“أتريده حلواً أم مملحاً؟!”
إنها طفلة ! مبتلة بالكامل !! |
ابتسامة جانبية
صرخة ألم .. جثة مطعونة .. دماء .. صوت سيارات الشرطة…………..
—–
سارت بقلق بين تلك الأعشاب الصغيرة .. الشمس قاربت على المغيب ، الطيور تعود إلى أعشاشها ، وصوت تغريدها المودع يزيد الرعب في قلبها .
نادت بصوت شبه خافت “آآر..”
تسير بلا هدف ، لا تعرف إن كانت تخطو الخطا الصحيحة ام أنها تتوغل في الغابة أكثر ، الظلام يزداد .، المكان موحش ، صوت حفيف الوريقات على إثر النسيم الهادئ يزيد المكان وحشة ، الأشجار متشابكة بطريقة مخيفة ، تشابكها كون سقفاً أخضراً على كامل الغابة ، جسدها يرتعش ، قوتها تكاد تنهار …
صوت شيء ما يتحرك بين الحشائش المجاورة ، لم تعد تقوَ على حبس دموعها ، نادت بصوت مرتعش ودموعها تسابق صوتها “آآريين”
تراجعت خطوتين للخلف عندما شعرت بأحدهم يقترب من بين الحشائش ، شعرت بحركة خلفها ، التفتت إلى مصدر الصوت بسرعة
أحدٌ ما يقف خلفها ..!
إنها طفلة! مبتلة بالكامل ، مع أن الجو صحو اليوم ، ترتدي قميصاً خفيفاً في منتصف فصل الشتاء!
وقفت لبرهة تحاول تبين ماهية من تكون ، ولكن شيئاً لم يتضح ، فتلك تنظر للأرض ، وشعرها يتدلى حول وجهها ، إنها تمسك شيئاً في يدها ، ولكن … ما هو؟!
تشجعت واقتربت خطوة وهي تحاول إبعاد شبح الخوف عن قلبها ، كونت كلمات خرجت منها عنوة وبابتسامة ارتسمت بصعوبة
– من أنتِ يا صغيرة؟ هل أنتِ تائهة؟
لم تجد رداً ، اقتربت أكثر بنفس تلك الابتسامة المتوترة
– أأنت تائهة؟ لا تقلقي فأنا مثلك تماماً
– أنا أعرف هذا
– ما الذي قلته؟!
ضحكت الصغيرة ضحكة لطيفة قصيرة
– أتريدينه حلواً أم مملحاً؟!
تغيرت معالم وجهها ، بدلاً من تلك الملامح المبتسمة ، صارت ملامح مذعورة ، مصدومة ، تراجعت للخلف وعيناها ما زالت على تلك الصغيرة ، ضاعت الأحرف ، وثقل لسانها ، لم يعد بإمكانها النطق ، تبعثرت الأفكار في عقلها ، إنها تعرف تماماً من هذه الفتاة التي تقف أمامها ، تلفتت حائرة ، وعادت تنظر لتلك الطفلة ، ما زالت في مكانها ، ولكنها …. ولكنها تضحك!
– أجيبيني يا آنستي
صوت ناعم ، صغير ، البراءة كلها تنبع منه ، نبرة هادئة ، تبعث بالاطمئنان ، كررت جملتها السابقة “أتريدينه حلواً أم مملحاً؟!”
حاولت تلك استرجاع الكلمة “ماذا كانت؟! ما الذي يجب أن أقوله الآن ، إنها هي ، لمَ نسيت ما يجب علي قوله ، ما هي الكلمة؟!! آآر أين أنت”
ولكن محاولاتها باءت بالفشل ، كل ذكرياتها الجيدة والسيئة مرت امامها كشريط ، إلا تلك الكلمة ، إنها تصر على الاختباء ، وكأنها تخاف تلك الطفلة أكثر من خوف ماي منها! ولكنها عزمت أخيراً ، الأمر الآن ضربة حظ ، ستنطق كلمة ، إن لم تصب ، فليحدث ما يحدث ، وإن أصابت ستكون محظوظة للغاية! وهو احتمال ضئيل للغاية!!
– حـ حلواً ، أريده حلواً
هه .. ضحكة صغيرة أطلقتها الطفلة ، ضحكة ساخرة بكل ما تعنيه الكلمة
– لا تخافي يا آنستي ، فكلانا ضائعتين!
قالتها بصوتها اللطيف ، وهي تقترب ببطء ، وتجر شيء ما خلفها ، إنه ثقيل جداً! كيف أمكنها جره؟! شيء ما بمقبض خشبي طويل ، نصله حاد كالسيف ، وملتف بطريقة تثير الرعب ، هاهو يخط أثره على الأرض ، ومع كل خطوة تخطوها تثقل أنفاس ماي ، لم تعد قدماها تحملانها ، ترتعشان بشكل مثير للشفقة! تراجعت للخلف ، محاولةً الهرب ، ولكن هيهآت!
صرخة شقت سكون الغابة … ابتسامة جانبية مريبة …. نصل حاد يُجر على الأرض ، ويرسم خطاً أحمراً خلفه!
…
سار متردداً حائراً ، يخطو خطوة ويعود عشرة! حركة شخص ما ، إنه قادم من الشرق ، التفت ببطء شديد ، ليفاجأ بصديقته بيرنارد
– بيرن! لقد أفزعتني
– آآر ، ما الذي ححـ صل؟! أين كنت؟ أين ماريبلا؟
– لا أعرف أنا أيضاً مثلك ، ولكن لمَ تبكين؟ لمَ أنتِ خائفة لهذا الحد؟
– آآرين ، كن صادقاً أرجوك ، لقد أخبرتني أنك ستظل معنا ، لمَ اختفيت فجأة؟
– آسف ، ولكنني سمعت صوت ماي ، فذهبت مسرعاً على أمل أن أجدها ، أظن أنني كنت أتخيل ، اهدئي الآن ، لا وقت للبكاء ، يجب أن نجد ماي ونعود للمنزل
– كيف سنجدها في هذا الظلام؟ لنخرج ونخبر الشرطة وهم يتكفلون بالأمر
– مستحيل ، دخلت الغابة وهي معي ، أأخرج بدونها؟ أي رجولةٍ تلك؟! ولا تنسِ .. ماي كل شيء بالنسبة لوالدتها ، كيف أعود وأخبرها أن ابنتها ضاعت؟!
– أليس أفضل من أن نضيع كلنا؟
– اصمتي فقط
– بدأ المطر بالهطول ، أتعتقد أن نور أتت؟
– أظن ذلك
– أنا قلقة عليها
– وأنا أيضاً
– آر أتسمع ما اسمع
– صوت شخص ما يسير
– أهي ماي؟
– لا ، إنها خطوات صغيرة وهادئة ، هذه ليست مشية ماريبلا
– إذاً
– اهربي فقط
هربا على غير قبلة ، أينما وجدا طريقاً سالكاً مروا به ، وكلما توقفوا لالتقاط أنفاسهم سمعوا تلك الخطوات تقترب
فجأة.. شعر آرين أن بيرنارد ليست خلفه ، توقف لبرهة ، والتفت للخلف ، بالفعل .. ليست موجودة …
مشية هادئة ، ابتسامة جانبية ، خط يُرسم بالخلف ، شجيرات تتحرك ، شخص ما خرج من بينها
– هل أنتِ تائهة يا آنستي؟
صوت ناعم ، رقيق ، وهادئ …. التفتت نورماند إلى مصدر الصوت ، لترى طفلة بالكاد يتجاوز طولها المتر ، نحيلة الجسد ، ترتدي قميصاً خفيفاً ، شعرها طويل يتدلى حول وجهها ، وقد بلله المطر ، شعرت بالراحة لوجودها ، اقتربت منها ، وانحنت قائلةً لها بلهجة لطيفة
– لمَ أنتِ هنا يا صغيرتي؟ ألا تشعرين بالبرد؟
– ….
– هل أضعتِ الطريق؟
لم تتلقى أي استجابة ، نفس الوقفة ، ونفس الصمت
– ما بك ، لمَ لا تجيبين؟ لا تخافي ، سآخذك إلى ماما
– ماما!
– أخبريني فقط ما هو اسمك؟
– اوريندا
– اسم جميل ، منذ متى وأنتِ هنا يا اوريندا
– خمسمائة عام
– هه؟ أظنني لم أسمعك جيداً ، أعيدي ما قلته؟
– ….
– تعالي معي إلى سيارتي لأجفف شعرك وجسدك
– ….
– لا تقلقي ، فأنا مثلك ، لقد طلب مني أصدقائي أن آتي إلى هنا بعد أن أًنهي عملي ، سيخبرونني عن السبب عندما نلتقي ، ولكن تعطلت سيارتي قرب الغروب في مكان ما هنا ، ولا توجد تغطية في الهاتف ، ومن حينها وأنا أبحث عنهم .
– ….
– اوريـ….
– أتريدينه حلواً أم مملحاً؟
– ها؟ ما هو؟
– أتريدينه حلواً أم مملحاً؟
– ممـ مملحاً
ابتسامة جانبية ، اقتربت ببطء ، رفعت رأسها ، بان لنورماند وجهها المشوه
تراجعت نورماند بذعر ….
صرخة ذعر ، دماء تلطخ المكان ، أشلاء تتناثر ….
…
جلست بيأس تبكي ، ولسانها لا يتوقف عن الدعاء لأصدقائها أن يكونوا بخير ، شعرت بها تسير حولها ، نهضت بسرعة ونادت : آر؟
ولكن ظنها خاب عندما ظهرت تلك الطفلة ، حاولت الهرب ، ولكن قدماها لم تعودا تقويا على حملها ، تشجعت ، تراجعت للخلف ، ثم ركضت بأسرع من يمكنها ، لكنها لم تلبث أن سقطت ، وقفت ، ونظرت إليها بعيون يائسة ، ثم نادت بعلو صوتها : آآريين ، مااي ، نوور ، آر..
ثم تمكن البكاء منها
اقتربت تلك الطفلة .. صوت الرعد ، ولمعان البرق ، صوت حركة الأشجار السريعة ، الظلام دامس ، قلبها أعلن بدء حفلة راقصة
طرحت سؤالها ببراءة وعفوية
– أتريدينه حلواً أم مملحاً؟
حاولت تذكر الكلمة ، حاولت استرجاع كم المعلومات الذي كانت تعرفه عن هذه الطفلة ، كل ما تذكره الآن ، هو أنها طفلة سيئة!
– هل تريدينه حلواً أم مملحاً؟
التزمت بيرنارد الصمت ، ونظرت للأرض بحزن ، وجسدها بأكمله يرتعش ، جسد صغير مبتل بالكامل ، تمسك بيسارها شيء ما مخيف ، هدوء الغابة ، وصوت المطر الشديد ، يقتلها بالثانية آلاف المرات
– آه ، تريدينني أن أختار؟
قالتها وقد رفعت رأسها ونظرت لعيني بيرنارد
تضاعف خوف برينارد عشرات المرات بعد أن رأت وجهها ، وتلك النظرة البريئة ، من وجه مخيف!
تابعت تلك بنفس صوتها اللطيف
– حسناً ، أنا أفضل المملح ، فهو لذيذ للغاية..!
اقتربت بخطوات هادئة ، بيرنارد تبتعد ، وقلبها يكاد ينتزع من مكانه ، وبلمح البصر ، غرزت الطفلة ذاك الشيء المعدني بجسد بيرنارد ، صرخة استغاثة وألم ، صرخة مثيرة للشفقة ، جعلت اوريندا تبتسم ، ثم تقهقه بسعادة ، بملامح تقتل رعباً!!
…
صار يبحث عنها بقلق ، لا يعرف من أين يبدأ وإلى أين ينتهي ، ولسانه لا يتوقف عن مناداتها .. ظهرت أمامه تلك الطفلة ، وقف حائرا ً لبرهة ، شعر بالقلق والخوف ، حاول إخفاءهما ، ولكنه فشِل ، اقتربت منه ، لم يتبقَ بينهم سوى مترين
قالت بصوت أشبه بالهمس
– لا تقلق ، لست بتلك القسوة التي تسمح لي أن أقتل الجميع وأترك واحداً على قيد الحياة ، فلم أصبح مؤلف أفلام رعب سخيف بعد!!
اتسعت عيناه بخوف ، اضطرب ، توتر ، وشل تفكيره ، سهام الخوف تخترقه من كل مكان ، أوصاله ترتعش ، بادرت تلك بسؤالها المخيف ، لتزيده خوفاً فوق خوفه
– أتريده حلواً أم مملحاً؟!
“إنها اوريندا ، تلك الأسطورة الشعبية ، هي من أتينا للتحقق من صدق وجودها ، تسأل سؤالاً غريباً قبل أن تقتل الشخص ، وسبب سؤالها يتعلق بتلك الحادثة القديمة ، سيضطر الشخص أن يختار أحد اثنين ، إما حلواً ، أو مملحاً ، نعم ، الفرق بين من يختار حلواً أو مملحاً ، أن من يختار الأولى يموت مطعوناً خمسين طعنة فأكثر ، كلها غير مميتة ، ختامها هي الطعنة القاتلة ، أما من يختار الثانية سيتحول بطريقة ما إلى أشلاء ، وأخر ما يفصل عن جسده : القلب ، والرأس ، أي أنه بكلتا الطريقتين سيتعذب قبل أن يموت ، هناك طريقة واحدة للنجاة منها ، ولكن 98% من الأشخاص نسوا تلك الطريقة بعد أن قابلوها ، مازالت تقترب بثبات ، أستطيع أن أنجو إن فعلتها ، ولكن أي حياة بعد موت أقرب أصدقائي!”
صمت موحش ، لا يُسمع سوى صوت أنفاس آرين المتداخلة مع صوت المطر الذي يزداد غزارة ، صوت دقات قلبه تكاد تصل إلى آخر الغابة ، هذا وهو أقلهم شعوراً بالخوف!
قطع هذا السكون صوت آرين ، قائلاً بنبرة هادئة وباهته..
– أريده حلواً..
تاريخ النشر : 2016-04-19