أدب الرعب والعام

منتصف الليل

بقلم : Black Crystal
ظلّ يضغط بالوسادة على وجهها حتى توقف نبض قلبها
في ليلةٍ شتويةٍ هادئة .. و تحديداً في الساعة الـ12:33 ليلاً ..استيقظت من نومي , ظاناً بأن الشمس قد اشرقت ! لربما كان الجوع هو من ايقذني .. لا يهم .. سأتفقد المطبخ لاحقاً .. بل ربما حتى اتنازل عن الوجبة التي كنت سأتناولها ، فأنا مازلت اشعر بنعاسٍ شديد .. لكن لأدخل الحمام , كيّ لا استيقظ ثانيةً في الليل .. و صرت اخطو اليه بخطواتٍ متثاقلة كسولة , فكل ما كان يشغل بالي هو السرير الدافئ الذي ينتظرني هناك .. سآتي إليك بسرعة البرق يا صديقي , انتظرني قليلاً ..
كانت هذه الأفكار الوحيدة التي تراودني عند دخولي الحمام , و كانت هي آخر ما اتذكّره !

فبعد ان انتهيت .. فتحت الباب لأخرج , و حينها حدث مالم يكن بالحسبان ! فنعاسي جعلني اتعجّل للعودة الى النوم , فلم انتبه للأرضية المبلّلة , و فقدت توازني و أنزلقت , و وقعت على ظهري ، واصيب رأسي بقوّة .. و كانت إضاءة الحمام الخافته , هي آخر ما لمحته عينايّ قبل ان افقد الوعيّ تماماً .. لكن لم يمضي وقتٌ طويل حتى استعدت وعييّ .. و كنت حينها اشعر بصداعٍ شديد , و كأن احدهم ضربني بمطرقة على رأسي ! ..

و قمت من على الأرض و خرجت من الحمام ..و كان رأسي يؤلمني جداً بسبب قوة السقطة ..فوضعت يدي على مكان الألم , فإذّ بي احسّ بشيءٍ لزج و كثيف يغطي شعري .. ..فنظرت ليدي , لأرى انها اصطبغت بلونٍ اسود ! فحاولت شمّه , و اذّ به رائحة قوية لا استطيع حقاً وصفها ! فتساءلت بقلق : ما هذا الشيء ؟!
لم اتخيّل ابداً ولوّ للحظة واحدة ، بأنّني سأسمع الردّ :
– إنه دمّ !!

و على الفور !! تجمّد الدمّ في عروقي ! و نسيت صداعي تماماً .. بل و نسيت امر اصابتي ! كل ما شغل تفكيري هو ذلك الصوت , الذي يبدو انه صدر من داخل الحمام ! ..فهل كنت اتخيل ؟! ام كان هذا من تأثير الضربة ؟!
ابتلعت ريقي .. و صرت احاول ان انظر من نصف باب الحمام المفتوح .. لكني لم ارى شيئاً ..فكان لابد ان افتح الباب كلّه , لأتأكد من جديد .. و كنت حينها ادعو و انا كلّي امل , ان لا اجد احداً هناك !
يا إلهي ! ليكن ما سمعته مجرّد تهيؤات , فأنت وحدك تعلم كم انا جبان..

كنت اقترب ببطء من الباب .. و جسدي يرتعش , بل ينتفض رعباً ! ثم فتحت باب الحمام بسرعة , فوجدته خالٍ تماماً .. فقلت في نفسي :
الحمدلله !! لا توجد اشباح , يبدو انها لم تلاحظ سقوطي !
و صرت اقنع نفسي بأنني تخيلت ذلك الصوت , بسبب كثرة مشاهدتي لأفلام الرعب ..

فحاولت تجاهل الأمر , و اسرعت الى غرفتي .. و ما ان وصلت , حتى وجدت كل شيء كما تركته تماماً .. رائع !! لم يعبث احد بغرفتي …
لكن فجأة !! احسست بشيءٍ دافىء يسيل من رأسي وصولاً لرقبتي … فوضعت يدي عليه , ثم نظرت إليه : و كان شيئاً مألوفاً بالنسبة لي ..اجل انه دم .. دمٌ احمر .. و اخيراً !! شيءٌ طبيعي .. لكن عليّ تنظيفه حالاً ..
اخرجت عدّة الإسعافات من الدولاب ، و وقفت امام المرآة و بدأت بتنظيف الجرح
الحمد لله !! يبدو سطحياً , لكن يجب ان اوقف النزيف..

و بعد انتهائي.. توجهت إلى سريري .. قفزت عليه و احتضنته بكل شوق , و كأنني لم ارى سريراً في حياتي ..
و همست له قائلاً : لن اتركك بعد الآن !!

بعد دقيقة .. تذكرت شيئاً .. الساعة !!! .. نعم , كم الساعة الآن ؟
استدرت و نظرت إلى ساعة الحائط ، و كانت الـ12:33 ليلاً .. لا , هذا غريب ! يبدو انها تعطّلت .. من المستحيل ان تكون الساعة الثانية عشر و النصف الى الآن ! ..

نهضت من السرير و فتحت الدرج ، ابحث عن ساعة اليد الخاصة بي .. هآ قد وجدتها !! ..امسكت بها .. كنت خائفاً بعض الشيء , بدأت اتذكّر كل الأفلام و القصص المرعبة التي قرأتها : ليس من الممكن ان تكون جميعها كذب .. هذا بالضبط ما قلته لنفسي , محاولاً ازالة ذاك الخوف الذي بدأ يسيطر عليّ .. مازلت ممسكاً بالساعة ، لم انظر اليها بعد .. اتمنى ان تكون الساعة الخامسة صباحاً ، لقد اشتقت لنور الشمس.. ادرت الساعة ناحيتي بهدوء , و انا اردّد : الخامسة صباحاً .. الخامسة صباحاً , ارجوك !! .. لكنها كانت الـ12:34 ليلاً !
– هذا غير ممكن ، غير ممكن ابداً !!!!!! هل تعطّلت جميع الساعات دفعةٌ واحدة ؟! ..

لحظة ! هاتفي .. اجل سأرى ساعة الهاتف النقّال .. فتحته و بدأت بوضع الرقم السري ، كانت اصابعي المسكينه ترتجف .. هيا افتح ايها الغبي !! اخطأت عدّة مرات ، لكن لازلت اكرّر المحاولة.. هيا ارجوك افتح ..و اخيراً فتح .. تذكّرت عندها , انه كان بإمكاني رؤية الساعة دون فتح القفل .. آه كم انا احمق.. لكن رغم ذلك …كانت ايضاً الـ12:34 ! .. تباً !!!

تركت الهاتف ، محاولاً استيعاب ما يحدث… قطع حبل افكاري , صوت الهاتف و هو يرنّ .. نظرت إليه غاضباً : من الذي يتصل بي بهذا الوقت المتأخر ؟!
كان رقماً غريباً ! من غير إسم .. شعرت ان الرقم كان مألوفاً ، و كأني رأيته من قبل ، لكن اين ؟ ..لا يمكنني التذكّر..على كلٍ , امسكت الهاتف و كنت متردّداً ..لكن لم استطع مقاومة عدم الردّ ، فالفضول يقتلني .. كما و كأن هذه الليلة لا تريد ان تنتهي !
لكني سأنهيها مهما حدث !! .. ضغطت زرّ الإجابة ..
و قلت :
-الو !!
-………
تمهلت قليلاً ريثما يردّ , و مرّة اخرى قلت :
-الو !! هل من احد ؟
-………
لكنه لم يردّ ! انتظرت عدّة ثوانٍ , و ايضاً لم يجب..
فتضايقت .. و قبل ثانية واحدة من اغلاقي للخط , سمعت صوتاً يقول لي :
– مرحباً … .. هل من احد !!
تجمّدت في مكاني للحظات ! ماهذا الذي سمعته ؟! …انه صوتي ! اجل , صوتي انا !

اغلقت الهاتف على الفور و رميته بعيداً ، و اختبأت في جوف فراشي.
انه حلم ، سأستيقظ الآن !! هيا استيقظ يا سامر , استيقظ !!

بعد عدة دقائق .. رنّ الهاتف من جديد .. نظرت إليه من تحت الفراش ، و قلت لنفسي : لن اردّ ابداً !!
تركته يرنّ و يرنّ ..و بعدها توقف للحظات .. ظننت انه لن يعاود الإتصال , لكنه فعل ! .. بدأ الهاتف يرنّ مرّة اخرى ، و كان الهاتف بعيداً عني .. اردّت رؤية المتصل , فلربما كان هذه المرّة احد اصدقائي .. لكني حقاً لم اكن اريد ترك الفراش !.. استجمعت قوايّ و تشجّعت .. رغم ان الشجاعة لم تكن احدى صفاتي ، لكن عليّ المجازفه .. يا إلهي ! متى سينتهي هذا الكابوس ؟

نهضت بهدوء , تاركاً ملاذي الآمن خلفي ، و توجهت نحو الهاتف الذي مازال يرنّ .. مشيت ببطء و انا في حالة يرثى لها .. مددّت يديّ لآخذه , فتوقف عن الرنين .. فقلت في نفسي : سيتصل مجدداً , انا متأكد !!

و بالفعل !! هذا ما حدث ..و عاد يرن من جديد.. لكن هذه المرّة , كانت والدتي .. فرحت جداً برؤية رقمها .. ضغطت زر الإجابة على الفور !!
– امي !! انا سعيد بإتصالك.. لقد اشتقت إليك.. امي يجب ان اراك , هل يمكنني المجيء ؟ ..أمي … ؟
– نعم عزيزي
-آه ! ظننت انكِ لن تجيبي , لا اعلم حتى لما فكّرت بهذه الطريقة .. المهم !! هناك اموراً غريبة تحدث م..
– هل توقف النزيف ؟
-اجل لقد توق.. لحظة ! ..كيف علمتي بأمر الإصابة ؟!
– رأيتك
-ماذا !!
– رأيتك و انت تسقط
– أتمزحين معي ؟! … آه لحظة !! هل كان كل هذا مقلب ؟! الساعات المعطلة , و الصوت و كل شيء ؟! بالتأكيد انتم من اعدّ ذلك .. اكنتم تريدون إخافتي ؟ .. يالِحماقتي ! كيف لم اكتشف خدعتكم منذ البداية !!! .. امي لما قبلتِ بأن..؟ امي ! هل تسمعينني ؟!!

يبدو ان الإتصال انقطع ! ..لم اكترث !! ..اغلقت الهاتف و كنت غاضباً جداً ..و صرت اتساءل : كيف استطاعوا معرفة ما يجري معي ؟! …و ذهبت إلى الحمام باحثاً عن اجهزتهم المخبّأة..
بحثت و بحثت , و لم اجد شيئاً .. خرجت من الحمام , و انا اشعر بالعطش , و رأسي في تلك الأثناء كاد ينفجر.. ذهبت للمطبخ و سكبت لنفسي كأس ماء ..
جلست على الكرسي الذي وجدته امامي ، لكيّ اهدأ اعصابي المتوترة ..

و بدأت بإسترجاع الأحداث , محاولاً إستيعاب ما جرى ..

كيف لم اجد الجهاز الذي اطلقوا منه الصوت بالحمام ؟ و كيف اصلاً توقعوا سقوطي ؟! ام انهم هم من قاموا بسكب الماء على ارضية الحمام ؟!! كيف يجازفون بحياتي لأجل مقلب ؟!! .. كان كلامي غريباً بعض الشيء .. يبدو اني ظلمت والدتي ! فهي من المستحيل ان تشترك بأمرٍ كهذا ، لن تجازف بحياتي ابداً ..

لحظة ! ..تذكّرت امراً !!
والدتي مريضة للغاية , و هي في المستشفى منذ ايام ! كيف امكنها الإتصال بي ؟! اصلاً كيف نسيت امراً كهذا ؟ هل معقول خرجت من هناك دون اعلامي ؟!.. لأتأكّد من الموضوع ..

فعدت لغرفتي .. اخذت الهاتف و اتصلت على المستشفى .. اجابتني امرأة تبدو انها الممرضه.. فسألتها عن امي .. فقالت : بأن امي مازالت نائمة منذ ساعات , و انها قامت بمعاينتها قبل قليل ..و لكنها اخبرتني : انها رأت فتاة تخرج من غرفة والدتي منذ ساعة .. فأغلقت الهاتف بسرعة , دون حتى ان اشكرها (الممرضة) .. لأني ظننت بأن اختي كانت آخر من زارت امي , و اردت الإطمئنان عليها …. لكن هاتف اختي و زوجها كانا مغلقين .. يا لحظي العاثر ! …تركت الهاتف و حاولت الإسترخاء .. فقد تعبت كثيراً هذه الليلة .. كما اني لم افهم شيئاً حتى الآن ! فكل الأحداث تبدو مُتشابكة ! ..

و بعد دقائق .. اعدت الإتصال بأختي .. جيد !! انه يرنّ .. اجابت اختي اخيراً !! صوتها كان ناعساً ، لم اكن اريدها ان تقلق على والدتي ..فسألتها : متى كانت آخر مرّة ذهبت فيها للمستشفى ؟
فقالت :
-سامر ما بك ؟! حتى انك لم تلقي السلام ! فلما كل هذه العجلة ؟!
-آسف ..لكن ضروري ان تخبريني
-حسناً , زرتها البارحة .. و اخذت لها بعض الملابس , لأنها قد تبقى هناك لعدة ايام .. لماذا تسأل ؟
تداركت الوضع و قلت لها :
-فقط اردّت الإطمئنان عليها .. لا بأس ..غداً سأتصل على هاتفها و اكلّمها بنفسي لأقول ..
قاطعتني قائلة :
-هاتف والدتي بقيّ في المنزل ..كنت سأحضره لها البارحة , لكني نسيت
-إذاً لم يكن مع امي ايّ هاتف ؟!
-لا !!
-و هل هناك هاتفاً في غرفتها بالمستشفى ؟
-لا اظن !
– يعني انتِ لم تكوني هناك , منذ ساعة ؟
اجابت بدهشه :
-قلت لا !! ..سامر ما الأمر , لقد اقلقتني فعلاً .. هل انت بخير ؟!
-بخير بخير .. اراك لاحقاً !!
قلتها على عجل و اغلقت الهاتف ، و اظن ان وجهي في تلك اللحظة كان خالياً تماماً من ايّ ملامح ! ..

و بدأت افكّر :
يعني امي كانت تغطّ في نومٍ عميق طوال الوقت .. و لا يوجد معها اي هاتف .. فمن اتصل بي اذاً ؟! و من تلك الفتاة التي كانت مع والدتي في المستشفى ؟!
… يا إلهي ! ما هذه الليلة الغريبة ؟!

حاولت جاهداً اخراج جميع الأفكار من رأسي .. و اقنعت نفسي بأن كل ما اعيشه الآن , هو مجرّد حلم .. فأسرعت و اطفأت الأنوار و اتجهت ثانيةً نحو سريري… سأنام الآن و عندما استيقظ , سيكون كل شيء قد عاد إلى طبيعته ..

و في غضون لحظات .. دخلت في نومٍ عميق ، و كأني لم انم منذ سنوات .. فقد كنت بالفعل !! متعباً و مرهقاً ..
لكن راودني حلمٌ غريب : رأيت فيه نفسي في المستشفى ..و كنت اطفو في الهواء و كأني شبح ! و رأيت هناك , غرفة امي .. كما رأيت الفتاة التي خرجت من غرفتها .. كان شعرها داكن و طويل , و يدها ناصعة البياض ! لكن لم استطيع رؤية وجهها .. فمن هي يا ترى ؟ ..كان عليّ اللحاق بها لرؤيتها .. و بالفعل عرفتها !!.. انها ياسمين ! زوجتي السابقة .. لكن مالذي تفعل هنا ؟! .. و بعد ان رحلت ..

بقيت انا اطفو في رواق المستشفى , و لم استطيع الحراك كما اردت ! بقيت لوقتٍ طويل على هذا الحال .. حتى اللحظة التي رنّ فيها هاتف المستشفى .. فرأيت الممرضة و هي تجيب على المتصل فقالت له : مرحباً !! … لا لم تستيقظ …لقد عاينتها لتوي …. لكن رأيت منذ ساعة , فتاةً تخرج من الغرفة … الو !! هل مازلت على الخط , يا سيد ؟!
و هاهي تغلق السماعة .. آسف لأنني اغلقت في وجهك , فقد كنت مستعجلاً .. هذا ما قلته في تلك الأثناء , عندما تأكّدت بأن المتصل كان انا !

و كنت ما ازال عالقاً بين جدران المشفى حين رأيت رجلاً يرتدي معطفاً اسود و يغطي بقبعتها رأسه , و يضع النظارات السوداء الكبيرة فوق عينيه .. و كان يمشي بإرتباك في الرواق , مُخفضاً رأسه ! ..فتساءلت في نفسي : يبدو ان هذا الشخص يحاول اخفاء شكله عن الكاميرات ! فمن يكون يا ترى , و ماذا ينوي فعله ؟ ….آه لحظة ! لماذا يدخل لغرفة امي ؟!!! ..

فلم اشعر بنفسي إلا و انا الاحقه .. و استطعت اختراق الجدار ..و رأيته يجلس بقرب والدتي .. كان يبكي بشدة , و يتوسل اليها لكي تسامحه ! بينما ظللت اراقبه بدهشة من فوق ! …و فجأه !! توقف عن البكاء .. ثم سحب الوسادة من تحت رأس امي , و وضعها على وجهها .. و عاد للبكاء مجدداً , و هو يطلب منها ان تسامحه ..

و كنت اطفو فوقه , و اصرخ عليه بفزع و غضبٍ شديد : توقف !! ابعد الوسادة حالاً !! ستقتل امي , ايها اللعين !! .. لكنه لم يسمعني , بل ظلّ يضغط بالوسادة على وجهها حتى توقف نبض قلبها ! ثم رمى الوسادة و امسك بيدها و أخذ يقبّلها , و يخبرها : بأنه اضطر لفعل ذلك , لأنه يحبها كثيراً ..

و فجأة !! بدأت معالم الغرفة تتلاشى من حولي شيئاً فشيئا , الى ان استيقظت من نومي !
و جسدي كان يتصبّب عرقاً.. لم اكن في تلك اللحظة اريد النهوض فمازلت متعباً , رغم انني اشعر و كأنني نمت لوقتٍ طويل .. ثم ما هذا الكابوس المزعج الذي رأيته ؟! ..

و اذّ بعقلي يراجع كل احداث هذه الليلة الغريبة , فشعرت بالفضول لكي اعرف ما الذي تغير .. فنظرت إلى ساعة الحائط , و كانت ماتزال 12:34 ليلاً .. آه تباً !! نسيت بأنها ساعة معطلة ! تركت السرير و اتجهت نحو الحمام ..

لحظة ! من هذه الفتاة التي تتقدم نحوي , بملابسها الغريبة ؟!
و قد امسكت بي و هي تقول :
-سامر.. اهدأ قليلاً , سيأتي الطبيب في الحال و يكشف عليك .. لقد كنت تهذي و انت نائم
-عن اي طبيب تتحدثين ؟! و من انتِ ؟ وماذا تفعلين في منزلي ؟!

لكنها تجاهلت جميع اسئلتي و توجهت نحو الباب و فتحته , ليدخل الطبيب الذي جاء لمعاينتي ..
لكن لماذا ؟! ما الذي حصل لي ؟!
و فجأه !! انتبهت على ان غرفتي الدافئة , قد تحولت إلى غرفة آخرى غريبة و مليئة بالأوراق و الأجهزة الطبّية !

ثم اقترب الطبيب مني و جلس على الكرسي قرب السرير , و قال لي :
-هيا اجلس يا سامر
فقلت له بإستغراب :
-اين انا ؟! و مالذي يحصل بالظبط ؟!
-آه منك يا سامر !! انت ستصيبني يوماً بالجنون ! .. افي كل مرة تستيقظ , عليّ ان اخبرك بالقصة من جديد ؟ و اعود لأجيبك على نفس اسئلتك : من اكون ؟ و اين انت ؟ و ماذا حدث ؟!

.. (ثم تنهد بضيق) ..طيب سأخبرك ثانيةً , لكن لآخر مرّة .. مفهوم !!
…… اسمع !! انت احد مرضايّ .. و منذ عدة شهور , قمت بقتل والدتك عندما كانت في المستشفى .. لكي تريحها من معاناتها من مرضها الخطير .. و بعد ان قتلتها , عدت لمنزلك .. و كل ما اخبرتني به لاحقاً : انك استيقظت بعد منتصف الليل و ذهبت إلى الحمام , و انزلقت واصبت رأسك .. و اعتقد انك حينها , فقدت الذاكرة بسبب قوة السقطة .. فلم تعد تتذكّر بأنك قتلتها !… و على حسب اقوالك : فإن شبح والدتك يطاردك في كل مكان .. لذلك و بسبب هذه الهلوسات لم تسجن على جريمتك , بل ارسلوك الى هنا .. لكن الشرطة مازالت تريد معرفة التفاصيل .. و لهذا آتي الى غرفتك في كل ليلة , عند الساعة 12 و النصف .. لأنك لا تستيقظ الاّ في هذا الوقت بالظبط من كل يوم , و لا ادري لماذا ! على كلٍ .. في كل مرة آتي اليك , اضّطر مع الأسف لتذكيرك بالحادثة الحزينة ..التي يبدو ان عقلك يحاول جاهداً نسيانها .. لكن كل مرة آتي الى هنا , تبدأ انت بإخباري بتفاصيل جديدة كنت اجهلها ! فهل لديك الليلة , شيئاً جديداً تود إخباري به ؟

فوقفت انا حائراً و مصدوماً جداً من كلامه , فأنا لم اصدّق ايّ كلمة مما قالها !
لأنه من سابع المستحيلات ان اقتل امي الحنونة ! هل يمكنني اصلاً ان اقتل احداً ؟! لا هذا مستحيل !! فأنا اجبن من ان اقتل نملة !

فقاطعني الطبيب قائلاً : اسمع يا سامر .. اعرف انك لا تستوعب الموضوع .. لكنك فعلت ذلك , لأنك تحبها جداً ..و لم تردّها ان تعاني من ذلك المرض المؤلم .. على الأقل , هذا ما اكدّته لي اختك .. فهي قالت : بأنك كنت متعلقاً كثيراً بوالدتك .. و لذلك اختك الى اليوم , لا تصدّق بأن علاقتكم المثالية انتهت بهذه المأساة !

فسألته بغضب :
-اذاً احضر لي اختي !! فهي من ستخبرني بالحقيقة .. لأنني لم اصدق حرفاً مما قلته !!
فقال الطبيب :
-كان بودي يا سامر .. لكن اختك انتقلت لمدينة اخرى .. فهي لم تستطع اكمال حياتها هنا , بعد الذي جرى ..

فتراجعت للخلف ببطء , و اصطدمت بالسرير و وقعت عليه و بدأت بالبكاء بالمرير ..
و بعد مضي بعض الوقت .. عدت و هدأت , بعد ان تذكّرت ذلك المنام .. فسألته بقلق :
-كانت هناك فتاة تزور والدتي قبل وفاتها , انا كنت رأيتها..
– في المنام , اعرف !! لكن يبدو انك نسيت بأنك اخبرتني البارحة : بأنها كانت طليقتك ياسمين ..و انا ذهبت اليوم صباحاً مع المحقق الى بيتها , و اخبرتنا : بأنها قامت بزيارة حماتها السابقة لأكثر من مرة , لأنها تعزّها .. لكنها لم تكن تزورها الا في منتصف الليل , اي بعد ذهاب اختك .. و آخر زيارة لها , كانت قبل ساعة من وفاة امك
فقلت له بحسرة :
-نعم … ياسمين .. كم كانت فتاة لطيفة , و انا لم اكن استحقها ابداً !

و هنا !! عدت و تذكّرت باقي المنام ..و سألته عن الرجل الخفي صاحب المعطف الأسود .. فأجاب الطبيب :
-نعم .. هذا كان انت !! بالرغم انك حاولت جاهداً اخفاء شكلك , لكن الشرطة استطاعت من خلال الكاميرا الخارجية للمستشفى ان ترى وجهك جيداً , عندما كنت تهرب فزعاً بعد ارتكابك للجريمة .. يعني انت يا سامر , هو صاحب المعطف الأسود !!

فسكت بصدمة و ذهول ! .. بينما اكمل الطبيب كلامه :
كما انك اخبرتني في جلساتنا السابقة , و لأكثر من مرّة : عن تلقيك لإتصال من والدتك .. و بأنك كنت تشعر بأنها تراقبك ..و بأن احداً تحدّث اليك من الحمام !.. و اخبرتني ايضاً : عن جميع الساعات التي تعطلت في منتصف الليل !.. و اظن ان هذا كله , كان بسبب الصدمة التي تعرّضت لها..
لكن ماتزال هناك العديد من الأسئلة , التي تحتاج لأجوبة شافية منك ..

فهل انت مستعدٌ الآن , يا سامر ؟….. اذاً دعنا نبدأ !!

تاريخ النشر : 2016-01-01

guest
42 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى