أدب الرعب والعام

لقد حان الوقت !!

بقلم : عبّاس مُحَمَّد – الكويت

لقد حان الوقت !!
ياله من رجلٍ لئيم , لقد افزعني حقاً !

حلّ منتصف الليل ..و انا ما ازال اتقلّب علی سريري يمنةً و يسرى في محاولتي للنوم , بدون جدوى .. و صوت المطر يزيد من توتري !

فجأة !! سمعت صوتاً قادماً من الغرفة المجاورة , فنهضت بقلق لأعرف مصدره !

فتحت باب غرفتي بهدوء .. و مشيت بخطواتٍ حذرة , الى ان وصلت إلى غرفة المعيشة .. فوجدت النافذة مفتوحة .. لا اذكر انني فتحتها مع هذا الجوّ الماطر ! .. فاقتربت منها , بعد ان شعرت بلفحة هواءٍ باردة .. و قبل ان اغلقها ..
لفت انتباهي شخصاً كان يقف على ناصية الشارع المقابل للمبنى (التي بها شقتي).. و كان يلبس معطفاً اسوداً , و قد غطّى رأسه بقبعته ..

تساءلت في نفسي :
مالذي يفعله هذا الأبله بهذه الساعة المتأخّرة , و مع هذا الجوّ العاصف ؟!

و اذّ به يرمقني بنظراتٍ حادّة ! .. و اشار بإصبعه اتجاهي , ثم ثنى يده نحو رقبته بإشارة منه : تعني النّحر !

ففزعت !! و اغلقت النافذة و اسدلت الستارة عليها بسرعة , بعد ان ارتفعت دقّات قلبي !

و صرت احدّث نفسي : ياله من رجلٍ لئيم , لقد افزعني حقاً !

و قبل ان اعود الى غرفتي .. رنّ جرس الهاتف ..فرفعت السمّاعة , و صرت اردّد بعض العبارات (الو ..من معي ؟..من المتصل ؟..ماذا تريد ؟.. الوووو !!) .. كلمات من هذا القبيل .. لكني لم اسمع الاّ صوت تنفّسٍ ثقيل , قبل ان يُغلق هاتفه في وجهي !

و هنا ! انتابتني قشعريرة سرت من رأسي حتى اخمص قدميّ !

واذّ بالهاتف يرنّ مجدداً .. فارتبكت كثيراً .. هل اجيب ام لا ؟!.. لكن الهاتف لم يتوقف عن الرنين .. و بعد تردّد , امسكت السمّاعة ..

لأسمع عبارة واحدة من صوتٍ مُتمرّدٍ خشن :
-استعدّ !! …لقد حان الوقت

ثم اُغلق الخطّ من جديد !

فشعرت و كأن قلبي سيتوقف عن الخفقان ! و لأني اردّت ان أزيل تلك المخاوف من رأسي , قمت بإضاءة جميع انوار المنزل.. ثم جلست اشاهد التلفاز لأُشغل نفسي , حتی يأتيني النعاس من جديد

و بينما انا اقلّب برامج المحطّات , انقطعت الكهرباء فجأة عن كل البيت ! فقلت في نفسي بضيق : جيد , هذا ما كان ينقصني !! …ثم توجّهت إلى مولّد الكهرباء .. و بعد عدّة محاولاتٍ يائسة لتشغيله .. جلست في الصالة على ضوء الشموع التي وزّعتها هنا و هناك .. ثم خيّم السكون على المكان , و كان الجوّ هادئاً اكثر من المعتاد !

و جالت صورٌ بخاطري عن غرائب تحدث بعد منتصف الليل .. لكني اعود و اقنع نفسي , بأن كل تلك القصص و الأقاويل هي محض خيال لا أكثر ..و أن الناس اختلقوا تلك الأكاذيب , لكيّ يحذّروا أطفالهم من عواقب السهر !

و فجأة ! شعرت بنفحة هواءٍ باردة , اطفأت معها جميع الشموع !.. فصرت اتحسّس طريقي نحو النافذة ..لكنها مغلقة !..نعم , فقد اغلقتها قبل قليل !.. اذاً من اين دخل الهواء ؟!.. ثم بدأت اشعر بأنني لست لوحدي في المنزل !.. لكن قبل ان يتملّكني الرعب , عادت الكهرباء و ارتفع صوت التلفاز من جديد !.. فأقتربت لإطفئه , و اذّ بي اسمع قرقعة صحون آتية من مطبخي !.. ما هذا الآن ؟!.. اتمنى ان لا يكون فأراً ..

و ما ان وصلت لباب المطبخ , انتبهت على باب الخزانة مفتوحاً ..ثم رأيت احد الصحون يتدحرج لوحده , ليسقط على الأرض و تتناثر اجزاؤه في كل مكان .. كان شيئاً مريباً !
لكني لم ارغب في التفكير بالأمر ..و حاولت تجاهل كل الاشياء الغريبة التي تحصل معي هذه الليلة .. و تركت كل شيء ..و ذهبت فوراً لغرفتي .. فلربما ينتهي هذا الكابوس بنومي ..

في حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل :

كنت اخيراً استسلمت للنوم .. لكن ما ان غفوت قليلاً , حتى احسسّت بهزّةٍ صغيرة في سريري .. ففتحت عينيّ الناعستين بصعوبة .. و رغم انني شعرت بغرابة , الا ان عقلي الباطني فسّر الأمر : على انه هزّة أرضية طفيفة .. فأغمضت عيني من جديد

و بعد قليل .. و بينما انا اتقلّب .. سقطت بطّانيتي علی الأرض .. فمددّت يدي لألتقتها ..
و اذّ بيدٍ باااااااردة جداً تُمسك بيدي , و تشدّني للأسفل !.. و على الفور سحبت يديّ بقوة !! و قلبي يكاد يقفز من بين ضلوعي ..

و حاولت اضاءة مصباحي .. اللعنة !! لقد انقطعت الكهرباء ثانيةً .. لكن كان هناك بعض النور يتسلّل من نافذتي .. فنظرت برعب و حذر اسفل سريري , لكني لم اجد احداً ..

و قبل ان ارفع رأسي .. شاهدت من اسفل السرير , باب غرفتي و هو يفتح .. و من ثم حذاء لرجلٍ ما .. فانتفضت من مكاني !! و التقت اعيننا ببعض .. لقد كان نفس رجل الشارع !.. كيف دخل الى هنا ؟! ..
و قبل ان انطق بكلمة .. رأيته يهجم نحوي بسرعة !! ..ثم قفز عليّ !

***

استيقظت في اليوم التالي على اصوات بكاءٍ و نحيب , قادماً من خارج غرفتي !.. فخرجت بقلق , لأرى صالة شقتي تعجّ بالأقارب و المعارف .. جميعهم يلبسون السواد !.. و الحزن بادي على وجوههم .. ثم انتبهت الى صورة لي بالحجم الكبير , موضوعة في زاوية الصالة , و قد وضع على طرفها شريطاً اسود !

و قبل ان استوعب ما يحصل ..
تناهى الى سمعي عبارة والدتي و هي تقول لجارتها , و دموعها تغلبها :
-حتى الطبيب الشرعي لم يعرف سبب وفاته ! .. انظري كم كان شاباً وسيماً
و اشارت امي الى صورتي الكبيرة !

فقالت جارتها مواسية :
-رجاءً لا تحزني … فقد حان وقته !

و فجأة !! فُتحت نافذة الصالة عن آخرها , ليظهر من خلفها نوراً ساطعاً يخطف الأبصار .. و اذّ بي اطفو باتجاهها , من فوق رؤوس المعزّيين ..

لأكمل من خلالها رحلتي المجهولة .. رحلة اللاّ عودة !

تاريخ النشر : 2016-01-12

guest
71 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى