أدب الرعب والعام

أمانة ميت

بقلم : MnsMas – مصر
للتواصل : [email protected]

أمانة ميت
أنه رجل غريب و بقي صامت طوال الطريق

الجو كان باردً ، الرياح الشديدة تعصف بملابسك و تدفع جسدك ليسير طوع إرادتها ، انه يوم عمل طويل و ممل أيضاً عملي هو من ذلك النوع الذي يتطلب مني حضور تلك الاجتماعات الساذجة التي لا تأتي بجديد ، لكن على أي حال انه عملي و مصدر رزقي الوحيد ، سأظل أحب تأديته تضامنًا مع تلك المقولة مجهولة المصدر “حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب ”  ربما سأظل أحب ما اعمل حتى و لو تطلب ذلك مني حضور اجتماعات منتصف الليل هذه ، بالتأكيد الشوارع أمامي نظيفة من البشر تمامًا ، من يرى هذه المدينة ليلًا ربما يعتقد أنها من المدن المهجورة التي هاجمها الزومبي مثلًا .

دعك من كل ذلك و لنركز على مصيبتي ، لسوء حظي فمنزلي يبعد عن مكان العمل مسافة ساعة واحدة بالسيارة على الطريق الصحراوي و لا تسألني عن من كانوا معي في الاجتماع ؟  كلهم يسكنون بالجوار أتعتقد أن احدهم كان سيتكلف بخدمة توصيلي هذه المسافة ؟ أرجوك لا تحلم بالمستحيل في هذا المأزق ، و أرجوك لا تفكر حتى في فكرة انتظار سيارة أجرة لتقلني ، قلت لك أن المدينة خالية تمامًا  لا وجود حتى لحركة السيارات ، لو كنت من هذه الطبقة المتوسطة الذين امتنعوا عن شراء السيارات لكنت انتظرت للصباح في مكاني هذا وحيدًا مع هذا البرد القارص لا يؤنسني ألا هبوب الرياح ، لكني – و لله الحمد  املك سيارتي الخاصة .. أوه الم أخبرك أني اكسب جيدًا من حضور تلك الاجتماعات ؟ أنها ليست سيارة الأحلام بالتأكيد و لكنها ستؤدي الغرض  فقط سأنتظر قليلًا حتى يسخن المحرك ثم سأدهس دواسة البنزين هذه إلى النهــاية ، لابد أن نظري لمح هذا المؤشر اللعين ، كيف نسيت ذلك ؟ .. كيف فأتني أمر تزويد السيارة بالبنزين ؟  لا أظن أن المتبقي سيفي بالغرض ، و لكن ما باليد حيلة ، سأدهس على دواسة البنزين فربما مد الله في عمر قطرات البنزين المتبقية هذه إلى أن أصل للمنزل .

الطريق ممل حين تكون وحدك دائمًاً ، حتى قطرات البنزين بدأت تهجرني واحدة تلو الأخرى ، أوشك على أن أكون وحيد تمامًا و كل ما أراه أمامي هو ذلك الطريق الممتد في هذه الصحراء تحيط به من الجانبين ، سواد الليل لا يجد من الضوء ما يقطعه ، و أرجوك لا تفكر في كشافات السيارة ، لا أريد أن اهلك البطارية و لا ما تبقى من قطرات البنزين .. يكفيني ضوء الهاتف الخافت .. و الـــ .. أوقفت سيارتي فجأة ، الأمر ليس كما تتوقعون لم ينفذ البنزين بعد  و لن أجد سيارة أخرى أمامي ، بل وجدت الأغرب من ذلك ، انه رجل ذو ملامح غير واضحة وقف يقلب الضوء من هاتفه الجوال  انه بالتأكيد يريد أن يقله احد من ذلك البرد القارص ، انه يتجه ناحية السيارة الآن لنعرف ما يريده بالضبط ، اوووه لا تكلمني في موضوع أشباح الليل و و ما إلى ذلك ، أنا لا أؤمن بكل هذه الأشياء يا صديقي  أرجوك لا تحاول إقناعي ، سترى في النهاية أن كل تصوراتك خاطئة و أن كل شيء له تفسيره المنطقي ، أؤكد لك ذلك .

صوت تتخلله الرعشة خارج السيارة يخرج من على لسان رجل ثلاثيني .

– أرجوك يا سيدي خذني معك في طريقك إلى سوهاج .

بالتأكيد نسيت أن أخبركم أن منزلي يقع في سوهاج و أني عائد إليها ، لو سمحت لي قطرات البنزين ، فلماذا لا اقوم بهذا العمل الخيري عسى الله أن يبارك لي في بنزيني ، بدون تردد قلت له :

– اركب يا رجل انه طريقي .

– ماذا تقول ؟ ما الذي أتى به إلى هنا ؟  لا اعرف الحقيقة و لكنى لن و لم اسأله لأني امشي بمبدأ كما يقولون ” اعمل الخير و ارميه في البحر “

عاودت الدهس الخفيف الحذر على تلك الدواسة بالأسفل  و بالخلف استقر ذلك الرجل و هو يتمتم بعبارات الشكر و الدعوات لي أو هذا ما ظننته !

السيارة تتقدم في طريقها ، ربما الآن أفضل ، حتى و أن توقفت السيارة سأجد مؤنسًا لي ، اعرف واضح انه من هذا النوع الصامت الذي يصعب أن تستخرج الكلمات منه فكل ما نطق به منذ أن ركب معي هو اسمه عندما سألته عنه فقط ، بالمناسبة اسمه ” طارق مصطفى ” .. هو لم ينطق بشيء أخر سوى بعض المتمتمات التي حاولت أن اسمعها و لكن باءت محاولاتي بالفشل ، قلت محاولًا فتح موضوع للحديث : هذا الطريق كارثي يحتاج إلى التطوير و الرصف من جديد.

فترة صمت ، لا أظنه سيكسرها ، لذا علي مواصلة الحديث و لكن هذه المرة سأوجه الكلام له لعله يرد .

– هل تعلم يا رجل كم الحوادث التي حدثت هنا ؟

لم تطل فترة الصمت هذه المرة .

– لا احد يعلم .

ليس هذا الرد الذي أردته بالتأكيد و لكنها ليست مشكلة ، سأظل أحاول إطالة الحديث لأسلي طريقي .

– بالطبع المشكلة أيضاً تقع على ذلك السائق المتهور الغبي الذي يقود بسرعة فائقة على مثل هذا الطريق .

جاء الرد سريعًا هذه المرة ، ربما امتزج صوته ببعض الضيق أيضاً .

– و ما رأيك في ذلك السائق الذي يسرع من اجل أن يحضر الدواء لابنه الوحيد ؟

الحقيقة أني لم أجرب شعور الأب بعد ، و لكن كان علي التأقلم مع الحديث حتى لا ينقطع .

– على ذلك الأب أن يقود بحذر في تلك الطرق حتى لا يعرض حياة الآخرين للخطر .

– و ما رأيك لو كان لا يستطيع القيادة أصلاً و لا يملك رخصة قيادة حتى ، لكنه يبذل المستحيل من اجل أن يصل لابنه في الموعد حتى لو استعار سيارة احد زملائه ليعطي ابنه جرعة الدواء الخضراء هذه ، لكن الأقدار تمنعه من ذلك أقدار تلك الطرق الغير ممهدة .

لم افهم مقصده الحقيقة ، ماذا يقصد من ذلك ؟ لم اخفي عليه عجبي !

– ماذا تقصد ؟ .. وضح من فضلك يا أستاذ طارق ؟

– لا شيء ، لا تهتم ، لكن أرجوك أسرع قليلًا فلدي طفل يحتاج الدواء .

الآن أظن أني فهمت الأمر ، الخفايا اتضحت ، علي أن أسرع فعلًا ، ربما هو خرج من بيته في هذا الوقت المتأخر بحثًا عن ذلك الدواء الأخضر لولده و تأخر به الوقت مثلي فظل يبحث على من يقله في مدينة الأموات تلك .

آووه أنا لم اخبره بمشكلة البنزين هذه حتى الآن ، لا أفضل ذلك عامة و لكني أرى على مرمى البصر مركز للإسعاف هذا رائع ، سأترجل قليلًا و اطلب من سائقي سيارات الإسعاف بضع لترات من البنزين أكامل بها طريقي ، ربما علي فقط أن أوقف السيارة هنا و من ثم استأذن من الأستاذ طارق لعدة دقائق ،

ترجلت من السيارة و توجهت إلى ذلك المبنى العتيق ، طرقت الباب ، لا حاجة لذلك الباب مفتوح ، دخلت لأرى أن كان هناك احد هنا ، ناديت للمساعدة ، لكني سمعت صدى لصوتي ، غريب ذلك الأمر و من الصعب أن اسمع صدى لصوتي في هذا المكان ، هذا أمر يستحق الدراسة فعلًا ، الأغرب من ذلك هو هذا الفساد حتى في مجال صحة و حياة الإنسان أوصل الإهمال إلى ذلك الحد ؟ لا يوجد احد من الإسعاف في هذه الوحدة  ، ربما لو حدثت إي حادثة على هذا الطريق فلن يسمع احد بها أبداً و لن ينقذ احد المصابين إلى أن يتحولوا لجثث تنهشهم الحشرات ، أنها الصدمة التي تؤكد لك مدى غبائك ، انك بالداخل في هذه الوحدة الصحية لقد تركت سيارتك بالخارج ، سيارة يمكث بها ذلك الرجل  و بغبائك فأنت لم تتركه وحيدًا في السيارة بل تركت فيها المفاتيح أيضاً ، بالتأكيد كنت تلهث وراء لترات البنزين و لكن ليس هذا مبررا كافيًا لغبائك ، أتسمع معي صوت المحرك يزمجر ؟ هل رأيت السيارة و هي تبتعد ؟

الأمر برمته لم يستغرق دقيقة واحدة و لكنها كانت كافية للقيام بعملية سرقة ناجحة ، الم أخبرك منذ البداية إني لا أؤمن بقصص الأشباح هذه ؟ .. أرأيت المنطق عندما يتحد مع الغباء ، كيف فقدت سيارتي العزيزة ؟ أصبحت قدماي الآن وسيلتي الوحيدة للتقدم للأمام .

سأمشي و امشي و امشي إلى أن أصل لبيتي ، أنا استحق كل ذلك ، انتظر لحظة ! أليست هذه سيارتي الحبيبة هناك ؟  نعم هي أنها مضيئة هناك ، بالتأكيد هذا الوغد أشعل الكشافات ، اللعنة عليه ، بالتأكيد كيف لم أتذكر ذلك ، لم يكن هناك بنزين كافي  بالتأكيد لقد صدم الوغد بذلك و ترك السيارة و هرب حتى انه لم يتركها على الطريق بل أودعها جانب الصحراء وسط هذه التلال ، يا له من وغد .

لا ادري هل اسعد باني وجدت السيارة أم اكتئب لانتهاء البنزين ؟ فكر في الأمر انه شيء محير فعلًا !

وصلت إلى السيارة و فتحت الباب فقط لأتأكد أن كل شيء على ما يرام داخل السيارة ، أتمنى أن لا يكون قد سرق الأوراق الخاصة بالاجتماع ، هو فعلا لم يفعل و ربما لم يلاحظها ، حتى المفاتيح في مكانها ربما سأكمل الطريق ماشيًا حتى بعد أن وجدت سيارتي العزيزة ، هممت لإغلاق الباب بحسرة .. لكن لحظة !  عيني و بدون أن اقصد وقعت على معجزة ما .. مؤشر البنزين !!!! .. انه ممتلئ … ممتلئ عن أخره .. ماذا يحدث ؟  الحقيقة لا ادري .. في بعض الأحيان يتوقف عقلك عن التفكير تمامًا ، أو ربما بدأت عواصف النعاس تهاجمني ، إذا سأستقل السيارة إلى سريري المريح و في الصباح مع فنجان القهوة احلل ما حدث في تلك الليلة.

فتحت الباب مرة أخرى و بهدوء تأكدت من مؤشر البنزين  انه ممتلئ عن أخره ، لم تكن هذه تهيؤات ، الكشاف يعمل أيضا ، علي الآن أن انطلق مسرعًا و لا أتمنى أن تحدث المزيد من المفاجئات .

هناك .. نعم هناك خلف هذا التل المتواري .. هناك شيء ما ساكن .. أظن أنها !!! .. أظن أنها حطام سيارة .. من هذا الغبي الذي يقوم بحادثة بعيدًا عن أحضان الطريق ؟ ألا إذا كان  شخص لا يمتلك رخصة قيادة ، شخص كان يحمل دواء لابنه الوحيد فالقته سرعة سيارته إلى غياهب التلال ،

مرة أخرى فصلت محرك السيارة – ربما اعتدت ذلك – و تقدمت ببطء ناحية الحطام أمامي كان هناك شيء ما تغطيه الرمال ، ربما هي جثة احدهم ، يمكنك تخيل الرائحة معي .. الجثة في مرحلة التحلل .. هذه الجثة التي غطتها الرمال و اكتنف بها هذا الكيس البلاستكي الذي يحفظ ما بداخله من الهلاك .. كيس بلاستكي يحمل بطاقة رجل من الصعيد .. بطاقة دون عليها اسم .. “طارق مصطفى” و تحتها ” سوهاج – ش الجمهورية شقة رقم 7 ” .. و معها في نفس الكيس هذه الزجاجة التي تحوي سائل اخضر ، كيف لم يحترق الكيس و لم تتهشم الزجاجة ؟

كان من الأحرى أن تسألني كيف امتلأت سيارتك الفارغة بالبنزين ؟ كل ما اعلمه الآن أنني سأضيف إلى جدول مواعيدي زيارة عاجلة لشقة رقم 7 بشارع الجمهورية بمحافظة سوهاج فهناك لأهلها عندي أمانة لا يمكن أن تتأخر .

 

تاريخ النشر : 2016-09-17

MnsMas

مصر
guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى