منوعات

هاتفي الغامض – الجزء الأول

بقلم : انابيل – فلسطين

هاتفي الغامض - الجزء الأول
رائد والهاتف الزمني العجيب

((هذا أعجب يوم في حياتي، لم أعتقد أبداً أن هذا ممكن.

 هل ما يحصل معي حقيقة؟! أم أني سأستيقظ لأدرك أن كل ما سبق هذا الحين مجرد سراب؟ مجرد وهم؟)) هذا هو الكلام الذي تردد في بالي ما أن وضعت رأسي على وسادتي مساء ذلك اليوم، ولا يمكن أن أقول لكم ما إذا كنت قد بالغت في وصفي، فلقد انقلبت حياتي رأساً على عقب.

قبل ذلك اليوم كنت أعيش حياة ضجرة، فأنا طالب الإعدادية ذو الخمسة عشر عاماً (رائد) والمعروف بين أقراني باليتيم، أعيش مع عمي وأختي الصغيرة تالا. لأصف لكم حياتي سأقول أنها مجرد شريط فيلم يعاد بشكل روتيني دون فرصة لإدخال أي تغيير. مجرد صبي لا يتورع عن افتعال المشاكل أينما ذهب.

إذن لعلكم تتساءلون عن الذي غير حياتي هذه، ببساطة بدأ الأمر حينما لفتني هاتف أحد أصدقائي، راقبته من بعيد وهو يعبث بهذا الشيء المثير، أصبحت أتمنى الحصول على واحد مثله أو أكثر تميزاً، خاصة بعد أن انتشرت صيحة التباهي بالهواتف الحديثة في المدرسة، أصبح الأمر حاجة ملحة، فلم تتوقف مخيلتي عن مداعبة عقلي بصور لي وأنا أحمل هاتفاً متميزاً، وأتسلم دوري بإغاظة أصدقائي به.

هاتفي الغامض - الجزء الأول
ظن رائد انه يحلم ولكن كان حلمه عبارة عن واقع تابعوا معه سيسرد لنا قصة اغرب من الخيال غيرت مجريات حياته

طبعاً أن أطلب من عمي أن يحضر لي واحداً فعل غير مجد وليس بفائدة تعود بطائل، فسيعارض الفكرة ويرفضها أشد الرفض فلم أجد مانعاً من الاتكال على نفسي. احتاج الأمر ثمانية أشهر من العمل وبذل الجهد، لا زلت اذكر إلى الآن كل قرش وضعته في درج مكتبي، بدايةً من مساعدة جارنا في حمل الصناديق إلى مخزن متجره، فكنت احمل الصندوق، وأشعر أني اعجز عن السير به، ولكن جارنا كان يحشر آذني بعبارة * من بدأ عملاً يصبح ملزماً بإتمامه *.
كذلك الأمر لم اتهاون في البحث عن فرص عمل أو مساعدة مقابل أجر مالي زهيد كالمساعدة في ورشات الحدادة، كراجات السيارات.

انقضت الثمانية أشهر وكنت قد جمعت ما قدرت أنه كافٍ لشراء هاتف مماثل، وعند انتهاء المدرسة توجهت إلى السوق. كان كل مناي هاتفاً بمواصفات معينة رسمتها في بالي، فحددت ما أريده وبناء على ذلك طفت على المحال التجارية باحثاً بين المعروضات متفحصاً ما وضع على الرفوف الزجاجية، لم يتوقف الباعة عن تكرار مواصفات الأجهزة *المتطابقة* وتلاوة قدراتها على مسامعي، لكني لم أجد ما أقصد.

كنت أريد شيئاً متميزاً، مختلفاً عن ما تم تداوله من أنواع في المدرسة لذلك عدت إلى البيت خائباً.

 لقد عظم علي بعد كل هذا الجهد والأنتظار ان اعود خالي الوفاض، لذلك جلست اقلب ناظري بين يافطات المتاجر التي اقابلها في طريقي لعلي اجد متجراً للالكترونيات لم أزره بعد، ولقد صدق ظني! فرأيت متجراً صغيراً اتخذ من ركن الشارع مكاناً له. ذهبت إليه لاعاين ما يبيع من الأجهزة، فوجدت البائع منكمشاً على نفسه في الزاوية وقد اتكأ على الحائط خلفه ودفن وجهه في جريدة ما.

لا تكاد ترى وجهه. لم يلتفت إلى عندما دخلت ولم يظهر أي ردة فعل، كأنه قد كف بصره عن غير الجريدة بكلماتها وصورها، وصم سمعه عن غير صوت تتقلب صفحاتها بين يديه. تجولت في المتجر وأنا اتفقد الأجهزة التي لديه، لبعضها مظاهر غريبة حقاً، ولم توصم بعلامة تجارية معروفة، فلم اسمع عن شركة (SAMPLE *GP) قبلاً، شكل منتجاتها يبرر ذلك!
لفت نظري أحدها وقد انتصب خلف الحاجز الزجاجي، خلاً من العيوب الشكلية على عكس البقية، واحتفظ برونقه الخاص فراق لي مظهره. رفعت رأسي وقلت: ((بكم هذا يا عم؟))، فرفع رأسه بحركة توحي بأنه قد صدم من وجودي وصوتي المفاجئ، فلم يتنبه إلا الآن على وجودي.

استعاد رزانته ثم نفض الجريدة وهو يقول: ((أنها هواتف مستعملة، لحسن حظك أنك اخذته لاني كنت سارميها مساء اليوم، بإمكانك اخذه بالسعر الذي يناسبك بشرط ألا تعيده أو تطالب بتبديله)). ثم عاد إلى خلوته بجريدته، انفرجت اساريري وتوجهت نحو الرجل وأعطيته ثمن الجهاز الذي قدرت أنه مناسب له ولا يبخسه حقه، فأخرج الهاتف وجمع مستلزماته ثم دفعهم إلي ،
خرجت من المتجر والأبتسامة تعلو وجهي، وسرت عائداً إلى البيت وقد استغرقت في خيالي واوهامي عما قد افعله بهاتفي الجديد، عثرت على هاتف متميز بسعر زهيد، هذا الشيء يدعو إلى الغبطة، وكل ذلك قبل الدخول في نهاية العصر.

 العصر؟ لا بد ان عمي في طريقه إلى المنزل الآن. شددت الهمة وبدأت أجري مسرعاً، يا لطول المسافة! قطعت انفاسي وبدأت اشعر بنية قلبي بالقفز إلى حلقي. لا أريد حتى معرفة نوع العقوبة التي سينزلها عمي بي إن وصل قبلي.

كان قد بقي لي بضعة امتار حينما لمحت سيارة عمي تتجاوز التقاطع القريب، ضاعفت جهدي – وكأنه بإمكاني فعل ذلك – حتى وصلت إلى حديقة المنزل الخلفية، فرأيت شقيقتي تالا تفتح لي باب المطبخ الخلفي وتشير لي بان ادخل، بقفزة واحدة جبارة اصبحت داخل المنزل! أكملت طريقي إلى غرفتي في حين ذهبت لكي تفتح له الباب، انتشلت حقيبتي رامياً محتوياتها على سريري وتظاهرت بأني أدرس،
في نفس اللحظة سمعت عمي يدخل إلى البيت ويلقي التحية، حينها شعرت بالراحة تتسلل إلى قلبي، لكنه باغتني بسؤاله عني فأجابته بأني ادرس، فاكتفى بقول ((حسناً) وإن لم تخلو من التعجب. حينها فقط تنفست الصعداء.

لكنني سمعت وقع أقدام يصعد الدرج ثم يتوجه إلى غرفتي، فانتابني الذعر ظناً مني ان عمي رآني أدخل المنزل قبله بثوان، فتح الباب فأطلت تالا برأسها، لم أعرفكم عليها بشكل أدق، هي كما اسلفت بالقول شقيقتي الصغرى، فعمرها ثمان سنوات فقط، لكنها الطفلة المتعقلة الذكية، فهي – ولسبب ما – تعتقد ان كوننا أيتاماً (وشيء ما عن كوني مهملاً غير مسؤول) يحتم عليها التصرف بعقلانية ونضج لتدبر أمور أهل المنزل، كما لو كانت ربة البيت، أعتقد أن هذه طريقتها في الاشتياق لأمي.

هاتفي الغامض - الجزء الأول
كانت تالا هي العضو الأنجب والأعقل في عائلة رائد والمنزل بأكمله

أقتربت مني بخطى يعتريها الغضب والعتاب، ثم قالت: ((ما الذي كنت تفعله خارج البيت في مثل هذا الوقت أيها المجنون، تعلم أنه لو امسك بك متلبساً خارج البيت في مثل هذا الوقت سيعاقبك)). ((لا عليك)) طمأنتها ((بعد العشاء سأريك شيئاً مذهلاً اشتريته من السوق)).

اتسعت عيناها فضولا ثم قالت بامتعاض: ((اتمنى ان لا يكون شيئاً يتنفس ويأكل كالمرة السابقة )) ضحكت ثم أكدت عكس ذلك.

 فالقت على نظراتها المشككة ثم خرجت. أخرجت الهاتف وقمت بتشغيله ثم وضعه على الشاحن، *نظرت* في كتبي قليلاً ثم ناداني عمي للعشاء، نزلت الدرج بخطى مسرورة وساعدت شقيقتي في نصب المائدة، ثم اكلنا مع عمي، وقد لاحظ الاخير ان الابتسامة لا تفارق وجهي، في البداية فرح بهذا الأمر لكن الشكوك والوساوس سرعان ما اكتسحت عقله.

جلسنا لنشاهد التلفاز، لكن في الواقع كنا ننتظر ان يغط في النوم على احر من الجمر، وما ان ظهرت عليه علامات الاعياء وبدأ بالغطيط، حتى نبهت شقيقتي، فتسللنا إلى خارج الغرفة ثم صعدنا إلى غرفتي،
((الآن)) قالت بنفاد صبر ((ما هو هذا الشيء؟)). تحركت نحو مكتبي ثم عرضته عليها، فأبتسمت بتعجب وبدأت تعبث به، فوضعتها في حضني وبدأت اعلمها طريقة استعماله، وشددت عليها بأهمية عدم معرفة عمي بوجوده. في هذا الوقت سمعنا عمي ينادي، فركضت تالا إلى غرفتها بينما ارتميت انا في سريري وتظاهرت بالنوم، تفقدنا عمي ثم هبط السلالم عائداً إلى غرفة المعيشة.
أخرجت الهاتف وبدأت اتفقده، واتعرف على وظائفه، لاتفاجأ به يصدر نغمة قصيرة، ثم ظهرت على الشاشة عدة ملاحظات متتالية: ((يجري اعداد برنامج (الأبعاد الزمانية والمكانية) SAMPLE*GP @)). ((تم اعداد برنامج الابعاد الزمانية والمكانية، هل تريد تسجيل المكان * البيت، الزمان: التاسعة وخمسون دقيقة مساء من يوم الأربعاء بتاريخ **/*/ **20 في اشارة المرجعية؟)) ثم خياري موافق وإلغاء.

لم أعرف ما الغرض من هذا الأمر ((لربما نوع من برامج تنظيم الوقت أو ما شابه)) هذا ما قلته لنفسي فضغطت موافق وذهبت إلى النوم.

في صباح اليوم التالي استيقظت مصروعاً على صوت صراخ عمي: ((رائد! لقد تأخرت عن المدرسة، تالا تعالي ساوصلك إلى المدرسة، رائد!)). قفزت من على سريري وارتديت ملابسي، ثم اندفعت إلى الباب الأمامي بسرعة، تذكرت الهاتف فركضت عائداً إلى غرفتي فانتشلته من مكانه وقذفته في حقيبتي وذهبت إلى المدرسة.

وصلت متأخراً كعادتي، فجلست بالقرب من المدخل لأستعيد انفاسي واحضر نفسي لصراخ المعلم، وفي أثناء ذلك سمعت هاتفي يعيد اصدار تلك النغمة مجدداً، فأخرجته فإذا بتلك الملاحظة قد عاودت الظهور، ((هل تريد تسجيل المكان، المدرسة، الزمان السابعة وأربعون دقيقة صباحاً من يوم الخميس بتاريخ **/*/**20)) *موافق* و*إلغاء* فضغطت موافق كما فعلت سابقاً.

انتابني الفضول لأعرف قصة هذا البرنامج، فبحثت عنه في كافة أقسام وتطبيقات الهاتف إلى أن وجدته صدفة وقد استفرد بقائمة بجانب سجل بحث الإنترنت، ففتحته وبدأت اتأمله فوجده قد سجل غرفتي من البارحة، كذلك الأمر بالنسبة للمدرسة، وقد خصصهما بأيقونة لكل منهما، فأردت أن أعرف ما الذي سيحصل ان ضغطت على أيقونة غرفتي، ففعلت.
فإذا بالمكان يهتز وكأنه زلزال، وبدأت الأرض بالتلاشي مع ما عليها، شعرت بالذعر وشرع جسدي يرتجف من الخوف والصدمة، وتمزق حلقي من كثرة الاستنجاد: ((ماذا حصل؟ يا إلهي ساعدوني، انقذوني!)).
احيل لون كل شيء اسوداً، ثم بدأ ضوء أبيض يظهر من بعيد، أخذ يقترب أكثر فأكثر، حتى ظهرت ملامح كل شيء من حولي من جديد.
أنا. أنا حقا في غرفتي! .

تاريخ النشر : 2016-10-06

انابيل

فلسطين
guest
43 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى