أدب الرعب والعام

النهاية الرهيبة !!

بقلم : بائع النرجس – مصر
للتواصل : [email protected]

بعد ان تحوّل كل شيء الى كومة نار !

نُشر خبر فى صحيفة الأهرام المصرية , كان نصّه :

(( تمّ العثور على جثث تعود لمجموعة من الشباب , حرقوا عمداً في ظروفٍ غامضة !.. و رغم كل الجهود المُكثّفة لحلّ لغز الجريمة , او ايجاد مرتكبها .. الاّ ان الشرطة و منذ ثلاثة اشهر حتى اليوم , لم تمسك بطرف الخيط يمكن ان يقودها لمعرفة الجاني .. لذلك قاموا اهالي الضحايا بالإعلان في جريدتنا عن مكافأة مالية , لمن لديه ايّ معلومة قد تساعد في القبض على مرتكب الجريمة .. و للتواصل :
يُرجى الإتصال على هاتف الصحيفة : ت 01270168387))

و ترافق هذا الخبر مع أربعة صور : لثلاثة شباب و فتاة ..كلّهم تقريباً بعمر العشرين , و يبدو من صورهم انهم ابناء طبقة مرموقة .

* * * *

قبل هذا الإعلان بثلاثة اشهر :
إنطلقت سيارة رياضية ذات لونٍ ازرق , تشقّ طريقها كالسهم بركابها الخمسة , عابرةً الطرق الزراعية بين القرى .. و قد علا صوت شيرين في أغنيتها الجديدة الصاخبة ..
و فجأة ! توقف صوت المذياع مع توقف السيارة جانباً .. و يبدو ان هناك حواراً يدور بين ركابها ..

في داخل السيارة ..
قال الشاب (صاحب العضلات المفتولة) الى صديقه جاسر الذي يجلس بجانبه :
– جاسر !! أأنت واثق من أننا نسير في الطريق الصحيح ؟!
-نعم يا محمود .. فأنا ذهبت الى قريتي لوحدي اكثر من مرة .. و سنصل اليها مع نهاية هذا الطريق

فابتسم منير (الفتى النحيل بنظّارته الطبّية , و الذي كان يجلس في الخلف) :
– فكرتك جيدة يا جاسر .. فقريتك بعيدة كثيراً عن المدينة , و ستكون مناسبة لإجراء بحثنا الميداني .. و انا متأكد بأننا سنأخذ درجاتً عالية في مشروعنا الجامعي

لم يعقب أحد على حديث منير ..فهو معروف بينهم بالعبقرية العلمية .. و عادت السيارة لتنطلق و هي تنهب الطريق نهباً , حتى وصلت الى قرية فيها منازل قليلة ..كانت ماتزال تحافظ على شكلها القديم , و كأن الزمن توقف عندها و لم يصبها فيروس التطور .. و قد قبعت هذه القرية فى باطن الجبل فى مشهدٍ أسطوري , أبدعه فنانٌ محترف ..و قد إنتشرت أشجار النخيل فى كل مكان , مما أضفى على المكان جمالاً خلاّباً ..

و هنا !! هتف جاسر و قد إنتفخت أوداجه , و أصبحت كالبالونة التي إمتلأت بغاز الهيليوم !
– هاهي قريتي !! لقد وصلنا !! ألم أخبركم بأنها ساحرة ؟!!

ثم نظر الى الخلف , نحو الفتاة التي تحمل ملامحاً اوروبيّة : بشعرها الأشقر و عيونها الزرقاء ..و ذاك الوجه المرمري , و الأنف الدقيق .. و مما زاد جمالها اكثر , هو فمها الذي يشبه حبات الكريز فى لونها ..

فسألها قائلاً :
– لوجي !! ما رأيك بقريتي ؟
– تبدو جميلة .. ليتنا نمكث فيها لبعض الوقت .. بل ما رأيكم ان نعزم باقي أصحابنا , و نعمل حفلات شواء تحت سفح ذلك الجبل المهيب ؟!!

قاطعتها الفتاه الأخرى التى كانت تجلس بجوارها , ذات الملامح الشرقية : بشعرها الأسود الفاحم و عيونها التي تشبه لون العسل و وجها الدائري , و بشرتها التى تشبه لون القمح الذى استوى على عوده .. قائلة بلهجةٍ حامية :

– أأنت دائماً هكذا ؟!! رأسك مشغول في الحفلات و المكياج و الأشياء الفارغة ! نحن هنا من أجل بحثٍ ميداني للحصول على درجاتنا النهائية في الجامعة .. لهذا دعونا ننتهي منه سريعاً , كيّ لا نتأخر بالعودة الى منازلنا .. و لا داعي ابداً لتضيع الوقت !!

حاولت لوجي ان تردّ عليها ..لكن منير (الذي يجلس بجانبهما) قال بسرعة , في محاولةٍ منه لتهدئة الجوّ :
– يا هدى !! هوّناً يا أختاه ! الأمر لا يستحق حِدّة الخُلُق .. و على العموم !! سنخرج بعد قليل الى شوارع القرية , لننهي ما أتينا من أجله …أظن ان الكلّ يعرف ما أتينا من أجله , أم أقول لكل واحدٍ منكم دوره ؟

فصمت الجميع , و أخذوا يحدّقون اليه .. فعرف الإجابة من خلال نظراتهم .. فقال منير :
-حسناً سأعيد .. نحن هنا من أجل بحثٍ ميداني خاص ب(علاقة المجتمع بالخرافات الشعبية , و تأثيره على التطوّر المجتمعي) .. و سيذهب كل واحداً منا في جهة , لنحصل على اكبر قدر من المعلومات
فقال جاسر :
-نعم !! و ان تأخّر الوقت , نبيت جميعنا في منزل جدي .. و في الصباح نعود الى المدينة ..

ثم يكمل منير شرح خطة العمل :
-شكراً لك يا جاسر .. اذاً !! كما اسلفت .. علينا ان نتجوّل طوال اليوم .. و كلاً منّا يسأل اهالي القرية عن ما سمعوه من اخبار الشعوذة , و ندوّن ما يحدث معنا .. و في نهاية اليوم ..نجتمع كلنا في المكان الذي حدّدناه قبل قليل , لنذهب سويّاً الى منزل جاسر ..
فهل هذا واضح ؟

وافق الجميع ..و أنطلقوا في شوارع القرية , يسألون السكان عن الدّجالين و الجن و العفاريت ..و سرقهم الوقت حتى غابت الشمس ..و عاد الفلاّحون الى منازلهم ..و اخذت الأضواء الخافته تطلّ من النوافذ ..و في المكان المحددّ , إلتمّ شمل أبطالنا ..

و أخذوا جميعاً يتحدثون عن مجريات اليوم ..و بعد أن إنتهوا , قال محمود :
– لقد تأخّر الوقت .. هيا يا جاسر !! دلّنا على منزلك

فسار الجميع بالسيارة بين شوارع القرية , و سكانها يتابعونهم بفضول و يتهامسون فيما بينهم .. لكن أصاحبنا لم يبالوا بذلك الى ان وصلوا لمنزلٍ , يعتبر كبيراً بالنسبة لباقي منازل القرية .. حيث تكوّن من طابقين , بنوافذٍ زجاجية مزخرفة .. لكن مع هذا , يبدو المنزل و كأنه مهجور منذ مدّة طويلة ! فقد كبرت بعض الأشجار , و اغصانها تشابكت بدون تشذيب !

ففتح جاسر الباب الذي أطلق صريراً مزعجاً ..و ما ان دخلوا حتى اشتمّوا رائحة غير مستحبّة .. و رغم ان المنزل كان مفروشاً بأثاثٍ فخم , الا انه مُغطّى بالكامل بطبقة من الغبار الذي انتشر في كل مكان .. و بعد ان أضاء كل واحدٍ منهم كشّافه اليدوي , أخذوا يتجوّلون في المنزل الذي كان يبعث على الخوف و الكآبة .. حيث انتشرت في زوايا الغرف , بقايا عظمية لبعض الفئران النافقة ! و لهذا فضّلوا قضاء ليلتهم فى الدور العلوي ..

و بالفعل !! قاموا بتنظيف غرفتين .. ثم جلسوا يتسامرون ..
و فجأة ! سألت لوجي سؤالاً , كان وقعه كالقنبلة :
– آه صحيح يا جاسر !! لما لم تخبرنا أن جدّك الأكبر , كان صاحب كرامات ؟!
فأحسّ جاسر و كأن قطاراً قد صدمه ! فصمت بإرتباك , بينما نظر الجميع اليه باهتمام ..

فأجاب بتردّد :
– بصراحة ..كنت أعتقد أن الأمر لا يستحق الذكر .. لكن طالما أنكم فتحتم الموضوع , فسأخبركم بكل شيء …. (ثم تنهّد) .. كنت قد سمعت من والدي : ان جدي الأكبر كان باستطاعته تسخير الجن , و يمتلك القدرة على التعامل معهم .. بل كان طويل الباع في هذا الموضوع .. لكنه إختفى منذ زمنٍ بعيد !

هدى بإهتمام :
-ماذا تقصد بقولك : اختفى ؟!
-ابي اخبرني : بأنه كان آخر من رأى والده .. حيث كان جدي يقرأ احد كتب الشعوذة في غرفته .. و بعد ساعة .. دخلت اليه جدتي , فلم تجده ! ..و من يومها , لم يعثروا عليه أبداً ! .. و بعدها بشهور .. غادر الجميع هذا المنزل , و عشنا في القاهرة ..و لم نعد نأتي الى هنا كثيراً.. و رغم اننا بعنا كل املاكنا في هذه القرية , قبل ان نستقر بالمدينة .. الاّ ان والدي فشل في بيع هذا المنزل الكئيب ! .. و قد حاول هو و اعمامي كثيراً , لكن يبدو كأن المنزل يتحدّاهم … فتركناه ورائنا .. و من يومها , صارت تصلنا الكثير من الشائعات و الحكايات المخيفة عن هذا المنزل .. لكن والدي لم يصدّقها طبعاً ..و كان يقول دائماً : بأنها مجرّد خرافات ليس لها أساس من الصحّة , و كلّه انتشر بسبب الجهل !
ثم صمت جاسر .. فخيّم السكون على المكان ..

لكن لاحقاً .. جاء الردّ مخيفاً لأبعد مدى .. أبعد حتى , من خيالهم الجامح !

اما في هذه الأثناء .. فقد خرجت الفتاتان من غرفة الشباب , و ذهبتا الى غرفتهم المجاورة ..
و هناك .. تمدّدت هدى على السرير , و بجاورها جلست لوجي و هي تعبث بجوّالها .. بينما حاولت الأولى ان تناقشها بكلام جاسر , لكنها فضّلت الصمت .. فتقلّبت على جنبها الأيمن و حاولت أن تنام ..

و مرّت الدقائق ثقيلة ..لكن فجأة !! سمعت هدى شهقة فزعة , صادرة من زميلتها .. فهبّت من مرقدها , لتجد لوجي ترتجف و قد اتسعت عيناها على نحوٍ مخيف , و هي تنظر الى أحد أركان الغرفة .. فأمسكت كتفها و قالت :
– لوجي !! ما الأمر ؟!

فلم تنطق , بلّ ظلّت ترتجف .. الى ان قالت بكلماتٍ متقطعة :
– هناك … هناك شخصاً ما …فى ذلك الركن المظلم … كان بشع المنظر !! .. لقد رفعت عيني لثانية عن جوالي , فوجدته ينظر اليّ نظرةً مخيفة !
و أشار بإصبعه على رقبته : بعلامة النّحر !

فأسرعت هدى و اضاءت مصباحها اليدوي , و وجّهته ناحية الركن المظلم .. لكنها لم تجد شيئاً .. فطمأنت صديقتها و هدّأتها ..و بعد قليل .. ارادت هدى ان تذهب الى دورة المياه , بعد ان وعدت لوجي (المرتعبة) بأن لا تتأخّر عليها ..

و في الحمام .. اخذت الأفكار تعصف بهدى .. و فجأة !! لمحت ظلاً لشخصٍ ما (من اسفل باب الحمام) و هو يتحرّك بسرعة غير طبيعية ! .. فانتبهت اليه حواسها ! و مرّت الثواني ثقيلة كالدهر .. و صار قلبها يدّق بعنف ..

ثم بدأ هذا الخيال يحاول فتح الباب عليها (رغم وجود القفل) ..فظنّت أنه أحد أصدقائها , فنبّهته على وجودها بالداخل .. الا انه كان يصرّ على فتح الباب عليها بالقوة ! فارتفع الأدرينالين الى رأسها , و أنتفضت واقفه ..
و صرخت بغضب :
– من أنت ؟!!
لكن لا مجيب ..

ثم صار الباب يرتجّ بعنف , حتى ظنّت بأنه سيُكسر فى أيّ لحظة ! فقرّرت أن تطلق صرخة عالية لتستنجد بأصحابها .. و قبل أن يخرج الصوت من حلقها , إنطلقت صرخة أخرى مخيفة تشقّ سكون الليل ..ثم صمت كل شيءٍ فجأة ! إنخلع قلب هدى مع تلك الصرخة ..و تردّدت قليلاً في فتح الباب ..
ثم إستجمعت شجاعتها و فتحته , لكنها لم تجد ذلك الخيال !.. فانطلقت بسرعة ناحية غرفتها , فهي تعلم من هي صاحبة الصرخة ..

و ما ان وصلت , حتى وجدت أصحابها الشباب مجتمعين في غرفة البنات ..
و يتساءلون فيما بينهم :
-هل رأى احدكم لوجي ؟!
لم تكن عند أحد الإجابة ! و قرّروا جميعاً البحث عنها فى أرجاء المنزل ..كل شخص لوحده بمصباحه اليدوي ..

و إنطلقوا !! بعد ان إتفقوا على ابقاء جوالاتهم مفتوحة , كي يظلّ هناك إتصالاً فيما بينهم ..
و عندما تلقى محمود اتصالاً من جاسر , رفع صوت جواله ليستمع باقي الأصدقاء للمكالمة , بعد ان تجمّعوا حوله .. فظهر صوت جاسر و هو يقول :
– محمود !! أنا الآن في الدور السفلي !! و لم أجد شيئاً هنا , غير الفئران !

فترة صمت .. ثم هتف جاسر قائلاً :
– آه لحظة !! أرى جسداً متكوّر فى أحد الأركان ! سأقترب منه لأتحقق اكثر
يتنصت الجميع بانتباه .. و تمرّ الثواني بطيئة , و كأن الزمن قد توقف !

و فجأة !! سمعوا شهقةً مكتومة ! ثم صوت جاسر و هو يصرخ بفزعٍ شديد :
– إهربووووووووووووووووووووووووووووووووووا !!!!!
ينتفض الجميع , و ينتقلوا الى الدور السفلي حيث جاسر .. الا انه كان إختفى تماماً !

فيبحثون عنه كثيراً لكن دون جدوى .. و بعد ان يأسوا من ايجاده ! صعدوا الى الطابق الأرضي , و جلسوا في الصالة و طائر الصمت يخيّم عليهم ..و فجأة ! ينتبه محمود لشخصٍ ما , ينظر اليهم من خلف إحدى الستائر الموجودة في الردهة !
فيترك أصحابه و يذهب ليتأكّد من الأمر بنفسه , دون ان تلاحظه هدى او منير …
لأنهما في هذه الأثناء , كانا يتناقشا بأمر اختفاء لوجي و جاسر .. و صارت هدى تُلقي بإفتراضاتها حول ما يحدث معهم , و منير يهزّ برأسه و يعدّل من وضع نظارته على أرنبة أنفه ….
ثم فاجأها بقوله الغير مبالي :
– اتدرين يا هدى .. عقلي مشوّشٌ تماماً .. جيد انني احضرت معي بعض القهوة .. سأذهب لعمل كوبٍ منه , لربما افهم ما يحصل معنا ..اتريدين ان تشربي معي ؟

هدى بدهشة :
-يالي برودة اعصابك يا منير ! اصدقائنا اختفوا تماماً , و لا نعرف مالذي حصل معهم بالظبط .. و انت مشغول بالك بالقهوة !
-يعني لا تريدين … حسناً سأذهب الى المطبخ .. لكن اعدك بأن لا اتأخر ..

و بعد ان ذهب , لاحظت هدى غياب محمود .. فقالت في نفسها بضيق :
((و اين ذهب محمود ايضاً ؟! .. يالهي ! ماهذه الليلة الغريبة ؟!))

و بينما كانت هدى تفكّر بمصير صاحبيها .. اذّ بها تلمح شخصاً ما , يبحلق فيها (من امام الباب الخارجي للدار) بصمتٍ مخيف !
فصرخت بفزع و بأعلى صوتها :
-محمود !! منير !! تعالا بسرعة !!!
لكن لا مجيب , فقد صمت الجميع !

فحاولت أن تهرب , بعد ان اختلطت عليها الأمور !.. و كانت تتعثر في ركضها , بسبب ملاحقة ذلك الظلّ لها , بصمته المخيف ! و أخيراً !! وصلت لغرفتها (في الطابق العلوي) .. دخلتها و أغلقت بابها بسرعة , بينما أنفاسها تتلاحق برعبٍ شديد ! و أشاحت بمصباحها يميناً و يساراً باحثة عن شيء تضعه خلف الباب .. فإذّ بها تجد جسداً يشبه محمود , و قد تكوّمَ على نفسه في احد الأركان .. فيفزعها المنظر , لكنها تعود و تناديه :
-محمود !! …..محمود !!!
لكنه لا يردّ عليها ! فتركع بجانبه لتعدّل جلسته .. لكن ما ان نظرت الى ملامح وجهه , حتى صرخت صرخة مدويّة .. قبل ان يعمّ الصمت ارجاء المنزل !

* * *

القمر كان بدراً , ألقى بأشعته الفضّية على إحدى نوافذ منزل جاسر ..و سِمَة شخص يقف بأعلى الدرج يبحلق في صمت , و كأنه تمثال لا حياة فيه !
و فجأة !! يقترب منه مجموعة من الأشخاص .. ولوّ إقتربنا أكثر , لرأيناهم بوضوح : إنهم أبطالنا !!
قال جاسر :
– هآ محمود , هل إنتهى كل شيء ؟
فأومأ برأسه ايجاباً .. و هو يكمل نزوله من اعلى الدرج , باتجاه اصدقائه

ثم قالت (لوجي) و هى تلوك علكة بطريقة مستفزّة :
– أأعجبكم المكياج الذي وضعته على وجه محمود , جعلته يشبه الزومبي .. لكني قمت به على العجل , فلم يكن امامي الكثير من الوقت ..
جاسر و هو ينظر الى وجه محمود :
-لا بأس به يا لوجي , المهم انه وفّى بالغرض .. اليس كذلك يا محمود ؟

لكن محمود لا يجيبه , بل ظلّ شارداً بحزن .. فقالت لوجي بفرح :
-يالها من فكرة عبقرية .. نقتل هذه اليتيمة , ثم نبيع أعضائها لذلك الطبيب .. و بثمنها نستطيع أن نفعل ما نريد ..و لولا خطة منير العبقرية , لم نجحنا أبداً .. حتى انه لم ينسى ان يستأجر هذا المنزل , بإسم مستعار
ضحك منير و قال بزهو :
– حتى تعرفوا قيمتي .. لكن علينا ان نشكر الشاب القوي , الذي كتم انفاسها ..
هآ محمود , هل خنقتها جيداً ؟

يجلس محمود على مقعد قرب النافذة , و يقول بعد ان إكتسى وجهه بالحزن :
– اصلاً المسكينة كانت شبه ميتة ! فالجوّ المرعب الذي اختلقناه , اثّر عليها كثيراً .. و ما ان ضغطت قليلاً على رقبتها , حتى انهار جسدهاً تماماً
جاسر يبتسم بلؤم :
-هذا جيد .. لا دماء و لا قرف .. عملية قتل نظيفة
فقال محمود بضيق :
-بصراحة , انا متضايق جداً .. فهي لم تستحق كل ما فعلناه بها !

فقال منير بحزم :
-لكن المال يستحق , يا محمود !!
جاسر بلؤم : نعم من اجل المال , يمكننا فعل اكثر من ذلك !!
-لوجي : كنا مجبورين يا محمود .. فنحن جمعنا القدر , بعد ان تشابه مصيرنا .. فجميعنا قمنا بالتمثيل على طلاب الجامعة , بأننا مازلنا ابناء الطبقة الراقية ..

و يكمل جاسر (بغضب) : و نحن بالتاكيد !! لا يمكننا الإعتماد على اهلنا الفاشلين , بعد خسارتهم للكثير من اموالهم في البورصة و الصفقات التجارية الفاشلة ! و كانوا ..
يقاطعه محمود : لكن على الأقل !! اهلنا لم يخرجونا من جامعتنا , و مازالوا الى اليوم يحاولون دفع اقساطنا الغالية !

لوجي متضايقة : هذا لا يكفي , يا محمود !! فمظاهر الغنى تكلّف كثيراً .. لهذا كان علينا ايجاد مدخولٌ آخر يدرّ المال الكثير , لنكمل التمثلية امام الجميع !!
فأكمل منير قائلاً :
-نعم !! معهم حق … ثم انك يا محمود متورطٌ مثلنا !! الست انت من عرفتنا على قريبك الدكتور , بائع الأعضاء ؟!

فتابعت لوجي كلامها :
-هذا صحيح !! كما ان هدى يتيمة , و قد دخلت لجامعتنا المرموقة بمنحة دراسية .. لذلك لن يفتقدها احد , فهي اصلاً !! لا تنتمي الى مجتمعنا الراقي ..
جاسر بجدية :
-هيا !!! كفّ عن القلق يا محمود .. فجريمتنا من الصعب ان تنكشف , لأننا درسنا جميع الإحتمالات ..

و اراد محمود ان يجيبهم .. لكنه فجأة ! اشتمّ شيئاً , جعله يسألهم بقلق :
-لحظة ! هل تشمّون رائحة حريق ؟!

و هنا !! رنّ محمول منير .. فنظر اليه و قد إتسعت عيناه , بعد ان رأى رقم المتصل !
و ما ان ردّ , حتى سمع آخر صوت كان يتوقعه :
-لقد سمعت كل شيء !! كان عليكم اختيار شخصٌ آخر بدل محمود , الذي جعله ارتباكه لا يتقن المهمّة .. و بهذا حظيت انا بفرصة ثانية .. لكني سأقول لكم كلمة أخيرة : (لا تبيع جلد الدبّ قبل أن تصيده).. و الآن !! حان وقت الإنتقام , ايها المدّعون التافهون !!
ثم إطلقت ضحكة مجلّجلة ساخرة !

و اسرع الجميع ناحية النافذة , بعد سماعهم لصوت سيارتهم و هي تنطلق بسرعة ! ليتفاجأوا بهدى و هي تبتعد عن المنزل .. فأرادوا اللحاق بها .. الا ان النار كانت تشتعل بقوّة في الباب الخارجي للمنزل .. و يبدو ان هدى اشعلت النار امام منافذ الدار , بحيث صار خروجهم من هناك شبه مستحيل !

و في الوقت الذي كانت فيه هدى تبتعد عن القرية , كان سكانها قد استفاقوا على صرخات الشباب الأربعة الهستيرية المؤلمة , بعد ان تحوّل كل شيء الى كومة نار !

نعم !! نهاية رهيبة لأبعد الحدود..

نهاية ..لم يتوقعها أحد !

تاريخ النشر : 2016-01-03

guest
50 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى