمزقونهم في منتصف الليل..والثالث انهم اشباح وسيستيقظون في الصباح لن يجدو أثر لهم..وتمنى من كل قلبه ان يحدث التوقع الثالث..هكذا أطمئن(سليم)لانه عندما يصحو غدا ويجد رأسه في طبق او انه ممزق الي أشلاء او لا يجد اثر لهؤلاء الأخوة سيهز رأسه ويقول لقد توقعت ذلك..

وبعد الطعام الدسم..قال (م) : “ستذهبون للنوم فلا بد انكم مرهقون وتحتاجون الي الراحة..”

سأله (سليم) : “و انتم؟”

“لدينا بعض الأعمال التي يجب علينا ان ننهيها”

وأشار (م)الى (ي)الذي لم ينطق بكلمة منذ قابلهم فقام واتجه الي الممر الأيمن وتبعه (سليم)و (عاطف)و العجوز(جوفيسول) و عندما كانو يسيرون في الممر قال (عاطف) بأشمئزاز: “ما هذه اللوحات الشنيعة؟..من الذي رسمها؟”

شاعت ابتسامة علي وجه العجوز وقال (ي) : “رسمها الفنان الأسباني ﻓﺮﺍﻧﺜﻴﺴﻜﻮ ﻏﻮﻳﺎ في اوائل القرن التاسع عشر..قام برسمها على جدران بيته وعلى القماش وكان بعضها يعتمد على الضوء القادم من النافذة لرؤيتها بشكل أوضح”

قال(جوفيسول) : “لقد كانت لوحاته سوداوية وجميلة!.. وكنت اشاهده وهو يرسمها!!”

هز (ي)رأسه بمعنى ان الرجل مجنون..قال له (سليم)وهو يشير الي أحدى اللوحات التي تمثل سيدة مستلقية علي ظهرها وفوقها يجثم مخلوق قبيح شبيه بالقرد وكتب أسفل اللوحة (الجاثوم): “هل هذه من لوحاته؟”

“لا..”قالها (ي) بنفاذ صبر..اختار (ي)غرفة لكل شخص وقبل ان يدخلو غرفهم أشار الي أحد الأبواب: “اذا احتجتم لدخول الحمام في اي وقت فهذا هو ” وذهب مسرعا الى حيث أخوته..دخل (سليم)الغرفة.. واستلقى علي الفراش وغرق في نوم عميق.

************************

فتح (سليم)عينيه..ودهش عندما راى كائن قبيح شييه بالقرد يجثم فوقه وينظر له بعنين صفراوين مشعتين..حاول ان يحرك يديه لكن كأنه اصيب بالشلل التام..اغمض عينيه وهو لا يقدر علي الكلام او الصراخ فقط هو لا يريد ان يرى..عندما فتح عينيه مجددا كان في مكان لونه احمر وكان كائن ما يجلس وهو يأكل رجل نظر اليه الكائن والقى ببقايا الرجل واتجه نحوه بدأ (سليم)بالركض لكن حركته بطيئة جدا..اللوحات لقد تحررت مخلوقاتها هكذا فكر وشعر بالكائن يمسكه من عنقه من الخلف..واغمض عينيه مرة أخرى وشعر بوعيه يتسرب منه..انها النهاية….

************************

في تلك الليلة حلم (عاطف) بحلم مبهم لقد شعر بيد تجذبه وبعد مدة من السير يشعر بهواء بارد يصفر في أذنيه.. وصوت حشرات..وأشياء كأنها تريد خطف روحه..أحيانا كان يفتح عينيه ليجد شئ مبهم يجره من يده..وبعد مدة شعر بأنه في مكان دافئ.

************************

3-الحقيقة تكشف ..

فجأة فتح (عاطف)عينيه فوجد نفسه في السيارة..و(سليم)يركز نظره في الطريق.. كان يحلم..الوقود لم ينفذ كان كل هذا خيال.. القصر والأخوة والعجوز والجمجمة في الطاولة..نظر أليه (سليم): “ما بك؟”

“لا شئ..مجرد حلم”

“هل كان فيه لوحات”

“لوحات!!!!”

“نعم..اللوحات التى رأيناها في الممر الأيمن في القصر”

“أذن هذا لم يكن حلم..ك..كيف وصلنا الي السيارة؟وكيف خرجنا من القصر؟ولماذا؟”

فجأة تغيرت معالم (سليم)الى مرعبة وقال بلهجة مخيفة: “عندما كنت انت نائم..استيقظت من نومي بسبب كابوس مخيف عن اللوحات التي تحررت مخلوقاتها..ذهبت الي الحمام وعندما كنت اريد الرجوع الي غرفتي سمعت صوت ضوضاء تأتي من مكان الطاولة ذهبت هناك للتأكد من حقيقتهم فهم يتصرفون بغرابة هل هم سفاحين؟ ام مذئوبين؟ام أشباح؟ام غيلان؟ام شياطين؟ام…”

“نعم نعم ماذا رأيت؟”

“عندما وصلت الى الطاولة اكتشفت ان الأصوات آتية من الطابق الثاني..صعدت الى هناك ورجلاي لم تكفا عن الأرتعاش أول ما رأيت هو باب موارب ومنه كان يخرج دخان أخضر.. وانا لا أثق في الأبواب التي يخرج منها دخان أخضر لكن اريد معرفة ما وراء الباب.. مجرد نظرة واحدة فقط.. وببطء اقتربت من الباب ونظرت الى ما بداخل الغرفة..”

وارتجف (سليم)وأردف”كانت الغرفة مضاءة بمصباح اخضر وهناك دخان يخرج من بئر في وسط الغرفة، هناك أرفف مليئة بأدوات التعذيب وسيوف وسكاكين وكان هناك اربعة أشخاص وهم الأخوة يلبسون عباءات يلتفون حول البئر ويرددون كلمات ما بصوت جنائزي بينما راح (م)يقول : “اليوم نحن محظوظون..اليوم أتى ثلاث ضحايا ألينا..اليوم يوم التضحيات الكبرى ل(لوسيفر) “

“ساتاناشيا”قالها مخاطب(ي)

“بليعال”قالها مخاطب(ت)

“مفيستوفيليس”قالها مخاطب(س)

“تذكرو نحن رسل (لوسيفر) بين البشر لقد أختارنا لأن الأخرين الذين يزعمون انهم عبدة شيطان هم مجرد شباب يريدون اللهو بالمخدرات والعربدة..ليسو عبدة شيطان ونحن هنا لهدايتهم للطريق الصحيح لعبادة (لوسيفر) لا تنسو هذا”

“لن ننسى..لن ننسى ايها الأخ الأكبر (بلفاجور)”

قالها الجميع، حينها عرفت ان هؤلاء الأخوة عبدة شيطان..انهم يحاولون انشاء ديانة عبدة شيطان جديدة مثل (لافي) وفي هذه الديانة كل له اسم شيطان . لم انتظر لأرى اكثر توجهت الي غرفتك وانا اتعوذ من الشيطان الرجيم كنت انت نائم جررتك جر الى الخارج وسرقت من سيارتهم بعض الوقود ووصلت الى السيارة بصعوبة كل هذا وانت نصف نائم”

كان (عاطف)لا يؤمن بالأشباح وهذه الأشياء لكنه لا ينكر ان عبدة الشيطان موجودون لهذا ارتجف وقرر انه لن يدخل اي قصر مرة أخرى .

“أذن لقد أنقذنا فضولك”

“نعم..اتمنى ان أرى وجوههم عندما لا يجدونا في غرفنا”

وبعد مدة صاح (عاطف)وقد تذكر شئ ما : ” يا ألهي لقد نسيت العجوز يا (سليم)!!”

“لا..ذهبت الى غرفته قبل غرفتك لكني لم أجده..من الممكن ان يكونو قد قدموه قربان بالفعل”

وبعد صمت طويل شغل (عاطف) مذياع السيارة فأنبعثت أغنية : هناك مقولة انجليزية قديمة تقول : لا تثق بأي شخص … يتحدث اللاتينية بطلاقة … لأنه قد يكون الشيطان بنفسه !

تاريخ النشر : 2015-07-19

guest
40 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى