أدب الرعب والعام

العيد السعيد

بقلم : عبد الرحمن – سوريا
 

كانت بلدة صغيرة مهجورة على ما يبدو

الحياة تمتلك الكثير مم قد يرعبنا ويخيفنا, والعالم يحتوي أضعاف ما قد نراه أو نمر به في حياتنا, ولكن لو واتتنا فرصة لتجربة إحدى هذه التجارب فهل نهرب منها؟

ككل يوم استيقظت صباحاً باحثاً عن النور لكي يدخل عيناي المغلقتان, صراع قصير أنهيته بغسل وجهي فصحوت تماماً.

وضعت مزيج حبوب الفطور/ الحليب في زبدية, وبدأت بالأكل, بعد بضع ملاعق, توقفت عن الأكل هناك شيء قد نسيته اليوم, لا أعلم, ولكن… لا أستطيع التذكر.

لم ألق بالاً لذاكرتي الضعيفة في هذه اللحظة, لا بد من أن الفطور سيعيد طاقتي, رن هاتفي بقوة مقاطعاً فطوري, فأمسكته لأرى من المتصل, فكان صديقي المقرب “سليم”, قمت بالرد عليه وإلا لن يتوقف الهاتف عن الرنين على الإطلاق, على الرغم من ضبابية الموقف الحالي, إلا أني لم أنسى صديقي سليم, فهو أحد أولئك الشبان, الذين قد تكرههم وتحبهم في نفس الوقت, فهو قد يكون ممتعاً بشدة, أو مزعجاً بشدة.

– “مرحباً, ما الذي تريده يا سليم في الصباح الباكر؟”

– “الصباح الباكر!؟ هل أنت مجنون إنها الواحدة ظهراً تقريباً!”.

رفعت السماعة عن أذني لأتأكد من أن ما يقوله صحيح, أوه نعم للأسف, إن الساعة الواحدة ظهراً, لا يهم فأنا لا أملك أي أعمال معلقة اليوم, أو في أي يوم من أيام السنة, حتى الجامعة التي بدأت للتو بالذهاب لها, لا يستطيعون إجباري على الذهاب, هذا هو شعوري المفضل, الحرية, بلا أي التزام.

– “كل عام وأنت بخير أيها المجنون, لقد أصبحت في الـ 18 من عمرك!”.

لقد تذكرت الآن! إنه عيد ميلادي, كم أكره هذا اليوم!

من سنوات وأنا أكرهه ولا أستسيغه, فكل الأحداث السيئة, تنتظر جميع أيام السنة لتحصل في هذا اليوم, من المستحيل أن يمر علي بدون مصيبة أو كارثة متوقعة.

– “وأنت بخير, أرجوك صديقي تعلم كم أكره هذا اليوم, لماذا لا نحتفل غداً بعيد ميلادي؟ ألن يكون هذا مناسباً أكثر؟”

– “حسناً ويوم الجمعة سنأخذك إلى المسبح لتناول اللحمة, خلال رقصك السامبا, ألن يكون هذا مناسباً أكثر؟”, أنا أخاف من الماء, وأنا نباتي, وأكره الرقص, بالأخص السامبا.

– “لا لا لا, حسناً سأدعك تتدبر أمر حفلة اليوم, ولكن رجاءً لا تقم بدعوة الكثير من الناس””

– “لا تخف, فقط أنا وأنت وأصدقائنا المقربون, فأنا أجهز مفاجئة ضخمة لك اليوم, فلتتجهز لها, وداعاً” فأغلق الخط بوجهي, مغلقاً بهذا أي مجال لي لسؤاله عن مفاجئته السخيفة.

أنهيت فطوري وجلست أمام التلفاز, فتحت هاتفي, لأرى سيلاً من المنافقين يخرجون منه, ويصدمون بوجهي.

أكثر ما يجعلني أكره الأعياد وخصوصاً أعياد الميلاد, هو كمية النفاق الحاصل في هذا اليوم, معظم هؤلاء لا أعرفهم, ولكنهم أصروا على إرسال معايدة لي, حتى ذلك الشاب الأحمق الذي تشاجرت معه في الأسبوع الماضي, نشر معايدة لي على صفحته في الفيسبوك, ياللسخافة!

فأغلقت هاتفي مسرعاً, فكل هذا النفاق سيصيبني بالإيبولا.

نظرت حولي إلى منزلي, أبي أشترى لي أجمل منزل في هذه المنطقة, بالتأكيد فالمال قد يشتري لك القصور الفخمة, والسيارات الجميلة, اشتريت المنزل, ودهنته كله بالأبيض, وحتى الأثاث جلبته أبيضاً, فهو لوني المفضل, فأمي تحبه كثيراً, ورثت عنها حبي للون الأبيض.

أنا في جامعة للأغنياء فقط, أملك أغلى منزل في كل منطقتي (وهي في الأساس منطقة للأغنياء), وسيارتي أسرع سيارة بين أصدقائي ومعارفي كلهم (لامبورغيني), حسناً قد يعتبر البعض أني أعيش الحلم, ولكن المظاهر خداعة, فكل هذا لم يشتر لي السعادة, ما زلت أحس بالنقص, هناك شيء ينقص حياتي, ولا أعلم ما هو بحق الجحيم.

وصلتني رسالة من صديقي سليم, وتقول: (تعال إلى “المكان الفلاني”, من هناك سنبدأ مسيرتنا بأتجاه حفلة القرن!), حسناً “المكان الفلاني” هو منزل الشاطئ الذي يملكه سليم, في العادة نقيم حفلاتنا فيه, إذن أنا مطمئن فحفلتنا ستكون صغيرة وآمنة, لربما سأحظى وأخيراً بعيد ميلاد سعيد.

فأرسلت له رسالة تقول: (أنا قادم, لا للمفاجئات السخيفة, كن خلاقاً فيما تجهزه لي فأنت تعرف بأني أقدر الإبداع).

نهضت من أريكتي, صعدت إلى غرفة الملابس (نعم لدي غرفة خاصة لملابسي لم لا؟), أخترت الملابس المناسبة للحفلة, قميص قصير الكم, وبنطال الجينز, وحذاء كرة سلة متوسط الرقبة, ساعتي الرياضية (فهذه الليلة لا تناسبها الساعات الفخمة), وأخيراً نظارتي الشمسية.

خرجت من المنزل وركبت سيارتي, واتجهت نحو منزل الشاطئ, خلال الطريق لم تكن المفاجأة هي ما يشغل بالي, لكن كم كانت الـ 18 عاماً من حياتي طويلة, مليئة بالأحداث, منها الحزين ومنها السعيد, كم يمكن لهذه الحياة أن تكون كالنساء, إن أسعدتهن تسعد, وإن أغضبتهن.. حسناً أدفن نفسك قبل أن تتحمل النتائج, وفي كثير من الأحيان قد يكن متقلبات المزاج, فيغضبن ويسعدن بدون سبب, كالعاصفة, ولكن في النهاية أنت تحبهن ومن الصعب عليك التخلي عنهن مهما كان الثمن.

بعد وصولي لمنزل الشاطئ, وعلى الرغم من التفكير العميق جداً الذي حظيت به خلال الطريق, إلا أن رؤيتي “للشلة” قد أفقدتني كل الحزن والغضب والمشاعر المتضاربة, فهؤلاء القرود قد يفقدونك عقلك في وجودهم.

نزلت من السيارة وأستقبلني سليم والشلة, كان الموجودون هم, سليم صديقي الذي ذكرته سابقاً وهو القائد في الشلة والمخطط لمعظم المقالب والمصائب, محمود وهو نسخة أكثر جنوناً من سليم, مهند وهو ذكي الشلة, مالك وهو جاذب الفتيات.

جميعهم كانوا حاضرين, الكل أحتضنني وعايدني, وأضاف شتيمة إلى المعايدة, ومن ثم قال سليم :

– “تعال هيا فلنركب في سيارتي الجيب, لنأخذك إلى المفاجأة, سآخذك إلى مكان يعجبك كثيراً” قالها بحماس شديد, طبقاً لمعرفتي له, فإن قوله الكلام السابق بكل هذا الحماس, يعني أن سليم يحضر لمصيبة, قد تقضي على الجنس البشري, أو حرباً مع الفضائيين, أو أنه قد عبث من الشيطان, وهو الآن يأخذنا لنحاربه, مهما فعل سليم, بكل هذا الحماس, فإننا مقبلون على شيء سيء.

وافقت فأنا لم أملك خياراً آخراً بظل أن المفاجأة قد حضرها كل أصدقائي, لن أدع جهدهم يذهب هباءً.

فركب الجميع في الجيب (سيارة كبيرة رباعية الدفع), كان سليم في مقعد السائق, وبدأ بالقيادة المتهورة كعادته, ليوصلنا إلى المفاجأة.

– “سليم أنا فعلاً لا أريد مفاجأتك, لكن إن كنت مجبراً عليها, على الأقل دعني أراها وأني حي” جملة مبتذلة بعض الشيء, لهذا فهي ممتازة في إيصال الفكرة المقصودة.

فأبطأ قليلاً من سرعته, ولكن قيادته ما زالت غير آمنة.

السيارة أتجهت في طرق لم أعهدها من قبل, فكان يبدو وكأننا ذاهبون إلى المجهول, حسناً سأنتظر لأرى كيف سينتهي هذا الأمر.

بعد ساعات من القيادة, كان الليل قد حل, توقف سليم فجأة أمام منعطف لا يعلم سوى الله إلى أين يقود, وكحركة قد توقعتها مسبقاً, أنعطف سليم إلى هذا الطريق, وأكمل القيادة لكن ببطء أكبر, بعد القليل من القيادة, وصلنا إلى المكان المقصود, كانت بلدة صغيرة مهجورة على ما يبدو, بيوتها من الطراز القديم, ترجل الجميع من السيارة.

فسألت سليم عن ماهية هذا المكان, فأجابني:

– “انت تعرف هذا المكان بكل تأكيد, إنه مكان مشهور, ولكن سأقص عليك قصته لربما أنعش ذاكرتك”

وأكمل “منذ ما يقارب المائة عام, كانت هناك بلدة صغيرة وسعيدة, تسير فيها الحياة كما تسير في بقية البلدات السعيدة الأخرى, ولكن في يوم من الأيام, أحد سكان البلدة, بدأ بتعلم السحر, وبقي يتعلم, إلى أن أتى يوم وحاول فيه تطبيق شيء مما تعلمه, فهو ظن انه أصبح محترفاً كفاية لكي يطبق السحر بنفسه, فحاول التواصل مع عالم الأرواح, ليتكلم مع الأقرباء الموتى لأهالي البلدة, وبالفعل تواصله قد نجح, وأقبل أهالي البلدة عليه ليتكلموا مع أقربائهم المتوفيين, وسار الأمر بشكل طبيعي حتى…, كان التواصل مع الأرواح يجري بشكل طبيعي, ولكن أحد الأرواح ثارت ثائرتها, غضبت, فتجاوزت الحاجز بين عالم الأرواح وعالمنا, ودخلت معها أكثر الأرواح مرضاً وجنوناً وشراً, وقاموا بغزو القرية, وذبح عدد من أهلها, فهرب أهالي البلدة منها, وبقي في البلدة الأرواح, والناس الغريبي الأطوار الذين أختاروا التعامل مع الأرواح”

لقد تذكرت القصة الآن, كنت قد قرأتها مسبقاً في إحدى مجلات الرعب, وحتى قمت بالبحث عنها, فهي كانت مثيرة للأهتمام, ولكن بعد فترة بدأت الكوابيس تأتيني حولها فتوقفت عن البحث والقراءة عنها, وتوقفت معي الكوابيس.

أنا وأصدقائي نحب الخوارق كثيراً, فلقد قمنا في صغرنا بأقتحام الكثير من البيوت المهجورة لرؤية الأشباح في داخلها, إلا أن ظننا كان دائماً ما يخيب بعدم إيجادنا لأي أشباح أو خوارق.

ومفاجأة عيد ميلادي كانت أفضل مما توقعت, فعلى الرغم من عدم إيجادي للأرواح في المنازل المهجورة, إلا ان هذه البلدة من شبه المؤكد إيجاد من قد يثير خوفنا فيها لهذه الليلة.

فقلت لسمير والشباب: “لقد تذكرت الآن, لقد فاجأتموني حقاً, انا منبهر, ولكن ما الذي تنتظرونه؟ هيا فلنبدأ البحث!”

فأخرج سليم من السيارة حقيبة فيها أجهزة, وأعطى لكل واحد منا جهاز إرسال لاسلكي بعيد المدى في حال إنفصلنا, وضوء كاشف, ومن ثم وقفنا معاً في صف أفقي سائرين بإتجاه البلدة.

ببطء شديد مشينا, فقال مهند بأنه يشك بأن هذه خطوة جيدة, ففي حال إيجادنا لأشباح فنحن نضع أنفسنا في موقف لا نحسد عليه, وفي حال لم نجد أي أشباح فنحن فقط نقوم بإضاعة وقتنا, فقال محمود بأن شعور الخوف في مهند طغى على روح المغامرة, وقام بنكز مهند ممازحاً لكي يخفف عنه, ويعيد الحماس إليه.

– “هل سمعتم هذا؟” قال مالك, ونفى الجميع سماعه أي شيء. فجأة ظهر صوت يشبه شهقة حيوان يحتضر بألم, فأرتعب الجميع, وبدأ الرعب!

قال سليم ممازحاً أنه بلل سرواله, وعلق مهند قائلاً بأن الليلة ستكون طويلة, فيا ليتك أحضرت بعض الحفاضات بالإضافة لباقي العدة, فضحك الجميع مبعدين الخوف عن قلوبهم.

ولكن الصوت تكرر هذه المرة بشكل أعلى, وتكرر مجدداً, ومجدداً, ومجدداً, وبقي يتكرر بشكل جنوني, فأهتاج الجميع, فالصوت يتكرر بشكل أسرع وأعلى, وأستمر الصوت بالتكرار, إلى أن توقف فجأة.

نظر الجميع خائفين إلى بعضهم البعض, وبدلاً من العودة إلى السيارة والهرب, أكملنا المشي أسرع .

الآن دخلنا إلى البلدة تماماً, فنظرت إلى البيوت المهجورة والمظلمة الموجودة, فصرخ سليم مشيراً إلى أحد البيوت, فرأى الجميع ما قد رآه سليم للتو, لقد كان هناك جسم أسود يتحرك بشكل سريع للغاية في منزل كبير في منتصف البلدة تقريباً, وكان يبدو وكأنه قصر صغير, ولكن بعد صراخ سليم, الجسم توقف فجأة, وأستدار بأتجاهنا, ويبدو وكأنه ينظر إلينا مباشرة.

قفزت إلى الخلف خائفاً من هذا الشيء, فقال محمود بأن علينا الدخول قبل أن يختفي (في العادة عند رؤيتنا لأشياء مخيفة, إن تأخرنا ثواني قليلة في الوصول إليها تختفي, لذلك لم نلتق قط بأي كائن خارق), فوافقه الجميع الرأي, ودخلنا مسرعين إلى ذلك المنزل, وبعدما دخلنا تفحصنا الداخل قليلا وتعمقنا أكثر باحثين عن الكائن, وفجأة سمعنا صوت إغلاق باب بعنف, فنظرنا كلنا, كان أحد الأبواب الذي يؤدي إلى ما يبدو على أنه القبو, لكن بسبب الظلام لم أكن متأكداً, أغلق الباب بعنف, ونظرنا إليه يفتح مرة أخرى بهدوء, ومن ثم أغلق بعنف شديد, وفتح وأغلق, وبقي على هذه الحال يفتح ويغلق بعنف أكبر, حتى أغلق بعنف شديد وكسر, بقيت مفاصل الباب تتحرك على الرغم من عدم وجود باب لتحركه.

قال مهند بأنه يجب علينا دخول الباب لنرى إلى أين يؤدي, فبدأنا بعبور الباب إلى المجهول, ومثلما توقعت فالباب أدى إلى الأسفل, أي إلى القبو, فنزلنا الدرج, حتى وصلنا إلى القبو, فنظرنا حولنا باحثين عن الكائن الأسود, ولكن بدلاً من إيجاد الكائن فقد وجدنا الكائنات!

ظلال سوداء تتحرك حولنا وتصيبنا, أسقطت سليم ومالك أرضاً, وبدأ محمود بالصراخ خائفاً, حاولنا ضربها وإيقافها ولكننا لم نستطع, وفجأة دخل أحدها عبر مهند, فأطلق مهند صرخة ألم عالية, وسقط الأرض صريعاً مفتوح البطن.

يا إلهي مهند! صرخ سليم, ولكن الأوان كان قد فات فمهند مات, إن لم نهرب فسنكون التاليين, فبدأ الجميع بالركض وصعود الدرج للأعلى ولكن الدرج لم يعد موجوداً, ففي ظلمة القبو إختفى الدرج.

– “لقد إختفى الدرج!” صرخ مالك, لم يعد لنا مهرب, فأتت الأطياف السوداء بإتجاهنا وفرقت كلاً منا بإتجاه, لم أعد أرى أياً من أصدقائي, فحركت مصباحي باحثاً عنهم, ولكن الجميع كان قد إختفى حتى جثة مهند كانت قد إختفت أيضاً.

فصرخت منادياً إياهم ولكن لم يجبني أحد, في هذا الوقت الأطياف أكملت ملاحقتي ودفعي وضربي, فوقفت وركضت بالإتجاه الذي كان أصدقائي فيه, ولكن بدلاً من إيجاد أصدقائي وجدت الدرج, لقد وجدوه وصعدوا بالتأكيد.

فصعدته مسرعاً ولكن الباب الذي كان مكسوراً وجدته سليماً, فدفعته وفتح معي, وخرجت منه راكضاً, وأكملت ركضي لباب القصر وخرجت من ذلك المكان.

سليم! مالك! محمود! أين أنتم؟ ولكن لم يجبني أحد, الليل كان مظلماً والبلدة تبدو أكثر رعباً, فركضت بإتجاه السيارة, ولكن قاطع طريقي شيء مرعب, كانت إمرأة مشوهة الرأس, تنظر إلي بتمعن شديد, فصرخت علي بأعلى صوتها : “لماذا؟ لماذا؟ ألست جميلة؟ ألا تحبني؟” فبدأت بالصراخ وركضت بإتجاهي, فهربت منها بالإتجاه الآخر مرتعباً, فبقيت راكضاً, حتى نظرت خلفي ولم أجدها, فتوقفت لأستعيد أنفاسي, فنظرت حولي باحثاً عن أي مهرب خارج هذه البلدة اللعينة, فعدت لأنظر خلفي, وتفاجأت لقد كان أصدقائي يقفون خلفي مبتسمين.

“أين كنتم؟ لا يهم هذا فلنخرج من هنا بأسرع وقت فأنا لا أريد البقاء في هذا المكان لحظة أخرى”, ولكنهم أستمروا بالإبتسام والتحديق بي بطريقة مخيفة, سرت قشعريرة شديدة في جسدي.

فقال سليم : “لا داعي للخروج فلتبقى هنا معنا قليلاً ” صوته كان أجش على غير عادته.

إبتلعت ريقي ببطء بعدما رأيت رقبة سليم, لقد كانت مهشمة ومقطوعة, إنهم ليسوا أصدقائي, إنها أشباحهم!

وبكل سرعة ركضت بعيداً هارباً منهم, الرعب كان يدفع الأدرنيالين في جسدي, ونظرت حولي لأرى العديد من الكائنات والأشباح المخيفة تسير من جميع الإتجاهات في البلدة, كانوا في كل مكان ولكننا لم نرهم!

فركضت بإتجاه السيارة, ووصلت إلى السيارة فتحت الباب ودخلتها, وبسرعة أخرجت المفاتيح من الصندوق فسليم دائماً ما يتركها هناك, وشغلت السيارة, فأتت ضربة مسرعة على غطاء المحرك,كان أحدهم يحاول إيقافي, ولكني كنت قد شغلت السيارة على أي حال, ودست على دواسة الوقود بكل قوتي, فتحركت السيارة مبتعدة عن البلدة, وبدأت بالقيادة بإتجاه الطريق السريع, سأعود إلى المدينة وأتصل بالشرطة.

ولكن بعد لحظات من القيادة لاحظت شيئاً غريباً, فالطريق لا يقودني إلى الطريق السريع, بل إنه يلف ويدور حول البلدة!

فعرجت عن الطريق بإتجاه المجهول مبتعداً عن البلدة, ولكن تعطل المحرك فوراً, ولم تتحرك السيارة, ففتحت الباب لأركض من السيارة, وركضت بإتجاه أحد الغابات, فشققت طريقي من خلال أشجار وظلمة الغابة باحثاً عن مهرب, إلى أن رأيت نهاية الأشجار, وما يبدو على أنه طريق, فمشيت بحذر متفحصاً ما أمامي, ولكن بعد أن خرجت من الغابة ودست على الطريق أكتشفت أن هذا الطريق هو نفسه الذي تعطلت فيه سيارتي, لقد عدت إلى تلك البلدة المهجورة.

وسمعت هسيساً مخيفاً خلفي, فأبتعدت عن الغابة متجهاً للأمام بأتجاه البلدة, ولكن قبل أن أدرك, رأيت السائرين يأتون من كل صوب وحدب, يسيرون بإتجاهي فحاصرتني تلك الكائنات من كل مكان, وأحاطت بي وبعدها لم أعد أرى أي شيء… أي شيء سوى الظلمة.

أحس بجسمي مرهق ومفاصلي تؤلمني, حاولت فتح عيني لأرى ما حولي, إنني في السيارة مع أصدقائي, لقد كان كل شيء مجرد كابوس.

لماذا الراديو يصدر أغنية غريبة, كان مثل الغناء في الكنيسة ولكن بلغة غير مفهومة البتة, لم أستطع فهم معنى الغناء الغريب ولكن كان يغنيه مجموعة من الناس والتسجيل يبدو قديماً فهو متقطع وغير واضح.

نظرت من النافذة, لأرى جميع الكائنات تدور وترقص حول السيارة, إنه لم يكن كابوساً, كانت الكائنات ترقص في طقوس وثنية مترافقة مع الأغنية الغريبة الصادرة من الراديو.

نظرت متفحصاً أصدقائي الذين تفاجئت برؤيتهم معي في السيارة, كانوا في وضع غريب, ولكنهم لم يكونوا ميتين وإنما فقط شاحبين, ومبتسمين.

تاريخ النشر : 2015-11-05

guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى