أدب الرعب والعام

أخي المنسي

بقلم : عبد الرحمن – سوريا

أخي المنسي
هل يعرف الآخرون عنا أكثر مما نعرف؟

كلنا نملك أشياء لا نعرفها عن أنفسنا, فعمق النفس البشرية كعمق البحار, لكن هل يعرف الآخرون عنا أكثر مما نعرف؟ .

أنا اسمي (…) لا داعي لمعرفة اسمي, أنا في ال19 من عمري, أحب الموسيقى والفن, وأنبذ العنف والحروب بكل أشكالها, هوايتي هي متابعة التلفاز والأكل, وربما لعب ألعاب الفيديو.

أحب الحياة فقط أحبها, فكل شيء فيها جميل, ولكن من المكان الذي أكلمكم فيه الآن, لا وجود للحياة, فهذا المكان هو خلاصة العنف وخلاصة كل شيء سيء في العالم, أمتشوقون لمعرفته؟ سأحكي لكم ما حدث, لتعرفوا إلى أين وصلت وكيف وصلت إليه.

أشعرتم يوماً بالنسيان لدرجة أنكم بدأتم تشكون بالواقع؟ ..

عشت حياتي كلها وكل شيء حولي يثير الشكوك, من عائلتي لأصدقائي لمدرسي لجيراني وكل ما حولي, كل شيء يثير الشكوك, ولكني من النوع الذي يغض البصر عن كل شيء معقد أو مخيف أو سيء, دعونا نغض البصر فقد تحل كل مشاكلنا!

أنتهت السنة المدرسية, وبدأت العطلة الصيفية, أنا متشوق للعطلة الصيفية ولدي الكثير من الخطط العظيمة لهذه الصيفية, في البداية سأتعلم الجلوس أمام التلفاز لساعات, ومن ثم سأطور مهاراتي في الأكل, وفي النهاية سأشارك بماراثون ألعاب الفيديو المنزلي, جدول حافل أليس كذلك؟

أول يوم في العطلة الصيفية, وعائلتي كلها خرجت, منهم من ذهب للمسابح لكي يحتفل بالصيف, ومنهم من ذهب للقاء أصدقاءه, ومنهم من بقي في المنزل – أنا – وبالطبع لم أبقى فقط للبقاء, ولكني بقيت في المنزل بكسر رقمي القياسي بالجلوس أمام التلفاز, وتفاجأت بشعوري بالملل, فأجلت كسر رقمي القياسي ليوم آخر, نهضت من على الأريكة, وبدأت بالتجول في المنزل لعلي أرى ما يثير الأهتمام وينسيني الملل, فدخلت إلى مكتب أبي, لا شيء يثير أهتمامي في هذا المكتب أكثر من الخزنة, لم أحاول فتحها من قبل ولكن أبي ليس من النوع الذكي, فبحثت في المكتب عن ورقة مكتوب عليها رقم عشوائي, لأجد صورة لفتى صغير ذي نظرة مجنونة, ضحكت قليلاً بسبب مظهره المخيف, ولكن بعد التمعن يا إلهي إنه أنا! في البداية لم اتعرف إلى نفسي ولكن ملامحي لم تتغير كثيراً منذ طفولتي, والتي بمحض الصدفة كلياً لا أّذكر عنها شيء, فأول ما أذكره هو ذهابي للملاهي في عمر السادسة وهذه أقدم ذكرى عندي, وأخبرني والداي بأن معظم الناس لا يذكرون طفولتهم بشكل واضح, فنسياني لطفولتي عادي, والآن هذه الصورة لربما تكون أول صورة أراها عن تلك الفترة المنسية من حياتي, ولا أبدو بخير فيها أبداً, فما عدا النظرة المجنونة في عيني, وشعري الغير مرتب – على غير العادة – لكن المكان هذا غريب بعض الشيء فأنا أرى غرفة بيضاء تماماً بدون نوافذ, وأنا ألبس الملابس البيضاء المليئة بالتراب والدم؟! حسناً والداي عليهما تفسير هذا, ولكن حتى عودتهما دعني أفتش أكثر لعلي أرى أسراراً أخرى يخبئانها عني, فبحثت وبحثت, فاتورة, صورة عائلية حديثة, فاتورة, رواية قديمة, فاتورة, رسالة, فاتو.. أنتظر رسالة! ففتحت الرسالة – التي لم تكن مغلقة فبدت مفتوحة ومقروءة من قبل – فوجدتها مرسلة من “د. زانسكي” إلى أبي, بتاريخ (……..) أي قبل 15 عاماً, فتحت الرسالة لقراءتها فكانت تقول :

” عزيزي (…) حالة إبنك في تحسن ملحوظ فلقد بدء يتجاوب مع العلاج, ولم يحاول أذية أحد على الإطلاق, قد أحمل لك أخباراً سعيدة قريباً توقيع (د. زانسكي) ” .

مثير للأهتمام, إذن أنا كنت موجود في مصح نفسي لأذيتي أشخاصاً آخرين؟ والداي لديهما الكثير لتفسيره لي, ولكن وجدت شيئاً وقع على الأرض أثناء بحثي عن الرسالة, كانت ورقة مكتوب عليها رقماً سرياً, فأمسكتها وقرأت الرقم, إنه رقم الخزنة, يا ترى ما الذي سأجده في هذه الخزنة؟ ولكن قبل ذهابي للخزنة لفتحها, سمعت صوتاً من الأسفل, فتركت الورقة وحملت عصا ونزلت للأسفل لأرى من أين أتى الصوت, فنزلت الدرج وسمعت صوت هسهسة في المطبخ, فأقتربت ببطء ودفعت باب المطبخ بهدوء وعندما فتح مددت رأسي لأرى من في الداخل, فرأيت والداي وقد عادا ومعهما بعض أغراض البقالة, أوه لقد أرتحت الآن, فدخلت عليهما وفتشت في أغراض البقالة, هل أحضرا لي عصير البرتقال, فابتسمت أمي وأعطتني عصير البرتقال, وقالت بأنهما لم ينسيا إحضار عصيري المفضل, فابتسمت ولكن بحذر, وقلت لهما إني أريد التحدث معهما في موضوع مهم, فقالا ألا يمكن تأجيله قليلاً فنحن مرهقان, فقلت لا يجب علينا التحدث فيه الآن, فنظرا إلى بعضهما وبعدها قررا المجيء معي.

جلسا على الأريكة وجلست أنا على الأريكة المقابلة لهما, فأريتهما ما كان بحوزتي, الصورة والرسالة وسألتهما عن ماهيتهما ولماذا لم أرهما من قبل, فسألني أبي إن كنت قد فتشت في أغراضه والحنقة تبدو ظاهرى على وجهه, فقلتإني كنت أشعر بالملل, فعبثت قليلاً في أغراضه وقلت له بألا يتهرب من الإجابة وعليه إخباري بماهية هذه الصورة والرسالة, فنظرا إلى بعضهما بتوتر وبدأا بالتلعثم, فقطع أبي التلعثم وقال بأنه كان عليهما إخباري هذا من زمن بعيد لكنهما أخفياه عني لكي لا أصاب بالصدمة, فنظرت أمي بخوف إلى أبي, ومن ثم قال أبي أنه كان لدي أخ توأم! فبدت علامات الأرتياح على أمي, وأكمل أبي الحديث وقال بأن أخي التوأم كان مختلفاً, فهو لم يكن سليماً عقلياً, فكان يؤذي نفسه والآخرين باستمرار, ففرغت فاهي من هول المفاجأة, وأكمل أبي قائلاً بأنهما أرسلا أخي للمصح العقلي بعدما فاقت حالته الحدود, فتمت معالجته لسنتين وكانت حالته في تحسن دائم, وفي النهاية تم علاجه تماماً, وأعدناه إلى المنزل, ولكن بعد أقل من أسبوع من إعادته للمنزل, أخبرنا بأنه لم يتغير أو يتحسن ولكنه كان يمثل علينا ليستطيع العودة والإنتقام منا للتخلي عنه, فأمسكك وأوقع كلاكما من على الدرج, فسقطتما على رأسيكما, وأنت فقدت ذاكرتك ولم تعد تتذكر أي شيء, بينما أخاك قد رحل, فقلت له رحل يعني مات؟ فقال أبي أنه كان ينزف من رأسه بشدة, وأرسلناه إلى المستشفى وبعد بضعة أيام فحصه الأطباء النفسيون والجسديون فقالوا لنا بأن حالته الجسدية ستتحسن ولكنه قد حل إلى الأبد, حيث أن الضربة القوية على رأسه قد محته كلياً, ولم يبقى منه إلا الجسد, وبعد بضعة أيام أستيقظت أنت وكنت فاقداً كلياً للذاكرة ولم نخبرك بهذا بسبب خوفنا من إعادة الذكريات السيئة عن أخاك وذلك الماضي المشؤوم, فهدئت أنا تقريباً ولكن آثار الصدمة لم تزل بعد, فهززت رأسي بأني فهمت, وذهبت إلى غرفتي محاولاً إستيعاب ما الذي حدث.

وفي اليوم التالي لم أشعر بأن غليلي قد شفي, ففتحت دليل الهاتف وبحثت عن د. زانسكي لكي ألتقي به وأفهم منه ما الذي حدث فعلاً, فوجدت رقمه وأتصلت على الرقم المذكور, وردت علي ممرضة قائلة بأن هذا مصح (…) فقلت لها بأني أبحث عن د. زانسكي فقالت بأنه موجود ولكن علي تحديد موعد فحددت أقرب موعد وهو اليوم مساءً, فأخذت منها عنوان المصح, وحل المساء وذهبت إلى المصح, دخلت وقلت بأن لدي موعد مع الطبيب زانسكي, فقالوا لي على مكتبه وذهبت إليه ودخلت, أول ما رآني الطبيب رأيت نظرات المفاجأة على وجهه, وجلست وعرفته على نفسي, بدا أكثر هدوءاً وأقل خوفاً, وقلت له بالقصة كاملةً وسألته عن أخي وما الذي حدث له, فقال بأن أخي كان مصاباً بعدة أمراض نفسية, وفي النهاية فارق عقله الحياة بينما بقي جسده موجوداً, نفس ما قاله والداي, وسألته ما الذي حدث لجسده فيما بعد؟ فقال بأن والدالك قد تخليا عن أخيك, فلذلك بقي جسده حياً إلى اليوم, ولكنه في غيبوبة على الأغلب أبدية, فسألته أين يوجد جسده الآن, فقال في أحد المستشفيات, فسألته الدقة أكثر فقال بأن هذا أكثر ما يمكنه قوله, فالمفروض أن يبقى مكانه سرياً بناءً على طلب والديك, وبعدها سألني إن كنت أحس بخير, فاجبته بأني بخير ولكن لماذا تسألني هذا السؤال؟ فقال لأنه أراد الأطمئنان على حالتي بعد الحادث الذي وقع لي في صغري, فهززت رأسي بالإيجاب, ومن ثم غادرت, عائداً إلى المنزل.

وبعد عودتي أحسست بالإرهاق الشديد فلم أعد قادراً على الوقوف أو البقاء مستيقظاً فخلدت إلى النوم, لأستيقظ في اليوم التالي, نزلت إلى المطبخ لأعد طعام الفطور, بدا البيت هادئاً على غير العادة, على ما يبدو أن الجميع خارج, فأعددت طعام الفطور وبعدما أنتهيت, ذهبت لكي أتابع التلفاز ولكن رأيت شيئاً غريباً فجميع الأحذية موجودة, إذا أهلي لم يخرجوا؟ ولكن من المستحيل أن يبقوا نائمين إلى هذا الوقت, فصدعت إلى الأعلى إلى غرفة والدي, أقتربت منها وفتحت الباب بهدوء, لأرى ما لم أتخيله فكلاهما ميت, والدماء تملأ الفراش والمكان, سقطت جاثياً على ركبتي واقرورت عيني بالدموع, ولكن قبل هذا علي التأكد من إخوتي هل هم أيضاً… ميتون؟

فذهبا إلى غرفة أخي الكبير أولاً فوجدته ميتاً بنفس الحالة على فراشه, فهلعت ولكن لم أتوقف فذهبت لغرفة أخي الصغير لأرى نفس المنظر المرعب, فصرخت بأعلى صوتي خائفاً, ففجأة بدأت أمي بإيقاظي وقال لي بأن أهدأ, وبعدما هدأت قالت لي أمي بأنه كابوس سيء فقط,فأرتحت لكونه كابوساً فقط, فأحتضنت أمي, وبعدها نهضت من الفراش لكي أغسل وجهي وأتناول الفطور, وكانت يداي ترتجفان خوفاً, فغسلت وجهي, وذهبت لأتناول الفطور, وبعدها صعدت إلى غرفتي, وبعد إغلاقي لباب الغرفة, رأيت الحائط خلف الباب وكان مكتوب عليه كلمات باللون الأحمر, كان مكتوب “أنا لم أمت بعد”, لم أحتج للكثير من الوقت لكي أدرك أن هذه الرسالة من أخي التوأم “الميت”, هل عاد من الموت فجأة؟ أليس من المفترض أنه في أحد المشافي تحت المراقبة؟

لم أبالي بإجابة هذه الأسئلة على قدر ما كنت خائفاً من أن أخي التوأم المجنون أستطاع التسلل إلى البيت وبدون أن يراه أحد و ترك لي رسالة, أي أنه كان من الممكن قتلنا جميعاً بأقل جهدٍ ممكن!

نزلت لكي أخبر والداي, ولكن فجأة شعرت بجسمي يرتجف وشعرت بالألم والنعس الشديدين, في هذا الوقت؟ فجأة أصبح كل شيء مظلماً ولم أعد أرى شيئاً, وبعدما أستيقظت وجدت نفسي في غرفتي وجسمي ملطخ بالدم هل أنا مصاب؟ لا لم أحس بأي ألم, فخرجت من غرفتي وبحثت عن عائلتي, فتحقق الكابوس دخلت إلى غرفة والداي أولاً فوجدتهما مقتولين بنفس الطريقة في الكابوس, وذهبت إلى غرفة أخي الكبير, ووجدته ميتاً, وأخي الصغير في نفس الحالة, فأرتعبت وكدت افقد عقلي, عائلتي ماتت وهذه المرة أنا لا أحلم, فنظرت إلى الحائط في غرفة أخي الصغير وكان مكتوباً بدمه على الحائط ” بقي واحد فقط”, لا بد من أنه يقصدني, يريد قتلي!

فخرجت من المنزل مسرعاً بأتجاه المصح النفسي, لكي أتحدث مع دكتور زانسكي, فهو الوحيد الذي يعرف أخي أكثر من عائلتي, فعندما وصلت إلى المصح, دخلت مثل المجانين إلى الداخل وأنا أصيح باسم دكتور زانسكي, حتى دخلت إلى مكتبه, ونظر إلي وكان خائفاً من مظهري, وقلت له بأن عائلتي قد ماتت وأن أخي التوأم قد عاد من الموت, وقتل كل عائلتي وهددني بالقتل أيضاً, فهلع الدكتور زانسكي, فأمسك بهاتفه فوراً وطلب الأمن, وبعدها قال لي بأن أجلس, ونظر إلي ومن ثم بدأ بالكلام, وقال لي بأن عليه إيضاح شيء ما أولاً, أنه لم يكن عندي أخ توأم على الإطلاق, أنا مصاب بأنفصام في الشخصية منذ الصغر, وأنه من المفترض أنه تم علاجي قبل 13 عاماً وأختفت الشخصية الأخرى إلى الأبد, أنا فرغت فاهي للمرة العشرين خلال أسبوع من هو المفاجأة, أنا مجنون؟!

فقال لي بأنه عندما عادت الشخصية الأخرى إلى المنزل, كانت تكرهك, كانت تكره كم أن عائلتك تحب شخصيتك وتريد التخلص من شخصيته, تريدك أنت وتكرهه هو, فأراد الإنتحار لقتل كلاكما, فقفز من على الدرج, ولكن حدث ما حدث, فهو أختفى “إلى الأبد”, بينما أنت نسيت كل شيء, ومن المفترض أن كل شيء قد عاد إلى طبيعته ولكن ما حدث اخيراً واكتشافك لأخاك التوأم وطفولتك المنسية, أعاد لك الذكريات والشخصية الأخرى مرة أخرى, إذا أنا من قتل عائلتي, أنا بيدي هاتان قتلت عائلتي ياللهول!

وفجأة أحسست بالتعب والإرهاق الشديد, ومرة أخرى أصبح كل شيء مظلماً, فأستيقظت مرة أخرى, لأجد دكتور زانسكي مذبوحاً, وأنا وحدي في مكتبه, حتى هو لم يسلم مني؟! فوجدت ملاحظة على المكتب تقول, “أنا لم أكرهك مطلقاً فأنا لطالما كنت صديقك وأخاك وشريكك, ولكني كرهت كل من حاربنا حارب حقيقتنا, أنا أنت وأنت أنا”, كسر الباب خلفي ودخل منه الأمن – الذي جاء مبكراً – وضربوني على رأسي, ومرة أخرى أصبح كل شيء مظلماً لقد مللت من النوم المتكرر!

أستيقظت ووجدت نفسي في هذا المكان اللعين, لقد وضعوني في المصح, يعتقدون بأني مجنون تباً لهم إنهم لا يعرفون شيئاً عني, آه أشعر بالحكة لكن هذه البدلة البشعة تمنعني من حك جسمي, اللعنة!

كل ما أردته كان فقط بعضاً من الحب والتسلية, ولكن لم يتقبلني أحد ولا حتى عائلتي, اللعنة عليهم جميعاً اللعنة علي اللعنة عليكم!

تاريخ النشر : 2015-09-09

guest
46 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى