أدب الرعب والعام

قراصنة الجزيرة المجهولة

بقلم : ﺳﻴﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﻏﻴﻀﺎﻭﻱ – ﺗﻮﻧﺲ
قراصنة الجزيرة المجهولة
في أحد أيام الصيف تعرضت الجزيرة للهجوم من قبل سفينة قراصنة ضخمة..

البحر الكاريبي…أحد أجمل البحار قاطبة بجزره الخلابة ذات الشواطئ البيضاء و مياهه الصافية التي لا تعكرها إلا العواصف التي ما تنفك تهب في إحدى جزره تسمى (جزيرة الأقواس الثلاثة)..

عاش سيبستيان جينوف ذو السبعة عشر عاماً مع أخيه إدوارد ذو الحادية و العشرين عاماً و أخته سوزان ذات التسع سنوات و أمه جوليا التي تخطت عتبة الأربعين بقليل ، و قد اعتنت لوحدها بأطفالها بعد وفاة زوجها جورج غرقاً منذ سبع سنوات ، و قد أثر موته خاصة في سيبستيان الذي كان صغيراً آنذاك ، لكن الأحزان كادت تتلاشى بمرور الزمن.. أما شقاء العائلة فقد استمر و كان منبعه الأساسي القراصنة و أعمالهم الفظيعة التي سرعان ما مست العائلة..

ففي أحد أيام الصيف تعرضت الجزيرة للهجوم من قبل سفينة قراصنة ضخمة ، فاستعدت حاميتها للدفاع عنها ، لكن ما إن رأى أفرادها علم السفينة -الأسود الذي تتوسطه جمجمة تحيط بها النجمة الخماسية- حتى فر أغلبهم عدا قلة من الشجعان الذين أخذوا في إطلاق النيران من مدافع الحصن و السفن في محاولة لكسب الوقت لسكان الجزيرة حتى يحاولوا النجاة بأنفسهم.. و لكن هيهات فقد سحق القراصنة حصن الحامية و أغلبية سفنها باستخدام مدافعهم ذات الأفضلية في الحجم و العدد.. فما رست سفينتهم في الميناء شبه المدمر حتى انطلقوا منها كالكلاب المسعورة و في أعداد تشبه في كثرتها النمل المنتشر ، و جالوا في الجزيرة بحثاً عن الغنائم و عن شيء آخر أوقع الرعب في نفوس السكان ألا و هو الفتيات الصغيرات .

و لم تكن سوزان استثناء إذ ما إن بصر بها القراصنة حتى جدوا في طلبها ، لكن أخاها إدوارد تصدى لهم برفقة سيبستيان بكل بسالة في قتال حامي الوطيس انتهى بسقوط إدوارد صريعاً على الأرض على إثر تلقيه طعنة في صدره وجهها له قائدهم جيكوب ديفلسون الذي ما إن أكمل فعلته الشنيعة حتى أمسك بتلابيب سوزان و توجه بها إلى السفينة ، لكن سيبستيان لم يقف مكتوف اليدين بل سارع بالهجوم على جيكوب لكن قرصاناً عاجله بضربة من عقب بندقية فسقط مغشياً عليه..

مرت الساعات و رحل القراصنة ، و استيقظ سيبستيان ليذهل من حجم الخراب الذي خلفوه ، فأغلب المباني دمرت و التهمتها النيران كما سقط عشرات القتلى و الجرحى ، فسارع بالبحث عن أمه فوجدها بجانب جثمان أخيه و هي تبكيه بكاء مراً ، فأخذ يواسيها و يعدها بإرجاع أخته سوزان ، لكن رجلاً عجوزاً قاطعه قائلاً :
هل جننت يا فتى؟ أنت لن تقدر على إرجاع أختك أبداً فهؤلاء القراصنة لا يشق لهم غبار و لم يستطع حتى الأسطول الملكي البريطاني المتمركز في هذا البحر هزيمتهم أو القبض عليهم ، فسفينتهم المسماة بنجمة الهلاك سريعة رغم ضخامتها ، هذا ما دفع أغلبية جنود الحامية إلى الفرار عند رؤيتهم لها ، لذا ابقى هنا مع أمك ذاك أفضل لك..

فرد عليه سيبستيان متسائلاً و الإصرار باد في عينيه :هل تعرف أين أخذوا أختي؟ أخبرني أرجوك…أتوسل إليك..
فأجابه العجوز بعد أن تأمله ملياً : يبدو أنك شخص عنيد و أنا أدرى الناس بطبع أمثالك لذا سأخبرك بما تريد ، لقد أخذ القراصنة أختك إلى جزيرة نائية مجهولة تقع شمالاً من هنا و لا يستطيع غيرهم الوصول إليها و حتى إن بلغتها فستلقى حتفك على أياديهم أو على يدي زعيمهم الأعلى شادوفين الساحر مرهوب الجانب..

لم يزد كلام الرجل العجوز سيبستيان إلا عناداً و إصراراً على إنقاذ أخته ، فهو لم يكن يوماً جباناً رعديداً كما أنه بحار ماهر ، بل الأفضل في جزيرته ، لكنه قرر التريث قليلاً إلى حين دفن أخيه ، كما خشي على أمه أن يستبد بها القلق و الحزن لرحيله ، و تخوف من أن تمنعه من القيام بما كان يدور في رأسه..

مر أسبوع على هجوم القراصنة المروع ، و تم دفن الضحايا في موكب مهيب حضره الجميع ، و ما إن يتم دفن أحدهم حتى يتعالى البكاء و النواح لكن سيبستيان تمالك نفسه ، و بعد دفن أخيه غرز شاهد قبره في الأرض قائلاً بصوت خافت :
سآخذ بثأرك يا أخي ، وسأغرز سيفي في قلب قاتلك كما غرزت شاهد قبرك في الأرض لذا فلترقد في سلام..

حان موعد تنفيذ المخطط ، فانتظر سيبستيان إلى حين حلول الظلام و خلود الجميع للنوم ليتسلل من المنزل و يقصد الميناء ، و بلغه دون أن يفطن لأمره أحده ، فمن بقي حياً من جنود الحامية توجه إلى مقر الأسطول الملكي البريطاني للبحر الكاريبي الموجود بجامايكا طلباً للغوث و المساعدة..  و هكذا صعد سيبستيان على متن قاربه الذي نجى من الدمار-و لعل ذلك يعود إلى مظهره القديم و المهترئ الذي جعل حتى القراصنة الهمج القذرين يترفعون عن إهدار طلقات مدافعهم لتدمير قارب حقير مثله- و من ثم أبحر سيبستيان شمالاً عساه يعيد بعضاً من السعادة إلى أمه الأرملة من خلال إرجاع سوزان..

مرت الأيام و نفد الزاد من طعام و ماء ، وأيقن سيبستيان بالهلاك ، فأخذ يذرف الدمع ويدعو الله بأن يعين أمه على تحمل حزن فراقه ، لكن سرعان ما رأى عاصفة هوجاء تلوح في الأفق ، و ما هي إلا دقائق معدودات حتى بلغته فحطمت قاربه إلى قطع ابتلعتها أمواج البحر لتستقر في أعماقه ، أما هو فقد حاول تجنب الغرق بكل ما أوتي من قوة إلى أن خارت قواه تماماً ، فآخر ما فعله كان أن تمسك بقطعة حطام طافية ، و سلم أمره للأقدار فأخذت الأمواج تتقاذفه إلى أن رمت به على شاطئ إحدى الجزر و هو على شفير الموت..

أمضى سيبستيان يوماً كاملاً مغمى عليه إلى أن استيقظ أخيراً على صوت شنيع و مألوف ، فنهض و جال بنظره إلى ان رأى غريمه جيكوب و هو خارج من كهف هائل الحجم -يتسع مدخله لمرور سفينتين ضخمتين معا- و قد كان يصرخ في رجاله مصدراً أوامره ، و مطلقا العنان للسانه للتفوه بأقذع الشتائم ، و بعد برهة صعد هو و طاقمه على متن سفينتهم و انطلقوا شرقاً..

انتهز سيبستيان الفرصة و جرى نحو الكهف،  لكنه فوجئ بقرصان يخرج منه ، و ما إن رآه حتى أشهر سيفه و انطلق لقتل الدخيل ، فأمسك سيبستيان بلمح البصر بحجر و قذفه على القرصان ، فأصابه في يده و أسقط سيفه ، فالتقطه سيبستيان بسرعة و قطع له رأسه ، و من ثم أكمل طريقه نحو الكهف ، لكن بغتة انقض عليه مخلوق يشبه النسر و لكن أضخم و يدعى “الثاتالوس ” لكن الفتى تجنب الهجوم و أسقطه أرضاً ، و كان على وشك قتله عندما فوجئ بوجود آثار جروح و تعذيب على جسده ، بالإضافة إلى وثاق في قدمه ، فأدرك أن القراصنة يأسرونه ، حطم قيده فأحنى الطائر رأسه لسيبستيان كعلامة شكر ثم حلق بعيدا أما الأخير فقد توجه إلى الكهف..

دخل سيبستيان الكهف و هو يمشي بحذر إلى أن وجد مسدسا فالتقطه وواصل المشي .. وجد آثار دماء على الأرض فتحفز و استعد لكل طارئ ، و فجأة .. ظهر أمامه رجل يبدو من ملامحه و هيئته أنه من السحرة ، فصوب سيبستيان مسدسه نحوه قائلاً:  لا بد أنك شادوفين ، أخبرني أين هي أختي الآن و إلا أرديتك قتيلاً و إياك أن تخدعني ..فرد عليه الرجل:  
نعم أنا هو و لكن دعني أوضح لك الأمر برمته ، إسمي الحقيقي هو كارلوس لاروسو ، و أنا قرصان و لست بساحر ، لكن قبل سنوات زرت و طاقمي هذه الجزيرة بحثاً عن الكنوز ، و وجدنا رجلاً بها فأمرنا بمغادرتها لكننا رفضنا و قمت بقتله ، ليتبين لاحقاً أنه كان يحرس وحشاً بحرياً قديماً يدعى سايكلون.. فما هي إلا برهة حتى وجدت نفسي سجيناً في هذه الجزيرة أما طاقمي فقد سجنوا في جزيرة كاريا غرباً من هنا..

و ما إن أتم تلك العبارة حتى سقط أرضاً و هو ينزف ، ساعده سيبستيان على الوقوف و أكمل الرجل كلامه :
لقد كانت لعنة التي حلت علينا ، و بسببها أصبحت أنا حارس ذاك الوحش ، و قد خدعت جيكوب و أوهمته بأني قادر على منحه إكسير الخلود إن هو أطاع أوامري و جلب لي فتيات صغيرات..
فقاطعه سيبستيان قائلا : و ما الذي تريده منهن ؟
أجابه كارلوس: أنا أجعل جيكوب يسلمهن إلى حوريات خليج الشمس اللواتي يجعلن منهن تابعات لهن ، و ذلك في مقابل مساعدتي على إبقاء سايكلون محتجزاً.. و لكن ليلة أمس تمكن هذا الأخير من التواصل مع جيكوب ، وأعلمه بحقيقة الأمر،  ووعده بمنحه ما يريد إن هو كسر النصف الذي معي من قفل ياركس الذي يسجنه في الجزيرة ، و هو ما حصل .. و قد توجها اليوم بعد أن حاولا قتلي إلى الحوريات لكسر نصف القفل الأخر حتى يتمكن سايكلون من استرجاع قواه كلياً . .
فقال له سيبستيان : إذاً كيف السبيل لإيقافه و إنقاذ أختي ؟
أجابه كارلوس : أبحر بذاك القارب الصغير الموجود خارج الكهف و توجه إلى جزيرة كاريا و أطلب مساعدة طاقمي ..

انطلق سيبستيان مسرعاً بعد سماعه لذلك الكلام ، و أبحر حتى وصل إلى تلك الجزيرة ، و بلغها أخيراً ليدهش بمظهرها المرعب ، و أخذ يتجول فيها إلى أن وجد قرب شاطئها الشمالي سفينة مهجورة ، فدخلها..و فجأة .. اشتعلت النيران فيها ثم خمدت مباشرة ليجد طاقم كارلوس أمامه و قد تحولوا إلى ما يشبه الأشباح ، فأخبرهم بما جرى فوافقوا على مساعدته ،  فمجيئه إليهم أزال عنهم اللعنة جزئياً ..

و هكذا أبحروا في سفينتهم المسماة ” الصاعقة لادوروليا ” نحو خليج الشمس ووصلوا إليه بعد يومين قبل جيكوب و سايكلون نظراً لسرعة سفينة الصاعقة التي فاقت على ما يبدو سفينة نجمة الهلاك في السرعة ، و توجه سيبستيان مباشرة نحو الحوريات و حذرهن من الهجوم ، و طلب منهن تحرير أخته و بقية الفتيات لكنهن رفضن ..
و بينما هو مستغرق في الجدال معهن وصل جيكوب و سايكلون ، و لكن مع مفاجأة غير سارة تمثلت في جلبهما لأسطول من سفن القراصنة لكي يتمكنا من تحقيق مخططهما بأسرع وقت ممكن.. التفتت إحدى الحوريات لسيبستيان و قالت له :
سنحرر الفتيات لكن بشرط.. أن تساعدنا على صد هؤلاء ، و إليك هذا الخنجر إنه يعود لأحد أسياد القراصنة الأربعة الأسطوريين الذين سيطروا على هذا البحر قبل مائة و خمسين سنة ، ما عليك إلا طعن سايكلون في رأسه لتقضي عليه للأبد ، أما نحن فسنشكل قبة مائية لحماية النصف المتبقي من قفل ياركس ، و لكن أسرع.. فقوانا لن تصمد طويلاً ..

فبادرها سيبستيان قائلاً : لكن كيف لي أن أصل إلى رأسه فأنا لا أجيد الطي…و قبل أن يتم كلامه سمع صوتاً حاداً من بعيد ، فرفع رأسه ليرى طائر الثاتالوس و هو قادم إليه ..
فقالت له إحدى الحوريات : سيوصلك هذا الطائر إلى رأس سايكلون ، لكن يجب عليك أن تستدرج هذا الأخير إلى المياه الضحلة حتى يعلق هناك و تتمكن من إصابته في رأسه..

صعد سيبستيان على ظهر طائر الثاتالوس ، و هاجم سايكلون باستخدام مسدسه إلى أن أغضبه ، فلحق به يريد تمزيقه إرباً حتى وصل إلى مياه ضحلة و علق هناك ، فاستغل سيبستيان الفرصة و قفز من على ظهر الثاتالوس و أصابه بالخنجر في رأسه.. فصرخ سايكلون صرخة تصم الآذان ، و من ثم تحول إلى كومة من الحجارة و الرمال.. فالتقط سيبستيان الخنجر الأسطوري و سارع بالعودة لمساعدة الحوريات..

أطلقت سفن القراصنة نيراناً عنيفة من مدافعها على القبة المائية بغية تدميرها حتى كادت قوى الحوريات تنفد ، إلى أن وصل سيبستيان و نزل على مقدمة سفينة الصاعقة لادوروليا و إستل سيفه و نظر إلى جيكوب بغضب و قال له :
استعد لتلقى حتفك على يدي فسأخترق صدرك بسيفي هذا كما فعلت أنت مع أخي إدوارد فاليوم يوم انتقامي و يوم هلاكك أيها القرصان القذر الدنيء عديم الرحمة..

 فضحك جيكوب ملء شدقيه و ضحك معه بقية قراصنته و من ثم قال : أنت.. تقتلني أنا؟؟ ذاك أطرف شيء سمعته في حياتي هل تظن حقاً أن غراً مثلك سيصمد أمامي؟ أنا جيكوب ديفلسون أعتى قرصان في البحار السبعة ، و قاهر الأساطيل و قاتل الألوف و لم ينازلني أحد إلا و سلبته حياته.. و هذا ما سيحصل معك يا أيها الفتى النكرة فأنت لوحدك مع أشباه الأموات هؤلاء ، بالإضافة إلى هذا الطائر البشع عديم القيمة و الحوريات المنهكات القوى أساساً ، فاستعد لمواجهة مصيرك لأني سألحقك بأخيك ، فلا أحد سيساعدك..

لكن سيبستيان ابتسم ابتسامة عريضة و قال له : أنا لست وحدي فأنظر خلفك يا قصير النظر و عديم الحيلة.. فالتفت جيكوب وراءه ليرى الأسطول الملكي البريطاني على بعد مسافة قصيرة ، و هو بكامل عدته و عتاده ، و قد أطلع كارلوس أميرال الأسطول على موقعهم بعد أن وجده في تلك الجزيرة.. ارتسمت ملامح الغضب على وجه جيكوب و صرخ قائلاً :
يا فتى تباً لك و لهم…. يا رجال هاجموهم … أطلقوا النار..

 و هكذا بدأت المعركة الحاسمة ، فتبادل الأسطولان نيران المدافع ، و تكبد كلاهما خسائراً فادحة إلى أن اصطدمت الصاعقة لادوروليا بنجمة الهلاك ، و اندلع قتال عنيف بين الطاقمين و شق كل من سيبستيان و جيكوب طريقه نحو الأخر ، إلى أن التقيا و خاضا قتالاً شرساً و محموماً كاد يفوز فيه جيكوب الذي أسقط خصمه أرضاً.. لكن الأخير نهض بسرعة و لكم غريمه في وجهه ، ثم غرز سيفه في قلبه ، فسقط جيكوب جثة هامدة .. فدب الذعر في قلوب القراصنة وهزموا شر هزيمة ف، قتل من قتل و أسر من أسر ، و استعاد سيبستيان أخته و بقية الفتيات و عاد إلى جزيرته على جناح السرعة .

تاريخ النشر : 2016-07-19

guest
68 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى