أدب الرعب والعام

من النافذة

بقلم : **مُليكه** – مصر

اصابعها الشفّافة تتراقص على السنة البيانو

كان في منزله نافذتين : احداها كانت النافذة الخلفية .. اما الثانية : فهي المفضّلة لديه , و هي التي تطلّ على المنزل المقابل المهجور ..

و كل يوم , ينتظر بفارغ الصبر ان يحلّ المساء و يخيم الليل.. و حينها يُشعل نيران مدفأته و يُحضِّر قهوته , ثم يجلس بقرب تلك النافذة.. و كل هذا من اجل ان يرى لويزا .. السيدة المُضيئة الطيّبة ذات الرداء الأبيض الساطع , القادمة من المجهول ! ..

و هاهو يُشاهدها و هي تفتح ابواب الغرفة , فينقشع الظلام و يبرق الأثاث و كأنه لم يكن يغلبه الغبار ..تتوجه لويزا نحو البيانو و تتأهّب للعزف ..و قبل هذا تتأكّد من ان جمهورها حاضر , فتخطف نظرة للشرفة المقابلة.. فيبتسم بدوره لها بإبتسامه الهادئة , مما يعني تأهّبه لهذه الحظة..

و تدقّ الساعة المنتظرة , مُعلنة منتصف الليل ..

فتبدأ اصابعها المُنيرة الشفّافة بالتراقص على السنة البيانو .. فتتسكّع الكائنات المضيئة الأخرى في بقية غرف المنزل , تسكُّعاً مُتناغماً مُتراقصاً مع اصوات الموسيقى , التي يعبق لها نسيم الليل البارد .. فيضاء المنزل بأكمله ..و يتحوّل السكون الهادئ المميت المهجور , الى مكانٍ يعجّ بالحركة المُرتّبة المُتناغمة..

تلك الضوضاء , التي تَهِبُك بعض السلوى و الرهبة عند الإستماع اليها ..
و هذه الطقوس الشبحيّة الشجيّة , كانت تروق لمسامع جون الأبكم .. حيث كان يتأهّب لها كل ليلة , فلا تكاد تفوته امسيّة واحدة لجيرانه الأشباح ! فطقوسهم ابهى من ايّ طقوس.. لأنها مجانية و لا تكلّفه ثمن تذكرة لحضورها , بل تكفيه ان ينظر اليها من خلال نافذته !

و ما ان تدقّ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل , حتى يعود كل شيءٍ الى سيرته الأولى ..و يحلّ السكون القاتل من جديد و تختفي كلّ البهجة !.. فيسحب جون كرسيه و يأخذ كوب قهوته الفارغ .. يطفأ المدفأة و يغلق النافذة..

و بمساء اليوم التالي , و تحديداً عند منتصف الليل .. يجلس على مقعده المفضّل و هو يحمل كوباً آخر من القهوة .. لتبدأ امسية موسيقية جديدة من حفلات جيرانه من العالم الموازي لعالمه , و من الشرفة الموازية لشرفته ..

حفلة على شرف السيدة لويزا.. جارته المتوفاة منذ سنة تحديداً !

تاريخ النشر : 2016-01-08

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى