أدب الرعب والعام

الجـشـع الـقـاتـل

بقلم : محمد ابو العز – سوريا
للتواصل : [email protected]

اعجبنا منظر الجوهرة بلونها الأخضر اللامع

عدنا من المدينة الصناعية انا واصحابي ( عبدالحي ـ مجد ـ عزو ـ تيمو )
بعد اسبوع من البحث عن العمل

لقد عدنا خائبي الآمال ناكسي الرؤوس فاقدي الرجاء من الحياة فجميع الشركات رفضت توضيفنا بسبب افلاسها وجميع المؤسسات الحكومية طردتنا نظرا لسياسة التقشف الشديدة التي تستخدمها الدولة .. بل حتى الشركات الصغيرة وورشات العمل رفضت قبولنا عمال عاديين بسبب وضعهم المادي السيء وما يثير الاشمئزاز اكثر هو انني امتلك شهادة جامعية واصدقائي ايضاً
..ولكن للأسف فعندما تتغلب الواسطة على الخبرة فعلى الدنيا السلام …..

عدنا من المدينة الصناعية نسير في الشارع الرئيسي , كنا نتحدث عن ظلم الحياة وعن مستقبلنا الذي يتجه نحو الضياع ….

قال مجد : اليوم محفظتي لم يعد فيها اي ورقة نقدية واهلي لا يملكون لي ضراً ولا نفعاً …
عبدالحي : اخ لو ان لدي مبلغ محترم لهاجرت من هذه البلاد كلها
عزو : لا تفقدوا الامل فالرزق على الله فلا تعلمون ماذا يخبأ لنا الغد
تيمو : يا جماعة انا فقدت الأمل في كل شيء فالمتسول اليوم حاله افضل من حالي ماديا ومعنويا

كنت اتابع نقاشهم الكئيب بصمت فضروفي مشابه تماما لضروفهم ولا املك لهم اي شيء

وما هي لحضات حتى وقعت عيني على صندوق ملقى عالرصيف بجانب الشارع .. صندوق غريب كأنه من العصر الحجري .. اتجهت نحوه وحملته بيدي حاولت فتحه ولكنه مغلق بإحكام واصحابي ينظرون الي

وبعد عدة محاولات تمكنت من فتح الصندوق فإذا بي ارى مجوهرة لم ارى مثلها من قبل ، لقد اعجبنا منظرها واتحفنا تصميمها الرائع ولونها الأخضر اللامع وبالكاد صار اصحابي فجأة خبراء بالاحجار الكريمة منهم من يقول انه الزمرد ومنهم من يقول انه ألماس في حين قال عزو انها مجرد اكسسوار بحت …

قررنا الاستيلاء عليها وعدم اعادتها لصاحبها ان وجُد ، اي قررنا سرقتها بالمعنى الحرفي ، لذلك لم اجرؤ على عرضها بأسواق المدينة لأعرف ما هيتها خوفا من ان يتعرف عليها احداً ما ، لذا لجأت الى مهرب خبير بهذا المجال ..

زرته مساءا مصطحباً معي اصحابي الاربعة قام المهرب بفحصها مدة واتصل على مهرب آخر وامره بالقدوم الينا وبعد لحضات قامو بفحصها وتدقيقها ومقارنتها بألاحجار الكريمة وتبينوا ان هذه المجوهرة عمرها اكثر من ٣٠٠ عام ويقدر سعرها بنصف مليون دولار وعرضوا علي شراءها مني ولكن بعد شهرين لحين توفر المبلغ وضل المهرب يسألني كثيرا وانا اجيبه باجابات مبهمة بدون تفاصيل ….

لقد كانت صدمة قوية ستغير حياتي ستضعني في منزلة الاغنياء سأملك بيوت ومحلات وسيارات و و و فالسعر الذي عرضه علي المهرب فاق التوقعات ولم اكن احلم بجزء منه
كانت فرحتي لا تقدر بفرحة بل ان ضميري لم يرتعد اطلاقا تجاه صاحب الصندوق الحقيقي فانا اشعر ان الحياة ظلمتني كثيرا وانني استحق كل شيء يقع بيدي وانني لست ملزما ان اكون شخصا نبيل او امين ….

لم تدم فرحتي طويلا حتى جاء اصحابي الاربعة وابلغوني ان المجوهرة من حقنا جميعا وليست لي وحدي ولا يمكن لأحد ان يستحوذ عليها دون الآخر لذا اعلنوا مقاسمتي المجوهرة على ان يحصل كل واحدا منا على خُمس ثمنها اي مئة الف دولار لكل واحد مدعين انها من نصيبنا جميعا واننا جميعا عثرنا عليها في وقتا واحد ….

رفضت كلامهم هذا رفضا قاطعا فالمجوهرة من نصيبي انا وحدي فانا عثرت عليها وانا فتحت الصندوق وهي ملكي الخاص .. وكيف اسمح لهم ان يشاركوني مستقبلي واحلامي ؟! ..

ولكنهم هددوني بأنهم سيفضحون امري بل سيبلغون الأمن الجنائي عن سرقتي للمجوهرة ان لم احاصصهم بها ….
حتى ان عبدالحي قام بوضع سكينه على عنقي وهددني ان الامر سيكون خطيرا اذا رفضت ذلك

كان تهديدهم اشبه بإبتزاز جعلني اوافق مُكرهاً على طلبهم واتفقنا ان تكون من حصتنا نحن الخمسة بشرط ان تضل المجوهرة وصندوقها معي في البيت لحين بيعها للمهرب بعد شهرين وشرطا آخر ان نتكتم على موضوع المجوهرة ولا نبوح سره لكائنا من كان !

كانت هذه نكسة قوية بالنسبة لي ولكنني مرغم اخشى ان يفضحوا امري وعندها سأخسر كل شيء ….

ولكن شاء القدر ان يتغير السيناريو كله من سرقة الى حدث خارق للعادة ان صح التعبير ، ففي اليوم التالي طلبت من اصحابي الاجتماع عندي بالمنزل لأمر مهم للغاية لا يمكن كتمانه وعند حضروهم قلت لهم : ايها الاصحاب وجدت هذه الرسالة في صندوق المجوهرة انظروا مكتوب عليها ( الموت سيصيب كل من يستحوذ على هذه المجوهرة ـ توقيع فيليب نازدا ) لذا يا رفاق اشعر ان الامر جدي خصوصا انني رأيت كائن غريب في المنام يهددني ان اعيد الصندوق الى مكانه

صمت الجميع لولهة ثم انتفض عبدالحي ووصف ما يجري بالهراء بل قال ان الرسالة من صنعي انا … اما مجد فراح يسخر من مضمون الرسالة وقالوا لي : ان اردت ان تتنازل عن حقك فلا مانع لدينا اما نحن فلا …..
لم يكن مني الا ان اتفقت مع اصحابي وقللت من شأن الرسالة بل مزقتها ايضاً  …

مضى اول اسبوعين على ما يرام ولكن بعد ذلك بدأت تحدث اشياء غريبة ففي يوما ما وجدنا صاحبي تيمو مقتولا في خرابة بعيدة عن المدينة و مقتول بطريقة بشعة تدل على بشاعة مرتكبها فكانت جثته مطعونة بخمسة عشر طعنة وجلد رأسه منزوع حتى ظهرت جمجمته ياله من منظر بشع ونهاية مأساوية

ذعر اهل المدينة من هذه الجريمة وحققت الشرطة كثيرا وتدخل الامن العسكري وسحبوا كل اصحاب السوابق بهدف معرفة المجرم ولكنهم عجزوا ان يعثروا على اي دليل سوى ورقة صغيرة وُجدت على جثة المغدور تيمو مكتوبة بخط اليد مكتوب عليها ( هناك خمسة اشخاص من مدينتكم يعبثون معي وهذا واحدا منهم وسيلحق الاذى الاربعة المتبقين ـ توقيع فيليب نازدا )

كان تهديد مباشر لنا من المدعو فيليب نازدا ولكننا لم نستطع ان نخبر احدا بذلك حفاظا على سرية الموضوع …

بعد مدة استدعاني مجد الى بيته واستدعى بقية الاصحاب عبدالحي وعزو وكان القلق والارتباك مسيطر علينا جميعا من تلك الحادثة البشعة وتسائلنا عن الارتباط الوثيق بين موت تيمو وبين المجوهرة ولكننا توصلنا اخييرا الى عدم التخلي عن المجوهرة مع توخي الحذر الشديد والتسلح ايضاً …

بعد يومين فقط من اجتماعنا هذا خرج اهل المدينة جميعا على صوت رصاص مصدره الصحراء خارج المدينة .. ما الامر ؟ من الذي يطلق الرصاص ؟ وصلوا جميعا الى مكان اطلاق النار وشاهدو رجل ملثم يرش جسد رجل آخر ولكنهم لم يستطيعوا الامساك بالملثم اذ ركب دراجته وهرب بسرعة البرق …

وصلت انا الى مكان الحادثة بعد ساعتين سألت احد الشهود على الجريمة : ما الامر يا ابو فؤاد فأجابني

فكانت الصدمة لقد قتل صاحبنا مجد على يد مسلح متلثم وغربل جسده بالرصاص حين استفرد به خارج المدينة وايظا لم يعثر الشرطة على اي دليل سوى على ورقة مكتوبة بخط اليد مكتوب عليها ( الاربعة المتبقين يلقون بأيديهم الى التهلكة وهذا واحدا منهم والقادم هو المدعو عزو ـ توقيع فيليب نازدا )

حاولت الشرطة معرفة هذا المجرم الذي يتحداها بكل صلافة ووقاحة واستدعت اشهر المحققين بل استدعت عزو ايظا وحققت معه كثير ولكنه لم يتكلم بأي شيء لحين اطلاق سراحه

ما هي الا لحضات اتصل بي عزو وطلب مني ان اجتمع معه في مقهى باطراف المدينة وان واحضر معي عبدالحي … وصلنا اليه وكان وجهه شاحبا والرعب يكاد يوقف قلبه …

قال لنا يا رفاق دعونا نتخلص من هذه المجوهرة اللعينة المشعوذة قبل ان تهلكنا فهذه اعتقد من صنع الجن وان المدعو ( فيليب نازدا ) سيقتلنا واحدا تلو الآخر ان لم نعيد الصندوق وصرت اشك انه من الجن وليس من الانس .

لم نكن انا وعبدالحي نؤمن بنظرية ان الجن قد يقتل الانسان بل نعتبرها سخافات وان المدعو ( فيليب نازدا ) ما هو الا مجرم غدار لا يمتلك اي خارقة ….

تناقشنا ما يقارب الساعة فقررت انا وعبد الحي ان نحافظ على الصندوق وقرر عزو ان يتخلى عن حصته نهائيا شرط ان نوفر له مبلغ الفين دولار كي يهاجر خارج البلاد فهو لم يعد ينام الليل بل اصبح يخاف من ظله بسبب تهديد (فيليب نازدا) له ….

اتصلت بالمهرب وطلبت منه قرضاً الفين دولار كي يهاجر عزو وهذا ما حصل بالضبط أستطاع عزو ان يهاجر ويذهب بحال سبيله …..

لم نبقى سوى انا وعبد الحي الذي طلب مني ان ابيع المجوهرة بأسرع ما يمكن لكي نتخلص من بلائها وقال انه لاشك ان المجرم الآن يتربص بنا من كل جانب وسيتركنا بحالنا اذا ما بعنا المجوهرة …..

كان عبد الحي ذو قلبا ميت و كان شديد الحذر و لا يهاب الموت وفوق ذلك كان يحمل رشاش من نوع روسية وهذا ما جعله يتمسك بالمجوهرة غير مكترث بتهديدات ( فيليب نازدا )

طلبت منه الحضور لمنزلي … بعد قدومه خاطبته : عزيزي عبدالحي الآن عزو رحل وكان هو المهدد بعد مجد اي ان ( نازدا ) الآن يريد رأسي و رأسك فقط ولا ندري من هو الأول قد اكون انا الضحية القادم او تكون انت ، وهو الآن ينتظر خروج احدنا والاستفراد به على احر من الجمر ، فما رأيك ان نتغدى به قبل ان يتعشى بنا اي ننصب له كمين محكم حتى نقبض عليه ونجعله يتوسل تحت اقدامنا راجيا العفو ….

كانت هذه امنية عبد الحي ان يمسك بالمجرم الملقب نازدا ويتفنن بتعذيبه حتى الموت لذا لم يتردد بالموافقة على طلبي وبدأنا نرسم الخطط ونتناقش بكيفية القبض عليه في كمين محكم ….

اتفقنا على خطة الا وهي زيارة المقبرة المجاورة للمدينة فالمجرم لا يظهر عادة الا في الاماكن النائية ولا يجرؤ على الظهور في المدينة ….

قررنا الذهاب للمقبرة فراداً ومن طريقين مختلفين شرط ان نصل نحن الاثنين سوية للمقبرة في نفس الوقت فلعل المجرم فيليب نازدا الآن يراقب واحدا منا وسيتفاجأ حين يرى الآخر في المقبرة ايضاً 

انطلقنا نحو المقبرة انا ذهبت من الشمال وعبدالخي ذهب من الشارع الرئيسي والموعد المقبرة 

وصلت للمقبرة اولا قبل عبد الحي .. دقائق ويصل عبدالحي رآني وقام بتهيئة رشاشه ولكن اشرت له بيدي نزل عبدالحي بحذر واقترب مني وقال لي : اووه انت ابو العز ظننتك (فيليب نازدا ) كدت ان اطلق النار عليك …

اقتربت منه وقلت : ظنك كان صحيحا يا عزيزي فأنا من قام بشخصية فيليب نازدا

فقمت بطعنه على قلبه بسكين كانت بيدي حاول الدفاع عن نفسه وقام باطلاق النار عشوائيا ولكن سقط ارضا فقمت بأقتلاع رأسه عن جسده وطعنته ثلاثون طعنه

لقد كنت مقهورا منه ومن يباسة رأسه وعناده الشديد
والآن ارتحت منهم الى الابد وتخلصت منهم جميعا ولم يعد يشاركني احدا بالمجوهرة وبمستقبلي واحلامي …..

ثم اخرجت ورقة وقلم وكتبت فيها ( مع تحيات فيليب نازدا ) وانصرفت دون ان اترك اي دليل يدينني

تاريخ النشر : 2016-02-01

guest
27 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى