أدب الرعب والعام

تعويذة التحويل

بقلم : حسين سالم عبشل – اليمن
للتواصل : [email protected]

تعويذة التحويل !!

جلس عماد فوق كرسيه المريح وسط غرفته الفخمة يفكر في مصيره بعدما نهش المرض جسده الضعيف ” يا إلهي هل أستحق أن أموت و أنا لا زلت شاب ؟ هل تستحق الثروة أن يضحي الإنسان بصحته من اجلها ؟ ” ثم يجيب عن نفسه فيقول ” نعم أستحق ، فأنا رفضت قدري و استبدلت الصحة بالثروة  بتلك التعويذة اللعينة ” و أغمض عينيه و بدأ شريط حياته يمر أمام عينه ..

عماد كان شاباً فقيراً ، يعمل في مكتب بريد و يتقاضى راتباً صغيراً بالكاد يكفي مصاريف حياته ، فهو شاب أعزب يعيش في شقة ورثها عن والديه المتوفيين .

عماد كان يقضي وقته في لعب كرة القدم مع أصدقائه و السباحة في البحر ، فعماد رياضي متعدد المهارات يحسده أصدقاؤه على ذلك ، لكنه كان غير راضي على حياته الفقيرة فهو يتمنى أن يصبح غني و يتزوج فتاة جميلة و يعيش حياة سعيدة مثل حال ابن عمه هشام الذي توفي والديه و تركا له شركة كبيرة و قصر عظيم ..

هذا إضافة للسيارات ” آخر موديل ” و الأراضي التي يملكها ،  عكسه هو الذي لم يورث إلا تلك الشقة الحقيرة البائسة في أعلى العمارة التي تقطع أنفاس عماد و هو يصعد الدرج إليها ، و يمدد جسده فوق سريره البالي و أخذ يفكر في ابن عمه و كيف أنه يعيش حياة الأغنياء و متزوج بفتاه جميلة ، و كيف أن الحياة ظلمته ، فأبن الغني يصبح غني و الفقير يورث ابنه الفقر .

 هذا الهوس دفع عماد للبحث على النت و الكتب القديمة عن حل لمشكلته ، و بينما هو يقلب الكتب القديمة و يمسح الغبار عنها وقعت في نظره ورقة سقطت من كتاب و كانت مكتوبة بخط اليد و بالحبر الأحمر بعنوان ” تعويذة التحول من الفقر إلى الغنى ” التقطها و وضعها في جيبه و انطلق يعدو فوق درجات السلم كحصان السباق و دخل غرفته و فتحها و بدأ يقرأ فيها ..

 كان المطلوب فيها أن يحضر شيء من أثر (شيء يخص الشخص المراد عمل السحر عليه ) ذلك الشخص الغني الذي يريد أن يصير مكانه ، و شمعتين و أن يحضر ديك اسود و يذبحه بالحمام و يلطخ بالدم الأثر ، و يرسم بالدم بعض التعويذات السحرية المسجلة في الورقة و يطفئ الضوء و يشغل الشمعتين ثم يحرق الأثر الملطخ بالدم و ينظر في المرآة و يتمتم بتعويذة التحويل ..

 جاء في نهاية الورقة أنه يستحيل التراجع عن التحول ، ضحك عماد وقال في قلبه ” و من يريد أن يتراجع و يصبح فقيراً من جديد ؟؟ ”  سعى عماد للحصول على أي اثر من ابن عمه هشام  فذهب لمقابلته في مكتبه في الشركة ، انبهر عماد من ضخامة الشركة و كثرة المكاتب فيها و تذكر مكتبة الحقير في مكتب البريد ، و بعدها سمحت له السكرتيرة بالدخول إلى مكتب ابن عمه الذي كان بارداً في لقائه معه ..

 لم يبدي الكثير من الاهتمام لأنه كان مشغولاً بتلقي المكالمات ، فتارة يقول بع و تارة يقول اشترِ ، إنها الأسهم في البورصات ، استغل عماد انشغال هشام و استطاع أن يأخذ منديل هشام الذي مسح به جبينه و وضعه فوق الطاولة ، ثم استأذن و عاد مسرعاً إلى شقته بعدما جمع كل ما يلزم لعمل التعويذة ..

 في الليل دخل عماد الحمام و عمل المطلوب ، أشعل المنديل الملطخ بدم الديك و انبعث دخان كثيف أرعب عماد الذي كاد أن يفر لكنه تماسك و وقف أمام المِرآة و نطق التعويذة و شعر بسخونة و تعب في جسمه فذهب للنوم في فراشه ، و عندما استيقظ في الصباح وجد نفسه على سرير مريح و تحت رأسه وسادة من الريش الناعم ، و يغطي  جسمه لحاف من الحرير  ..

نظر حوله فوجد أنه في غرفة كبيرة تزينها الستائر الحريرية المزركشة بخيوط ذهبية و صور رائعة لمناظر طبيعية معلقة على الجدران ، حاول أن ينهض من سريره لكنه شعر بألم في ظهره و رجليه ، في البداية اعتقد أنه بسبب تعويذة الانتقال و أن هذه الأوجاع سوف تختفي مع الوقت ، طُرق الباب فقام من فراشه متثاقلاً و فتحه ليجد الخادمة تدعوه للنزول للإفطار ..

 لبس ثيابه الأنيقة و نزل بصعوبة على الدرج و توجه إلى طاولة الإفطار ليجد زوجته الجميلة قد جلست على الطاولة و ناولته الخادمة الطعام ، كان عبارة عن رغيف خبز أسمر و طبق من السلطة مكون من الطماطم و الخيار ، و كأس شاي مر الطعم ، اعترض عماد على الطعام و طالب بما لذ و طاب من الطعام لكن زوجته نادته ” عزيزي هشام هل نسيت أنك مصاب بالسكري و أن الإكثار من النشويات يضر بصحتك ؟ و أن هذا الغذاء مناسب لك أيضا حتى لا يرتفع ضغط دمك ؟ و أن المأكولات الدهنية سوف تضر بكبدك المريض أصلا ؟ تناول طعام من اجل أن تتناول أدويتك الموضوعة بجانبك “

 نزلت تلك الكلمات مثل الصاعقة على عماد ثم نظر إلى وعاء صغير ممتلئ بالأدوية من كل الألوان تشبه سكاكر الأطفال ، أنهى طعامه و خرج من المنزل لمقر شركته حيث تنتظره مشاكل الشركة و ديونها المتراكمة و اتصالات الأسهم المزعجة و اجتماعات مجلس إدارة الشركة المملة و المقرفة ، قرر بعد العمل أن يذهب لطبيبه الخاص ليتفقد صحته و الذي صدمه بكثرة الأمراض التي تنهش جسده ..

هو مصاب بمرض السكر و الضغط الدم و بتليف الكبد بسبب الفيروس الكبدي سي و مرض الروماتزم ( مرض يصيب مفاصل العظام و يسبب ألم شديد عند الحركة )

هذا إضافة إلى مشاكل قلبه المريض ، و صدمه طبيبه عندما أخبره أن أيامه أصبحت قليلة في هذه الحياة ؛ لأن الأمراض نخرت جسده الضعيف ، عاد عماد لبيته مهموماً و جلس فوق كرسيه المريح ثم أخذ يفكر أن المال لا يشتري الصحة و لا السعادة ، و أنه يشعر بالندم على ما فعله فما فائدة المال و الغنى و هو لا يستطيع أن يستمتع به ؟؟ و ما فائدة الزوجة الجميلة و هو لا يستطيع أن يقربها ؟؟
و كيف أن هشام الآن يعيش سعيداً رغم فقره ..

لقد اكتشف عماد أن المال و الصحة يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان أبداً ، لهذا قرر أن يكتب وصيته فأوصى بجزء من أمواله لصالح ابن عمه هشام تعويضاً على ما فعله ، و أوصى ببعض ماله للفقراء و المحتاجين لعل الله يغفر ذنوبه ، ثم مات عماد بعد ثلاثة أشهر بعدما أدرك أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى .

تاريخ النشر : 2016-04-29

guest
26 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى