أدب الرعب والعام

شجرة الإكسير وطائر الرخ

بقلم : رضوان – الجزائر

شجرة الإكسير وطائر الرخ
أوراقها العجيبة التي سمع أنها تُستعمل للعلاج من أي مرض

قبل آلاف السنين كانت الأساطير التي تحكى الآن حقيقة و ليست مجرد قصص تحكى من باب التسلية فقط ، من بين هذه الأساطير أسطورة شجرة الإكسير و طائر الرخ و تذكر الأسطورة أن الإنسان ظهر في فترة ما من تلك العصور التي ما تزال تحمل بين طياتها الكثير من الغموض والغرائب المجهولة التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا ، و تعود مجريات أسطورتنا إلى زمن لم يعرف له تاريخ و لا مكان حيث أن الأسطورة تقول  :.

كانت هناك قرية صغيرة محاطة بمجموعة من الجبال الشاهقة التي تخفيها وسط غابات متشعبة و من لا يعرف طريقه فيها سيضلّ حتماً ، كان يعيش في تلك القرية شيخٌ كبيرٌ مع أحفاده الثلاثة بسعادةٍ و هناءٍ و كان الجد يحكي لهم كثيراً من الحكايات و الأساطير التي حدثت في زمان ما إلا أن أحفاده كانوا يعتبرونها قصصاً لا غير تُحكى للأطفال قبل النوم و لكن الجد كانت له غايةٌ أخرى من ذلك و هي إخبارهم بسره الدفين و ذلك بسرده قصةٍ عن ماضٍ عاشه منذ زمن بعيد .

 في يومٍ من الأيام مرض الجد مرضاً عضالاً أقعده الفراش فقرر أن الفرصة قد أتت ليرى من سيكون خليفته في الحفاظ على السر الذي كان يخفيه منذ زمن ، ألا و هو أنه عاشَ ثلاثة آلاف سنة !! استغرب الأحفاد الثلاثة من كلامه و اعتبروه نسجاً من خياله و أن جدهم ربما يهذي من شدة المرض ، فقال الحفيد الأكبر : جدي ارتح قليلاً ، يبدو أن حرارتك مرتفعة و لم تعد تعي شيئاً مما تقول .. نظر الجد بحزمٍ إلى حفيده ثم ابتسم ابتسامةً تدل على أنه جادٌ في ما يقول ، ورد قائلا : هل أبدو لك كشخصٍ يهذي يا بني ؟؟

نظر الأحفاد الثلاثة إلى بعضهم باستغراب و تملّكتهم الحيرة لينطقوا قائلين : ماذا تعني بكلامك ؟؟ نظر الجد إليهم متبسماً و قال : أحفادي الأعزاء لقد عشتُ دهراً من الزمن أحمي سراً دفيناً في قلبي و أود أن أفصح لكم عنه الآن و حان الوقت ليتحمل أحدكم هذا الحمل الثقيل للسنين القادمة . تعجب الأحفاد الثلاثة و توقفت الحفيدة الصغيرة عن البكاء على جدها لخوفها عليه من الموت مبتسمةً ابتسامةً تملأها الدموع ثم ما لبثت أن جفت على وجنتيها الصغيرتين و المحمرتين من البكاء ..

 قال الحفيد الأكبر : و ما هذا السر يا جدي ؟؟ نظر الجد إليه و كله ثقة بأنه يستطيع أن يحمل الأمانة كما حملها هو قبله و قال : بني قاربت أيامي على الانتهاء و حان الوقت لأعتمد على أحدكم في حمل هذه الأمانة عني .. تبادل الأحفاد النظرات مرةَ أخرى بينهم و هم في حيرةٍ من أمر جدهم هل هو في غيبوبةٍ و مستيقظ ؟ أم انه يمزح مزحةً ثقيلةً معهم ؟ تدارك الجد شرودهم و أخرجهم من حيرتهم قائلاَ : يا أبنائي أنا لا أمزح أو أهذي ، سأكشف لكم عن الحقيقة المخفية لأحد الأساطير التي لم أحكها لكم من قبل و هي أسطورة شجرة الإكسير ..

لم يكمل الجد كلامه حتى قاطعه الحفيد الأوسط قائلاً : و طائر الرخ ، احكها لنا اذكر انك كلمتنا عنها و لم تخبرنا بأحداثها .. قال الحفيد الأكبر : و ما هي حكايتها ؟؟ رد الجد قائلاً : أنه في يومٍ من الأيام قرر أحدهم تسلق أحد الجبال السبعة التي تخفي في أعاليها شجرة الإكسير للحصول على إحدى أوراقها العجيبة التي سمع أنها تُستعمل للعلاج من أي مرض .. قال الحفيد الأكبر و كيف ذلك ؟ رد الجد : كل من يضع أوراقها على عينيه سيشفى من أي مرضٍ مهما كان إلا الموت فهي لا توقف قضاء الله وقدره ، لكن لديها قدراتٌ عجيبةٌ في الشفاء لهذا فهي مطلوبة من الجميع ، لذلك كان يجب حمايتها لآلاف السنين من أطماع الجشعين الذين يبحثون عنها باستمرارٍ ..

نظر الأحفاد الثلاثة باستغرابٍ إلى جدهم و ظنوا أنه يهذي حقاً هذه المرة ، انتبه الجد لردة فعلهم و قطع شكهم باليقين ثم أخبرهم أن هذه الأوراق موجودة في أعلى جبلٍ من الجبال السبعة ، قال الحفيد الأكبر : كيف عرفت ذلك ؟؟ رد الجد قائلاً : طبعاً لأنني ذهبت إلى ذلك المكان بنفسي و أبي من قبلي و نحن نحمي سر هذه الشجرة منذ آلاف السنين ونشيع بين الناس أنها محض أسطورةٍ لا غير حتى لا يبحث عنها الطامعون في هذه القرية بحثاً عن الثراء .. فتح الأحفاد أفواههم من الدهشة لما سمعوه من جدهم و قال الحفيد لجده متسائلاً :

كيف أصبحت حامياً لها ؟ قال الجد وهو يبتسم في وجه حفيده : في يومٍ من الأيام مرض أبي مثلي هكذا وحان وقت وفاته لكن قبل أن يموت اخبرني بأمر هذه الشجرة و أذكر حينها أن جدتكم رحمها الله كانت مريضة و لا تستطيع أن ترى جيداً و كادت أن تصاب بالعمى ، فلم يجد أبي إلا أن يخبرني بهذا السر و أنه علي أن أحافظ عليه مهما كلفني الأمر ، و طلب مني أن اذهب إلى قمة الجبل و أحضر تلك الأوراق ، طبعاً في البداية لم أصدقه و ظننته يهذي كما ظننتم ، لكنه أقنعني بصحة كلامه و رغبتي في معالجة زوجتي حينها كانت دافعا لي لتصديق أي شيء يساعدني في علاج زوجتي ، فقبلت اقتراحه في حمل الأمانة عنه و تخليصه من عبئها الثقيل و لأفعل ذلك طلب مني أن أذهب إلى قمة الجبل و أحضر ورقتين من الشجرة لا أزيد عليهما و ذلك لمعالجة جدتكم و انه لن يهنأ حتى احضرهما له ليتأكد من أنني قادر على حمل الأمانة عنه ..

قال الحفيد الأوسط : و ماذا فعلت ؟ نظر الجد إليه قائلاً : طبعاً ذهبت إلى قمة الجبل المزعومة ، رغم أني كنت متردداً و لكن رغبتي في التأكد من الأمر وفضولي زادا من حماسي لمعرفة سرها و وجدت كل ما اخبرني عنه أبي بشأنها . حينها نطقت الحفيدة الصغيرة قائلةً : ماذا وجدت يا جدي أرجوك أخبرنا . ابتسم الجد لها قائلاً : لقد وصلت إلى الجزء المثير يا بنيتي من القصة ، فقبل وصولي إلى قمة الجبل و كم كانت عالية رغم سهولة الوصول إليها ، واستغربت ذلك فقد كان المكان محاطاً بالحجارة و الصخور الكبيرة التي تنتشر في أرجاء تلك القمة و كأنها سدٌ وضع خصيصاً لحماية شيءٍ ما و التمويه لإخفائه ، و كانت بعض الينابيع و الجداول التي تتسلل من بين الصخور متدفقةً بشكلٍ جميلٍ و رائعٍ و كأنها جنةٌ على الأرض لم يرها احد من قبل وتغطيها بعض الأعشاب الخضراء التي أضافت طابعاً جميلاً على المكان ، و لمحت أيضاً تمثال طائرٍ كبيرٍ متحجرٍ في أعلى القمة كما اخبرني أبي عنه و أنه حارس الشجرة ، لكنني استغربت كيف تحمي بضعة صخور شجرة

و من يراه لا يصدق أنه تمثال بل هو حي يتأهب للهجوم والانقضاض في أية لحظةٍ . تعجب الأحفاد من حديث جدهم الذي ازداد تشويقاً فطرحوا عليه عدداً من الأسئلة ” و هل كان حقاً حياً ؟ ” نظر الجد إليهم بحزم وقال : بل لم أرى في حياتي كائناً مثله ، رغم أنه كان صخرةً صماء في قمة الجبل . تساءل الأحفاد الثلاثة كيف يكون صخرة وهو حي ؟ قال الجد : نعم يا أحفادي كان حياً مثلكم و مثلي و رهيباً جداً حين طار عالياً . صرخ حينها الأحفاد الثلاثة : طار!! و كيف ذلك ؟ ألم تقل أنه كان صخرةً منذ قليل ؟

رد الجد عليهم : ذلك ما اعتقدته أنا في البداية ثم تأكدت من ذلك بأم عيني . و كيف تأكدت ؟ قال الحفيد الأوسط ، تبسم الجد وقال : يا بني من حسن حظي أنني لم أكن في مكان من قاموا بإيقاظه من سباته العميق ، فقد كان يحمي الشجرة من كل طمّاع و جشعٍ يريد أن يأخذها لنفسه لأن بين أغصانها أوراقاً عجيبةً فيها شفاء من كل مرض إلا الموت ، و حتى أنها تمنح من أكل أوراقها عمراً طويلاً يصل إلى آلاف السنين ..

بقي الأحفاد الثلاثة منبهرين مما سمعوه عن هذه الشجرة قائلين لجدهم : أكمل لقد شوقتنا لنعرف المزيد عنها . قال الجد : حين هممت بالوصول إلى المنطقة التي دلّني عليها أبي لأحضر تلك الأوراق ، سمعت صوتَ أشخاصٍ من مكانٍ ما فاختبأت تحسباً لأي طارئ أو خطرٍ داهمٍ ، و لحسن حظي أنني فعلت . قالت الحفيدة الصغيرة و ماذا حدث بعدها ؟ رد عليها الجد قائلاً : اذكر أنني رأيت شخصين لم يعجبني منظرهما ظهرا لي كلصين ، لم أطمئن لهيئتهما تلك و أحسست أنهما ينويان شراً لا محالة ، بقيت مختبئاً و أراقب تحركاتهما و هما يحاولان الاقتراب من الشجرة في ذلك المكان ، لكنني استغربت سبب اقترابهما ببطءٍ و حذرٍ منها ، فهي شجرةٌ بدت لي عاديةً في البداية لكنني تبعتهما إلى النهاية و استأت مما فعلاه لاحقاً .

قالت الحفيدة الصغيرة : و ماذا فعلا يا جدي حتى استأت منهما ؟ رد الجد : لقد اقتربا من أحد الأغصان التي كان فوقها عش احد الطيور و قاما بفقئِ أعينها لغاية في نفسيهما ، و تركوها تلقى مصيرها لوحدها لكن عناية الله كانت ارحم منهما فقد عاد والدا الفراخ بينما اختبأ الشخصين وراء إحدى الصخور لمتابعة ما سيحدث من أمرها ، لكن ما حدث كان عجيباً حقاً فقد قام أحد تلك الطيور باقتلاع إحدى الأوراق و وضعها فوق عيني فراخه فعاد إليها نظرها و كأنها لم تفقأ ، لاحظت حينها فرحة الشخصين لتأكدهما من نجاح خطتهما و معرفتهما  طريقة العلاج بتلك الأوراق ، و فهمت قصدهما من فعلتهما الشنيعة تلك .

 فقال كبير الأحفاد : و كيف كان ذلك ؟ قال الجد : عندما تقتلع تلك الأوراق يجب أن تستعملها و ذلك بأن تضعها على العينين كأي ضمادة على المكان المريض حينها تتحول إلى ترياق يتدفق سائلاً إلى داخل العينين لتظهر نتائجه العجيبة في العلاج فيما بعد ، و لا يجب أن تترك الأوراق تسقط عشوائياً لأنها ستختفي في الهواء قبل أن تصل إلى الأرض و ذلك ما فعله الجشعين بهزهما للشجرة بقوة للحصول على أكبر عدد من الأوراق لكنها كانت تختفي قبل أن يحصلا على أية واحدة منها بسبب طمعهما في المزيد منها ..

و أثناء فعلهما ذلك بالشجرة اهتز الجبل فجأة و كأنه زلزال مفاجئ عم المكان ، و لا أذكر حينها إلا سماعي لصوتٍ رهيبٍ و غريبٍ لا أعلم مصدره رغم أنه بدا لي آت من تمثال ذلك الطائر . و ماذا حدث بعد ذلك ؟ قال الأحفاد دفعة واحدة . رد عليهم الجد قائلاً : أظلمت بعدها السماء من حولي و رأيت طائراً كبيراً جداً غطى بجناحيه كل الجبال ، رأيته يحمل بين مخالبه الشخصين و يختفي بهما وراء الجبال ، ثم اختفى و لم أشعر إلا و قد أغمي علي من هول ما رأيت من شدة الخوف و الرهبة لهول منظرهما بين يديه ، حقاً لقد كانا أضعف من الفراخ التي فقؤا عينها .

حينها قال الحفيد الأوسط : و ماذا فعلت بعد ذلك يا جدي ؟ هل هربت ؟ قال الجد : لم يكن لدي الوقت لأهرب بل أغمي علي كما أخبرتكم و استيقظت من غفوة و لا اعلم كم لبثت وحاولت النهوض بصعوبةٍ بالغةٍ و لم أجد الشخصين ، و لدهشتي نظرت إلى التمثال لأتأكد مما رأيته و أن التمثال تحول إلى ذلك الطائر الضخم إلا أنني وجدته ما يزال مكانه واقفاُ بشموخٍ في العلى وكأنه لم يتحرك قط ، رغم أنني متأكد مما حدث ، لكنني لم أهتم بل اعتبرت ذلك مجرد حلم أو خيال بسبب تعبي في تسلق تلك القمة رغم أنني كنت متأكداً من أن ذلك الطائر قد تحرك من مكانه لحماية تلك الشجرة من الشخصين ، فأنا لا أستطيع أن أنسى نظرات عينيه رغم أنهما كانتا متحجرتين وهو ينظر إلي كما بدا لي لأول وهلة ، حين نظرت نحوه و كأنه كان يخبرني انه هنا و لن يغفل لحظة عن كنزه وسينقض على كل من يحاول سرقته ، كما انتبهت لأوراق الشجرة التي كانت على حالها و كأنها لم تقتلع قط فتشجعت و دنوت منها قليلاً لآخذ ورقتين و أنصرف بسرعة ، رغم خوفي من ما يمكن أن يحدث لي لكن رغبتي في علاج زوجتي شجعتني على المخاطرة .

قاطع الأحفاد جدهم وهل اخذت الورقتين ؟ الجد : نعم أخذت اثنتين و أنا انظر نحو تمثال الطائر و انتظر لحظة انقضاضه علي بخوفٍ شديدٍ لكن زال كل ذلك الخوف حين اقتلعتهما و نزلت بهدوءٍ دون أن يحدث شيء . قال كبير الأحفاد : حقاً لم يحدث شيء ؟ رد الجد قائلاً : عدت إلى المنزل و أخبرت أبي بما حدث معي من أمورٍ غريبةٍ في ذلك الجبل فزاد من حيرتي حين أخبرني أن ما رأيته كله كان حقيقةً وليس خيالاً فذلك الطائر يرى كل شخص ينوي خيراً أو شراً قبل أن يصل إلى هناك ويشعر بما في قلبه من سوء أو حسن نية لذلك اخذ ذلك الشخصين لأن نيتهما كانت سيئة و جشعهما فاق الحدود فكان يجب معاقبتهما و برميهما إلى المجهول لأنهما كانا طماعين بإيذائهما للفراخ و محاولة سرقة شجرة الحياة الأخيرة المتبقية على وجه الأرض .

قال الحفيد الأوسط و ماذا يحدث لمن يأخذهم الطائر وراء الجبل هل يعودون ؟ قال الجد : لا أحد يعلم و لا أحد يريد أن يعلم فذلك جزاء الجشع والطمع كما قال أبي حينها أن الطائر تركني اذهب بسلام لأن نيتي سليمة و لم أكن أريد إلا علاجاُ لزوجتي لذلك سمح لي بأخذ الورقتين ، كما كان يعرف منذ بداية انطلاقي لما أتيت و من أبن أنا . قال كبير الأحفاد : لهذا السبب تركك تأخذ ما جئت لأجله .

قاطع الحفيد الأوسط أخاه قائلاُ : و ماذا فعلت بتلك الأوراق يا جدي ؟ قال الجد : طبعاً قمت بمعالجة زوجتي التي كادت أن تصاب بالعمى و شفيت بإذن الله ، أما الورقة الثانية فقد طلب مني أبي أن امضغها وابتلعها . فقال الحفيد الأكبر : و لما ذلك ؟ أجابه الجد قائلاُ : لأستطيع أن أحفظ السر لأطول فترة ممكنة ، يجب أن أعيش مدةً كافيةً لأطمئن أن لا يكتشف أحد غيري وجودها حتى أجد أحداً يخلفني في الحفاظ على سرها فمن منكم مستعد لتحمل هذا العبء الثقيل عني ؟

 قاطعه الأحفاد الثلاثة : سنفعل ذلك عنك يا جدي ، اطمأن ماذا تريدنا أن نفعل ؟ ابتسم الجد و طمأنهم بأنه لن يموت حتى يحصل ذلك و لكن بشرط أن يكون احد ما من العائلة مريضاً و تكون نية شفائه من طرف من يحبونه هي الأقوى والأصدق حتى يستطيعوا حمل الأمانة .

تاريخ النشر : 2016-04-14

رضوان

الجزائر
guest
63 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى