أدب الرعب والعام

من يتحدث بلسان صالح -الأخير-

بقلم : محمد مكي – السعودية

وقال الشيخ للجني هيا اخرج ..

اليوم التالي قمت بالاتصال بالشيخ وبعد محاولات مضنية وتدخل خالته وهي والدتي جزاها الله خير رضخ الشيخ وحدد لنا موعداً يوم الأربعاء بعد صلاة المغرب وأكد علي بعدم التأخر عن صلاة المغرب وذلك لكثرة انشغاله بمرضى آخرين ، وعلى الفور اتصلت على صالح وبلغته بالموعد فتناول والده منه الهاتف واكد علي حضورهم في الموعد .

في يوم الاربعاء قبل صلاة المغرب التقيت صالح ووالده امام منزل الشيخ ، دخلنا الى ساحة المنزل .. ساحة كبيرة وبها عدة غرف ومصلى مقسمة الى جزئين ( رجال ونساء ) طبعاً المناظر التي رأيناها من المرضى المتناثرين في الساحة واصوات الصراخ  شيء مرعب لا يتخيله عقل ويشيب لها شعر الرأس ، فما وجدناه من صالح ما هو إلا غيض من فيض ..

صلينا المغرب في مصلى بيت الشيخ ، فأدخلنا غرفة ليس بها سوى فرش الارض فقط وباب وشباك مطل على خلفيه المنزل ، اجلسنا وقال انتظروني حتى اعود لكم ، انتظرنا ربع ساعة ثم عاد قائلاً يا اخوان من منكم يخاف او يفزع فعليه الخروج ومن منكم على غير وضوء فليتوضأ ، نظرت الى والد صالح فوجدته ليس خائفاً من شيء سوى خوفه على ولده فقلت له ما رأيك يا ابا صالح ان ننتظر نحن الاثنين في قاعة انتظار الرجال ، قال : نعم لا بأس ..

خرجنا الى قاعة الانتظار وتركنا صالح مع الشيخ في الغرفة ، جلست بجانب والد صالح فأخذ يتحدث كمن يفكر مع نفسه ولكن بصوت مرتفع قائلاً: من يمكن ان يكون قد سحر ابني فنحن ليس لنا اعداء ، يمكن ان تكون عيناً حاسدة ، نعم نعم يمكن ابن عمي فلان لانه ليس له ابناء ذكور فحسد ابني عندما زارنا قبل شهرين ، فيعود ويتذكر ويستغفر الله من ظن السوء ثم يعود فيقول يمكن جارنا فلان حين شكوته على مالك العقار لأنه يسرف في استخدام الماء يمكن أن يكون قد وضع لنا سحراً في خزان المياه ، ويعود ويتذكر ويستغفر الله ، حتى وضعت يدي على كتفه قائلاً يا عم ابا صالح ان المؤمن مصاب واذا أحب الله قوماً ابتلاهم فاحتسب واطلب الله الشفاء ولكل مصاب اجراً عند الله ، هز رأسه ونظر الي وهو يبتسم وقال لي : والله يا محمد اني لأحسبك ابني الرابع ، قلت له : والله انه لشرف عظيم لي .. وإذ بالشيخ يخرج مسرعاً من الغرفة !! ويهرول متوجهاً إلى قاعة في آخر رواق المنزل ، فدخلنا على صالح .. ذهلنا من هول المنظر صالح مدد على ظهره وقد تخشب واصبح كاللوح او الصنم اذا دفعته سيتزحلق في البلاط وكأنه لوحاً ثلجياً عيناه خاشعة الى السماء وجهه منتفخ وقد مال إلى الزرقة كأنه لا يتنفس.

نظر الاب الى ابنه واخذ يصرخ قتلتم ابني قتلتم ابني ؟؟ ويبكي بصوته كله ، اقتربت من صالح وضعت اصبعي السبابه و الوسطى على رقبته واذ بقلبه ينبض بسرعة رهيبة قد تصل إلى 200 نبضه في الدقيقة ، قلت له لا تخف يا عم ابنك حي فقفز عليه يحضنه ويقبله ، حتى دخل علينا الشيخ وبرفقته رجل آخر فزعت منه اكثر من منظر صالح ( استغفر الله ) طويل يمكن يصل الى مترين وعرضه عرضين اسمر كأنه الليل ولكن تظهر عليه علامات الوقار وملابس الملتزمين ، قال له الشيخ امسكه من قدمه يعني صالح ، فامسك الرجل صالح من قدميه فقال له الشيخ امسكه من اصابع قدميه الخنصرين واضغط بكل قوه حتى تمسك العظام ، ففعل الرجل وبداء الشيخ يقرأ وينفخ على صالح حتى تكلم صالح !

قال الشيخ : ما اسمك .. وصالح يزمجر وينفخ ويصدر صوتاً كصوت عواء الذئاب عندما تتصارع .. اعاد الشيخ ما اسمك ؟ اعادها الشيخ اكثر من مرة حتى نطق صالح وقال له ماذا تريد يا ابن الـ….. ؟ قال الشيخ : ما اسمك ، واشار للرجل اضغط وذاك يضغط وصالح يزمجر ويقول اتركوني اتركوني ..والشيخ لا ينفك من قول ما اسمك ما اسمك ما اسمك ؟ فقال اسمي : حارث ابن فازع ، قال له الشيخ : لما انت هنا ؟ قال : انا مأمور فانا هنا رغماً عني !!! قال له الشيخ من امرك ؟؟ قال : ساحر ، قال الشيخ : لما امرك وبما امرك ؟ قال : لا اعلم ماذا فعل الفتى ولكن الساحر ربطني برباط في معدته ، قال له الشيخ : اخرج ، قال : لا اقدر اني مربوط من قدمي وكلما حاولت الهرب شد وثاقي معدة الفتى فيتألم فأحزن عليه وابقى في مكاني ، قال الشيخ : كذبت وكيف اذن تقضي حياتك ، قال : عندما اريد الذهاب الى امر يهمني يرسل الساحر احد اتباعه فيأخذ مكاني حتى اعود ، قال له الشيخ : اذن تستطيع الذهاب الى من امرك ، قال : نعم ولكن اذا طلبته فيسمح لي ويرسل لي من ينوب عني فاذهب اليه ، قال له الشيخ : فافعل واذهب الى من امرك وقل له بأنه اذا لم اخرج من الفتى فسوف يحرقني الشيخ وعليه فك السحر ، قال : افعل ولكن اخرجوا الفتى من هنا فإذا علم من يأتي خلفي فسوف يخبر الساحر ، قال الشيخ : إذن موعدنا غداً بعد صلاة المغرب .. بعدها بدقائق عاد صالح الى طبيعته وكأن شيئا لم يكن وبالطبع لا يتذكر شيء مما حصل معه ..

ودعت صالح ووالده وتواعدنا للقاء غداً في نفس الموعد ، في اليوم التالي وقبل المغرب بنصف ساعة حضر صالح ووالده حسب الموعد وكنت في انتظارهم امام منزل الشيخ ، فعلنا ما فعلنا بالأمس ودخلنا نفس الغرفة وإذ بداخلها ذاك الرجل الأسمر الذي احضره الشيخ بالأمس ، فنظرت له وهمست في اذن والد صالح قلت له لقد سبقا الجني الى هنا !! ، فضحك ولكنه كظم ضحكته وقال اسكت والله لو سمعك لعلقنا في النجفه..  فذهبنا له نسلم عليه ، فقال تسلمون علي وقبل قليل كنت جنياً وسأعلقكم في النجف فنظرنا الى بعضنا البعض !!! ، فاغرين أفواهنا .. بسم الله كيف سمعتنا يا رجل والله لقد ارعبني ؟؟ ، قال لا عليكم سأعتبرها مزحة لكن بالله عليكم لا يكثر المزاح فهذا ليس موضع مزاح قلت له والله لا أتركك حتى تعلمني كيف سمعتنا لقد كنا نتهامس وأنت في آخر الغرفة ، فضحك حتى اضاءت كشافاته .. قال عندما كنت صغيراً اصبت بالسحر في اذني واعتقد اهلي اني اصبت بالصمم فطال علي الامد وانا اصم فتعلمت فيها قراءة الشفاه ولغة الإشارات وبالصدفة تعرفت على الشيخ فقرأ علي حتى شفيت بأمر الله فكانت الضارة النافعة ، فعاهدت نفسي ان الزم الشيخ واعاونه تطوعاً ..

فدخل علينا الشيخ قائلاً أمستعدين يا شباب ؟؟ قلنا على أهبة الاستعداد ، فأتى بطست فيه ماء ووضعه على الأرض وامر صالح ان يستلقي ويكون رأسه بمحاذاة الطست ، ففعل صالح فبدأ الشيخ يقرأ والرجل الآخر ممسك بقدم صالح ووضع الشيخ يداً على رأس صالح و الأخرى في الطست ، وبدأ في التلاوة فبداء الماء يثور ويثور كأنه يغلي وبداء صالح يخرج الأصوات التي اخرجها بالأمس حتى تحدث : حارث ، فقال الشيخ : من الرجل ، قال أنا حارث يا شيخ ، قال الشيخ : وما صنعت مع من امرك ، قال : ذهبت اليه وطلبته ان يطلقني فرفض فانا يا شيخ هالك هالك لا محاله ، قال له الشيخ لا تخف سأفك اسرك واطلق سراحك بشرط ان تظهر لي السحر وتخرج من قدمه اليسرى من الاصبع الخنصر ، قال : افعل ولكن لا تحرقني يا شيخ والله اني عربي مسلم وما انا هنا الا لأني مأمور وللساحر مردة يسخرهم لمراقبتي ولو عصيته قتلني وقتل كل عشيرتي ، قال الشيخ : انا دوري ان اخرجك وانت تتدبر امرك بعدها ولا تخف لن يدخل علينا الغرفة جني غيرك ، فأمرني الشيخ ان اغلق الباب وشباك الغرفة و بداء يشير بأصبعه الى اركان الغرفة الاربعة يقرأ آية الكرسي في كل ركن مرة ثم السقف ثم الأرض فأتمها ستة مرات ، وقال : للجني حارث هيا اخرج ، بعد دقيقة اخذ صالح في الاهتزاز والرجفة حتى سكن جسمه وبقيت قدمه اليسرى فقط تنتفض حتى توقفت فجأة !! ففتح صالح عينيه واخذ يكح ويكح ويسترجع صوت بلا اخراج هع هع هع ثم خرج من فمه شيء طويل يشبه الحبل المعقود مغطى بدم اسود وبالمخاط ( أجلكم الله ) وسقط ذاك الشيء الغريب على الأرض فحمله الشيخ ووضعه في طست الماء ففعل ما يفعله المعدن الساخن في الماء البارد تسسسسسسس وخرج منه دخان غطى المكان ، ففتح الشيخ شباك الغرفة فتحه بسيطة ، وإذ بالشباك يفتح كأنه انفجر !! فقال الشيخ : غادر صاحبنا.

استفاق صالح وعادت اليه الحياة من جديد وجهه كأنه بدر في ليله تمامه والإبتسامة تشق وجهه الوسيم فأحتضنه والدة واخذ يقبله ويقبل رأس الشيخ ويقبلني قبل كل من في الغرفة ( عدا ذاك الرجل الاسمر ) فقال الشيخ انتظروا بقى أن نفك السحر وتوجه إلى ذالك الطست واخذ يقرأ ويقرأ حتى اخرج ذاك الحبل ، وذا به فردة جورب من النوع التي يرتديها لاعبي كره القدم طويله ، هي في الاصل بيضاء لكن مع السحر و النجاسة اصبحت حمراء داكنة ، فقال الشيخ لصالح : أهذه لك ؟ نظر صالح الى ذلك الجورب وفكر حتى تذكره وقال صالح : نعم يا شيخ تذكرته لقد فقدته قبل عدة اشهر عندما كنت العب كرة قدم في احد الدوريات الرمضانية وبعد المباراة ذهبت احتفل بالفوز مع زملائي وعدت فلم اجده ونسيت امره  ، ويبدوا و الله اعلم ان هناك من سرقه ليفعل بي ما فعل ، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل .. قال الشيخ حسناً ما قلت يا بني فدع الأمر لله ينتقم لك ممن فعل بك هذا ولا تفكر في رد الاذى لمن فعلها ، فوالله هناك من نسى انه من أتى كاهناً او عرافاً وصدق به فقد كفر بما انزل على محمد ، ولا يفلح الساحر حيث أتى .. فهو ومن امره في النار ولا حول ولا قوة الا بالله ..

فانظروا إخوتي كيف هيأ الشيطان إلى اعوانه من الانس و الجان و جعل مباراة كرة قدم تافهة ومشادة بسيطة بين لاعبين تتحول الى حقد وتحول حياة اسرة سعيدة إلى مأساة عاشوها عدة اشهر أقلقتهم وكادت ان تنهي مستقبل ابنهم لولا فضل الله وعفوه.

دمتم بود اخوكم محمد مكي ..

تاريخ النشر : 2015-12-22

محمد مكي

السعودية
guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى