ليلة مميتة
ثم طفى جسدها في الهواء |
و حالما نظرت الى الأمام , وجدت نفسها على طرف جرفٍ سحيق لا قاع له ..
ففكرت للحظات انها بين خيارين كلٍ منهما اسوء من الآخر , و نهايتهما الموت المحتّم ..و هي لا يسعها سوى اختيار الطريقة التي ستموت بها ..
لكن قبل ان تختار مصيرها , اختارها المصير ..
تجمّعت الدموع في عينيها و ارتجف جسدها و تقلّصت معدتها , وهي تحسّ بتلك الأذرع الخشنة القاسية تقبض على جسدها ..و قاومتهم حتى آخر ذرّة قوّة تمتلكها ..
ثم قرّرت استمالة قلوبهم المتحجّرة بتوسلاتها التي ترقّ لها القلوب , لكن لا يبدو عليهم انهم تأثّروا بهذه الزهرة النديّة التي بين ايديهم ..
و قد زادت دقّات قلبها و هي تقترب من قريةٍ قديمة قذرة , تبدو كقرى القبائل البدائية .. و في داخل احدى البيوت , جرّوها نحو غرفةٍ لا يوجد بها الاّ حصيراً , و نافذة صغيرة .. ثم ذهبوا
فبقيت هناك تطرق الباب و تترجّاهم ان يفرجوا عنها , لكن دون جدوى .. فجلست على الأرض المُغبرّة , و هي تبكي بخوف ..
ثم فكّرت بأن عليها ان تجدّ مهرباً بأسرع وقت , فتوجهت نحو الجدار المصنوع من الطين و حاولت خرقه ..لكن رغم كونه من الطين , الاّ انه كان قاسيٍ جداً !..
فخطرت في بالها فكرةٌ اخرى و هي حفر حفرة تحت الجدار , لكن الأرضية ايضاً كانت صلبة
فجلست مُتهالكة القوى على الحصير , و قد شعرت باليأس يتسلّل الى اعماقها , بعد ان تلاشى آخر بصيص املٍ لها بالهروب من هذا الجحيم ..
لتبقى هناك مرعوبة ، حائرة ، حزينة ، وحيدة , تنتظر الموت الذي قرّر ان يأتيها زحفاً لا ركضاً !
حين احسّت بحركة و جلَبَة في الخارج , فأطلّت برأسها لترى ما يحدث ..فوجدت انهم قد نصبوا لها جذعاً ضخماً .. كما رأتهم و هم يسنّون اسلحتهم , ليذبحوها كبهيمةٍ لا قيمة لها !
لكن ما جعلها تجفل بحق , هو بابها بعد ان فُتح ليدخل منه جلاّدوها , و يسحبوها و كأنها خرقةً قديمة ..
وقفت هناك و هي تشاهد سكان القرية نساءً و اطفالاً و شيوخاً اتوا جميعهم لرؤية اعدامها , بعد ان قيدوها بالجذع و ربطوها عليه , و غطّوا فمها و رأسها ..
في الوهلة الأولى لم تشعر بشيء , لكن شعورها تحوّل الى حرقةٍ في احشائها التي اخترقها ذلك الخنجر , الذي كان يرقص بانسياب داخل جسدها ..
لكن شعور الألم تحوّل الى ذراعها التي كانت تُسحب من مكانها حتى تقطّعت , و بانت عروقها التي تقطر دماً .. ثم انتقل الألم مرّة أخرى نحو ركبتها اليسرى التي تهشّمت تماماً !
كم تمنّت لحظتها الموت ألف مرّة , بدل الشعور بهذا القدر الغير مُحتمل من الألم .. و كم حاولت المسكينة الفرار بكل ما اوتيت من قوّة , لكن ذلك لم يجدي نفعاً ..
و بعد كل هذا العذاب , قرّرت الإستسلام اخيراً , و اغمضت عينيها .. ليختفي الألم فجأة !
ثم نظرت لنفسها و رأت جسمها يطفو بعيداً عن جثّتها المشوّهة .. فقالت في نفسها بدهشة : هل انتهى الأمر ؟! هل مُتّ فعلاً ؟! لم اكن ادرك ان الموت مريحاً بهذا الشكل !
ثم فتحت عينيها برعب : ماذا ! أكان كابوساً ؟!
لكنها بعد ان نظرت الى يدها المقطوعة , قالت بدهشة : لا ! انا ميتة بالفعل ! الكابوس قتلني في الواقع !!
ثم نظرت ناحيتنا و قالت بحزن : احذروا من الموت في كوابيسكم , و الاّ ستموتون بالفعل !!
ثم طفى جسدها في الهواء .. فصارت تلوّح لنا بيدها قائلة : وداعاً ايها الأحياء , ارجو ان نلتقي قريباً ..
-كات !!!
و صفّق العاملين بمكان التصوير .. ثم اكمل المخرج كلامه :
-لقد انتهى التمثيل !! و انهينا يا اصدقاء الفيلم اخيراً .. و انتِ !! احسنتِ بإتقان الدور .. هيّا (انيسا) !! يمكنك النزول الآن
لكنها لم تجبه .. فنظر اليها المخرج مستغرباً من عدم ردّها , ليُصدم برؤية دمائها و هي تقطر من رقبتها , بعد ان تمزّقت بالخطأ بسبب الخيوط الشفّافة التي التفّت حولها , اثناء انزالها من فوق ..
ليقول بعدها بصدمة : لقد اجادت تمثيل الموت , فماتت بالفعل !
تاريخ النشر : 2016-02-16