أدب الرعب والعام

حكايات من لبنان

بقلم : ماريا الياس – لبنان
للتواصل : [email protected]

حكايات من لبنان
تلك المجنونة التي يختطفها الجن ..

عمّ تلك الغرفة المعتمة سكونٌ تام .. تسمّرت العيون وأختطفت الأنفاس .. هناك .. في تلك الغرفة العابقة برائحة الحطب المشتعل .. تحلّق الأولاد حول الموقد يستمعون بلهفة إلى جدّتهم العجوز .. التي شارفت على إنهاء عقدها السابع .. وهي تجود عليهم بقصص وأخبار طواها النسيان .. كانت قد سمعتها بنفسها من جدّاتها قبل عقودٍ مضت .. فأحيتها وأهدتها إلى الجيل الجديد .. ليُدرجها ضمن مخيلاته الواسعة .. ولتضمن بذلك إستمرارية التقاليد والتراث الشرقي الذي طالما حفل بالعجائب والغرائب .. فتارةً نسمع عن الجارة “غادة” التي أصابتها عين الحسد فلازمت فراشها لأيام .. وطوراً نسمع عن “زاهية”.. تلك المجنونة التي يختطفها الجن من حين إلى آخر.. فتحضر أعراسهم وتعيرهم أغراضها .. تنام مطولاً عند غيابهم .. ولا تصحو إلّا بعودتهم ! . 
 
– “أصحيحٌ هذا الكلام يا جدّتي ؟ ، أم هو محض خيال ؟ ، هل تقولين الصدق بأنك شاهدت عرساً للجن في الغابة القريبة من قريتك ؟ ، أم تخبريننا بذلك من أجل إخافتنا ؟” سأل أحد الأولاد مرعوباً ، وهو يتمنى أن يسمع من جدته إجابةً تحد من قلقه ، وتهدئ من روع قلبه المرتجف .

– “هذا صحيحٌ يا بني ، لكنني ما رأيتهم بأم عيني ، اسمعوا جيداً ما حصل في ذلك النهار” .

حكايات من لبنان
    توغلت بين الأشجار حتى اختفى أثرها ..  

قالت الجدة هذا الكلام ، وشرعت تخبر أحفادها كيف أنها ذهبت مرّة عندما كانت في السابعة من العمر إلى العين القريبة من الغابة ، برفقة جارتها “زاهية” ، وذلك لكي تجلبا المياه العذبة ، وعندما وصلتا إلى المكان المنشود ، سمعتا صوت موسيقى صاخبة تأتي من قلب الغابة ، فما كان من “زاهية” إلّا أن تركت “جوزفين” الصغيرة بالقرب من العين ، وتوغلت بين الأشجار حتى اختفى أثرها ، فدبّ الرعب في قلب الفتاة الصغيرة وانتظرت عودة “زاهية” قرابة الساعتين ، حتى ظهرت هذه الأخيرة وعلامات الفرح ترتسم على محيّاها ، وقالت ببرود : “أنا آسفة يا صغيرتي، لكن الجن قاموا بدعوتي لحضور عرس إحدى ملكاتهم ، ولم أستطع تجاهل الدعوة” .

وقع هذا الكلام كالصاعقة على رأس الأولاد الذين لم يغمض لهم جفن في تلك الليلة .

وفي الحقيقة ، فإن مثل هذه القصص منتشرة في لبنان ، ففقد سمعت بنفسي ذات مرة عن كاهن لبناني ، كان يتنقل قديماً بين القرى سيراً على الأقدام ، يجوب السهول والوديان لإقامة الاحتفالات الدينية ، 

حكايات من لبنان
 معروف عن الجن ولعهم باستعارة أغراض الإنس ..

ذات يوم صادف في طريقه مجموعة من الأشخاص ، يحتفلون بعرس فتاةٍ من بينهم ، وقد أقاموا وليمة كبيرة ، فلمّا رأوا الكاهن قاموا بدعوته ليشاركهم فرحتهم ، وعندما اقترب هذا الأخير منهم ، لاحظ أن الفستان الذي ترتديه العروس يشبه إلى حدٍ كبير فستان ابنته التي كانت قد تزوجت قبل أسبوع ، فأيقن المسكين أنهم قومٌ من الجن ، وقد استعاروا فستان ابنته ، فمعروف عن الجن ولعهم باستعارة أغراض الإنس وإعادتها لاحقا ، فما كان منه إلّا أن جلس معهم إلى المائدة ، ودون أن ينتبه له أحد قام بإحراق أسفل الفستان بعود من الثقاب ، ثم تمتم بعض الصلوات في جوفه ، وما أن رفع رأسه حتى رأى أن كل من كان موجوداً على الطاولة قد اختفى فجأة !! ، صُعق الكاهن عندما تأكد أنه كان فعلاً يتناول الغداء برفقة الجن ، وعاد أدراجه إلى منزل ابنته العروس يسألها عن فستانها ، وعندما وجده قام بتفقّد أسفله ، فوجده محترقاً فعلاً … !! .

ومن الغرائب المتعلقة بالجن أيضاً أنهم يخطفون أرواح الأولاد حديثي الولادة ، فكانت المرأة إذا ولدت أكثر من مرّة ومات جميع أولادها ، تلجأ إلى تسمية الباقين بأسماء حيوانات مفترسة ، كفهد ، نمر ، أسد ، سبع ، صقر .. إلخ ، وذلك توافقاً مع الأعتقاد السائد في ذلك الوقت ، بأن أسماء هذه الوحوش سوف تبعد الجن عن الأطفال ، وتحميهم من هذه المخلوقات الطامعة بأرواح البشر .

* تنقيح موقع كابوس .

تاريخ النشر : 2015-08-13

guest
38 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى