أدب الرعب والعام

حكايات جدتي عِطر – الجزء الثالث

بقلم : إيهاب أحمد عابدين – مصر
للتواصل : https://www.facebook.com/ehab.abden

حكايات جدتي عِطر - الجزء الثالث
اقتربت الغجرية من (شمل) و قالت : اعلما جيداً إنما العهد قد اقتسم بينكما

“الحيثي جبران ” سحار الجانب الغربي ، و هو من يمتهن الحيثية بقرية تبعد عن قريتنا بقليل ، هو رجل لم أرَ قط في بشاعة هيئته و ضعف بنيته ، و قلة صدقه و غرابة رائحة يطلقها من بخور يحمله دائماً بكيسه القماشي ، يصنعه بنفسه و يبيعه إلى مريديه من الطالبين ، و قد ملك مني عقلي و أمنيتي طلباً ، و حانت لحظة اختلال العقل ليختل معه توازني فسقطت من فوق النخلة المذبوحة و أنا ممكسه بضفيرتي بعد ما انتزعتها من قلب النخلة ، و أوشكت أن أغيب عن الوجود من هول ما رأيت ، و خيمت علي الأوهام المختلطة بالحقيقة التى رأيتها في نهاري هذا بعد ما تأكدت أن زائر الهدم اليوم هو (الحيثيي جبران) بلثامه و رائحة بخوره و دفائنه و سواد صنيعه .

هو من أفتن زوجي بأوهام الوريث ، و هو من استسلمت له إرادتي و خار أمامه إيماني بأن الرازق هو الله ، و بدأت وصية الغجرية تتهافت على مسمعي برد حق من سلبت حقه ، و بدأت أعي سجعها ، و ما كانت تقوله عن كرم النخل و سره ، و أن الطلب مربوط بالعهد ، و إن أردت أن يتحقق أملي علي أن أرد قلب النخلة المذبوحة ، فذاك حقها و لقد انتزع منها و ذبحت لأجل امنيتي ، و أول الغيث لها أن انتزع منها كل ضفائر الأسحار من الطالبات الراجيات المريدات ( للحيثي جبران) .

لكن بقيت عبارة الطرب و الذهب عبارة سجعية لم أفهمها بقدر ما لم أفهم من هي الغجرية ، و من أين عرفت كل هذا عن الحيثي جبران و عن هذه الأرض !!

و بعدما استقام ظهري و حملتني قدماي المرتعشتان ، اعتليت النخلة مرة أخرى ، و انتزعت كل ما فيها من ضفائر و من قصاصات شعر النسوة المفتقرات ، و أنا أتكلم بصوت مرتفع أن سامحينا لم نكن نعلم ما سيفعل بكِ أيتها الخليقة الكريمة .. كانت الرائحة الغريبة تملأ المكان و تزداد كلما ازداد نزعي للضفائر ، رائحهة قد فرضت سطوتها على قلب النخلة الكريمة ، و لم تكن ريحاً قبيحة بل غريبة بنفس قدر القبح .

و بعد أن انتهيت نزلت بخطوات هادئة و قد اختزنت بذاكرتي هول أحداث قد تنفعني يوماً حين أريد أن أُرِقَّ قلب ولدي القادم على أمه حين يغضب ، ليعلم ما قد عانته أمه لكي تحظى بحنانه في الحياة .

بقي لي بهذه الأرض سويعات قليلة على فجر ذهابي و ارتحالي منها ، و العزيمة تحتجز قلبي بأن أرد حق النخلة و أن أعيد لها قلبها المسلوب من قبل (الحيثي جبران) ، و أن أجمع نسوة قريتنا لتأخذ كل منهن ضفيرتها ، فوصية الغجرية كما قالت ( و ليشهد علينا من سمع ممن طلب و ممن استرق الطلب ) و فهمت ما توجب علي فعله ، و أني أنا حاملة الوصية و العهد مربوط برقبتي ، فأنا من ابتدأت الطلب و علي إنهاءه ، فلقد ذبحت الكريمة بسببي أنا أولاً ، و غرقت في التفكير بما يتوجب علي فعله ، و عزمت على الرحيل ، فلقد بدأ الفجر يتنفس ، و الوداع من الهدم قد اقترب ، و الرحيل قد آذن و حانت لحظته .

و فجأة سمعت أقدام تقترب تتخبط بين الجدران و تعتلي الأحجار ، سُجنت في قلبي ، و انشلت قدماي ، و ارتعشت أنفاسي ، و تأكدت أنه (الحيثي جبران) ، فلقد سمعت خطواته من قبل يومي هذا و لم أنسها قط ، فأني لم أسمع غيرها منذ أن سكنت الهدم ، و يا مصيبتي .. فلقد انتزعت كل ضفائر النسوة من قلب النخلة و أبطلت أفعاله على قدر ما فهمت من سجع الغجرية و يا فجيعتي إن علم هذا الساحر فعلتي ، و يا ويلي من مصيري و ما ألقاه وحدي هنا

اختبأت متخفية أحبس أنفاسي و ألتقط عباءتي حين ظهر بنفس مظهره و لم يكترث حينها و لم يثقب النظر في مكاني ، بل اتجه مباشرةً إلى النخلة المذبوحة و أمسك سكينه الغليظة و أخذ يذبحها من جديد ، ثم استعلى النخلة بقدميه الدقيقتين الضعيفتين ، و أخذ يحفر بيديه و يبحث يمينه و يساره عن خبيئته و دفينته من ضفائر النسوة المدفونة بقلب النخلة ، و سقط هاوياً يصرخ ، ثم زاد صراخه حتى احتبس صوته و أصبح فحيحاً ، ثم أخذ يجرى مبتعداً ..

ساقتني قدماي خلفه و لم تتلعثم عزيمتي أن أتبعه لكي أعلم إلى أين يذهب ، و حملتني الريح حملاً خلفه ، و قد اتخذ نفس الطريق الذي لم يعتد أهل القرية أن يمروا منه ، و زاد من سرعته قبل أن تستيقظ القرية و أنا خلفه ، و لا يكاد يلتفت إلي و لا ينظر خلفه ، و عندما وصل إلى دروب القرية أبطأ من خطواته برتابة ، و نزع لثامه من فوق جبهته و أنا اختبىء بين الحقول خلفه اقتنص النظر حتى لا يراني ، بل أنا من رأيته و تيقنت يقين البيان العيان أنه (الحيثي جبران ) ..

و قد جفت الدماء بين عروقه و شحب وجهه بالسواد المظلم لضوء الشمس الساطعة في أول طلعتها من النهار .. التقط أنفاسه و اتجه نحو عطوف و دروب القرية و أنا خلفه و قلبي ينتفض سريعاً ، و لا أعلم أين وجهته و لم يسبق خيالي و لا شكي إلا يقيناً حين وقف أمام أكرم بيوت القرية .. بيت الشيخ (هلال) ، بيتنا انا و زوجي (تاج) !!

نعق بصوته على زوجي فظهر له من خلف الباب و عيناي ترمق إليهم من بعيد لا تطرف عنهم قيد أنملة ، و قلبي يملؤه الغضب و الحزن و الأسى و الندم على ما قد اشتركت فيه بأمنيتي و طلبي لغير الله أن يرزقني بالوريث ، و كيف لزوجي أن يلقي طلبه في جعبة هذا السحار ، خطوت من خلف مخبئي و قد عفر الدبيب وجهي لأقتحم خلوتهم بما أحمله من ضفائر النسوه واقتربت خطواتي و كأنها ثقلت علي بحمل ثقيل كالجبال ، و حين وصولي لأقرع باب بيتي وجدتها من خلفي تمسك بيدي .. إنها الغجرية

و ما إن رأيتها حتى اغرورقت عيناي بالدمع أمامها ، و لم أملك لساني لأطلقه و أسألها عن بقية ما لم أعرفه و أفهمه منها ، أمسكت بيدي بحنان و رفق لتمسح دموعى ببردتها الرمادية ، ثم قالت :

– لقد انتظرتك كثيراً و ستكملين ما بدأتي به ، و لا تسألي كثيراً ، ستعرفين كل شيء بوقت محتوم ، و ما كتبه الله لنا حتماً سنراه ، و ما عليك الآن إلا أن ندخل سوياً ، فلقد انتظرتك كثيراً حتى تفرغين من واجبك في بيت الهدم الكبير ، و علينا الآن أن نكمل ما بدأناه ، هيا بنا لازال في العهد بقية ..

أخذتني من يدى لندخل بيتي و أنا شاردة الذهن ، استوعبت ما قالته لي على مضض ، و ما إن دخلنا البيت حتى تمت المواجهة بين أربعتنا .. بيني و بين زوجي (تاج ) ، و بين الغجرية و (الحيثى جبران) ، و لي بوصف هذا المشهد عجباً ..

وقف زوجي ينظر إلي و إلى ملابسي المتسخة ، و إلى عيناي الغارقتين في دموع الأسى ، و يد من يداي ممكسة بضفيرتي و قد اتسخت من آثار ما لقيته بقلب النخلة ، و يدي الأخرى تمسك بباقي ضفائر النسوة ، و قلبي ينتفض من مكانه كلما أمعن النظر إلي ، و ارتفع صوت نبضي و دقاته حتى استحوذت على صوت أنفاسي المختلطة بدموعي ..

ظل هكذا ينظر إلي و لسانه انعقد من الدهشة ، لكني نظرت إليه حانية نادمة على فعلتنا معاً ، فلقد أزاحت أمنيتنا معاً كل إيمان بقلوبنا غير إيمان السحر و الحيثيات ، نعم لم أمتلئ غضباً منه فأنا شريكته فيما فعل ، فما فعله كان عن مرضاة مني ، لكني لم أكن لأرضى أن تتحقق أمنيتي هكذا و لم أفهم حين طلب ضفيرتي أن (الحيثي جبران) يفعل ما يفعل و يشنع بهذا الشنع و العنت المتجبر في جعبة سحار خبيث امتطى الشياطين مركباً .

لم أكن لأكمل نظري إلى زوجي حتى نعق الغراب موجهاً كلامه إلى الغجرية :

– ماذا تفعلين هنا أيتها الشمطاء العجوز ، ها ؟ و قد فعلتيها أيتها الخبيثة ، و الله لترين مني ما لم يتحمله عربان جبلك الذي ولدتي تحته .

نظرت إليه بعد ما كشف عن وجها ، و قالت :

– لم يبقَ للعبث إلا اللسان ، و ما من قوة إلا و لها عزيز ذو انتقام ، و لن تنعم يا زوجى بما فعلته في نسوة القرية من حبس و قطع نسل .

سمعت كلمة زوجي منها و قد نزلت علي كالصاعقة ، و هرعت بجانب زوجي (تاج) احتمي خلف ظهره منها و منه ، نظرت إلي و إلى زوجي قائلةً :

– اسمعي يا (الشَمل ) ، إنما هو زوجي ، و كنت أعلم كل خطوة يخطوها إلى زوجك كي يغرر به حتى يحيز منه ما يفيضه عليه زوجك من سحق الدنيا “ما يسمونه ترف العيش والنعيم” ، و لكن مالا تعلمه أيها ( التـــاج ) أن من حبس زوجتك عن نسلها هو ما أترفته من مال على هذا السحار ، ألا تصدق أنه قد ارتوى منك ليذيقك عطشاً ؟ و أنه قد امتلأ كيسه بما لو انفقته على فقراء الله لأعطاك الله .

ألم يتسرب العقل إليك أبداً ، و أن السنون و إن مرت عليكما من دون خلف و لا أرث إنما بيد هذا العجريف الخناس ليظل ينزف في جرحك يا ابن الاكرمين ، ليمعن أكثر في مالك ، و ينعم بنعيمك ، لتفتقر أنت لكل المال و البنون و الزينة و الترف ، و قد اسلمت نيتك لسحار و أشركته في رزقك ، فسلمك الله له و نزع يده من عقدكما ، فلقد حل الشيطان عقدكما و اتحد ببهاء و سطوة في ناديكما الأعنف بالسحر و الحيثية ، هان عليك زينة زوجتك أن تنتزعها من رأسها ليختلط بسعيف نخيل لكي يصنع منه بخور يملأ بيتك بالغرابيب الحوانة بالشر و العجف ، لتحبس زوجتك في جسدها ..

و تالله أنك بالإشارة لتفهم ما قد قصدته بالحبس ، فإنك ابن الأكرمين ..

اقتطع كلامها صريخاً من زوجها (الحيثي) ، اتبعته لطمه على وجها فأسقطتها أرضاً لتفقد الوعي ، هرعت إليها و هرع زوجي إلى لثام (الحيثي جبران) ليدفع به أرضاً خارج البيت بسباب و لعنات و وعيد ، استرجعت الغجرية وعيها ببطء و استقامت جالسةً و طال نظرى بينها و بين زوجي (تاج) ، ثم نطق زوجي موجهاً إليها كلامه :

– لماذا حلت بك التوبة بهذا الوقت ؟ و لماذا لم تأتين منذ زمن حتى نبصر عما عمينا عليه سنين عجاف ؟

أجابته :

– لم أكن سبباً لبؤسكما ، إنما أنت أيها (التاج) من أعجف سنينك و نيتك و فعلتك ، أنت من تسببت بلعن زوجتك و حبسها ، و مالي إلا أن أنقل لكما ما وصيت به ، فانصتا لما أقول و اسمعا جيداً ..

إن ما تبقى لكما من قوة و أثر بين الناس ، عليكم أن تجمعوا به ما قُسمَ من قلب النخلة على باقي نسوة القرية ، و تأملوا راجين الله بصنيعكما أن يهب لكما ما تتمنونه ، فرد الحق حق ، و لا تتعجبا .. إنما حق خلق الله لا يعلمه إلا الله .

رد عليها (تاج) بتعنت :
– ومن أين لنا أن نأتي بذاك القلب ؟
أجابته :
– إنما قلب النخلة قد انتزع منها ، و اقتسم بين النسوة اللاتي طلبن (الحيثي ) ، و هن معروفات بضافئرهن ، و لقد أعطى (الحيثي جبران) كل امرأة منهن جزء من قلب النخلة ، و ما على زوجتك إلا أن تجمعهن كما كن مجتمعات بيوم عزاء أبيك حينما حللت عليهن نهار ذلك اليوم ، و أن تقص عليهن عهدها ، و أن تطلب من كل واحدةٍ منهن أن تقدم قلب النخلة الذي بحوزتها ، و أن تأخذ ضفيرتها ، و عليكما أن ترداه أنت و (شَمل) إلى النخلة ببيت الهدم الكبير ، و لزوجتك به علم ..

و قبل أن تفعلا ما قد أوصيتكما به ، عليكما أولاً أن تقيما معاً تستغفران الله و تبدلان النية و تنزعان الشرك الخفي من قلبيكما ، و انتظرا معاً البشارة بإذنه و كرامته ، و لكن اعلما جيداً إنما العهد قد اقتسم بينكما ، و بشارة الله لكما لن تأتي إلا بصلاح قلبيكما أولاً ، ورد الحق لخلقه ثانياً ، و اعلما أن ما فعلتماه كان بما قد كسبت أيديكما ، و الشرط مربوط بطلبكما ، و سيعطي الله لكما بإذنه الوريث ، فهذا ما أبشّركما به إن شاء الله ، و لكن لابد و أن ترد كل امرأة ما عندها من قلب النخلة ، هذا ما قد أوصيت به ، و ما علي إلا أن أبلغتكما ما قد رأيت ، و لكما في تصديقي القرينة على كل ما حدث لكما .

سكتنا برهة أنا و زوجي (تاج) ، و كل منا ينظر إلى الآخر .. و

قلت لها :
– من أوصاك أن تنقلي لنا ما تسجعين به ؟
سكتت للحظة ثم قالت :
– الكرامة لا تأتي إلا من كريم
رد عليها (تاج) :
– ألا تفصحين و تبينن ما تقولين من كلام ؟
تنهدت الغجرية قائلةً :
– إنما أنا إلى ربيبة الشيخ (هلال) زينة الأولياء و الكرماء ، فلقد حفظت على يده علوم القرآن و أصول التوحيد ، كان دائماً من زوار صحارينا ، نسمع منه طريبه ألحاناً و مديحاً تتمايل مع إبلنا ، و قد تعلمت منه الكثير و لم ينقطع عني قط ، و إنه لمن أهل الله ، و أهل الله بركاتهم تسري في أرواح محبيهم ..

و لقد رأيته في المنام ، و قد أوصاني بولده و زوجته مما يفعل بهم ( نفاس العقد) ، و حل بمنامي ثلاث ليال يروي لي ما قد رويته لكما ، و بقى في وصيته ما لا أريد أن أفصح عنه
سارعتها قائلةً : بل افصحى سلمك الله
أجابتني في تهافت :
– إنما ولدكما سيأتي بعزيف و طريب لكرامة تحوي بكاءه ، و سترحل عنه بسابعة ، و لن ترد إليه إلا بتقديم الذهب ، و لقد نقلت ما سمعته في منامي ، و لم أعي و لم أفهم ما كان يقصد سيدي الشيخ (هلال) بمقوله :
( إن أردت عودة الطرب عليك بتقديم الذهب )
ما قد فهمته هو الجزء الأول من القول .. ألا و هو عودة الطرب لوريثكما ، أما تقديم الذهب فلم أفهم إشارته في قوله و حديثه للذهب !

أنهت الغجرية كلامها و حديثها ، و قد اطمأن قلبي لما سمعته منها ، و عزمت أن أرجع إلى الله و ألا أشرك به خفية أحد ، و أن أستقيم على أمره ، و أن أعلم أن عهد الشيطان ليس له بنان و لا ثمرة ، و بقيت “تقديم الذهب” مقولة لم أفهمها حتى استدار لها عقلي و لم يلتفت إليها إلى أن نبتت ثمرة وليدي (هلالاً الصغير ) كما قالت الغجرية بكرامة طريبة غَنّاء قد سمعها أقصاكم قبل أقربكم و إن هذه لضفائركن قد وضعتها بهذه السباتة ، من منكن لها في السباتة ضفيرة قد اقتصتها من رأسها و أعطتها (للحيثي ) فلتأخذها و لتأتني بقلب النخلة التي بحوزتها ..

إنما قد رزقني الله بطفلي حين أتممت أول عهدي و توبتي لله ، و سيرد الله عليه صوته حين أكمل العهد و أرد الحق إلى من سلب منه .. و يا نساء قريتي ، إنما أنا (شَمل) بنت قريتكم أحوز على حنانكم ، و لقد أتممت عهدى فأتمو عهدكم .

الى هنا سكتت (شَمل) و لم تنطق بكلمة أخرى ، إنما جلست تمعن النظر بطفلها الباكي بدموع بلا صوت ، و تكرر مقولتها المعهودة ..
( إن أردت عودة الطرب عليك بتقديم الذهب )

و ما كان من النسوة المفتضح أمرهن أمام بعضهن إلا أن قام نفر منهن إلى بيوتهن ، و كل منهن آتية بما تحوزه من قلب النخلة لتلقيه بالسباتة و تأخذ ضفيرتها من سباتة شَمل ، و اجتمعن يواسينها و كل منهن حانيةً باكية على ما وصلت إليه (شَمل) و بما تسببت به لنفسها حتى تنقذ بقيه نسوة القرية من أفعال الشياطين و السحارين ، و تبقى ضفيرة واحدة لم تلتقفها أى من النسوة ..

و لم نعلم من هي صاحبة هذه الضفيرة إلى يومنا هذا ، و لم نفهم و نعي وقتها مقولة ” إن أردت عودة الطرب عليك بتقديم الذهب” ، و لم يرى أى منا الغجرية بقريتنا مرةً أخرى ، و لم نسمع عن ( الحيثي جبران) بعدها قط ، فلقد اعتزل قريتنا و لم يعد له فيها قرار ، و بقيت قصة شمل تتناقلها المجالس بين مصدق و مكذب ، و بين مزيد و منقص ، لكن جدتكم عطِر قد شهدت على كل ما قد قصته عليكم ، و لم ننسى أن نتغنى بيننا دوماً بمقولة ( إن أردت عودة الطرب عليك بتقديم الذهب)

لم يفسر لنا قولها إلا قليلاً من الذين فهموا بواطن الأمور ، و قالوا أن التقديم بالذهب ما هو إلا الصدقة الغالية ، فهي أعظم القربات إلى الله ، فإنك إن أعطيت عبيد الله أغلى ما تملك أعطاك الله أغلى ما تتمنى ، و إن سلبت حقاً من عبيد الله و خلقه سلبك الله ما تتمنى ، و تم تفسيرها بعد ما فارق (شمل) و (تاج) الحياة و لم يبقَ إلا وريثهم ( هلال الخريس) الجالس دوماً أمام جامع جده الكبير ، و لا نعلم مع من يتكلم ليل نهار بإشارته ، و من أين يطعم ، فعندما نرجوه أن يأكل من طعامنا يشير أنه ممتلئ البطن بالطعام و الشراب ..

لم يرد منا شيئاً ، زهد في دنيانا و عاش في دنياه بين قيام و صيام و صلاة ، أخرس بعيد عنا ، لا يتطرق إلى ما نتمنى و لا يطلب في دنيانا ما نطلب .

قد وفيت يا أحفادي بما قد سمعت ، و اعلموا جيداً أن ما أرده الله كان ، و ما لم يرده لم يكن ، و إن كل شيء أرداه الله وقع ، و كل شيء لم يرده الله لم يقع ، و إن الشيطان لن يتصور لك فيما تخافه و تهابه ، بل سيأتيك في أجمل الصور و أبهاها حتى تحبه فتسلم له عزائمك .

سيحل مكان البشر بأعينك إن شاهدك تذهب لتصل بمسجد ، لن يقوى عليك إنما سيقوى على صديقك الضعيف السائر نحوك ليأخذك بعيداً عن طريق الله ، و إياك أن تتخذ منه عهداً و صحبة ، فلقد قال الله عز وجل في كتابــــه…
( ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين و أن اعبدوني هذا صراط مستقيم و لقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون )
صدق الله العظيم ، و بلغ رسوله الكريم ، و نحن على ذلك من الشاهدين ، و نعلم ربي أنا مقصرين و لكنا لرحمتك يا الله راجين .

إلى هنا تنتهي حكايتي ، و ما أجمل و أبقى أن تنهى بدعوة إلى الله و غداً نكمل ما قد سمعته عن ..
(توأم المراكبي عتيبة و رحماني )

تاريخ النشر : 2017-01-02
guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى