أدب الرعب والعام

مائدة شاي التاسعة -1-

بقلم : محمد فيوري – مصر
للتواصل : [email protected]
مائدة شاي التاسعة -1-
كل لليلة في تمام التاسعة مساء يجتمعون العائلات الثلاث

الوقت : التاسعة مساء .. المكان :  الصحراء .. من هم : هم ثلاث عائلات لا يوجد جنس بشري غيرهم في المكان .

عائلة ( ياسين ) الزوجة ( منيرة ) الأبناء التوأم ( سمر و سيف ، العمر ، عشرة  أعوام  )

عائلة ( يحيي ) الزوجة ( سميرة ) الأبناء التوأم ( شهد و شادي ، العمر ، عشرة  أعوام  )

عائلة ( يونس ) الزوجة ( حبيبه ) الابنة ( زينه ، العمر ، عشرة  أعوام  )

كل لليلة في تمام التاسعة مساء يجتمعون العائلات الثلاث أمام طاولة خشبية طويلة مجاوره لديارهم ، يتبادلون الحديث ويتناولون الكعك والحلوى و شاي التاسعة ، فتلك هي عادتهم اليومية التي لا تنقطع منذ زمن طويل حتى في أسوأ الأحوال  .. مطر رعد عواصف .. لا تنقطع العادة أبدا .. تستمر الجلسة لمدة ساعة واحدة فقط على أضواء الشموع الخافتة والغريبة التي لا تنطفئ أبدا حتى إن كانت الأمطار والعواصف شديدة جدا جدا  !! ..

يجلس ( ياسين ) وعائلته أولا على المائدة  ، ثم ينظر ( ياسين ) و يأمر ( شهد ) ابنة يحيي بالجلوس ثم يأمر ( يونس ) وعائلته بالجلوس ثم ينظر الى ( يحيي ) و يأمره بالجلوس هو وزوجته ( سميرة )  وابنه ( شادي ) .. وكانت تلك عاده اخرى لا اعلم عنها شيء حتى الآن ، فلماذا يجلس ياسين وعائلته اولا ثم يأمر شهد ابنة يحيي بالجلوس

ثم بقية الأشخاص ، ما الحكمة من هذا الترتيب ، وما هي المشكلة  إن جلس الجميع في وقت واحد ؟؟ ..

‏‎بعد إتمام طقوس الجلوس وقبل البدء في الحديث أو تناول الكعك والشاي ، في سكون تام ينظر الأشقاء التوائم الثلاث ( ياسين ، يحيي ، يونس ) الى السماء لمدة دقيقتان ، ثم تبدأ من تلك اللحظة ساعتهم اليومية الوحيدة المسموح لهم من خلالها أن يلتقون ويتبادلون الحديث بينهم وبين بعضهم على مائدة شاي التاسعة ، لتنتهي الجلسة في العاشرة تماما وعند عودتهم الى ديارهم المجاورة للمائدة الخشبية تغلق عليهم الأبواب ولا تفتح نهائيا إلا في الليلة التالية مع دقات التاسعة مساء ..

كانت ( زينه ) ابنة ( يونس ) تشعر دائما بالوحدة بينهم ، لها طباع غريبة ومختلفة عنهم تماما ، فبعد إعطائها الأمر بالجلوس  تبدأ بالبكاء فورا ولا تأكل شيئا ولا تتحدث مع أحد ثم يشتد بكائها عندما تقع عيناها ونظراتها على أبناء عمها التوائم ( سمر وسيف ) وأبناء عمها الآخر ( شروق وشادي ) لأنها كانت تتذكر شقيقها التوأم ( زين ) الذي فارق الحياة  ، فهو لا يفارق خيالها وملامحه دائما لا تغيب عنها ، فكانت تترك الطاولة وتترك الجميع وتذهب بعيدا وحيدة وسط سكون الصحراء وظلامها الدامس ، حتى تصل الى حافلة قديمة و عتيقة جدا نصفها غارقا في رمال الصحراء والنص الظاهر منها متآكل من الصدأ ، فتجلس بداخلها وحيدة ليمر عليها الوقت وهي تبكي بشدة وفي بعض الأحيان كانت تختفي زينه وتختفي معها الحافلة العتيقة ، ثم تعود مرة أخرى بالظهور قبل الساعة العاشرة وقبل أن يغلق باب الدار حتى لا تصبح مع الهائمين التائهين بلا عوده كما يخيفها ويهمس لها شيئا ما بتلك الكلمات دائما ، ستصبحين  هائمة تائهة إن لن تعودي قبل دقات العاشرة ..

كان الجميع يغارون منها ، لأنها هي الوحيدة المسموح لها إن أرادت أن تبتعد عن الاجتماع وعن المائدة في تلك الساعة الموعودة من الليل ، فهي مازالت بكامل هيئتها وأعضائها البشرية باقية كما هي لن تتأثر وتتحلل مع مرور الزمن والأعوام لكن جميع أفراد العائلة الكبيرة ما هم إلا أشلاء وأعضاء بشرية جافة … ذوو أجساد مشوهة .

في تلك الأثناء وفي مكان آخر يبتعد ألفي ميل عن الصحراء وبداخل المدينة توجد عرافه تدعي ( معتوقة ) هي من أقدم و أشهر العرفات في المدينة ، يتردد عليها منذ عدة سنوات و يوميا جراح كبير في العقد الرابع من العمر يدعي ( نادر ) ، ذلك الجراح أحضره زوجان إلى ملجئا للأيتام حين كان طفلا دون أن يتركوا أي بيانات أو معلومات عنه ، كان يبلغ من العمر حينها عشرة أعوام ، ومنذ اليوم الأول لوجوده في الملجأ حدثت أشياء عجيبة وغريبة أرعبت وأفزعت جميع من يعملون بالداخل ، فمع دقات التاسعة مساء استيقظ من النوم وجلس على فراشه ونظر للأعلى والى سقف الغرفة لمدة دقيقتان ، ثم اتجهت نظراته بهدوء إلى المربية المتواجدة معه بالغرفة ، فطلبت منه المربية أن يعود إلي النوم ، فرد عليها بصوت فتاة وقال : ” إنها ساعتي الموعودة .. ساعة الهائمين التائهين . إنها ساعتي الموعودة ساعة الهائمين التائهين . إنها ساعتي الموعودة ساعة الهائمين التائهين  ” ..

استمر في ترديد تلك الكلمات وتكرارها مع ارتفاع صوته تدرجيا وسريعا حتى أصبحت الكلمات متداخلة لسرعتها المهولة ثم صرخ  فتحطمت جميع النوافذ الزجاجية للغرفة وابتعدت عنه المربية وفرت هاربة .. ذهبت سريعا إلى غرفة مدير الملجأ لتخبره بالحادثة  فوجدته غارقا في دمائه جثة هامدة ومدون على جبهته : ( زينه ابنة حبيبه ) .

وصلت الشرطة فورا إلى الملجأ للتحقيق في الحادثة ، وقاموا بتفريغ جميع أشرطة التسجيل لكاميرات المراقبة الداخلية  ووجدوا  شيئا غريبا …

فعند فحص و تفريغ الكاميرا الخاصة بغرفة ( نادر والمربية ) و في تمام التاسعة شاهدوا الطفل نادر يستيقظ فجأة من نومه  ويجلس علي الفراش وينظر الى السقف ، و بتفريغ الكاميرا الأخرى الخاصة بمراقبة جميع الغرف من الخارج وفي نفس اللحظة أيضا وتمام التاسعة ، شاهدوا طيف لفتاة صغيره يظهر وتتقدم بهدوء و تقوم بفتح الأبواب وغلقها مره اخرى غرفه تلو الغرفة كأنها تبحث عن شيء ، وبالعودة للكاميرا الخاصة بغرفة ( نادر ) وفي تمام التاسعة وخمسة عشر دقيقه يصرخ ويتحطم زجاج غرفته فترتبك المربية وتفزع وتبتعد عنه في الحال لتتجه خارج الغرفة .

في تلك الأثناء الكاميرا الخاصة بمراقبة جميع الغرف من الخارج وفي تمام التاسعة وأربع عشرة دقيقه ، يصل طيف الفتاة الصغيرة أمام غرفة مدير الملجأ لفتح باب غرفته ، وبتفريغ الكاميرا الخاصة لغرفة مدير الملجأ وفي تمام التاسعة وخمسة عشر دقيقه وعند بدء صرخة نادر ، تحرك طيف الفتاة الصغيرة سريعا بطريقه عشوائية في جميع الاتجاهات وصعد إلى الأعلى ثم هبط على جسد المدير ليختفي طيفها ويتبدد ويسقط المدير جثة هامدة في الحال فتدخل المربية عليه الغرفة لتجده فارق الحياة .

بعد تلك الحادثة الغريبة أصدر المحققون و الشرطة بيانا بأن الحادثة صنفت ضمن قضايا الخوارق لتقيد ضد مجهول ، مع بقاء الطفل نادر داخل ملجأ الأيتام لرعايته ويعامل معاملة خاصة جدا ، ووضعه داخل غرفة خاصة لدراسة تصرفاته على مدار اليوم .. حينها علمت العّرافة ( معتوقه ) بحادثة مدير الملجأ الغامضة  ، فبدأت بزيارة الطفل نادر من حين لآخر ، كان الجميع يعلم بأنها الوحيدة القادرة على فك لغز قتل المدير وفك لغز تصرفات نادر الغريبة .. فكان نادر يوميا له ساعة خاصة جدا لا يجرؤ أحد أن يتحدث معه أو يحاوره  ، لان صوته كان يتبدل ويتحول إلى صوت  فتاة من الساعة التاسعة إلى العاشرة ، والوحيدة التي كسرت ذلك الحاجز هي العّرافة ( معتوقه ) وهي التي بدأت تتحدث وتتحاور معه تدرجيا حتى أصحبت هي الوحيدة المسموح لها بالحديث معه أثناء ساعته المحذورة ، فتقرب منها نادر وتعلق بها مع مرور الوقت .

عرفت معتوقة من صوت الفتاة التي تتلبس نادر الكثير والكثير عن ماضيه وأصله وفصله ، ولكنها أخفت عن الجميع ما توصلت إليه وتعلمه ، لأنها كانت حزينة أشد الحزن على حال ذلك الطفل البريء الذي لا يتذكر أي شيئا عن ماضيه البسيط والأليم ، لا يتذكر حتى الزوجان اللذان أحضراه الى الملجأ منذ عدة أشهر أو من أين أتوا به ، فوعدته بأنها ستخبره كل شيء عند بلوغه من العمر عشرون عاما لكي يدرك كل كلمه وينفذ كل ما يطلب منه ..

مرت السنوات داخل الملجأ ودرس نادر وتعلم وأصبح في السادسة عشر من العمر و من الأوائل المتفوقين فهو الآن يذهب لدراسته بالنهار وفي الليل يزور العرافة معتوقة ليقضي معها الساعة الموعودة والساعة التي أصبح لها طقوس خاصة جدا لا يعلم عنها أحد غيره وغيرها ، فعندما كان يأتي نادر لزيارتها يوميا داخل بيتها العتيق ، كان يأخذ منها الإذن أولا بالجلوس أمام مائدة خشبية طويلة ، ثم تضع هي عليها إحدى عشر شمعة وأحد عشر كأسا وإبريقا كبير من الشاي المغلي ثم تضع الكثير من الحلوى وفطائر التفاح ، وتجلس أمام نادر على المائدة لينتظران سويا دقات التاسعة وعند دقات التاسعة تماما تأمر نادر باشعال الشموع وصب الشاي بالكؤوس ثم يبدأ نادر بالتنفيذ وهو ينظر الى السقف ، بعد ذلك تقوم هي بترديد طلاسم مع ذكر بعض الأسماء لمن تراه عيناها من العائلات الثلاث

سميره منيره حبيبه .. زينه حبيبه .. ابنة عمك شهد .. يحيي يونس يحيي يونس .. ابنتي زينه ياسين حبيبه .. يحيي يونس يحيي يونس زينه .. ياسين يحيي يونس .. أنا زينه أنا زينه أنا زينه ابنة يونس .. أنا زينه أنا زينه ابنة حبيبه أنا زينه ..

فتختفي زينه من الصحراء ليظهر طيفها داخل بيت العرافة معتوقة ثم تتقدم وتجلس بهدوء على المائدة صامتة تماما وهي تنظر الى وجه نادر ، ليتحدث نادر بصوتها وبكلمات غير مفهومه وهو ينظر الى عين العرافة معتوقه ثم تبدأ العرافة وهي تنظر لهم بمسك الشموع ووضعها داخل كؤوس الشاي فتنطفأ لتنطفأ معها إضاءة البيت بأكمله …

أنتهي هذا الجزء من ألقصه أعزائي ، أرجوا من حضراتكم متابعة أجزائها ، فمائدة الرعب والتشويق والتساؤلات والحيرة لكم ستكون هي  … مائدة شاي التاسعة ..

شكرًا أصدقائي .. دمتم سالمين ..

تاريخ النشر : 2015-11-14

guest
44 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى