أدب الرعب والعام

السراب ( الجزء الثاني )

بقلم : Roxana – Wonderland

السراب ( الجزء الثاني )
قال لي : هل تعرفين لغة الورود ؟

وضع ايفان إصبعه على الزناد و أغمضت عيني .. إنه قدري…لا مفر منه..إن كان قد قدرت لي الحياة فسأعيش و إلا…فسأموت .

– لماذا لم يطلق أكياس الصبغة الملونة ؟ سمعت ايفان يسأل دانتي بدهشة ، نظرت إلى إصبعه و إذا به لا يزال على الزناد

ـ أوه.. لقد نسيت أن أضع مخزن الطلقات . ابتسم دانتي بوجهي و رفع المسدس ليريني أنه لا يحتوي على مخزن لقد خدعني ببساطة!!!

– ايها اللئيم المحتال..أنت تريد التلاعب بأعصابي! ..أخبرني ما الذي فعلته لك لتفعل هذا؟!!

ـ انتبهي لكلماتك يا فتاة ! فهناك طفل في الجوار ، أخبرتك أن الأمور لا تبدو كما هي عليه دائماً .

– ابتعد عنا ! ركضت نحوهما و سحبت ايفان إلى جانبي و قلبي يخفق بشدة ، احترزت من دانتي واضعة بيننا مسافة تسعة ياردات

ـ هل أنت بخير؟ سألت أخي بعد أن بدأت بتفقده

– ما بالك أنا بخير ، دانتي صديقي و لن يؤذيني .

– بلى قد يفعل هذا .

– لا لن يفعل ! قام دانتي بقطف تفاحة من الشجرة و أخذ قضمة ثم رمى بها نحوي و قال : ألتقطيها .. التقطها نتيجة لرد فعلي ليس إلا

– ما هذا ! – خذي قضمة منها إنها لذيذة .

– كف عن الاستهزاء بي ! – أنا لا أستهزء بك ، هيا .. إنها ليست مسمومة و أنت لست سنووايت

نظرت إليه بتمعن ..ما الذي يريده هذه المرة ؟ ألم يكتفي مني ! أخرج مسدسه و أدخل فيه مخزناً للطلقات .. يا إلهي!

– هل ستأكلينها الآن ؟! أجابني بنبرة مختلفة فيها شيء من الغضب ، نظرت إلى التفاحة ..حسناً لقد اقتطفها أمامي و أكل منها لا ضير فيها .. سحقاً ! أنا على استعداد لأن آكل خمسة كيلوغرامات على شرط التخلص منه! أخذت قضمة منها و ابتلعت لقمتي على مضض ، لم أفكر في طعمها و لا شكلها ..كل ما أريده هو أن أعود و اخي الى البيت سالمين .

– فتاة جيدة.. كيف كان طعمها ؟ لم أجبه و اكتفيت بالتحديق .

– أنتِ تعلمين أنه ممنوع القطف من هذه الحديقة ، و مع هذا فإنك تناولتها..أليس كذلك؟

ضحكت باستهزاء و أجبته :

– ماذا ؟ هل ستسجنني بتهمة قطف تفاحة ؟! أم علي أن أذكرك أنك أجبرتني على هذا .

– هاهاها .. لا يا عزيزتي لكن أخبريني ألا تعتبر سرقة من نوع ما في نظر القانونر؟

– أنت مجنون – هيا أجيبي .. لنفترض أنها تابعة للدولة و ملك عام ، ألا تعتبر سرقة ؟

– إذا أخذت شيئاً مهماً آخر أو خربته و هو ملك للدولة عندها لدى الدولة الحق في مساءلتي ، لكن ليس التفاحة !

ـ أكبر السرقات تبدأ بشيء صغير ، الذي يسرق تفاحة قد يفكر في سرقة مصرف أيضاً ، فمهما اختلفت الدوافع فالجريمة تبقى واحدة .

– من علمك هذا المنطق ! لقد تأكدت الآن من أنك معتوه لا محالة ، و من الأفضل إرسالك إلى مصحة عقلية بدلاً من السجن..

– لنقل أن الوضع مختلف..و أني أجبرتك على مساعدتي في سرقة مصرف بدلاً من تفاحة..فهل ستوافقين؟ – و كوني صريحة رجاءً – أعني إذا كنت تحت تهديد السلاح فمن أهم .. حياتك أم العدالة ؟

– هذا وضع مختلف ! أكيد حياتي ! أي شخص عاقل سيختار هذا..

– جيد جداً ، ما كنت لأخالفك الرأي و هذا يثبت صحة قولي السابق ..أن الأمر سيان مهما اختلفت الأهداف فالسبيل واحد.. و الآن ماذا ستفعلين بعد أن نأخذ النقود و ننجوا بفعلتنا ؟

– بالتأكيد لن أتصرف بحصتي من النقود سأذهب لإخبار الشرطة عنك .

– و هل برأيك أن هذا خيار سليم ؟ هل تعتقدين أن الشرطة سيصدقون كلامك و كل الأدلة تشير إلى أنك قمت بأرتكاب العملية معي؟..لا أعتقد هذا.. فأغلب المجرمين يقومون بالتبليغ عن عصابتهم للتخلص منهم والأستئثار بالأرباح والنجاة من السجن..إن هذا السيناريو أقدم من أن يقوم أحد بتصديقه..

– قد يكون كلامكَ صحيحاً ، لكن لا بد من قول الحقيقة ، فالحقيقة قد تكون مرة لكن نتائجها حلوة ، فالنجاة بالصدق .

– هذا يفسر بثلاث أمور : إما أنك حمقاء أو صادقة مع نفسك أو كلاهما معاً . لكن يعجبني منطقك البريء هذا .. للأسف في زمننا هذا ما عادوا يطبعون مثل هذه القصص ..أصبحت قديمة..

– أنت تحاول استدراجي لمساعدتك في أمر ما.. أستطيع الشعور بهذا..

– هذا صحيح .. الآن أصبحنا شركاء في الجريمة بعد أن أكلتي من الفاكهة المحرمة .

– أي جريمة ؟!

أخرج ولاعة من جيبه و قام بإحراق الأوراق اليابسة المتساقطة حول شجرة التفاح ، استعرت النيران و أصابت جزءاً من الشجرة بضرر .

صرخت به قائلة : توقف ! ماذا تفعل ؟

– الآن و بعد أن أكلتي منها فإن الضرر حاصل سواء احترقت الشجرة أم لا

– هل انتهى الدرس بعد يا استاذ ؟

– أجل ..

– إذاً ارحل عني ! فأنا أجزم أنك الشيطان بعينه .

ضحك قليلاً و قام بتناول وردة حمراء

– هذا إن كان الشيطان يحب الورود…هل تعرفين لغة الورود؟

لقد بلغ السيل الزبى ، و ضاقت نفسي ذرعاً منه .. أمسكت بيد ايفان و توجهت إلى الملعب لأخذ حقيبتي و أرحل من هنا قبل سماع أمراً آخر ، أجبته من وراء ظهري :

– لا أعلم و لا أريد السماع عن هذا أيضاً . لقد كذبت في الواقع لأنني أعلم بلغة الورود و أحب القراءة عنها باستمرار ..لكن لم أرد إعطائه مسوغاً آخر للحديث معي ، وضع الوردة قرب أنفه و نظر إليها :

– للأسف.. توقعت أن يهتم الفنانون بهذا الترهات.. بالمناسبة اسمك جميل… إنه يعني حواء باللاتينية.. تابعت سيري واخذت الحقيبة ، سمعت صوته من بعيد ..

– حظاً موافقاً بالعثور على الأرنب.. لكني لم أره عند خروجي ، كان نصف الشجرة قد احترق في هذا الوقت ، اطفئت ما بقي من النيران بمعطفي و لاحظت اختفائه .. لقد رحل .

 

في الأيام التالية تهت بدوامة من التفكير ، لم أعد أستطيع التمييز .. فأنا مشحونة بالأفكار و العواطف ، إذا كانت بيانكا بريئة ..فلما اللف و الدوران ؟ إذا كانت بريئة فلما أنكرت وجود الجثة؟ هل كانت تحت تهديد السلاح ؟ أم أنها جاهلة كما قال دانتي..؟ هل كان دانتي صادقاً بشأن براءتها؟ و الأهم هل كان تهديده صادقاً بالتخلص منها ؟ لقد كانت أمامه فرصتان لقتلي لكنه لم يفعل ، أيحاول استدراجي إلى شيء ما .. أم أنه يلعب لعبته بحذر حتى تحين فرصته للقضاء علي ؟

إذا كانت بريئة فالأرجح أنها لم تخبره عني -بعبارة أخرى لم تكن جاسوسة لديه .. إذاً كيف عرف هذه الأمور عني إذا لم تساعده ؟ هل له شركاء أم لا ؟ حتى لو افترضت أنه سمعها و هي تتحدث عني بالبيت صدفة – و أنا متأكدة أنها لن تفعل لأنها كتومة جداً – فكيف عرف بالتفاصيل الصغيرة ؟ أنا لم أخبرها أنني تقمصت أجواء لوحة فنان في بلاد العجائب ، فكيف عرف أني أفكر بالعثور على الأرنب ؟؟ و الأغرب من هذا ما علاقة الأرنب بالموضوع ؟! أكان يرمز إلى شيء ما أم أنها محاولة لتضليلي و طمس الحقائق ، و إبعادي عن التفكير بأمور غيرها ؟ هل عرف هذا من اللحظة الأولى التي رآني فيها ؟! كلا…هذا ليس منطقياً على الإطلاق فهو ليس شبحاً و يقدر على قراءة افكاري..ماذا لو كان كذلك !! فليس بالضرورة أن تكون الحقيقة منطقية كما قال دانتي… أعتقد أني بدأت أفقد عقلي ! هذا و الكثير من الأسئلة كانت تدور ببالي و التي عجزت عن حلها .. ، لقد قادني بحثي إلى نهاية مسدودة ، و عدت إلى المربع الأول ، كأنما قامت كلماته بعملية غسيل لدماغي ..من الأفضل التوقف عن التفكير بالموضوع و إلا فسأصاب بالذهان .. ماذا لو كان يريدني أن أفقد عقلي بالمرتبة الأولى؟!

 

حسناً .. سأتوقف عن هذا ، هناك أمور أهم ينبغي التركيز عليها ، أعتقد أن بيانكا بريئة و هذا واضح من ردة فعلها ، يجب علي التحدث معها ، ربما ستسامحني ، و قد أستفاد منها بالحصول على معلومات أكثر عنه.. يؤنبني ضميري لتركها تتساءل بحيرة عن سبب تبدلي معها ، يجب علي تحذيرها ! قفزت من مقعدي بجانب البيانو بعد أن عجزت عن الإتيان بأفكار جديدة لأكمال المقطوعة بعد كل هذا التفكير المزعج و نزلت للأسفل . كان آدم و أمي يجلسان في الصالة و يتحدثان ، لم أنصت لحديثهما و ذهبت للخارج ، في طريقي حاولت الاتصال ببيانكا عدة مرات لكنها لم تجب .. قلقت كثيراً و خشيت أن يصيبها مكروه ، أرسلت رسالة لها و جلست في الحديقة عسى أن تقوم بالرد ، حتى رن جهازي معلناً وصول رسالة جديدة ، كانت من بيانكا.. ” أنا في المتنزه ، آسفة على عدم الرد لكنني لا أستطيع التحدث إليك الآن يجب أن أصفي حسابي أولاً مع دانتي .. وداعاً “

عصف قلبي لرؤية رسالتها مالذي ستفعله ؟! يجب علي الذهاب إليها في الحال ، لكن قبل هذا يجب أن أخبر أحداً بمكاني ، فتحت باب المنزل و ناديت على آدم

– آدم .. أنا ذاهبة إلى المتنزه ..إني أخشى على بيانكا من أمر ما.. الموضوع مهم جداً و أعتقد أن حياتها في خطر !!

جاء آدم مسرعاً إلي حيث كان في طور تغيير قميصه و قال بانفعال :

ـ سأذهب معك انتظري للحظة .. ذهب مسرعاً إلى الأعلى ، انتظرته لكنه تأخر عني فلم أستطع تحمل بقائي هنا لحظة واحدة

– آدم أنا راحلة .. إلحق بي .

أردت استخدام سيارة أمي لكني عجزت عن إيجاد المفاتيح ، فقررت الذهاب ركضاً لأن المنتزه ليس ببعيد من هنا . كان الأدرينالين يسري في جسدي بجنون لحسن حظي أني تذكرت أخذ الصاعق و الهاتف معي ، ركضت كما لم أفعل من قبل .. كان المارة ينظرون إلي باستغراب لكني لم أعرهم اهتمامي ، إلى أن وصلت أخيراً إلى مسرح الأحداث ، رأيت اللامبرجيني مركونة في موقف المتنزه فعرفت أنهما في الداخل .. بدأت أفتش في المتنزه الكبير كان كبيراً جداً و يحتوي على الكثير من الأشجار العالية ، الأمر أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش .. كان الوقت عصراً و بدأت أحس بالآلام في عضلاتي توقفت لفترة كي أستطيع أخذ نفسي و الاستئناف من جديد .

 

في هذه الأثناء سمعت أصوات عالية من خلف الأشجار لم أستطع تمييزها فاقتربت من مصدر الصوت ، بدا و كأنه شجار بين اثنين ، حاولت البحث أكثر و بدأت أفتش في تلك الناحية ، كلما اقتربت أكثر كلما سمعت بشكل أوضح حتى تيقنت من هويتهما لكن لم أجدهما بعد كان الصوت الشيء الوحيد الذي استطعت العثور عليه

– أنت السبب يا دانتي أنت السبب .. كان هذا صوت بيانكا لاحظت من نبرة صوتها أنها كانت تبكي

– اصمتي يا بيانكا لن يدوم الأمر طويلاً .. اجابها دانتي لكن هذه هي المرة الأولى التي اسمع صوته منفعلاً هكذا

– كان يجب عليك إخباري منذ البداية ! لقد أحسست بهذا ..

– أخفضي صوتك و إلا سمعنا أحد الحراس !

– لن أفعل .. لم أستطع التحمل فبحثت أكثر عن مصدر الصوت ، و وجدت أن هناك جسراً صغيراً يمر من فوق جدول للمياه ، و أيقنت أني وجدتهما ، حيث كانت شجرة صفصاف كبيرة تسد المشهد عني .. لحسن حظي أني في مهب الريح لأسمعهما بوضوح و ما هي إلا ثواني قليلة حتى سمعت صوتاً قوياً جداً كاد أن يثقب طبلة أذني.. إنه صوت إطلاق نار !! ذهبت إلى الضفة اليمنى من الجسر .. و ركضت بمحاذاة المياه حيث أقلقتني خيوط حمراء تجري في الماء حتى وصلت إلى الجسر .. و ياليتني لم أذهب..

– بيانكا !! صرخت بأعلى صوتي حتى آلمتني حنجرتي ، كانت بيانكا ملقاة على الأرض الموحلة أسفل الجسر قرب المياه مضرجة بالدماء من رأسها إلى أخمص قدميها . نظر إلي دانتي برعب ليس له مثيل ، لقد حصل هذا في وضح النهار ، الآن لقد اسود وجهه الجميل في نظري و سقط عنه القناع .. كان يحمل مسدسه البيرتا في يده

– لماذا ؟! لماذا فعلت هذا ؟ صرخت به و أنا جالسة أبكي بقرب صديقتي التي فارقت الحياة .. أقسم لو كانت النظرات تقتل لقتلتُ ألف مرة تحت نظراته التي وجهها إلي ، لم أفكر في أي شيء حينها سوى البكاء .. تجاهلت كل ما يحيط بي.. كما لو كنت في عالم اخر..

– إرفع يديك في الهواء و ألقي سلاحك حالاً ! صدح صوت آدم الغاضب من ورائي ألتفت و رأيته يوجه سلاحه صوب دانتي الذي أبى الانصياع له

– ماذا؟ هل ستحاول قتلي الآن ؟! و لم يرمي سلاحه تحرك دانتي باتجاه آدم بينما قام الآخر بإطلاق النار ، لم تصب أي طلقة من طلقات آدم الثلاث جسم دانتي الذي انقض على خصمه بقوة موقعه أرضاً .

 

و انخرط الاثنان بالقتال بالأيدي قام دانتي بتوجيه لكماته إلى آدم واحدة أصابت عينه و الأخرى أنفه و بدأ آدم بالنزيف.. أردت مساعدته لكن عضلاتي لم تعد قادرة على المتابعة ، و خشيت الاقتراب أكثر .. من المشهد هذا لم يكن صعباً تحديد الخاسر ، فأخرجت هاتفي بيدي المرتعشتين و حاولت الاتصال بأخي ..في هذه الأثناء رأيت آدم يحاول الوصول إلى المسدس لكن دانتي يمنعه .. و قال له :

ـ لم لا تقاتل رجلاً لرجل ! أجهز دانتي عليه و كاد يقوم بضربته القاضية لولا وصول رجال الشرطة و على رأسهم أخي الذي انقض على دانتي في الحال مكبلاً يداه ، اقتادوه إلى سيارة الشرطة و هو يصرخ عالياً بهم

– أنا لم أقتلها ! أنا لم أقتل بيانكاااا ….

– لك الحق في التزام اصمت ..من الآن فصاعداً كل شيء تقوله قد يستخدم ضدك في المحكمة.. بهذه الكلمات انتهى مسلسل الرعب هذا .. نقل آدم إلى المستشفى بعدها ، لم تكن جروحه خطيرة لكن علت وجهه العديد من الضمادات .

 

حضرت و عائلتي مراسم دفن صديقتي و التي راحت ضحية هذا المجرم المريض ، اقترح بعض الضباط إرساله إلى المصحة العقلية بعد انتهاء التحقيقات.. وقف السيد أليخاندرو و هو يصارع نفسه عن النحيب ، فقد كانت بيانكا كل عائلته .. كل مايملك فكيف سيحتمل الآن البقاء وحيداً ؟ شعرت بالأسى الشديد تجاهه و تندمت على كل لحظة فوتها مع بيانكا.. كانت مثالاً للصديقة الوفية ، لا أعلم كيف سيهدأ ضميري بعد هذا ؟! … لقد كانت بريئة ! أتمنى أن يدمل هذا الجرح بمرور الزمن لكن الآن وقفت أبكي فضمني أخي ليو إلى صدره قائلاً :

– كان علينا تصديقك منذ البداية…أنا آسف ..آسف حقاً ، لا تقلقي سيكون كل شيء على ما يرام ، لن تخافي من شيء مجدداً .. سأظل إلى جانبك .

 

كانت فترة عصيبة استطعت بعدها تنفس الصعداء.. بالطبع لم يزل حزني على بيانكا ، لكنني الأن أشعر بالأمان.. الأمان الذي افتقدته منذ وفاة والدي .

 

بعد انتهاء هذه الأحداث الدرامية بعدة أيام ذهبت مع ليو و آدم الى مخفر الشرطة للأدلاء بأفاداتنا .

أخبرت المحققين بما حصل معي منذ البداية ، لكن هذه المرة أخبرتهم بالقصة الحقيقية لم يترك المحققون تفصيلاً إلا و سألوا عنه ، ثم انتقلوا إلى الجريمة الأولى و بدؤوا بالتحقيق فيها أيضا حتى وصلوا الى هذا السؤال :

– هل رأيتِ الجثة في الحديقة أم أنك رأيت الكيس فقط ؟ سألني ضابط التحقيق “سانشيز” للمرة الثالثة عشر

– ماذا تقصد بهذا ؟! أظن أنكم انتهيتم من هذه الفقرة حيث قال رجالكم أنهم عثروا على السمك المجفف .. أجبت الضابط بعد أن أعياني بكثرة الأسئلة التي طرحها ، فقد أصبت بالتعب من الجلوس هنا .. على مدار يومين و أنا أذهب إلى المخفر مع ليو و آدم ، و نجلس لقرابة ساعة بانتظار المحققين ، و أربع ساعات أخرى معهم ، و إذا أبديت أي ردة فعل أو طرحت سؤالاً إضافياً يهاجمونني كما لو كنت متهمة بالقضية ، و لن يكون الحال أفضل إذا نسيت شيئاً ما لبرهة … رد علي المحقق بغضب وصفق يداه على الطاولة :

– أجيبيني من دون طرح أسئلة ! لقد نفد صبري معكِ ! هنا تدخل أخي و كلم الضابط بغضب و أخبره أن يعطيني استراحةً قصيرة ، فأنا متعبة و تحت ضغط شديد و أعصابي مهزوزة بعد وفاة بيانكا ..

خرجنا و جلسنا في ردهة الانتظار و بينما كنا نتحدث جاءت باتريشيا زميلة ليو في العمل و أخبرته أنها بحاجته لتوقيع أمراً ما .. فنهض خارجاً معها و بقيت بمفردي مع آدم الذي التفت إلي قائلاً :

– اسمعي يا أيفا ..علي إخبارك بأمر ما..

نظرت إليه بتساؤل : ما الأمر؟

– لقد قمت بإلقاء القبض على دانتي سابقاً.. هذه ليست تجربته الأولى

– لكنك لم تبدو على معرفة به حين أخبرتكم بشكوكي تجاهه سابقاً .

– لم أتذكر اسمه حينها ..لكني أعرفه بالشكل أكثر ، إنه مجرم بارع و ذكي للغاية و يستطيع خداع أكبر ضباط المخابرات من ذوي الخبرة العالية ، إنه أكثر من عبقري إذ لا يلزمه أكثر من 5 دقائق لكي ينظم خطة لسرقة أكبر مصرف.. هل تعلمين أن مع كثرة التهم الموجهة إليه لم يعثر المحققون على أي بصمة له في موقع الجريمة و لم يكتشفوا دليلاً قوياً – غير تهديده لك – يثبت إدانته ؟

– و ماذا تتوقع ؟

– إن جميع المحققين يخشون أنه يستطيع الإفلات من قبضتهم مرة أخرى كما فعل في المرة السابقة ..إذ قام بغسيل أدمغتهم و إقناعهم بأن يخرج من السجن بأطلاق سراح مشروط مع ثقل التهم الموجه إليه ، و لا أظن أنه سيتردد في فعل هذا مجدداً ..آمل أن يحالفنا الحظ

– يجب أن نفعل شيئاً حيال هذا !

– أجل .. لقد فكرت بالقضية مراراً و تكراراً ، و لم أجد أفضل حلاً من هذا…إن فرصتنا الوحيدة للتخلص منه تكمن ضمن اعترافاتك ، لأنك كنت من ضحاياه و هذا يهمهم كثيراً لذا عليك القيام بالأتي:

 

أخبريهم بأنك رأيتِ الجثة داخل الكيس ، و أنها كانت مكشوفة ، و بهذا لن يستطيع النجاة مع هذا الدليل القوي ضده …لحسن الحظ أنك خرجت و لم تجيبي عن هذا السؤال

– لكن أليس هذا تحريفا للحقائق ..يعني أنا لم أرَ الجثة فقط الكيس ، و عندما سألتموني نفس السؤال سابقاً كان رأيك عكس هذا و لم ترض أنت أو ليو باستنتاجي .

– لقد كان الأمر مختلفاً..لم نكن نعرف أنه نفس الشخص لأننا لم نبصره ، وحدك أنت و أمك من رآه ..ثانياً لم نقبض عليه متلبساً بالجريمة كما فعلتُ حين رؤيتي له معك و بيانكا.. ما بالك يا ايفا أنت املنا الوحيد ..فنحن لن نتلاعب بالأحداث فكلانا يعلم بأنها كانت جثة و إلا لما قام بتهديدك مرتين . في الواقع لم أفكر بالأمر على هذا النحو ، و المثير للسخرية أنني تذكرت كلام دانتي عن نفس الموضوع ، مما أقنعني أكثر .. صحيح أن دانتي مجرم و عديم الرحمة لكن يجب الاعتراف أنه ذو فطنة كبيرة ، وصراحةً كان كلامه مقنعاً و منطقياً في نظري ، و الآن سينقلب السحر على الساحر .

– ها ماذا قررتي ؟

– اتفقنا

عاد أخي بعد لحظات حاملاً أوراق الاستجواب لكي يوقع عليها آدم فطرحنا عليه فكرتنا .

– اسمعي يا ايفا .. ربما قراركم هذا سليم و منطقي لكن هذا ليس من مصلحتنا ، فدانتي قد يوظف أي ثغرة ضدنا .. صحيح أنه قام بقتل بيانكا لكننا لسنا متأكدين مئة بالمئة من الجريمة ، و إن أقل تلاعب بالأدلة قد يؤدي إلى نهايات غير محمودة ، أؤكد لك هذا من خلال تجربتي في التحقيقات

– لكن فكر بالأمر مليا يا ليو ، لن نخسر شيئا ! قال آدم لأخي .

قال ليو :

– أعتقد أن الأمر يرجع إليكِ فهذا قرارك ..لن أذهب أنا الآن و أخبر المحقق..أنت ستقومين بذلك

– ماذا لو أخبرتهم بما نصحني به آدم ؟

ـ لا دخل لي في خياراتك فأنت ذكية و أنت أعلم بمصلحتك ، ثم إني أخبرتك برأيي مسبقاً . إنها المرة الأولى التي أراه فيها جاداً .. فتحت باتريشيا الباب و أخبرتنا بالمجيء لإتمام التحقيق.. دخلت الغرفة لكني لم أرَ المحقق سانشيز ، يبدو أنهم استبدلوه بشخص آخر ، و لم يعجبني هذا إطلاقاً ..

ـ اسمعي آنسة دي لورينتس ، نحن جادون فيما نفعله هنا فلا تضيعي وقتنا معك رجاءً . صمت و أبديت انزعاجي بينما تابع حديثه :

– إذاً هل رأيتِ الجثة ؟

– لا لم أفعل ، رأيت الكيس فقط . الحقيقة هي أفضل شيء ، ثم أني اكتشفت أن ليو على حق ، لأنني لو أخبرتهم بالجثة لكذّبت أجاباتي الإثني عشر السابقة عندما أخبرتهم أني رأيت الكيس ، و لاعتقدوا بسوء نواياي و بالنتيجة قد لا يأخذون جميع شهاداتي على محمل الجد ، و أكون سبباً غير مباشراً في نجاة دانتي.. لا أعلم لمَ لم يفكر آدم بالأمر ! ربما منعته رغبته في التخلص منه من التفكير بالأمر- فقد تلقى ضرباً مبرحاً منه لذلك هو حاقد عليه – تابع المحققون الاستجواب و انتهينا بعد عناء طويل…

 

لا أستطيع القول أن حياتي عادت كما كانت في السابق ، إلا أنني شعرت بارتياح كبير ، نصحتني أمي بأخذ إجازة من الدوام لأرتاح نفسياً و عملت بنصيحتها و حاولت إنهاء معزوفتي لكنني فشلت مرة أخرى ، صحيح أن طولها 15 دقيقة لكنني بحاجة إلى خاتمة .. ذهبت إلى غرفة ليو في الطابق السفلي لأسأله عن نتائج التحقيق..

– ماذا ؟ لم يتوصلوا إلى شيء حتى الآن ؟ سألت ليو باستغراب بعد أن أخبرني أن المحققين وصلوا إلى نهاية مسدودة و أكمل قائلاً :

– لكنه تم نقله إلى سجن الولاية و وضعوه تحت الرقابة المشددة و الحبس الانفرادي .

في هذه الأثناء سمعنا صوت أمي من خلف الباب .. ليو قم و افتح الباب . ذهب ليو ليرى من في الباب و تركني وحدي في غرفته.. كانت غرفته في فوضى عارمة ، أخذت أتأملها و أنا أتساءل لم يجب أن تكون هكذا دائماً غرفة الشاب الأعزب ؟!! اقتربت من مكتبه الذي لم يكن أفضل حالاً من بقية أغراض غرفته فالكتب مبعثرة و الأقلام لكن لفتت نظري أوراقاً كانت موضوعة جانباً قرأتها جيداً و أثارت حيرتي .. إنها أوراق إجازة مرضية ..بأسم ليوناردو دي لورينتس مختومة و موقعة من المشفى و قسم الشرطة .. على اعتبار أنه سيجري عملية لإزالة الغدة الدرقية ؟ ما هذا الهراءؤ؟؟ أخي سليم و معافى ، و لا صحة للكلام الموجود في الورقة.. نظرت إلى التاريخ و رأيت أنها صادرة منذ شهرين و تستمر الإجازة لمدة أربعة أشهر !! إذاً أخي كان يتظاهر بالذهاب إلى العمل في هذه الفترة.. لمَ لم يخبرنا بالحقيقة ؟ اكان يحاول خداعنا أم ماذا ؟! في هذه اللحظة ناداني ليو :

ـ ايفا تعالي إلى هنا للحظة ذهبت إلى المطبخ حيث كانت أمي تقوم بتحضير الطعام لأيفان و ليو يقرأ برسالة ما ..

– ايفا … لقد وصلني طلب من إدارة السجن الذي يحتجز فيه دانتي حالياً و هم يطلبون حضورك بناءً على طلب منه ، هذا غريب مالذي يريده هذا المحتال الآن ؟

ـ من الواضح أنه لن يكف عن ألاعيبه .. أجبت ليو باستغراب

ـ لماذا يحتجزونه ؟ إنه صديقي .. صرخ ايفان فجأة

– هلا صمت للحظة .. قالت أمي لأيفان و أكمل ليو :

– إن المحققين مصرين جداً على مجيئك ، لأنهم يرون أن هذا قد يساعدهم في كشف ملابسات القضية.. لكنهم لم يذكروا سبب الاستدعاء.. إنها مقابلة و حسب..مثل المقابلة التي يجريها السجين مع أقاربه

– لماذا اختارني ؟

– لا أعلم

– أفضل أن تأخذ أختك إلى هناك و تكتشفوا بأنفسكم .. ردت علينا أمي .

 

في صباح اليوم التالي قمنا بالذهاب إلى السجن ..كانت الحراسة مشددة بمعنى الكلمة ، حيث خصص جناح كامل لزنزانة واحدة و كان الجناح يعج بالمنتسبين المدججين بأنواع الأسلحة ، كان المكان كله مراقب بالكاميرات المتحركة ناهيك عن عدد الأسيجة و البوابات من مختلف الأنواع التي صادفتنا قبل دخولنا إلى هذا الجناح الخاص ، حيث في كل مرة نجتاز قسماً يقوم بمرافقتنا منتسب مختلف و عدد التواقيع و التعهدات التي أمضينا عليها أنا و ليو من أجل الوصول إلى هذه النقطة ..كانت الزنزانة تقبع في المنتصف و موصدة بإحكام شديد بالعديد من الأقفال الإلكترونية . رافقنا اثنان من الضباط ضخام البنية إلى غرفة مجاورة للمقابلة حيث أمروا ليو بالأنتظار خارجاً و دخلت بمفردي مع الضابطين . كانت الغرفة مقسومة إلى نصفين بحاجز زجاجي ، جلست في مقعدي قرب الحاجز أنتظر ، حتى فتح باب من الجهة الأخرى و أدخلوا دانتي .. كان مكبلاً بالأصفاد و يرتدي بدلة السجن البرتقالية.. أحسست بقشعريرة و غضب شديدين حيث عاد إلى أسلوبه اللامبالي ..كيف يجرؤ على النظر إلي هكذا بعد كل ما تسسب به ؟ جلس في مقعده على الجهة المقابلة و تكلم معي من خلال المايكرفون ، لاحظت أن كل شيء يدور هنا يجري تسجيله و مراقبته من قبل المحققين..

 

– مرحبا آنسة دي لورينتس..كيف حالك؟ سألني بابتسامته الباردة.. تمنيت أن ألكمه في هذه اللحظة .

– هل أحضرتني كل هذه المسافة إلى هنا للسؤال عن حالي ؟! أنت تعلم مالذي فعلته بي..

– لا تظني أنك المتضررة الوحيدة هنا ، فأنا عانيت الضعف.. لقد خسرت بيانكا..كانت بمثابة أخت لي..

– لا تقل هذا فأنت من قتلها ! أتظن أنهم سوف يسقطون تهمة قتلها عنك بهذه السهولة ؟!

ـ كلا .. من الغباء فعل هذا بالطبع ، لكني لم أقتلها.. لن أناقشك كثيراً في هذا الموضوع لأن الجدال عقيم

ـ إذاً ما الفائدة من إحضاري هنا ؟

– ربما أخبرك رجال الشرطة أنه لدي عدد محدد من المقابلات و لا أفكر في إهدارها .. و الغريب بالموضوع أنهم لم يسمحوا لي بمقابلة أياً من أفراد عائلتي أو أصدقائي (قام بإطلاق ضحكة صغيرة ) و أعتقد أنهم خائفون بعض الشيء مع العلم أن المقابلة مسجلة… لكن بما أنك كنت إحدى ضحاياي- كما يزعمون- فسمحوا لي بمقابلتك..

ـ أفهم من هذا أنك تريد تقضية الوقت ليس إلا…آسفة فلدي الكثير من الأمور المهمة . أردت الانصراف لكن الشرطي بجانبي أخبرني أن المقابلة لن تدوم كثيراً و علي تحمله لبضع دقائق لذا عدت و جلست..

ـ إذاً أخبريني هل تريدين العثور على أرنبكِ ؟ و عاد إلى جنونه القديم… ما باله و الأرنب ؟! لكنني قررت مسايرته فقلت له : 

ـ لم لا توضح كلامك قليلاً .. فأنا لا أفهم ما الذي تعنيه..

– ابتسم ابتسامة غريبة بدت لي نوعاً ما… عفوية ؟ و نظر إلي كما لو أنه يريد التخاطر بالأفكار ، ثم حرك عينيه سريعاً نحو كاميرات المراقبة و الشرطة التي كانت بالغرفة.. لكن لم يستطع أحد رصد حركته باستثنائي و الكاميرات.. استغربت كثيراً ، و عرفت أنه يحاول إيصال شيئاً ما

ـ هناك هدية صغيرة على جانبك الأيمن أتمنى أن تقبليها مني فهي تعبر عن اعتذاري لك بسسب إخافتي لك . نظرت إلى اليمين و وجدت باقة زهور طبيعية ملفوفة بعناية ، كانت الزهور من نوعيات غالية جداً .. لكني غضبت.. أيحاول رشوتي و الضحك علي بهذه الزهور أم ماذا ؟

– لا يهمني اعتذارك و لن آخذ الزهور..

– اعتبريها آخر أمنية لشخص ينتظر الموت ..أرجوك لقد قام المركز بفحصها ، إنها لا تحتوي على أي ضرر . نظرت إلى الشرطي بجانبي فأومأ لي تأكيداً لكلامه.. أخذت الباقة و هممت بالإنصراف .

– هذا ان كنت تريدين معرفة الحقيقة

لم أبالي به و خرجت من السجن و أنا أشعر بغضب عارم جراء ألاعيبه.. حتى و هو في السجن !

– ماذا أراد منك و ما هذه الورود ؟ سألني ليو في الطريق..

– لا شيء يذكر سوى هذه الورود… عند عودتي إلى البيت قمت بوضع الورود في زهرية و ملأتها بالماء ، لكن لفت انتباهي شيء عندما أزلت الأوراق التي لفت بها الزهور ، كان مكتوب فيها مثل إيطالي (متى بدأ الثعلب في وعظك….فقدت ارنبك ) أنا أعرف أن المثل الأصلي هو “فقدت دجاجتك ” فلما شطب كلمة دجاجة و كتب بدلاً عنها “أرنبك “؟ أثار الأمر حيرتي…أهو لغز من نوع ما ؟ أيريدني أن أشكك في صحة اعتقاداتي بإقناعي أنه لم يقم بقتل بيانكا ؟ أم يريد الاستخفاف بي مجدداً ؟ لمَ أتعب نفسه و أمر بشراء هذه الزهور الغالية ؟ ألجعلي أصدق اعتذاره ؟ أم هل اعتقد أن تصرفه الغريب هذا سيجعلني افكر أنه جاد في ما يقوله و إلا لما رتب لكل هذا ؟! ذهبت إلى ليو و حدثته عن الرسالة ، أخذ أخي الرسالة و قرأها بتمعن ثم نظر إلي و قال :

– إنه يحاول التلاعب بعقلك صدقيني ..أعتقد أن الورود ترمز أيضا إلى أمر ما ، فقد استخدمها بعض الساسة و الجواسيس سابقاً و حتى الآن بتبادل رسائل مشفرة .. لكنني لا أجيد هذه اللغة ، و لا تتعبي نفسك بها فهدفه هو التظليل .

 

في الواقع ذكرني هذا بموقفنا أنا و دانتي بالملعب حين ذكر شيئاً عن لغة الزهور ، مما زاد في فضولي في معرفة قصده.. ففي النهاية لماذا اختارني للمقابلة ؟ ربما لأنه يعرف أن اعترافاتي تهم الشرطة و أراد كسب جانبي لمساعدته ؟ أياً كان قصده فلن أغير رأيي في حل غموض القضية ، فهو الآن في السجن ، و أنا في مأمن منه ، فأنا أيضاً لي العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة ، فكلما أنظر إلى الأحداث أكتشف شيئاً جديداً ، و بالمقابل أشعر بوجود حلقة ناقصة في كل جزء …أريد معرفة موضوع الأرنب أيضاً .

 

جلست أشاهد الزهور الجميلة ، كانت هناك زهرة القرنفل الوردية ، و زهرة اللافندر .. العنب البري .. الجرس .. الهرم الذهبي .. حب الغراب .. إبرة الراعي .. رماد بائع الزهور .. زهرة الربيع … زهرة الفهد .. نبات كف الذئب الياباني و الأزالية اليابانية… أنا أعرف معنى كل واحدة لكن عند وضعي الزهور في الزهرية تغير ترتيبهن و لن يفيد المعنى من دون الترتيب ، ندمت على بطئ ملاحظتي و التقطت الورقة لأقرأها من جديد ، وجدت في أسفل الورقة عدة خطوط متوازية و بألوان مختلفة ..قمت بعدها و رأيت أن عددها بعدد الزهور بل ووحتى الألوان.. لقد وجدتها ! لا شك أنه عرف أني سأغير ترتيبهن فقام بإعطائي هذا الدليل .. حان وقت العمل .

قمت بترجمتها و توصلت لهذه الرسالة المتقطعة .. ” اكأنا أريد مساعدتك- أنا أتجاوب مع ثقتك – فكرة مفاجئة – القراءة ما بين السطور – مشكلة مع أمل – عدم الثقة في الإخلاص القديم – الإمتناع عن الثقة في الأصدقاء – سأراقبك من بعيد – شكراً ” اكإن معرفة معاني الزهور و ربطها أمر مربك للغاية ، و كان هذا كل الذي استطعت الوصول إليه .. أنا منزعجة للغاية ! ما الذي يقصده بهذا الكلام و ما لغز المثل الذي في الورقة ؟ ما هو الأرنب ؟

 

مر يومان و أنا افكر بلغزه إلى أن وصلني طلب ثاني لمقابلته ، وافقت على ذلك و ذهبت إلى السجن دون أن أخبر أحداً ، لأني أعرف أنهم سيرفضون ذهابي رفضاً قاطعاً .

عندما تقابلنا سألني سؤاله المعتاد :

– هل وجدتي الأرنب ؟ أردت إخباره بأنني عرفت رسالة الورود ، لكني خشيت أن أثير شكوك الشرطة المتواجدين معنا .

– لا أعلم عن أي أرنب تتحدث .

ـ عن أي ارنب ؟ لا يوجد أي أرنب آخر .

– أنت مزعج حقاً ، لمَ لا تتكلم بوضوح فأنا لست بارعة في المجاز .

ضحك قليلا و قال :

ـ إنه أرنبك و من قد يكون غيره الأرنب الذي تفكرين فيه باستمرار.. ألا تريدين إيجاده لأتمام عملك ؟ رأيت وجوه الشرطيَين العابسة و هما يحاولان فهم لغتنا الغريبة ظناً منهم أنه يخطط لشيءٍ ما معي ، لكن مهما كان المعنى فهو لا يقصد هذا و ليس من المنطقي أن يخطط المجرم مع الضحية و الأرجح أنهم فهموا أن كلامنا بعيد عن المخططات ، لذا استاؤوا كثيراً لأنهم لا يستطيعون منعنا من التحدث .

– أنت لا تساعدني مطلقاً .

– إذا أردتِ مساعدتي فعليك أن تسألي نفسك أولا : ماذا تعتبرين هذا الأرنب ؟

أنا أعرف منذ البداية أنه يقصد الأرنب في اللوحة أو في قصة اليس في بلاد العجائب لكن لا أعرف لما يصر عليه ؟ في هذه الأثناء نظر إلينا الشرطة بنظرة مزعجة

– يكفي كلاما فارغاً.. لقد انتهت المقابلة .

 

رجعت و في جعبتي لغز جديد.. ماذا أعتبر الأرنب ؟ إنه مجرد شخصية في قصة.. ماذا كان دوره إلا ليضلل الفتاة.. لكن لا لحظة ، القط هو من قام بتضليلها.. هاهاها أتخيل أن دانتي هو نفس ذلك القط المزعج .. مهلاً .. إن أليس لحقت بالأرنب لتعرف ..ماذا ؟ لتعرف الطريق ربما ؟ لا هي لم تكن تريد معرفة الطريق… لقد ظنت أن الأرنب هو حيوان وديع لكن في النهاية اكتشفت أنه يعمل لدى سيدة القلوب… ماذا استنتج من هذا ؟ … إنه مخادع ؟ أجل الأرنب كان مخادعاً أيضاً ، لكنه كان يخفي شخصيته على عكس القط المخادع فلقد كانت حقيقته ظاهرة… ما هذا السخف ! لا سأتابع ما بدأت به فالفضول يقتلني ، هذا ذكرني بكلام دانتي عن الحقيقة المموهة… مهلا ! لقد وجدتها ! ..إن الأرنب كناية عن الحقيقة الغامضة التي كانت تبحث عنها أليس ! يالفرحتي … الأرنب هو الحقيقة و كأن هذا سيوصلني إلى شيء ما…

 

لكن لنربط الأمور من جديد.. من وثق بالثعلب فقد أرنبه… يعني إذا وثقت بالثعلب سأضيِّع.. الحقيقة ؟ من هو الثعلب الآن؟؟ رائع و الآن تحولت إلى لعبة إحزر الحيوان الذي يمثلك.. أنا لا أرى ثعلباً غير دانتي..لكن لا .. فأنا لا أثق به.. إذاً من الثعلب هنا ؟! أنا لا أثق بأحد بعد كل ما حصل غير آدم و عائلتي.. أيحاول تشكيكي فيهم؟؟؟ إذاً هذا هو مخططه العبقري للخروج من السجن ؟ ياللسخافة فهو المجرم الوحيد هنا ، توقعته أذكى من هذا !! لكن بعد التفكير تذكرت الإجازة المرضية المزيفة لليو.. أيعقل هذا !! إذا استذكرت الأمور جيداً فأنا لم أعثر على الجثة و لم أراه كيف يقتل بيانكا .. أيعقل أن يكون بريئاً من كل هذا ؟!! لم تستطع الشرطة الجزم بالأمر لأنهم لم يجدوا دليلا قاطعاً غير تهديده لي.. لأنه بريء أصلا ؟! تذكرت أيضاً مقطعا من شفرة الورود ” عدم الثقة بالأصدقاء ” هل هذا منطقي ؟ ما هي الحلقة الناقصة في كلا القصتين؟ لا ضرورة أن تكون الحقيقة منطقية… اتخذت قراراً ربما سأندم عليه ..لكن يجب علي الوصول إلى الحقيقة.. من الآن وصاعداً سأبدأ بمراقبة ليو و آدم .

 

راقبت جميع تحركاتهم ، كان ليو يخرج و يعود إلى المنزل بأوقات غير منتظمة ، هذا فضلاً عن تظاهره بالذهاب إلى عمله.. أما آدم فكان يقضي معظم أوقات فراغه بمطالعة كتب شارلوك هولمز أو الذهاب للتنزه بمفرده جرياً على الأقدام .. لم أجد شيئاً جديداً ، لكن خطر ببالي تفتيش غرفة آدم ، و هكذا انتهزت فرصة عدم تواجد ليو في البيت .

– آدم ..إفتح الباب ، أريد محادثتك في أمر ما .

فتح لي الباب و أخبرته أني جئت بحجة استعارة قصص شارلوك هولمز ..

– أجل تستطيعين أخذ ما تشائين .

بقيت عنده أتظاهر بتصفح القصص بانتظار أن يذهب

– آدم .. هلا ساعدتني للحظة؟ نادت أمي كنت أعرف أنها ستستدعيه لأن ليو لم يكن بالمنزل ، و لأني أعرف أنها تخاف من العناكب كثيراً و دائماً تقوم بطلب مساعدتنا عند رؤيتها ، فوضعت عند رف المطبخ عنكبوتاً كبيراً غير سام.. و قد قام بعمله حين دخولها المطبخ .

استغليت فرصة وجودي بمفردي و بدأت بتفتيش أغراضه ، و عثرت على إجازة مرضية مزيفة أخرى لكن بأسم آدم ديمون.. كانت بنفس تاريخ صدور إجازة ليو و نفس المدة ، إلا أنها تسبقها بيوم واحد ، و الحجة المرضية هي إزالة الحصى من الكلية.. عاد الخوف يتسلل إلى داخلي.. من منهم الضحية و من الجلاد.. من الشركاء ؟ أم لا يوجد شركاء ؟؟ من الذي يحاول تضليلي ؟؟

 

عدت لترتيب الأحداث من جديد… حيث بدأ الأمر برؤيتي للرجل في حديقة بيانكا ، و كانت الغرفة في الطابق العلوي التي تثير شكوكي مضاءة… مهلا ! إذا كان دانتي يسكن العلية فهذا يعني أنه كان في غرفته وقت حدوث الجريمة !! إذاً من كان الشخص الذي يجر الجثة في الحديقة؟؟؟ ( إذا وعظك الثعلب فقدت أرنبك )…. من الثعلب ؟ بعدها مباشرة في اليوم الثاني جاءنا آدم.. آدم نصحنا بالسفر و باختيار البيت ،ثم بعد الجريمة توجه للبقاء عندنا ، أكان على علم بحدوث الجريمة و أتى للتحقيق بالموضوع و استخدم الإجازة المرضية المزيفة لإخفاء هويته ليتمكن من كشف القاتل بسهولة ؟ لكن إذا افترضنا صحة هذا .. فلماذا لم يصدقني حين أخبرته بالجثة و اقترح أنها سمك مجفف ؟ لكن ما الصدفة أن يعثر الشرطة بعدها على سمك مجفف ؟ من خطط لهذا ؟ ذهبت الى غرفتي لأفكر على راحتي ..

 

والآن : أكان دانتي يعلم بوجود آدم و قام بمراقبته و ربما بمراقبتي أنا أيضاً.. و هذا يفسر معرفته بي ، لكنه يتناقض مع براءته إذ كان في غرفته وقت حدوث الجريمة.. إذا كان بريئاً فلما يراقبنا ؟؟ و إذا نظرنا إلى تاريخ دانتي فقد سجن سابقاً على يد آدم أو بسببه – وهذا ما أخبرني به آدم في المخفر – و إذا تذكرت كلام بيانكا ، فقد أخبرتني أن دانتي تم سجنه بسبب تهمة الصقت به ..لكن يبدو أن آدم أراد الإيقاع به بشتى الوسائل حين طلب مني أن أكذب و أن اخبر الشرطة أنني رأيت الجثة و لم أرَ الكيس.. هل هناك عداوة بينهما ؟ أنا أتذكر جيداً كيف تقاتلا بعنف في المتنزه و كيف هجم دانتي عليه..إذا هناك عداوة بالموضوع . بيانكا قالت لي أن دانتي دخل السجن بسبب تهمة الصقت به… لنفترض أن هذا صحيح ، فمن الصق التهمة ؟ هل هو آدم بما أنه يكرهه ؟؟ إذا افترضنا أن آدم هو من ألصق به التهمة بالبداية و أدخله السجن.. فلا شك من أن التهمة تعود إليه ! وحين خروجه من السجن ربما خاف من أن يقوم دانتي بفضحه ، فقام بتوريطه بقتل ضحيتين ليسجنه مرة أخرى بتهم مضاعفة ! و قام بالتستر عندنا ليتسنى له إتمام مهمته ! أنه آدم .. !! ما الذي افعله الآن ؟؟ و ما علاقة ليو ؟ أكان شريكه في الجريمة ؟؟ ..لا اعتقد هذا ، إذاً ما تفسير الإجازة المرضية المزيفة ؟؟ بعد معرفتي للقاتل بقي علي إيجاد الدليل القاطع الذي يثبت براءة دانتي و تورط آدم ..

 

أكملت مراقبتي لآدم و لم ألحظ أي شيء يمكنني اعتباره دليل إدانة ضده .. مر أسبوع و تساءلت عن مكان الجثة الحقيقة ..أين يمكن ان تكون ؟؟ لا شك من أنها أصبحت عظاماً الآن.. إذ لا بد من أن تحمل دليلاً يعود إلى القاتل .. و فكرت بالتحدث إلى دانتي من جديد .

سمحوا لي بمقابلته ..لكن هذه المرة تركونا و شأننا .. كانت هذه المقابلة مختلفة عن البقية ، فأنا لم أعد أراه كقاتل بل كشخص نبيل و ذكي كما قالت أمي و بيانكا… و قد لاحظ تبدل سلوكي معه .

– أنا عرفت الثعلب الذي سرق الأرنب.. إنه نفسه الذي حاول إيذاؤك بالمتنزه ، لكن لم أستطع معرفة مكان الأرنب إنه يختبئ في مكان ما… ربما أستطيع إيجاده إذا ساعدتني .

ابتسم لي و قال :

– احسنت …أنت ذكية جداً كما توقعتك ، هل أعجبتك الورود؟

– أجل أنها جميلة ..شكراً ، لكن عليك إخباري ! أنا خائفة و لا أدري ما العمل ! نظر إلي بتمعن و قد أسند رأسه فوق أصابعه المتشابكة ، و قال :

– الثعالب تكره الرماد كما تكره الكلاب الذئاب..

– إن الوقت لا يتسع للغز آخر.. أرجوك وضح أكثر ! أين؟ – عند رماد الفاكهة المحرمة التي أكلتي منها معي.. في هذه اللحظة دخل الضابط معلنا نفاد الوقت .. رجعت و أنا مذهولة… لقد عرفت قصده ! إن الجثة موجودة عند شجرة التفاح في المتنزه و التي قام بحرق ما حولها على الأرجح لأن الرماد يخفي رائحة الجثث عن الكلاب في حال فكر أحد بالبحث عنها بواسطة الكلاب… لقد قام بالتستر على ضحية آدم لأن دانتي متهم بقتله و ليتسنى له الوقت لكشف نوايا آدم ، و عندما علم آدم باختفاء ضحيته ذهب ليفتش عنها لأن بها دليل إدانته.. بحجة أنه ذاهب للتنزه جرياً بمفرده ، أما بالنسبة للدليل القاطع فهو معي الآن .

 

كان آدم بالمنزل يقوم بإجراء مكالمة فسمعته بالصدفة و أثار فضولي للتنصت عليه ..

– أجل لقد سجن من جديد .. أعتقد انه يفكر بطريقة للخروج فهو ذكي جداً .

فتح آدم الباب فجأة و وجدني ..

– ايفا !! ..لقد فاجأتني ما الذي تريدينه ؟ قام بأغلاق هاتفه بسرعة ، و في الحقيقة خفت عندما كشفني.. لكن تصرفه الطبيعي أعطاني الشجاعة..

 – أريد الحقيقة .

ضحك ضحكة جبانة و نظر إلي بتعجب.. أي حقيقة ؟؟ عن ماذا تتحدثين؟

– الحقيقة التي قمت بتزويرها .

نظر إلي بغضب و قال : أنت تتوهمين .

– أنت القاتل

 – هاهاها أنتِ مضحكة حقاً كما قال ليو.. من أين لك هذا الكلام ؟ بعد هذه السنين من معرفتي بكم.. تتجرئين عليَّ هكذا ؟!

– بل يالجرأتك أنت ! كيف استطعت خيانتنا ؟!

– أنا لم أفعل شيئاً ! دانتي هو القاتل ، كلانا شاهد على جرائمه ..ما دليلك؟

– حسنا بدأ الامر حين خروجه من السجن.. إذ أنك قمت بتعقبه لأنك تخشى من أن يفضح أمرك

– أي أمر !! صرخ بي بصوت عال .

– التهمة التي ألصقتها به… جعلتنا نستقر في المكان الذي اخترته كمخبأ لك حين علمت بمجيئه إلى هنا… قمت بتنفيذ جريمتك حيث قتلت ضحيتك الأولى و قمت بالتخلص منها في حديقة بيته الخلفية لكنك لاحظت وجودي بالشرفة فهربت تاركاً الجثة من دون دفن…

– و ما دليلك على هذا ؟

– اعتاد السيد أليخاندرو و ابنته أن يستخدما الطابق السفلي بما أن البيت كبير جداً ، لذا فالطابق العلوي متروك.. لكنه لم يعد كذلك بعد أن استخدمه دانتي.. .

– و ما أدراكِ بهذا ؟

– أخبرتني بيانكا أن قريبها خرج من السجن ، و قام باستخدام الطابق العلوي… دانتي هو الآخر شك بملاحقتك له ، فقام بمراقبة منزلنا ، كان يفعل هذا يومياً وانا شاهدة على ذلك… في ذلك اليوم حين نفذت جريمتك كان دانتي في غرفته إذ رأيتها مضاءة ، و هذا دليل على وجوده هناك وقت وقوع الجريمة..

– لحد الآن أنت لم تذكري سوى افتراضات.. لا يوجد أي دليل ملموس !

– دعني أكمل … في صباح اليوم الثاني حين عدت أنا مع بيانكا إلى بيتها و وجدت الجثة ، كان دانتي قد اكتشفها للتو و علم بمكرك له ، فقرر التخلص منها مؤقتاً لحين أن يجد دليلاً يثبت إدانتك.. فقرر دفنها في حديقة بيته لأنه يعرف أنه من المستحيل التفكير بقيامه بدفن دليل إدانته في حديقته الخلفية ..

– إذاً ما تفسيرك حين هددك بالقتل إن أخبرتِ الشرطة ؟ أجيبي ..

 – ظن أنني أعمل معك و أنت قمت بأرسالي إلى منزله لأكون شاهداً ضده… حينما أخبرتكم بالموضوع خفت أن اقوم بتبليغ الشرطة لأنك تذكرت ارتكابك لخطأ فادح.. حين قتلك للضحية قمت بإزالة ساعتك و نسيتها .. فخفت من أن تكون دخلت الكيس مع الضحية ، فقمت بالتستر على الجثة و إخباري بأن بعض الإيطاليين يحضرون السمك المجفف بدفنه في التربة و أنني أتوهم… لم تتصل بالشرطة في الحال لأنك ذهبت لاسترجاع الساعة ، لكنك فوجئت بقيام دانتي بتغيير مكان الجثة حين علم بأمرك ، في اليوم الثاني قمت بالاتصال بالشرطة بعد أن وضعت السمك المجفف لأثبات صحة قولك ، فلم تجد الشرطة إلا السمك الذي وضعته… منذ ذلك الوقت و أنت تخرج بحجة التنزه لكنك في الواقع تبحث عن الجثة ، أنت تعلم أن دانتي ذكي و قد يستخدم ساعتك كدليل ضدك ، و في إحدى جولاتك الليلية قمت بالتنصت على محادثتي مع دانتي حيث وجدتنا بالصدفة هناك ، كنت قد خرجت مع أخي ايفان للملعب حيث استوقفني دانتي هناك ، و قام بتهديدي بقتل بيانكا.. في محاولة لأزالة الشبهة عنها بعد أن شككت أنا بها ، استغليت هذه المعلومة لإلصاق جريمة أخرى به و هي أن تقتل بيانكا بعد أن قام دانتي بالتهديد بقتلها..

– انتظري لحظة ! هل نسيت أنني أتيت معك بناء على طلبك حين ذهبنا و وجدناه قد قام بفعلته ؟!

– أجل لقد ارتأيت أنها اللحظة المناسبة لقتلها حين أخبرتك أن حياتها في خطر – لم أكن على علم حينها بأن دانتي بريء – و انتهزتَ الفرصة حين ذهبتُ جرياً قبلك ، فأستخدمت السيارة لكي تصل قبلي .. قمتَ بالعثور عليهما و لحسن حظك أنهما كانا في شجار و بالقرب من الجسر..

قمت بالإختباء خلف الجسر و حين انتهى دانتي من جداله و أعطى ظهره لبيانكا كي يرحل قمت بضرب رأسها من الوراء بصخرة التقطتها من الأرض ثم أطلقت طلقة من مسدسك بالهواء …حين سمع دانتي صوت إطلاق النار علم أن مكروهاً ما قد حصل ، فركض نحوها و أخرج مسدسه لكي يقتل الفاعل .. تفاجأ حينها عند وصولي إلى مسرح الجريمة في نفس الوقت ، حيث استفدت من وجودي كشاهدة على جرم دانتي ، قمتَ بعدها بلعب دور البطل و الظهور لإلقاء القبض عليه لكنك فشلت بعد أن أوسعك ضرباً .. الذي أنقذك هو اتصالك بالشرطة مسبقاً و إعلامهم بالجريمة .. فوصلت الشرطة و قامت بإلقاء القبض عليه..

 

كان آدم يستشيط غضباً مع كل كلمة أقولها

– أممم … هل أثر عليك شارلوك هولمز ؟؟ أنت ذكية بالفعل لم أكن أتوقع هذا منك ، نعم كلامك صحيح.. أنا من فعل كل هذا .

– لماذا ؟ ماالذي فعله لك ؟!

– ما الذي فعله لي ؟؟ إنه دائماً المحقق الأذكى و الأبرع و الأسرع في كشف الجرائم ! لم يكن أحد ينظر إلي ! كنت في ضائقة مالية و كانت أمي تعاني من المرض ..حيث يكلف الكثير لعلاجها ، قام أحد رجال عصابات المافيا بعرض صفقة تبادل معلومات سرية معهم لقاء مبلغ زهيد يعطونه لي فوافقت من دون تردد… كان دانتي على وشك أن يكتشف الموضوع كالعادة ، فخفت منه و قمت بوضع المعلومات المسربة في سيارته و الإبلاغ عنه على أنه من قام بالتهريب ، تم القبض عليه بتهمة الخيانة و زجه بالحبس المنفرد لسنتين… لا أعلم كيف خرج بعدها !!

– يا لك من غادر ! إن كان حقدك قد دفعك على القيام بهذا فما ذنب بيانكا ووالضحية الأخرى ؟!

قام آدم بالارتجاف و بدأ بالتعرق حتى احمرت عيناه…

ـ ايفا ! صدقيني أنا لم أقتل أحداً قبل ذلك الوقت ، لكني كنت مضطراً للقيام بهذا ! إما حياتي أو حياتهم !! جثى على ركبتيه و بدأ بالبكاء .. أمسك بيدي..

ـ ما هذا الذي في يدك ؟!! تباً ! لقد اكتشف أني كنت أسجل كلامه في الهاتف.. أخذ الهاتف مني بالقوة و رماه أرضا و قام بدهسه

– أكنتِ تخططين لأخبار الشرطة عني !! ارتبكت و ذهبت مسرعة لطلب المساعدة لكن لسوء حظي لم يكن هنالك أحداً في المنزل غيرنا… توجهت إلى الباب الأمامي لكنه لحقني و قام بمحاصرتي ..

– اعذريني يا عزيزتي ايفا… لن تذهبي إلى أي مكان قبل أن تعديني بأن تكوني مطيعة .

صرخت به بعد أن امسك بي :

ـ دعني و شأني !

– دعها و شأنها .. صرخ ليو أخي مهدداً . حمداً لله إنه أخي ! جاء لأنقاذي .. كان ليو يصوب بسلاحه نحو آدم .. – إن لعبتك انتهت يا آدم ..لقد شككت فيك منذ البداية و ألهمني تصرفك بتزوير إجازة مرضية لكي أتمكن من مراقبتك ، لسوء الحظ أنني لم أرك حين نفذت جرائمك.. لكن هذا يكفي ! أنت رهن الإعتقال !

– ظننت أننا أصدقاء ! صرخ آدم بأخي حين قام بالقبض عليه

– لسوء الحظ كان هذا ظني أيضاً .

 

تم سجن آدم بعد أن قدمنا الاعترافات و أرشدت الشرطة إلى مكان الجثة عند شجرة التفاح .. لم نعثر على الساعة بل عثر الشرطة على شعيرات عرفوا أنها من رأس آدم بعد أن حللوا ال DNA الخاص به و اكتشفوا تطابقها معه ، كان هذا من الأدلة القوية بحقه ، و تم إخراج دانتي من السجن مجدداً ، و الذي شكرنا جداً و قام ؛حدنا بالإعتذار من الآخر .

لم يكتف دانتي بهذا بل ساعدهم على حل قضية بيانكا أيضاً حيث أخذ المحققين و آدم الى موقع الجريمة و شرح لهم كيف تمت العملية مع أدلة إضافية… بدأ منشرحاً و في أفضل حالاته بعد أن استبدل لباس السجن بالجينز و سترة جلدية سوداء ، وقف واضعاً يديه على خصره و هو يشرح لنا و للمحققين خطوة بخطوة.. – ….. و الدليل على كلامي أن الطلقة التي تم العثور عليها لم تطابق نوعية مسدسي و لا طلقاتي ، إضافة إلى أن مخزني كان ممتلئاً حين ألقي القبض علي… على عكس مخزنه الذي كان يحوي إحدى عشر طلقة..

– و ما أدراك بمخزن طلقاته ؟ سأله المحقق سانشيز

– لقد اعترف آدم بنفسه أنه لم يستعمل مسدسه بعدها ، و كان من عادته – كما قال السيد دي لورينتس و آدم – أن يقوم بملئ مخزنه عند كل مهمة أو حين خروجه من المنزل . قام بإطلاق الطلقة الأولى في الهواء للتمويه بعد أن قتلها بالصخرة مستغلاً ابتعادي … و قام برمي ثلاث طلقات علي لكنه لم يستطع إصابتي ، و هكذا فإن مخزنه ينقصه أربع طلقات ، سترون أن الطلقة التي عثرتم عليها في مسرح الجريمة تتطابق مع طلقاته و نوعية مسدسه .

قام دانتي بعدها بالكشف عن الصخرة التي استعملها آدم في جريمته و وجدوا بصماته و دم بيانكا اليابس عليه فكان هذا براءة تامة لدانتي .. و قبل أن يقتادوا آدم إلى المخفر ، غمز دانتي له و قال :

ـ لا تحرق أصابعك بإطفاء شمعة غيرك .

نظر إليه آدم بحقد قبل أن تزجه الشرطة مكبلاً في سيارتهم .. و عند وصولنا للمخفر طلب مني دانتي شيئاً ما – لو سمحتي يا ايفا ..هل بإمكاني طلب شيء صغير منك ؟

– أجل..قل ما لديك ؟ 

– هذه مفاتيح سيارتي..و أريدك أن تحضري لي مسجلي من المنزل ستجدينه في داخل كتاب لآرثر كونان دويل.. الذي على مكتبي في العلية ، أحضريه لي بسرعة.. قمت بما طلبه مني ، و استمتعت كثيراً بقيادة سيارته اللامبرجيني التي هزت الطريق بسرعتها ، وصلت إلى المخفر و سلمته المسجل

– لم تخبرني..ما هذا ؟

– إنه دليل براءتي من تهمة الخيانة… تسجيل يثبت تورط آدم مع المافيا .

– بالمناسبة ، خذ هذه مفاتيحك .. ناولته مفاتيح السيارة لكنه لم يأخذها و دفع يدي

– مابالك ؟ سألته بتعجب ..

– احتفظي بها .. في البداية لم أستوعب ما قاله ..لكن فجأة ..صعقت بالحقيقة..

– لا ..إنها سيارتك !

– أنا مدين لك بحياتي ، و هذه لا تساوي شيئاً بمقدار ما فعلته لي.. في الواقع ..طرت فرحاً ! من كان يتوقع أن يعطيني دانتي سيارته الرياضيةو! شكرته على هذا بعد أن رفض مراراً ما قلت له عن عدم قبولي بأخذها.. بعدها قام دانتي بإعطاء التسجيل للشرطة و بهذا أصبح دانتي حراً من جديد .

 

– ايفا لقد احضرت لك هدية بمناسبة فوزك بالمسابقة .

جاء دانتي بعد انتهاء الحغلة الصغيرة التي أقمتها بمنزلي بمناسبة فوزي بمسابقة العزف بالبيانو ، بعد أن استطعت إكمال مقطوعتي بنجاح بمساعدة من دانتي أيضاً .

– ماذا ؟ لم أتعبت نفسك.. لا داعي لهذا ، أجبته بخجل.. لم أكن أتوقع هدية منه بعد أن أهداني سيارته الثمينة

– لا أنا مصر على أن تأخذيها إنها مختلفة ! اعتبريها كهدية صغيرة على فوزك…وهيا خذيها و افتحي الغطاء كانت هديته علبة كبيرة مستطيلة الشكل ..لم أستطع أن أحزر ما بداخلها فقمت بفتحها بسرعة..

– إنه أرنب !! .. صرخ أخي ايفان بعد رؤيته لأرنب أبيض جميل في العلبة بينما ضحك دانتي إلى ما لا نهاية..

– أنت تستهزئ بي مجدداً !! بينما وقف ليو و ضرب دانتي على ظهره ..

– أتعلم… أنت صديقي المفضل الجديد ، و بدأ الاثنان بالضحك..

– أتعلم يا أخي؟ .. لطالما يتسبب أصدقاؤك المفضلين بالمتاعب لي .

 

– تمت –

تاريخ النشر : 2016-08-20

guest
74 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى