أدب الرعب والعام

الكاتبة المُغتصبة

بقلم : هديل بخيت الراجح – السعودية
 
الكاتبة المُغتصبة
عشت حياة زائفة انتهت إلى مأساة وفاجعة

كم أنا مُنهكة ، سأفقد بصري قريباً !بسبب وقتي الذي يمضي في تسجيل كتاباتي على جهاز الحاسوب وإرسالها على دور النشر ، إلا أنه لم يحصل أنّ نُشرت لي ولو قصة قصيرة ! …

كاتبة موهوبة أنا ، لكن بلا فائدة ، مللتُ موهبة الكتابة ليتني لم أكن كذالك ، ليتني وافقت على شروط الخاطب_الذي يبدو أنه الأخير_بأن أكون في بيته ربّةُ منزل فقط ، وأترك مُزاولة مهنتي كمُعلمة لغة عربية ولا أشارك كتاباتي أي جهة رسمية أو حتى صديقاتي ، ليتني كُنت ماهرة في صُنع أنواع الأطعمة الزكية بدل التلذذ بالنكهات الأدبية ، ليتني .. وليتني .. ، وما أن انتهيت من حسرتي على حالي ، استخرجتُ قلماً ! وشرعتُ في الكتابة من جديد ؟! .. فأنا والكتابة كالحلقة ،كلما استجدت الأمور التي تحُدّني لهجرها تكون هي ذاتها التي تقودني إليها بهمةٍ أكبر …

ارتصّت حروفي التي امتصّت من غضبي لغةً حادة ، ومن حسرتي جُملاً باكية ، لكتابة هذة العبارتين ( من اغتصب حقي في أن تظهر كتاباتي للنور ؟ فيقرأها العالم وينسج من قصصي عبراً للزمن ) .. من ثُمّ توقفت وتفكّرت من يا إسراء هي أحقُّ بكلمة إغتصاب منك؟ ، فتراءى إلي تلك الطفلة المسكينة التي أُغتصبت من قبل وحشٍ بشريّ فأفقدها حقها في الشعور بالأمان ، وغادرتها كُل تسآؤلات الأطفال البريئة السطحيّة ليتملكّها سؤالين فقط : (بأي دافعٍ آذاني ذاك الوحش؟ولماذا أنا بالذات؟ )

…..

ياه أليمة ، يبدو لي أنّ هذة القضية تستحق أن أكتب فيها رواية ، وفعلتها !

مرّ شهران وأنا مُخلصة في تسخير كُل مالدي لجعل الرواية مُتقنة وحقيقية !

أجل ! أردتها حقيقية واضحة أحداثها لأن الألم الذي فيها لا يحتاج إلى تعقيد ، لم أجعل فيها غُموضاً البتّة فيكفي وصفي للغموض الذي غزى عقل الصغيرة منذ حدوث الحادثة ..

بالمناسبة لقد أخذت إجازة بدون راتب ، فأنا أعيش صراعاً مع أحداث القصة يمنعني أن أُؤدّي وظيفتي كما ينبغي، فتارةً أبكي وأنا أكتب وتارةً وأنا على وسادتي حين أستعيدُ أحداث الرواية منذ البداية، ووسط الوجع أخلقُ أملاً فأبتكر حدثاً آخر فيه بُرؤٌ للضحية ، وعلى هذا الحال حتى انتهيت من الكتابة وبقي عليّ مراجعةٌ أخيرة قبل إرسالها…

غداً سأعود لوظيفتي من جديد ، يبدو لي هذا صحيّ في تجديد نشاطي الذهني ، فأعود بتركيز أفضل لروايتي

وهُناك في المدرسة كُنت أقُصّ على صديقتي رانيا _مُعلمة اللغة الإنجليزية_ شيئاً من أحداث الرواية والهدف من كتابتي لهذة القضية بالذات، فقاطعتني قائلة : ما رأيك أن تكتبي ملاحظة بعد النهاية بأنّك تعرضتي لحادثة مُشابهة ، وأنك على أتمّ الإستعداد بالتصريح من خلال وسائل الإعلام المُتعددة بُغية أن يستفيد منك من ذاق نفس الجُرم، فتحت فاهي مندهشة منها !

وأردفت : ست سنوات والرفض حليفك مع كل محاولة منك ، وهاأنا أطرح عليك فكرة هي نافذتك للشُهرة ، فكري وافعليها ، قالتها بابتسامة وغمزت لي وذهبت .

عُدت للبيت وبعد مراجعتي لروايتي مكثتُ طويلاً أمام خانة المُلاحظة ، أافعلها ؟ ، يبدو أنها فُرصتي؟ فليس لديّ أُسرة ستغضب علي بمبدأ فكرها الشرقيّ ، لأول مرة أشعر بفرحة أني نشأتُ في ميتم ، حتى أنّ نشأتي في الميتم ستكون سبباً كافياً لتصديق تعرضي لهذا الظُلم بحُكم فقدي للأسرة الحامية ، وبعد نقاشات دامت لساعتين بين مبادئي ويأسي ، كتبت ما أملته عليّ صديقتي نصاً ، واخترت دار نشر جديدة غير دور النشر التي راسلتها من قبل حتى لا يُساورهم شكاً في مصداقيتي ، وبعد يومان فقط أتتني رسالة مفادها القبول وطلب لزيارة دار النشر ، فابتهجت أساريري وأخذت أرقص مع أوراقي ، وأخرجت كُل ملابسي من الخزانة لإختيار أفضلها ، ثُم اتصلت على رانيا فأتتني لتشاركني فرحتي وتمنّ علي قليلاً بأن فكرتها هي صاحبة الفضل ، وأشارت علي بإشتراء لباسٍ أفضل مما أمتلكه على أن يكون من إختيارها ، رُغم أني أكثر احتشاماً منها لكني قبلت ، بدا لي أنّ موافقتي لأفكارها سيُسرع من شهرتي وانتشار كتاباتي

….

وفي خلال سنة أُستُضفت في عدة قنوات فضائية عربية وأجنبية ، وقُلدّت وسام أشجع امرأة في العالم ، و مُنحت عضوية حقوق المرأة في الشرق الأوسط ، وأصبحتُ مشرفة في دار النشر التي تكفلت بنشر روايتي (المُغتصبة) ، لا شك أن رئيس الدار استفاد بقدري لكن قد يكون مُتعاطفا صادقا وسقط ضحيةً لي كوني مُزيّفة ، تعرفت على أديبٍ مشهور وأبدى إعجابه بشجاعتي وبعد مُدةٍ قصيرة عرض الزواج علي فوافقت ، لم يكن آخر شخص خدعته ، فحدث أن حملت في أحشائي طفلة ، وأخبرت نفسي بعدم رغبتي بخداعها هي أيضاً، ولعلي أتشجع حال رؤيتها لإزالة قناع الكذب عن شخصي ، لكن لماذا أُسوّف ؟ ، علي أن أفعلها قبل مجيئها، إنها تستحق حُسن استقبال يليق بطهارة روحها ، لكن كيف ؟ إنني أفقد شجاعة الإعتراف ،

فشرعت في كتابة رواية بطلها مظلومٌ ومُخادع في الوقت نفسه ، لا أُنكر أني وصفتُ معاناته في الجزء الذي بقى متمسكاً بمبادئه أكثر من وصفي لما ناله من ميزاتٍ لا يستحقها بعد استغلاله لألم غيره ، تمنيت بعد نشرها أن يُقابلني صحفيٌ حاذق بعقلية مُحقق فيُوجه إلي التهمة التي أستحقها فلا يزيد عن سؤالي : هل هذة الرواية أيضاً تخصّ شيئاً من حياتك ؟

،فيكُن بمثابة حبلٍ مُدّ إلي لأخرج من الأخدود الضيق الذي أوقعت نفسي فيه فأُجيبه بالحقيقة كاملة ، لكن المُراد لم يتحقق ، وأنجبت ابنتي في وحلٍ من الزيف لم تستحقه ،ضُجّت عناوين الصُحف والبرامج التلفزيونية بالإطراء على روايتي الأخيرة ، وكُرّمت في أكثر من نادي أدبي ، وحصلتُ على جوائز عدة .

مرت أربع سنوات انشغلتُ فيها بتربية صغيرتي والإعتناء بها ، ربيّتها على المبادئ التي تخليت عنها ، توقفت عن الكتابة لأجل أن أُسكت ضميري فلم يحصل ، لا زال يُحدثني عن المبلغ المالي في حسابي حصيلة رواياتي ، وكُلما أطعمت ابنتي لُقمة خُيّل إلي أني أمُدّ لها جُذوةً من نار ، إنني أعرف جيداً سبب الأمراض التي تتناوب عليّ واحداً تلو الآخر رُغم اهتمامي بصحتي ورفاهية عيشي ، إلا أنّه ضميري كُلما تجاهلته شدّ علي ! لقد جلب إلي أمراض الشيخوخة وأنا لازلتُ على في منتصف الثلاثين

وأتى القدر ليقتص مني بطريقةٍ أخرى، ففقدت ابنتي في حادثة إغتصاب بشعة ، جسدها الصغير ذو الأربع سنوات لم يحتمل فارتحلت روحها تاركة لي العيش مع أعظم عقاب ، يا الله كم تفاصيل الفاجعة تشبه تلك التي

ألفتها ، اعترفت يوم عزائها أمام الكاميرات التي حضرت لمواساة الكاتبة المشهورة ، بالكاد استطاع حرسي الشخصي إخراجي من وسط الغاضبين والشاتمين والشامتين ، مع وجود متعاطفين قلّة حاولوا الدفاع عني فنالوا ما تلقيّت ، وفي البيت انتظرني زوجي المكلوم بعد مغادرته مكان العزاء وتصريحهُ بإنكار معرفة حقيقتي ، استقبلني بوجهٍ غاضب وطلقني في الحال ، أقفلت على نفسي وهجرت العالم مُنتظرة أجلي ،فكرتُ في قتل نفسي لكي أحظى بمُقابلة صغيرتي فأعتذر منها ، غير أنّ ضميري أخبرني بأن أهل النار لا يُسمح لهم بزيارة أهل الجنة … يبدو أنه يُريد أن يحظى بالإقتصاص مني حتى ألفظ آخر نفس .

تاريخ النشر : 2015-11-25

guest
63 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى