أدب الرعب والعام

قبر عيشه الملعون

بقلم : عدوشه – الاردن

وقفنا هناك بين القبور بينما سحبتني إحدى المتنمرات لتسقطني في أحد القبور القديمة

نوره هي البنت الوحيدة لنسرين و أمجد ، و هي فتاةٌ مدللةٌ خجولةٌ ، تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً .

انتقلت العائلة لمدينةٍ جديدةٍ بحكم عمل الأب فاضطرت نوره لتغيير المدرسة و ترك أغلى صديقاتها و الانتقال إلى مدرسةٍ أخرى ، لم تكن تلك المدرسة أفضل من سابقتها بل كانت و طالبتها الأسوأ بالحياة ، فقد واجهت نوره بها ما قلب حياتها رأساً على عقب ، و ها هي نوره تروي قصتها الغريبة لكم يا كابوسيين فاستعدوا .

***
كما علمتم اسمي هو نوره، كنت في تلك المدرسة المشؤومة و تعرضت ككثيرٍ من الطالبات الجدد للسخرية من بعض الطالبات المتنمرات، و في إحدى الأيام قررت المدرسة أخذنا لزيارة المقبرة بغية كتابة تقريرٍ عنها كواجبٍ مدرسيٍّ ، ذهبنا إلى المقبرة و وقفنا هناك بين القبور بينما سحبتني إحدى المتنمرات لتسقطني في أحد القبور القديمة ، جاء الحرّاس و أخرجوني بعد أن أغشي علي من شدة الرعب .

تم أخذي للبيت و أنا أرتجف خوفاً ، و بعدها بيومين كنت أجلس قرب النافذة المطلة على الحديقة المحيطة بمنزلنا ، فمنزلنا بالطابق الأرضي ، نظرت لأجد إحدى فتيات المدرسة اللطيفات تقف في الحديقة و تحدق بي فأخذتُ ألوح لها ، فتحتُ النافذة و اقتربت مني و عندما نظرت إليها رأيتُ شاباً أصلع الرأسِ ، أبيض العينين ، مفتوح الفم ، أغلقت النافذة بفزعٍ فقام بفتح النافذة و مد يده المشعرة بأظافرها القذرة ليلمس يدي ، صرخت بأعلى صوتي فاختفى ، اقتربت مني والدتي و احتضنتني دون أن تعرف ما جرى ، أخبرتها و أنا أرتجف و قضيت الليلة معها .
توالت الأحداث المرعبة الغريبة ، فكنت أسمع صوت سيدةٍ تناديني ، و أذكر أنني لم أستطع رؤية وجهي بالمرآة ، حتى قرر والدي أخذي لشيخ يتلو الرقية علي لعلي أشفى من ما أصابني ، فقد تغيبت عن مدرستي أسبوعاً بعد أن ساءت حالتي .

قام الشيخ بتلاوة الرقية علي ، و أخبر والدي أني مسكونةٌ بروحٍ غريبةٍ .. و ذات اليوم سمعت والدي يقول : لقد أخبرني حارس المقبرة أنها وقعت في قبرٍ لسيدةٍ كانت تتعامل بالسحر و قد ماتت محروقة بعد أن قرر أهل القرية قتلها ، أحرقت نفسها و بيتها و ماتت كل الحيوانات التي كانت تربيها هناك ، فقرر أهل القرية دفنها في نفس مكان بيتها الذي كان يقع على طرف المقبرة ، و قبرها مكانٌ ملعونٌ فليس هناك من يجرؤ على الاقتراب منه ؛ حتى لا تحل عليه اللعنة . و أضاف الحارس أيضاً : أتمنى أن لا تصاب نوره بلعنة ذلك القبر .
فقالت والدتي : أرجو ذلك ، و لكن نوره أصبحت غريبةً جداً و أنت تعلم !!

لم اعلم لماذا شعرت بالفرح رغم خوفي ، فمنذ صغري و أنا أعشق قصص الرعب والغموض ، ذهبت لسريري و فكرت ثم قلت : كم أتمنى أن أتعاون مع هذه الروح حتى أنتقم من أولئك الحمقاوات ، و أحصل على ما أريده .

نمت و أنا أفكر بالموضوع حتى شعرت بأن أحداً يستلقي بجانبي ، فنظرت لأجد عينان غربيتان تحدقان بي و تفترسان جسدي شبه العاري ، و وجهي المتفاجئ ، ( من أنت ؟ ) قلت بخوفٍ و أنا ألف الغطاء حول جسدي ، كانت سيدةً بوجهٍ محروقٍ مشوهٍ و لها أيدي طوليه مقززه و أقدامٌ كبيرةٌ إحداها أطول من الأخرى ، ثم قالت لي بصوت أجش ( أنتِ من دنست قبري الملعون ، والذي دخله ستسكنه روحي وتحل عليه لعنتي ) فقلت لها : أرجوكِ لا ذنب لي في ذلك لأن الحمقاوات لينا و سمر القين بي هناك أرجوكِ ..

فقالت : ربما تنجين من لعنتي إذا نفذتِ ما أطلبه ، أنتِ فتاةٌ ذكيةٌ و تبدو عليكِ الشجاعة ، اسمعي سأعلمك من أمور سحري و أعمالي و لكن عديني أن تنفذي ما اطلب منك حتى تزول عنك لعنتي ؟

وبلمح البصر أصبحت و كأني أطير بالهواء ،ثم وجدت نفسي في منزلٍ طينيٍّ قديمٍ فيه الكثير من القطط و الكلاب و الطيور السوداء ، ثم قالت لي السيدة : أنتِ الآن معي أي قبل مئة عام تقريباً و ما عليك سوا فتح هذا الصندوق المغلق لتحرير قواي السحرية . كان الصندوق خشبياً صغيراً بحجم الكف ، في منتصفه نجمة خماسية ، قمت بفتحه وليتني لم افعل ،خرج منه وميض أرجواني قوي فأخذت تلك السيدة بالدوران و الضحك .
بعدها عدت لسريري دون أن يحصل لي شيء ، وقد قلت في نفسي أنه يمكن أن يكون حلماً مزعجاً أو أن السيدة قد رفعت لعنتها عني .

أخيراً عدت لمدرستي ، كنت أرمق أولئك الحمقاوات بنظراتٍ غريبةٍ، كم تمنيت قتلهن ، لينا الطويلة النحيلة الحمقاء و تلك السمر السمينة الخرقاء ، كم مرةً قد جعلاني أضحوكة للمدرسة ، ثم أوقعتاني بالقبر الملعون و هما تعرفان أن كل من يقترب منه سيموت ملعوناً بالحرق .

أتى وقت الاستراحة في المدرسة ، جلست في طرف الساحة وحيدةً أراقب تلك الفتيات المشغولات بقصص الحب و أخبار الأزياء و المشاهير ، شعرت بقواي تخور و جسمي يهمد لا أعلم لماذا ، وضعت رأسي على ركبتيَّ ثم سمعت صراخ الفتيات و كأن أمراً مريعاً قد حدث ، رفعت رأسي لأجد ملابسي ملطخة بالدماء ، صرخت برعبٍ لأجد المعلمات حولي و قد بدا الغضب واضحاً على وجوههن ، ثم قالت الآنسة أنسام و هي أفضل المعلمات ( كيف قتلت سمر وسط الطالبات كيف قمت بذبحها بهذه الوحشية )

نظرت أتساءل في تلك الوجوه و لكني لم أفعل شيء ، بدأت أبكي و أصرخ و أدافع و لكن الكل قالوا أني اتجهت نحو سمر وقمت بغرس سكينٍ حادةٍ في قلبها و تقطيع أوصالها ثم اختفيت بعد أن ألقيت السكين التي وُجدت بجانب جثة سمر ، ولكن كيف حصل ذلك ؟؟

تم احتجازي بقسم الشرطة الذين قرروا إرسالي لمصحة الأمراض العقلية ، لكثرة صراخي و بكائي ، دخل رئيس المخفر السيد علي ( و هو رجلٌ لا يصمد أمامه أقوى المجرمين ) إلى الغرفة التي تم احتجازي بها ليبدأ مسلسل التحقيق ..

– السيد علي : لماذا قتلت سمر ؟ كل الأدلة ضدك ، فلن يفيدك الإنكار أبداً !!

و فجأة ظهرت أمامي تلك السيدة التي كانت تدعى (عيشه ) نعم هي صاحبة اللعنة و القبر الملعون ،
بدأت تقترب من الشرطي علي دون أن يلحظ وجودها ، ثم صفعته بيدها مراراً و تكراراً و هو يصرخ دون أن يعرف من أين تأتيه الصفعات حتى خرج من الغرفة مسرعاً مذهولاً ، اقترب أحد أفراد الشرطة مني يعلوه الذهول و يخفي ابتسامه بين أسنانه ثم قال (كيف فعلت ذلك ؟ لم يجرؤ احد على الحديث معه قط ، أما أنتِ قمتِ بصفعه ! ) أذكر أني كدت أصاب بالجنون فأنا لم أقترب منه و لم أصفعه لكن الشرطة يقسمون أنهم شاهدوني أفعل ذلك .

تم تحويلي للمصحة العقلية ، رغم أن الأمر يلفه الغموض في المصحة رقدت على فراشٍ أبيضٍ في غرفةٍ بيضاءٍ و تم تقييد يداي تماماً كما المختلين .

جاء والدي لزيارتي و قد اختنقت دموع والدتي لحالتي المزرية ، أخذ أبي يسألني : كيف فعلتِ هذه الأمور و أنتِ الفتاة الهادئة الخجولة ؟ حاولت إخبارهم بأمر عيشه و لكن لساني كان يتوقف عن الكلام في كل مرة أحاول فيها .

خرج والدي من الغرفة لتظهر عيشه اللعينة لي ، أخذت تحدق بي بتلك العيون المخيفة ، ثم قالت : هل ارتحت من سمر ؟ أتمنى ذلك !! فسألتها : لمَ فعلتِ ذلك ؟ أنتِ التي قتلتها ، لقد تقمصتِ شخصيتي فقمت بقتلها و ضرب ذلك الشرطي .

فقالت ببرود و عيناها تلمعان : ألم أقل لك أن روحي ستسكنك ولعنتي ستصيبك ؟

فقلت : و لكنك وعدتني إن فتحت لك الصندوق سينتهي كل شيء !!

فقالت : ليس الآن ، ما زال الوقت مبكراً على هذا الكلام ، ثم لدي بعض الأعمال التي يجب أن أنهيها ، أراك قريباً يا جميلة . ثم خرجت من احد الشبابيك وهي تطير .

بدأت أصرخ و أبكي لأجد ممرضه تمسك بإبرةٍ ضخمةٍ و تغرسها في ذراعي النحيلة لأنام بعدها .. صحوت على صوت أحد أفراد الشرطة و قد قيد معصمي بيده و أخذ يقول : أنتِ مجرمة ، كيف قتلتِ الممرضة ريما ؟؟ و لكني لم أفعل صدقوني .. هكذا أجبته و قد انهال علي ضرباً و كاد أن يكسر انفي ، يا إلهي لم اقتل سمر و لا الممرضة و لم أصفع الشرطي علي ، فلمَ يحصل لي كل هذا ؟

خرج الشرطي بعد أن قيدني فأتت عيشه و قالت : تلك الممرضة آلمتني فقتلتها !! فقلت لها : أرجوكِ انهي هذا العذاب سيحكم علي بالإعدام بسبك .. فقالت : بسبك أنتِ !

فتحت فمي بذهول ثم قالت لي : أنتِ جميلة و قد اخترتك عروساً لابني الجني سرمد و قد جاء لزيارتك لكنك أقفلت النافذة بوجهه و كسرت قلبه و هذا هو ذنبك ، فلو استقبلته كما تفعل المخطوبات لن أؤذيك حينها .

جفل قلبي حينما تذكرت ذلك الشباب المرعب في تلك الليلة المشؤومة ، بدأت أبكي بحرقةٍ ، اقتربت مني و قالت ستتزوجينه و إلا لن أرحمك و سيكون الإعدام قليلاً بحق كل جرائمك التي لن تنتهي ، سأقتل لينا قريباً ، فماذا قلتِ ؟

أجببتها و الدموع تملأ عيني : و كيف ذلك ؟ فقالت : تتزوجان و تسكنين معه في البيت القديم ، هذه شروطي و إن قبلتي أخبريني ، سأدعك تفكرين يا عروس .

فقلت : إن وافقت هل ستتركينني ؟؟ قالت : نعم ، إذا رضي زوجك عنكِ ، عامليه بلطفٍ لتحصلي على كل ما تتمنينه فهو شيطانٌ طيبٌ و كريمٌ جداً . ثم أضافت : يجب أن تقتنعي به و تحبيه و إلا لن يكون زواجكما صحيحاً .
قلت في نفسي ربما يسعدني فأنا لن أكون بخير في هذا العالم .

و قبل أن تخرج قلت لها : موافقة لكن بشرط ، أن تتركيني و شأني إذا تركني ابنك المحترم . فقالت بشرط أن تحبيه .

طارت بي إلى مكانٍ مظلمٍ في بيتٍ طينيٍّ قديمٍ لأجد نفسي أمام ذلك المخلوق المخيف المدعو سرمد و الذي قال لي : أهلاً بعروسي ، غداً سيتم الزفاف ، إذا كنت مقتنعة فعلاً فسوف تعيشين معي بكل سعادةٍ و إذا كنت غير ذلك فلن تفلتي بفعلتك أبداً .

نمت لأجد حولي أثاثاً رائعاً جداً و ثوب زفافٍ أبيض لم أرى مثله قط و حلي تحتاج سيارة لحملها ، وقف سرمد أمامي و قد كان بشعاً مخيفاً بهيئته الغريبة و شكله المخيف ثم قال لي : بعد زواجنا سننجب طفلاً ذكراً جميلاً . فزعت لفكرة الإنجاب منه ، نظر بعينيه البيضاوتين و قد عرف أني لم أحبه و لن أحبه أبداً و أني اخترت الزواج منه للنجاة من لعنة والدته عيشه ، فجأة انقلب كل شيء و احترقت الغرفة و احترقت معها لأفارق الحياة للأبد و أبقى مجرد روح هائمة لفتاه كانت تدعى نوره ، لكن من هو المسؤول عما حصل لي ؟

تاريخ النشر : 2016-03-15

عدوشه

الأردن
guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى