أدب الرعب والعام

ساحرات شبه جزيرة رأس الطير (شبه جزيرة المانغروف)

بقلم : زمن الطيبين – سلطنة عمان

ساحرات شبه جزيرة رأس الطير (شبه جزيرة المانغروف)
لقد قدمنا إلى هنا طيرانا ..!!


تحرك اليخت الكبير معلناً عزمه على مخر عباب البحار في رحلة ممتعة و مشوقة لزبائنه المختلفي الجنسيات والاعراق ، وكان من بينهم مايكل الشاب الأميركي البالغ من العمر 25 عاما ، و رفاقه الصحفيين والاعلاميين الذين وجدوا لهم مكاناً بالأجر في مقابل أن يقلهم اليخت في هذه الجولة السياحية لأنهم بصدد الاعداد لبرنامج تلفزيوني و مقالات صحفية عن أبرز و أجمل جزر المحيط الهادي .

مر يوم على الرحلة و في اليوم الثاني لها و بينما يتمشى مايكل نحو مأدبة الغداء على سطح اليخت في الجو الجميل والمشمس ، لمح إحدى الطاولات يجتمعن حولها خمس عجائز يبدو من وجوههن أنهن من أعراق مختلفة ، فصوَّب ناظريه نحوهن أكثر و هن بدورهن بادلنه بنظرات مريبة ، وابتسامات صفراء ، ما جعله يستغرب !! و لكنه لم يلقِ بالاً لهن ، و اتجه نحو زميله بيتر على طاولة الوفد الصحفي الرياضي ، حيث يجلس أيضا هناك الزملاء الصحفيين وهم :

بيتر ( المصور التلفزيوني ) ، جون( صحفي ومصور )
، ستيفن ( مصور وصحفي ) ، مارك ( منسق الرحلة )
قال بيتر :
– ما بك يا مايكل اليوم لا نراك سعيداً ومتحمساً كيوم أمس ؟
– هاه ، لا شيء فقد تكون حرارة الشمس هي من أتعبتني فأنا قبل قليل صحوت من نومتي الثانية .
– حسناً تناول غداءك قبل أن يبرد ، فلدينا عصر هذا اليوم مناقشات كثيرة و عمل، وسيستم هذا لبقية أيام الرحلة و ذلك لأن الجزر المقصودة ستتلاحق تباعاً أمام أنظارنا بدءاً من عصر اليوم ، و سنرى الدرر المنثورة على سطح بحار المحيط الهاديء ..
– هذا جيد ، آمل أن يغير هذا مزاجي المتعكر ..

أخذ الجميع قيلولة قصيرة ، ثم في الساعة 3:30 قام الوفد الصحفي بتناول الشاي و بدؤوا في الشروع في عملهم بتصوير المناظر الطبيعية ، سواء عن طريق الكاميرا التلفزيونية الخاصة بالتلفاز أو الكاميرات العادية لالتقاط الصور .

استمر التصوير حتى الثامنة ليلاً حيث حل موعد وجبة العشاء ، و كان جميع أعضاء الوفد حينها منهكاً ، فليس من السهل تمضية أربع ساعات متواصلة في التصوير و التعليق على هذه الأمور …
اجتمع المسافرون مع طاقم اليخت كالعادة على سطح السفينة وفقاً للنظام الذي اتبعه طاقم اليخت لخلق نوع من الألفة والأجواء الجميلة في اوقات تناول الوجبات ، إلا في الأيام التي يتعذر فيها ذلك كالأيام الماطرة والعاصفة و نحوها ..
و بعد الانتهاء من الطعام تحلق الجميع حول أنغام الموسيقى الهادئة و الأحاديث السامرة التي أنست الجميع أنهم على كفوف الماء ، و أنهم دخلاء في عالم قد يسحبهم لأعماقه
في أي لحظة غادرة .

انتهت الجلسة السامرة و انفض الجميع إلى غرفهم استعداداً للنوم و ليوم جديد ، ولم يبق أحداً مستيقظاً إلا من قلة كبعض أفراد الطاقم و ربما من غيرهم ..

في تلك الليلة لم ينم مايكل لساعات و كأن طائر النوم فر من قفصه حتى حين .
أحس بالملل و خرج من غرفته وبدأ بالمشي في أروقة الغرف و فجاة شدته الأنوار المضاءة من غرفة العجائز الست ، وبدأ يسمع همهمات وكلمات غير مفهومة وهو واقف أمام الباب يتنصت خلسة ، و في لحظة مفاجئة فتح الباب وظهرت له عجوز في عقدها السابع بدت له أن ملامحها أوروبية كما هو واضح .. بادرته قائلةً :
– أهلا .. ما بك يا بني ؟ لماذا أنت واقف هنا ؟!
– لا شيء يا سيدتي .. فقط انحلت عقدة حذائي و قمت بربطها أمام باب غرفتكن .
– دعك من هذه الأعذار الواهية ، ووقل لي سبب و قوفك أمام باب الغرفة ايها الشاب الوسيم ..
– كما قلت لكِ سيدتي و هل تحسبين أني أكذب ؟
– حسناً ، و لكن أرجو أن تتفضل بالدخول معنا و التعرف على جداتك العجائز .. فهي فرصة للتعارف بيننا .
– لا بأس وما المانع خصوصاً أن النوم قد أعلن الحرب علي هذه الليلة .

دخل الغرفة و كانت العجائز الست مجتمعات حول طاولة مستديرة ، فاحضرن له كرسي آخر ليجلس عليه في أثناء الحديث معهن ..
– حسنا يا بني ، عرفنا عليك ؟
– اسمي مايكل مذيع و مقدم في إحدى القنوات التلفزيونية الأمريكية ، و معي وفد صحفي و إعلامي ، حيث نقوم بإعداد و تصوير برنامج و مقالات صحفية عن بعض جزر المحيط الهاديء …. والآن حان دوركن حتى تعرفنني بأنفسكن ..

أخذت العجوز الأوروبية الملامح زمام المبادرة في الحديث و قالت :
اسمي روث ، استرالية من أصول إنجليزية و اسمي يعني صديقة ( وبالمناسبة روث يعني أو هو اسم أم البشر حواء في اللغة الانكليزية)
و هذه أنستازيا ، روسية و يعني اسمها القيامة و نخشى أن تقوم عليك القيامة إن لم تحييها ( ويضحكن ههه)
و أما هذه فهي تشو ، صينية و يعني اسمها وقت الصيف ( ونحن في وقت الصيف ) و يضحكن ههههه
و هذه تدعى اكيشيتا و هي هندية حمراء من السكان الأصليين للامريكيتين ، ومعناها المحاربة و نخشى أن تكون محاربة و تشمر عن ساعديها وتقاتلنا ( ويضحكن بشدة )
و أما هذه فهي كيرا ، هندية ويعني اسمها شمس أو سيدة ( ولكنها ليست سيدة المجموعة هاهاهاهاهاها )
و أما السمراء المتبقية فهي إيسيوما ، و هي نيجيرية و لكن لا تعرف معنى اسمها سوى انه منتشر في منطقة الدلتا في نيجيريا ، و ربما نسته في البيت ( ويضحكن كالعادة )
ثم أكملت قائلة :
– و الان أخبرنا بالحقيقة ، ما سبب وقوفك أمام الباب ، و هل سمعت شيئاً مما قلناه ؟
– أبداً سيدتي ، فبالكاد ما إن وصلت حتى فتحتِ الباب لي
– امممم حسناً ، و نحن سررنا بالتعرف عليك ..
– و أنا كذلك أيتها السيدات الفاضلات ، و الآن اسمحن لي بالمغادرة .. و لكن هل لي بسؤال أخير ؟
– نعم تفضل
– أنتن مختلفات الجنسيات و الألسن ، فكيف تتواصلن مع بعض في هذه الجلسة الجميلة ؟!
– ليس هناك ما يثير الغرابة ، فهذه السيدات أخبرتك بأصولهن و لكنهن قضين سنوات عدة في استراليا ، تعلمن خلالها اللغة الإنجليزية بطلاقة ثم رجعن لبلدانهن ، ولكنهن بين الفينة و الأخرى يزرنني وونقضي معاً أيام جميلة ، و نحن بدورنا نتبادل الزيارات سنوياً مع واحدة منا ، و هذه المرة كانت معي هنا .
– شكراً لكن و إلى اللقاء فقد بدأت أشعر بالنعاس
– الى اللقاء .. ولا تنسى أن تتغطى جيداً فالجو بارد وممرض .
– حسنا ..و أنتن كذلك ، إلى اللقاء ..
و غادر الغرفة بينما استمر المصباح مضاءاً بغرفتهن ، و استمر اجتماعهن الغامض .

***
أشرقت الشمس بخيوطها الذهبية التي نسجت ثوباً حريرياً رائعاً حول تلك الجزر ذات الرمال البيضاء و الأشجار الخضراء ، ووالمياه الزرقاء ، و أعلنت ميلاد يومٍ جديدٍ آخر في هذه الرحلة .

في هذا اليوم كان برنامج القبطان ( جونسون ) الرسو على شبه جزيرة رأس الطير (bird head peninsula) ، الواقعة
ضمن الأراضي الخاصة بدولة بابوا غينيا الجديدة ، و مما يميز شبه الجزيرة هذه كونها إحدى المناطق العالمية التي تنمو فيه أشجار المانغروف ( القرم أو الشورى ) و هي جنس من نباتات الأيكة الشاطئية .. ويعتبر شجر القرم ( المانجروف ) مفيد للبيئة البحرية و البرية ، حيث يساعد في تثبيت التربة ، و يكون مأوى طبيعي للأسماك و الكائنات البحرية ، إضافة لكونها مأوى لفقس الطيور و كمصدات للرياح .

ولكن قبل الرسو على الشاطىء ، مروا بشلال متساقط في البحر من أحد الأماكن ، و كان منظراً جميلاً و نادراً ما يوجد في أماكن أخرى من العالم ، و كان موعد التقاط الصور والمشاهد الكثيرة له ..

نزل الطاقم و السياح على شاطىء شبه الجزيرة ، وبدؤوا بجولة سياحية في أنحاء شبه الجزيرة ، و التقاط الصور و إعداد البرنامج من قبل الوفد الاعلامي . .
كانت تتخلل الجولات جلسات للراحة و تناول الطعام و تبادل الاحاديث ، حل الليل و بعد وجبة العشاء اعتزلت العجائز الست لوحدهن ، و بدأن بإشعال النار و الشروع في خصوصية حديث لم يكن واضحا للبقية ..

فجأة أحس القبطان جونسون بصداع شديد هو و طاقمه ، صاحبه تشجنات خفيفة ، فقام البقية بنقلهم بقارب الرسو لليخت القريب للراحة والعلاج . .
كشف الطبيب الفرنسي المرافق للرحلة (هنري) عليهم ، و لكن لم يلق أي شي غير طبيعي في صحتهم ، و رغم ذلك أعطاهم المسكنات فهدأوا قليلاً ، و بقي عندم شخصان للمراقبة .. و عاد البقية لمكان التخييم مجدداً .

لم تمض نصف ساعة حتى فوجيء الجميع بصراخ المراقبان ، النجدة .. إلحقوهم بسرعة ، فركض الآخرون باتجاه اليخت فكانت الفاجعة … فقد كان الشخصان اللذان بقيا للمراقبة مصابان بطعنات نافذة و أخذا بالصياح قائلين :
إلحقوهم ، لقد رموا بأنفسهم من طرف اليخت الآخر لمحاولة الانتحار بعد إصابتهم بالهستيريا مجدداً .

فتراكضوا نحوهم كلاً يلقي بنفسه لمحاولة إنقاذهم من الغرق و لكن هيهات فقد فات الاوان ..
و رغم غطسهم إلا أن بعض الجثث كانت قد طفت على الماء بينما التي لحقوا بها كانت قد فارقت الحياة وتشبعت بالماء في طريقها للطفو .

خيم الحزن على الجميع ، و ألجمت الصدمة ألسنتهم ..

تمت تغطية الجثث ، و حاول الطبيب الاتصال بالمسؤولين لكن الخط أو السلك كان مقطوعاً بفعل فاعل !!
و هنا بدأ الشك و الرعب يساور البقية ، فقد أدركوا أن ما حدث لم يكن حادثاً عرضياً ..

بدأ بكاء الأطفال في عائلتي كولمان و غولدوود ، بينما الآباء و الأمهات يحاولون تهدئتهم ..
لم يبق بعد وفاة الطاقم سوى الطبيب هنري ، و الطاقم الصحفي و الاعلامي ، وعائلة كولمان ( الأب جون و الأم رايتشل ، و الابنة سوزي و الابن جورج )
و عائلة غولدوود ( الأب كريستوف و الأم ماري ، و الابنة ايما والابنان مايك و كيفين )
و العجائز الست …

بدأت المداولات و المناقشات في مصير الجثث و تم الاتفاق على دفنها في شبه الجزيرة قريباً من الشاطيء ، في مكان واضح المعالم حتى إشعار آخر ، في حال مطالبة السلطات و ذويهم بالتحقيق في الحادثة ..
نزلوا بالجثث تباعاً إلى الشاطىء ، و تم دفنها و تمييزها بعلامة و قرآة الصلوات و الأدعية عليها ..
قضى البقية تلك الليلة في غم و حزن كبيرين مع كثير من الخوف و التوجس .

حل الصباح ، و تناول الجميع الإفطار ، لكن العجائز تناولنه في مكان مبتعد قليلاً ..
و بدأ النقاش حول مصير الرحلة ، فقرر الجميع الرجوع باليخت و حزموا الحقائب استعداداً للرحيل ..
لكن في خذه اللحظة أتى الطبيب هنرى و لم تبدوا عليه ملامح غير طبيعية ، و طلب من الأسرتين أخذ الأطفال قليلاً من أجل أن يعطيهم بعض المراهم و الأدوية ضد حساسية الاطفال للشمس ..
ذهبوا معه لليخت بينما انتظر البقية على الشاطيء ، طلب من الآباء و الأمهات الانتظار خارج عيادة اليخت .

تأخر الطبيب بالداخل مع الأطفال ، و بدأ التوجس و الخوف يساورهم ، و أخذوا ينادون على الطبيب و الأطفال
و لكن لا مجيب !! فركلوا الباب ثم استطاع الأبوان جون و كرستوف خلعه ، و كانت الفاجعة …
فالأطفال كانوا في غيبوبة و الطبيب يحمل مسدساً في يده موجهاً إياه باتجاههم
فصاحوا به : ماذا فعلت بهم ؟
فبادلهم بابتسامة خبيثة : لقد أعطيتهم جرعة مخدر زائدة ما أحدث لديهم انخفاض حاد في ضربات القلب ، و وفاتهم بسرعة ..
هنا انهارت الوالدتان بالبكاء جاثيتان على ركبهما
و أكمل الطبيب حديثه : و قد حان دوركم أيها الآباء و الأمهات ..
وعاجل الرجلان (جورج و كريستوف ) بطلقتان مميتان رغم محاولتهما تفاديهما و لكن المحاولة كانت فاشلة ، و عند محاولة حشو المسدس من جديد عاجلته ماري بضربة من الكرسي أسقطته على الأرض مضرجاً بدمائه ، لكنه تحامل على نفسه و قام بحشو المسدس و أطلق عليها رصاصة
بالصدر أسقطتها صريعة في الحال ..
بينما هاجمته رايتشل بأنبوبة الإطفاء في محاولة أخيرة فأصابت جانب رأسه محدثة كدمةً و جرحاً عميقاً ،و لكنه ما زال يكابر و يعاند الموت ، و صوب نحوها رصاصة في رأسها أودت بحياتها …

كان الآخرون من الصحفيين حينها يسابقون الوقت سباحة نحو اليخت فور سماعهم لإطلاق النار و الصياح ، و ما إن وصلوا حتى توجهوا نحو عيادة اليخت و كانت حينها الصدمة المدوية ..
كان البالغين صرعى يسبحون في برك الدماء الحمراء القانية و الأطفال مسجون ميتون على أسرة و بلاط الغرفة ، كارثة أخرى جعلت الجميع ينهارون بالبكاء و النحيب و لكنهم تمالكوا أنفسهم ، و شرعوا بتنظيف المكان و نقل الجثث و تغطيتها استعداداً لدفنها أو لنقلها إلى استراليا .

***
بعد الانتهاء من تنظيف المكان و تغطية الجثث ، لم يشعروا إلا و العجائز الست خلفهم على سطح اليخت ، فسرت قشعريرة رهيبة في أجسادهم فصاح بهن مارك :
– كيف استطعتن الوصول إلى اليخت بدون قارب و أين كنتن في خضم هذه الأحداث المأساوية ؟!! و كأنه لا قلوب و مشاعر لديكن أو الأمر لا يعنيكن بتاتا .

فبادرنه بضحكات استهزاء و ردت عليه روث ببرود و وقاحة :
بل قل ما السبب في كل هذه الكوارث ؟
ألم تتعبوا أنفسكم في اكتشاف أسبابها ؟
أم لماذا لا تشكرونا نحن على هذه الاحداث الدراماتيكية المثيرة ؟

هنا وقع الكلام عليهم كالصاعقة ، فعاجلها مايكل بقول :
– ماذا تقصدين و كيف استطعتن الوصول لليخت سباحة
و أنتن عجائز بالكاد تستطعن الوقوف و المشي ؟
فكان الرد المدوي كالقنبلة من القائدة روث :
– نحن ساحرات نجتمع سنوياً و نقوم بأعمال شريرة للآخرين من حيث سحرهم وإخراجهم من حالة اللاوعي ، و تلك الطقوس التي نفذناها على القتلى كانت من خلال اجتماعاتنا السرية والعزلة ، و أنتم لا تدرون طبيعة تلك الاجتماعات بل كنتم سذجاً تعتقدون أنها تآلف و أحاديث عجائز لا تسمن ولا تغني من جوع ، وأما طريقة وصولنا لليخت فجئنا طيراناً إليه !!

و الآن حان دوركم أنتم ، فلم يتبقى سواكم أنتم الخمسة ، في البداية سنقوم بإتلاف آلات التصوير و الصور لديكم لأنها تعتبر دليل إدانة ضدنا لكونها تحتوي على مشاهد لنا ، فأخبرونا أين قمتم بتخبتئها ؟؟ فنحن لم نجدها على شاطىء البحر ..
هنا غضب الصحفيون و هجموا عليهن ، و لكنهن بسرعة خاطفة بدأن في الطيران في أرجاء اليخت ، و الصحفيون يلاحقوهن حتى استسلموا و يئسوا من الامساك بهن .

روث : هاه ماذا قلتم ؟ فبإمكاننا إنهاء أموركم و سحركم في غمضة عين إن أردنا ..
انظروا خلفكم

فلما أشاحوا بنظرهم للخلف يا لهول ما رأوا !!
رأوا 10 من الرجال الأشداء خلفهم ظهروا من العدم ..
روث : هل تعلمون من هؤلاء أم أخبركم من هم ؟
إنهم جان سخرناهم لخدمتنا في طقوسنا ، وهذا يعني إثنان من الجان الأشداء لكل واحد منكم ، اي بمعنى آخر لا مجال لكم للمقاومة ..

فانصاع الصحفيون وقاموا بتسليمهن آلات التصوير ، و قمن بكسرها وإتلاف شرائط الصور و رميها في البحر .

هنا وقفت الزعيمة روث و قالت :
والآن إلى الأمر الثاني ، و هو التضحية في كل يوم بواحد منكم كقربان لطقوسنا السحرية ، و أترك لكم الاختيار ، إما أن تختاروا من منكم يكون الضحية كل يوم ، أو تقترعوا فيما بينكم ، وكل شخص وحظه ..
بالنهاية هي مجرد 5 أيام في عمر حسن الحظ المتبقي فيكم ،
ولكنه سيكون أمام احتمال رحمتنا به و الزواج بنا لإنقاذ حياته أو سيكون مصيره كسابقيه ..

استشاط الصحفيون غضباً ، لكنهن رفعن أيديهن في وجوههم و قلن بصوت واحد :
تذكروا أنكم ليس بمقدوركم الإمساك بنا ، و أننا قادرات على إنهاءكم بلحظات .
فأجبروا للانصياع لأوامرهن ، و ذهبوا لاختيار أشياء تكون أسهم لعملية الاقتراع .
عاد الصحفيون و عرضوا ما اختاروه و كانت كالاتي :
علبة سجائر ، و قلم حبر ، و منشفة ، و معجون أسنان وقارورة ماء صغيرة .
وضعوهن في مسافة آمنة بينهم وبينهن ..

روث : إيسيوما .. اذهبي و اختاري إحداهن .
تذهب إيسيوما و تختار المنشفة التي كانت تمثل سهم ستيفن ، فيغشى عليه قليلا من الصدمة و لكنهن يجبرن أصحابه على إفاقته من غيبوته و هو ما حدث .
أجبرنهم على العودة سباحة إلى الشاطىء لتفيذ أيام مراسم القربان و التضحية بستيفن في هذا اليوم .
قمن بتكبيل البقية بالحبال على جذوع أشجار المنغروف قرب البرك المائية ، ثم قمن بتنويم ستيفن ثم ذبحه على مرأى من رفاقة الذين أشتحوا بنظرهم عنه ..
وتبدا طقوسهن الشيطانية لأجل حفل من احتفالات عبدة الشيطان العديدة في أصقاع أخرى من العالم .

طبعاً لم ينسين بين فترة و أخرى إطعام و سقي الأضاحي البشرية المتبقية ، والسماح لهم بقضاء حاجاتهم ، فلا بد أن تكون الأضحية بكامل صحتها في يوم النحر أو العيد !!

حضر اليوم الثاني و كان الاقتراع الثاني ..
روث : الآن هو دورك في الاختيار يا اكيشيتا .. تذهب اكيشيتا و تختار قارورة الماء ، و كانت تلك التي تمثل مارك .
اقتيد مارك إلى حتفه و هو يصرخ ، و الدموع تسيل منه كسيل هادر ، و هنا لم يطق رفاقه و تحركت رعود و بروق الندم و الحمية على رفيقهم ، و لكن هيهات فالحبال المكبلين بها كانت قوية ، كما أن حراس الجن بجانبهم .

هذه المرة كانت طريقة التضحية مختلفة ، فقد جهز صليب و و ربط عليه مارك ، وتم نصبه وإشعال النار حوله ، وبدأت العجائز بالدوران حولها ، و ترديد الخزعبلات و الترهات و التمائم الشيطانية ، و مارك يصطرخ بشدة من الألم حتى تفحم و فارق الحياة ، ويا لها من نهاية شنيعة .
بكاه أصحابه بدموع مكتومة أو خافتة الأصوات .

أتى اليوم الثالث المشؤوم كسابقيه ..

روث : يا عزيزتي تشو هذه المرة سيكون شرف سحب القرعة لك !!
سحبت تشو معجون الأسنان ، و كان هو من نصيب بيتر ..
يجر بيتر إلى حتفه ، و هذه المرة كان طقس التضحية به هو إغراقه في بركة ماء .. وهكذا كبله رجال الجن بالحبال ، و أغرقوا رأسه في الماء بينما كان يصارع الموت حتى انكتمت أنفاسه و فارق الحياة .. وبدأت بعدها الطقوس الشيطانية …

رابع أيام البؤس و التراجيديا الخيالية يحضر ، ولم يتبقى إلا شخصان ( أو لنقل أضحيتان !)
و هما مايكل و جون .

روث : هو دورك يا كيرا ، فقومي بسحب إحدى الشيئان المتبقيان و هما :
علبة السيجارة و قلم الحبر ..
اختارت كيرا علبة السيجارة و كانت هي التي تمثل جون . أمسك رجال الجن بجون بعنف ، حتى أن أضلاعه تكاد
تتكسر في أيديهم ، و بدأت العجائز بالتفكير بطريقة التضحية به ، وخطرت على بال الساحرة الروسية أناستازيا فكرة و بادرت بالقول :
لم لا تكون نهايته من خلال الركل و اللكم و الضرب حتى الموت من طرف أعزائنا الجن ؟
وافقت بقية العجائز ، و بدأ التفيذ من ركل و ضرب ، و جون يتأوه و يصرخ من الألم و الدماء والقيء ينزل منه ، حتى سقط على الأرض و هو يتلوى من الألم ، و هم يكملوا الركل و الضرب حتى فارقت روحه الحياة ، وما يكل يناظر المشهد غير مصدق لرحيل آخر أصحابه و أحبابه جون …
لم يستطع مغالبة دموعه و هو يشهق من البكاء ، و هنا تبدأ مراسم الاحتفال بجثة جون .

أتى اليوم الخامس خاتمة أيام القرابين المشؤومة و الفظيعة ..

العجائز : نخيرك الآن بين الزواج بنا أيها الوسيم ، أو التضحية بك كحال رفاقك ..
مايكل : كلا أيتها الشمطاوات القذرات ، لم و لن أبيع عزتي و كرامتي و أنسى أرواح الرفاق هكذا بهذه السهولة .

روث : حسنا و لكنك ستموت بعد قليل أيها الشجاع المكابر ،
و ابتعدن عنه قليلا للتفكير في طريقة جديدة لإعدامه ، و فجأة خطرت على بال اكيشيتا فكرة رميه من علو شاهق يتردى منه صريعاً كما أردى قلوبهن صرعى من جبال الحب و العشق و الهيام ..
وفي هذه الأثناء لاحظ مايكل أن سكين الذبح التي ذبحن بها ستيفن ما زالت موضوعة على الصخرة ، و كانت قريبة منه ، فلمعت في ذهنه فكرة و معلومة قديمة للنجاة بنفسه .

يبدأ الأمر بحل وثاقه لإلقاءه من علو شاهق من أحد المرتفعات ، يفك رجال الجن الحبل ، لكن مايكل يبادرهم بسرعة بالمقاومة العنيفة و دفعم بعيداً عنه و يتجه مسرعاً صوب السكين ، و أخذ يهددهم بها و يتجه نحو الجن الذين يرتجفون خوفاً عند رؤيتهم لسكين الحديدية ، أتعلمون لماذا ؟!
نعم إن الجن يخافون من الحديد ، و تلك السكين مصنوعة من الحديد ..
و بدأ مايكل بالهجوم عليهم ، و هم يطيرون من أمامه فزعاً و هرباً ، و بدأت البلبلة والصياح في جموعهم و جموع الساحرات ، و هن يصحن بالجن طالبات منهم الرجوع ، وهم يرفضون خوفا من القتل ، و هم يخشون من الحديد فكيف بسكين قاتلة صنعت منه !!

ثم اشاح مايكل بنظره صوب الساحرات التي ارتعدت فرائصهن من نظرات الانتقام و الحقد في عينيه و الشرر الذي يخرج منهما و يكاد يحرق نفوسهن و أجسادهن الخبيثة
و يندفع نحوهن مهاجماً إياهن وهن يتفرقن يمنةً و يسرة ، رعباً منه ، دون أن يصيبهن بشيء .
ثم توقف و قال بصوت المتحدي : هذه السكين لن تفارقني وسأعود بهذا اليخت و من تريد منكن نهايتها فلتقترب مني . تملكهن الرعب والغيظ يكاد يقتلهن .
سبح مايكل نحو اليخت و عينيه لا تفارقان الطريق ، لا من الامام و لا من الخلف خشية أن يباغتنه .

وصل إلى اليخت ، و رفع المرساة و هو يلوح لهن بالسكين متحدياً إياهن من الاقتراب ، شغل المحرك و جلس أمام دفة القيادة ، ولحسن حظه كان كتيب إرشادات القيادة موجوداً في أحد الأدراج ، و لم يعبث به أحد .
تحرك اليخت بمايكل مغادراً شبه الجزيرة ، و هو يطالع الساحرات و هن يلعننه ويشتمنه بأقبح الألفاظ
و هو مبتسم غير مصدق أنه نجا من براثن تلك الوحوش البشرية و الشيطانية .

استمر في طريقه يوم ، و بعدها في اليوم الثاني صادف سفينة شحن تجارية أوقفها و أخبر طاقمها عن الحوادث الكارثية الشنيعة التي حدثت لهم .
هدّأ الطاقم من روعه ، و قدموا له الطعام و الشراب و العلاج و الراحة اللازمان لاستعادة قواه .
انقسم الطاقم إلى فريقين ، أحدهما قاد اليخت مع مايكل حتى وصلوا الأراضي الاسترالية .
أبلغوا السلطات و تحركت عدد من السفن البحرية لقوات الأمن ، و قاموا بالتنسيق مع قوى الأمن في بابوا غينيا الجديدة ، و تم الذهاب إلى المكان المقصود في شبه جزيرة رأس الطير الذي وقعت فيها الحوادث ..
تم انتشال الجثث و تشريحها و إرسالها إلى ذويها و دفنها .

أما مايكل فاعتبر برغم الفاجعة و الخسارة لأصحابه والآخرون بطلاً قومياً لنجاته التي تعتبر مستحيلة في تلك الظروف ، و تم تكريمه بأرفع الأوسمة و الجوائز ، و صنعت له الحادثة شهرة لم يكن يحلم بها ، و تسابقت و سائل الإعلام
على الظفر بمقابلات له ، كما أنه هناك تجهيزات لإعداد
فيلم يحكي قصته المؤلمة هو و أفراد اليخت مع العجائز و أعوانهن …

أما العجائز الست فجار البحث عنهن لكي تأخذ العدالة مجراها فيهن .

(( النهاية .. The End ))

تاريخ النشر : 2016-07-25

زمن الطيبين

سلطنة عمان
guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى