أدب الرعب والعام

بين عالمين

بقلم : ملكة القمر – الإمارات

بين عالمين
وجه جميل ، بشرة بيضاء شاحبة ، أنف صغير و شفتان مضمومتان بقوة .. تلك هي لينا

عينان جميلتان سوداوان محدقتان ، وجه جميل ، بشرة بيضاء شاحبة ، أنف صغير و شفتان مضمومتان بقوة ، شعر أسود حريري و جسد نحيل يشبه أجساد عارضات الأزياء الفرنسيات .. تلك هي لينا عبد الله ممدة على فراشها المخملي داخل غرفتها الفخمة التي تعج بالأثاث الثمين و بعض الصور المعلقة لفتاة يبدو أنها لينا و لكنها كانت أصغر و أكثر حيوية ، و بجانبها فتى صغير يمسك بيده كرة قدم عليها توقيع ربما للاعب كرة مشهور ، و على جانب آخر مرآة كبيرة لامعة بإطار مزخرف ربما بأحرف فارسية ، و طاولة دائرية عليها كتب و مجلات و خزانة ضخمة

تحدق لينا إلى سقف غرفتها بعينيها الجميلتين و كأنها ترى مشهداً مؤثراً من فلم عربي ، إلى جانبها تجلس آمال والدتها ، تلك السيدة الرائعة الجميلة ، ذات الوجه الجذاب و القامة الطويلة ، و العينين البراقتين ، ثيابها الراقية ذات الماركات العالمية و مجوهراتها الثمينة توحي إلى أنها امرأة وقورة من الطبقة المخملية رغم ذلك هي تتصف بالتواضع و الحلم

ممسكةً بيد ابنتها لينا ، تمتلئ عيناها الجميلتان بالدموع كيف تحولت ابنتها من فتاة مرحة سعيدة إلى جسد بلا روح ، ملقاة على فراش بلا حراك ، و بينما هي منغمسة في أحزانها أحست بيد تربت على كتفها بلطف لترفع عينيها

هو السيد عبد لله زوجها ..

ذلك الرجل الطيب حسن الأخلاق ، معروف بكرمه و شهامته ، نظر عبد الله إلى عيني زوجته فتذكر أيام سعادتهم التي انقلبت إلى تعاسة ، و كيف وقف بوجه أهله و أهل زوجته ليتزوجها و يفوز بحبها ، و كيف بنيا حياتهما معا و كانت زوجة صالحة ، و أنهم كانوا أسرة سعيدة لولا ما حدث .. سرقه من أفكاره صوت آمال الدافئ بسؤالها :

– هل أتت ؟
– نعم أتت ، غير أنني غير مقتنع و لكن دعوتها لأجلك ، لم أعد أتحمل رؤيتك تبكين .
نظرت إليه آمال نظرة دافئة ، و كأنها تقول شكراً لك ، و التفتت إلى ابنتها بنظرة سريعة و خرجت مسرعة من الغرفة يتبعها عبد لله .

جلست على أريكة مريحة تمسك فنجان قهوة سيدة أربعينية ، ترتدي فستان من الدانتيل الأسود بكمين طويلين ، و تضع شالاً يغطي نصف رأسها و يظهر النصف الأمامي
بشعر أسود تتخلله بعض الخصل البيضاء ، و تضع عدد من الخواتم التي تحمل أحجاراً كريمة و قلادة طويلة على عنقها بها حجر زمردي ، و ترتدي نظارة شمسية تحدق بعينيها المخفيتان إلى الصالة التي تعج بالأثاث العاجي المطعم بالفضة ، و بعض الصور لرسومات طبيعية و مجسمات لحيوانات تبدو و كأنها حية ، تقف استعداداً لحدثٍ ما .

تدخل السيدة أمال و زوجها .. تقف السيدة الأربعينية و تمد يدها لمصافحة آمال :
– مرحباً أنا كيندة عالمة ماورائيات ، أنت السيدة آمال أليس كذالك ؟

تنظر آمال إلى كيندة و تشعر ببعض الخوف يتسلل إليها من مظهرها ، فهي تبدو و كأنها ساحرة ، يا الهي من دعوت إلى بيتي و لكن لم يكن لدي خيار فلم أترك طريقة لعلاج ابنتي إلا و فعلتها ، ذهبت إلى كل الأطباء و العرافين ، جبت نصف بلدان العالم و لم أجد علاج لابنتي ، و أصابني اليأس إلى أن نصحتني زوجة أخي بدعوة كيندة و هي قد عالجت الكثير من الحالات .

سلمت آمال على كيندة و جلست هي و زوجها على الأريكة المقابلة ، و الريبة و الشك يختلج تفكيرهما

خلعت كيندة نظارتها ، فقد كانت تخبئ خلفها عينين قاسيتين مما جعل آمال تضم قبضتيها بشدة ، لاحظ السيد عبد الله توتر آمال فوضع يده على يدها و نظر إليها و كأنه يقول أنا إلى جانبك .. أحست بالراحة

قالت كندة :
– هل من الممكن أن تخبروني عن المشكلة كاملة بأدق التفاصيل ؟ فكل تفصيل قد يسبب فرقاً كبيراً ، هكذا بدأت كيندة كلامها ..
تنهد عبد الله قليلاً ثم أخرج علبة سجائر غالية الثمن من جيبه و أشعل سيجارة ، أمال رأسه إلى الوراء و كأنه يود تذكر أمر ما تنفس بعمقٍ و قال :

قبل ستة أعوام كان الجو بارداً جداً ، أذكر ذلك اليوم جيداً ، حيث قرر ولداي علي و لينا اللعب في حديقة الفيلا الجديدة التي اشتريتها بعد أن تحسنت أوضاعي المادية و فتحت فرعاً جديداً لشركتي ، كان الوقت الرابعة عصراً تقريباً ، جلست أطالع سوق البورصة على الحاسوب ، و زوجتي كانت إلى جانبي تمارس هوايتها المفضلة حياكة الصوف ، بعد أن كانت مهنة تحولت إلى هواية بعد تحسن أوضاعنا المادية ، و ابنتي تسقي الأزهار كعادتها و ابني علي يلعب بالكرة التي يعشقها جداً .

أثناء لعب علي بكرته سقطت بفيلا الجيران و ذهب ليجلبها ، لكنه تأخر و لم يعد ، لم نلحظ الأمر أنا و والدته ، و جاءت لينا و أخبرتنا أنه تأخر ، ذهبت و سألت لدى الجيران أخبروني أنه أخذ الكرة و رجع منذ نصف ساعة .

أصابني القلق و بدأت بالبحث في كل المنطقة ، سألت جميع الجيران ، أبلغت الشرطة ، قاموا بنشر صورته على وسائل الإعلام و لم يصلنا خبر ، ظننت أن عصابة اختطفته و ستتصل لطلب الفدية ، و لكن خاب ظني ، لم يتصل أحد .. و مرت الأشهر و نحن ننتظر ، لم نترك مكاناً إلا و بحثنا فيه و لم نجده ، بدأنا نفقد الأمل ، لينا هي الوحيدة التي كانت تؤمن بأن أخوها سيرجع يوماً ما ..

و بعد مرور عام ، و في ليلة رأس السنة أعطينا جميع الموظفين بالفيلا إجازة ، كنت حينها أراجع بعض الملفات المهمة و زوجتي و لينا يتابعان برنامج تلفزيوني ، رن الجرس باستمرار ، ذهبت لينا لتفتح الباب فسمعنا صرخة هزت أركان المنزل .. ركضنا أنا و والدتها إليها ، و كانت الصدمة هنا ..

علي؟؟!!

فرحنا بعودة علي كثيراً و احتفلنا جميعاً بالعام الجديد و بعودة ابننا ، لم نكن نعلم ما يخبئه لنا القدر ..

صمت عبد الله و أخرج سيجارة و أشعلها ، و قبل أن يأخذ أي نفس منها سرعان ما أطفأها ..

تنهدت آمال ثم أردفت قائلة :
– تغير علي كثيراً ، لم يعد ذلك الفتى الذي يعشق كرة القدم ، حاولنا أن نعرف منه ما حدث ، سألناه مراراً أين كان و لكنه رفض أن يجيب ، لم يعد يتناول طعامه معنا ، و أصبح يحب الوحدة .

بدأت لينا تراقبه ، أخبرتنا أنه يخرج بعد منتصف الليل من غرفته ، و حين تتبعه يختفي و لا تجده ، و بعد شهرين من عودته قررت لينا أخذه للتنزه خارج المنزل ، و بعد خروجهما اتصل بنا مفتش من قسم الشرطة يطلب حضورنا بسرعة ، و عند وصولنا إلى القسم كانت المفاجأة .. وجدوا جثة علي مدفونة بالغابة و مضى على الوفاة أكثر من سنة !!

بدأت السيدة آمال تبكي بشدة ، أعطاها زوجها منديل ..

اتسعت عينا السيدة كيندة و قالت :
– كيف ؟؟ إذا من كان مع لينا ؟
قال عبد الله :
– و هذا أيضاً سؤالنا .. رجعنا إلى البيت بسرعة وجدنا لينا واقفةً أمام مرآتها بغرفتها تحدق إلى نفسها ، و عند دخولنا غرفتها نظرت إلينا بعينين باردتين و شفتاها ترتجفان ، و قالت .. سأذهب لأجلكم ، هذه كانت آخر عبارة سمعناها منها ، و الى يومنا هذا و لينا لازالت لا تتحدث و لا تتحرك ، أصبحت جثة بلا حراك .

أغمضت كيندة عينيها و وقفت و بدأت تجوب أرجاء المنزل تلمس الحائط ، التفتت إلى السيدة أمال :
– أين هي لينا
– بغرفتها تفضلي

وقفت كيندة تنظر إلى لينا ، وضعت يدها على رأسها ، رفعت عيناها إلى أعلى ، تحول سوادهما إلى بياض ! يا الهي ، همت كيندة لتخرج من الغرفة وقع بصرها على المرآة

– من أين لكم بهذه المرآة
ردت آمال بسرعة :
زوجي مهتم بالتحف القديمة ، و قد جلبها معه من إحدى سفراته ، أحبتها لينا فوضعناها بغرفتها .. تمتمت كيندة بكلام غير مفهوم و خرجت .. لحق بها السيد عبد الله و زوجته

– سيد عبد الله .. ابنتك ليست بعالمنا ، و بمنزلكم شيء ما يمنعني من رؤية ما يحدث ، يقف عائقا أمام رؤيتي ، سيد عبد الله هل يوجد لديكم أعدء ؟
– لا ليس لدينا أي أعداء و لا اقار…
قاطعته كيندة :
– يمكن أن يكون لكم أعداء و أنتم لا تعرفون ، فهنالك قوى مظلمة تسيطر على منزلكم ، أحدٌ ما يحاول الانتقام سيدمر عائلتكم

صعقت السيدة آمال و بدأت ترتجف ، عبد الله قال :
– من قد يكون ذلك الشخص الذي ينوي تدمير عائلتنا ؟

– سيد عبد الله سآتي اليوم مساءً بعد منتصف الليل .. أردفت كندة قائلةً

عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حضرت السيدة كيندة ، رسمت نجمة خماسية في منتصف الصالة ، أشعلت خمسة شموع و بدأت بترتيل بعض الكلمات غير المفهومة ، و ما هي إلا دقائق حتى تعالت ظلال كثيفة تشكلت على هيئة رجل .. السيدة أمال خائفة جداً تمسك بيد زوجها ، الظل يقف أمام كيندة ما هو طلبكِ ؟
قالت كيندة :
– لينا .. جدها و أرجعها
– لا يمكنني إرجاعها .. رد الظل قائلاً بنبرة غضب و أكمل :
– و هو من نكث العهد ، خالف الميعاد ، لم نقبض الثمن فأخذنا الرهينة
– من هو الذي نقض العهد ؟
– لا تسالي

رفض الظل أن يجيب على سؤالها ، و على كيف مات .
– هو قتله
– من هو ؟
– القاتم قتله
– من هو القاتم ؟
اختفى الظل و لم يترك إجابة !!

– ما هذا سيدة كيندة ؟ هل يمكنك أن تفسري لنا ما حدث ؟ – – سيد عبد الله ، القاتم هو سيد الظلام المتحكم بالسحر و السحرة ، هو من أرسل شيطان على هيئة ابنكم ليأخذ بروح أحد ما إلى العالم السفلي ، و لينا ضحت بنفسها لأجلكم .
– وماذا يريد القاتم ؟
– يريد الانتقام .. المرآة التي بغرفة لينا و شيء آخر معها هي معبر للعالم السفلي ، أحدهم سرقها ، هي و القطع الستة و أخفاهم ، و القاتم سينتقم إلى أن ترجع القطع كلها إليه و تغلق البوابة .

قالت أمال بصوت مرتعش :
– و لينا هل سترجع ؟
– إذا سمح السيد بذلك
سيد عبد الله هل يمكن أن نتحدث على انفراد

رد عبد الله على آمال قائلاً :
– آمال .. ابقي مع لينا سأعود حالاً .

– سيد عبد الله أخبرني الحقيقة لأتمكن من مساعدتك ، من أين أتيت بالمرآة ؟
تردد السيد عبد الله في الحديث قليلاً ، بدا عليه القلق :
– من الهند .. أخذتها من أحد السحرة المشهورين .
– و كيف سمح لك بأخذها و هو يعلم أنها غرض من أغراض السحر السبعة ؟! سيد عبد الله أخبرني الحقيقة .
– سيدة كيندة أنت هنا لإرجاع ابنتي و ليس استجوابي
– لن ترجع لينا بهذه السهولة ، و أنت تعلم .. ما أخذ بالدم لن يعود إلا بالدم .

سمع عبد الله صوت صرخات السيدة آمال فأسرع إليها
– ماذا حدث
أشارت بيدها إلى لينا ، التفت عبد الله ليرى ذلك ، آثار مخالب على وجه ابنته الجميل ، أراد الإسراع إليها ، أوقفته كيندة و اقتربت منها ببطء و وضعت يدها عليها ..
– إنها رسالة تحذير ، علينا جمع الأغراض بسرعة قبل فوات الأوان .
– و ما هي الأغراض ؟ .. سألتها أمال و قد امتلأ قلبها بالرعب
– سيدة آمال هدئي من روعكي ، للسحر سبع أغراض ، هذه المرآة و طوق الزمرد و هو معي ، ثلاث من أوراق اللعب تحمل نقش الجوكر ، و النجمة و الفتاة و العصا ، هذه أغراض السحر
– و أين نجدها ؟
نظرت كيندة إلى عبد الله و أردفت قائلةً :
– لسنا بحاجة إلى البحث عنها ، ربما هي قريبة منا
آمال بصوت متردد :
– ماذا تقصدين ؟ لم أفهم !
– و لكن زوجك قد فهم .

تخرج كيندة ، تلتفت آمال إلى زوجها ..
– ماذا قصدت أخبرني
رد عبد الله بتردد :
– عزيزتي لم أعد أعرف شيئاً ، غدا عندما تأتي اسأليها مرة أخرى ، إن كانت تريد المال سأعطيها ما تريد ، أهم شيء ابنتي

في صباح اليوم التالي وقفت آمال تنتظر مجيء كيندة ..
– يا ترى لم تأخرت ؟! عبدا لله اتصل بها ، حال لينا تزداد سوءاً ، ارتفعت حرارتها بالأمس أنا خائفة .
– لا تخافي ستأتي غر … قاطعهما صوت إحدى العاملات بالفيلا ..
– سيدي آسفة ، مدير قسم الشرطة يريد رؤيتك
– حسنا دعيه يدخل

– أهلا سيد عبدا لله
– أهلا سيدي تفضل بالجلوس
– سيد عبد الله ، جئنا للتحقيق بمقتل السيدة كيندة

صعقت أمال و وضعت يدها على فمها من الصدمة اتسعت عيناها .. قال عبد الله بصوت يملؤه الرعب :
– كيف ماتت ؟؟
– سيد عبد الله علمنا أنها كانت لديكم بالأمس ، ما علاقة رجل أعمال مشهور مثلك بساحرة ؟! هل لك أن توضح لي الأمر ؟
قالت آمال : سيدي جاءت لـ …. قاطعها عبد الله :

كانت هنا لرؤية أبراجنا أنا و زوجتي ، نحب رؤية الأبراج و ألعاب الحظ ، لا نؤمن بها مجرد تسلية ليس إلا ، سيدي لا نعلم شيئاً عنها و لا علاقة لنا بالجريمة
– سيد عبد الله وجدت السيدة كيندة مذبوحة
سألت آمال :
– سيدي هل سرق أي شيء ؟
نظر الشرطي إليها باستغراب و قال :
– فقدت قلادة ثمينة كانت ترتديها ، هكذا أخبرتنا مساعدتها ، يا الهي سيدة آمال إذا كنت تعلمين شيئاً أخبرينا ..

لاحظ الشرطي ارتباك آمال التي قالت :
– لا سيدي ، لا شيء .. أنا متوترة قليلاً لأنني أخاف جرائم القتل و اللصوص و لا أحبها
– حسنا سيد عبد الله ، إذا تذكرت أي شيء اتصل بنا و شكراً لك … و خرج من المنزل

أمال تنظر إلى عبد الله و الدموع بعينيها :
– ماذا يحدث ؟ من قتلها ؟ و القلادة اختفت آخر أمل لنا بشفاء لينا قد ضاع ..
– عزيزتي اهدئي ، سيحل كل شيء ، لا تتوتري حتى لا يشك بنا
– يشك بنا ؟ و هل نحن من قتلها ؟ قالت آمال باستغراب
رد عليها عبد الله مطمئناً إياها .. لم أقصد ذلك

استيقظت آمال بوقت متأخر من الليل ، لم تجد زوجها ينام بقربها ، ذهبت تبحث عنه ربما بغرفة لينا ، و لكنها لم تجده ، بحثت عنه بكل المنزل و لم تجده ، قررت النزول إلى القبو للبحث عنه و قبل أن تنزل وجدته أمامها ..
-ماذا تفعل هنا بهذا الوقت ؟
بدا عليه الارتباك ..
– لا شيء حبيبتي تعالي لتنامي
– عبد الله ماذا تخفي ؟
تنهد قليلاً و قال :
– أخذت المرآة للقبو هي سبب مشاكلنا

لم تقتنع آمال بالأمر ، بدأت الشكوك تراودها ، فكل يوم تستيقظ لا تجد زوجها بقربها ، و قررت ملاحقته.. ادعت النوم فخرج و خرجت خلفه ، ذهب إلى مقبرة قديمة ، اختبأت خلف الأشجار ، أشعل عبد الله الشموع و أخرج جمجمة لإنسان ، وأشعل النار و وضع القلادة حول عنقه و أمسك بعصا و السيدة أمال تراقبه بذهول ..

بدأ بترتيل بعض الكلمات فظهرت امرأة جميلة لم ترَ أمال بجمالها من قبل ، كانت حسناء بوجه يشع كالقمر ، و شعر حريري .. وقف عبد الله أمامها فقالت :
– عزيزي شكراً لك على تحريري ، سأكون ملكك منذ اليوم ، أنت حررتني من القاتم .. ضمته إليها فسقطت أمال مغشي عليها ، فتحت عينيها لتجد نفسها بغرفتها و زوجها إلى جانبها فسألته :
– ماذا حدث ؟
– لا شيء كنت تحلمين أو رأيتِ كابوساً .
– لا ليس كابوس ، من تلك المرأة ؟ رأيتكما معاً ، أي امرأة
عبد الله لا تنكر
– عزيزتي لا أفهم شيئاً !!

– أنا تبعتك و رأيتها ، أنت من قتل كيندة و أنت من لم تدفع ثمن السحر ، أخبرني الحقيقة ، لم تفعل بي هكذا ؟ أو لست تحبني ؟ فقدنا ابننا و سنفقد ابنتنا ، من أنت ؟ هل أنت زوجي الذي ضحيت بكل شيء لأجله ؟ و هبت لك حياتي و ولدين ليس لهما مثيل ، لمَ دمرت حياتنا ؟ ما السبب ؟ أخبرني

أغمض عبد الله عينيه بشدة ، بدا عليه الغضب و الندم ، لم يرَ زوجته بمثل هذا الغضب من قبل ، لقد كشفت سره الذي أخفاه لسنوات .. فقال :

– عزيزتي .. عندما تزوجنا كانت حالتي المادية سيئةً جداً ، و كانت ابنتنا لينا مريضة عند ولادتها و ستموت إن لم تقم بعملية سريعة ، ذهبت إلى أهلي و أهلك و كل معارفنا و لم يقبل أحد مساعدتي ..
قاطعته آمال :
– و لكن أنت أخبرتني أن أحداً ما تبرع بالعملية و هو فاعل خير
– كذبت عليك يومها ، كنت أسير بالشوارع أفكر بحل لمشكلتي ، أخذتني قدماي إلى شاطئ البحر ، كانت الساعة الثالثة فجراً ، و بينما أنا جالس أفكر ظهرت لي فتاة بقمة الجمال ، خفت منها و لكنها اقتربت مني و قالت .. سأساعدك بشرط مساعدتي ، فتحت يدي و وضعت بداخلها عملات ذهبية و أكملت : أنقذ ابنتك وعد إلي بسرعة ..

بعد العملية قلت لن أرجع ، فقد شفيت أبنتي و لكن الفتاة بدأت تلاحقني بأحلامي ، و في يوم قررت الرجوع إليها ، و عند وصولي للبحر كانت تقف بانتظاري و كأنها تعلم بمجيئي
قالت :
– لم حاولت أن تنكث العهد
– ماذا تريدين مني ؟
– حررني سأصبح ملكك
– ممن أحررك و من أنت ؟
– أنا من عالم مظلم ، وزيرة السحر الأسود ، سأجعلك غني صاحب مال و سلطة ،
– و كيف أحررك ؟
– أجمع أغراض السحر ، أجلبها إلي في يوم اكتمال القمر ..

و منذ ذلك الحين و أنا أجمع الأغراض ، و لكن السيد المظلم علم بأمري و أنني سأحرر سجينته فبدأ بالانتقام مني ، أخذ ابني علي ، و لينا ضحت بنفسها لأجلي .
صرخت أمال بوجهه :
– و لمَ حررتها مادمت تعلم العاقبة ؟
– لأني ملزم بتحريرها ، هي سبب ثروتي و سبب آخر .. أنا متيم بها .

صعقت آمال من كلام زوجها ، هل هذا سحر أم لعنة حلت علينا ؟ أحست أن حياتها انتهت و أن كل شيء قد تبخر ، أحلامها و أمنياتها ، حتى حب زوجها قد خسرته ، تمالكت نفسها و عزمت أن تحرر ابنتها ، لا تريد خسارتها .. أمسكت بيد زوجها و نظرت إلى عينيه و قالت :

– عبد الله ، أعلم أن ذلك الرجل الذي أحببته فيك لم يمت بعد ، لا تخذلني ، أرجع ابنتنا لا نريد ثروة أو مال ، كل ما نريده هو حياة هادئة مليئة بالحب .
نزلت الدموع من عيني عبد الله الذي قال :
– لا يوجد غير طريقة واحدة لإرجاع لينا
– ما هي ؟
– اتبعيني

وقف السيد عبد الله و بجواره زوجته على شاطئ البحر ، حيث كان الجو هادئ مع نسمات باردة تلفح الجسد ، تمتم عبد الله ببعض الكلمات فظهرت المرأة الجميلة وزيرة السحر ..
– عبد الله .. أهلا بك عزيزي ، لم طلبتني ؟ مرجانة تحت أمرك
– مرجانة أريد تحرير ابنتي ..
نظرت إليه و الشرر يتطاير من عينيها و قالت :
– لن يتركها سيد الظلام ، هل نسيت ؟ هدفنا أن نقتله بعد أن نجمع القطع السبعة معاً بليلة رأس السنة حين يكون القمر مكتملاً ، و تجتمع الكواكب على خط واحد ، حينها تضعف قوى السيد ، و تلك خطتنا لتدميره و تحطيم معبره ، و أصبح أنا الحاكمة الوحيدة للعالم السفلي .

– و لم اخترتِ زوجي على وجه الخصوص ؟ قالت أمال مستنكرة
– لأن رجلاً مثله لا يخون عهد قطعه ، صادق ، بالإضافة إلى أني أحببته منذ أول مرة رأيته فيها ، و ابنتك لينا هي الوحيدة القادرة على جلب أوراق اللعب الثلاثة .

– كيف ستجلبهم لينا ؟
– ابنتك تائهة بين عالمين ، و قد أعطيتها أمراً ، لضمان سلامتكما يجب أن تسرق الأوراق الثلاثة عند اكتمال القمر لنحرقهم .
– أعيدي إلي لينا أتوسل إليك ؟ و الدموع تنزل من عينيها ربما تستطيع أن تستعطفها ، لكن مرجانة ابتسمت ابتسامةً ماكرة و اختفت

في ليلة رأس السنة ، حمل عبد الله لينا و خرجا من المنزل ، تبعتهما أمال خفية تريد أن ترى ماذا سيفعل زوجها ، وصلا إلى المقبرة حيث كانت مرجانة بانتظارهما ، وضع لينا على الأرض ، وجه المرآة الأثرية إليها ، وضعت مرجانة حجر الزمرد الذي كان على القلادة بداخل فجوة على هيئته بإطار المرآة فتغير لونها عدة مرات ، ظهرت فتاة تشبه لينا داخل المرآة اعتصر قلب أمال بالحزن أحست مرجانة بها فخرجت آمال من بين الشجيرات صائحة :
– لينا عزيزتي تعالى إلي
ولكن لينا لم تكن تسمع والدتها ، ألقت نظرة خاطفة على جسدها الملقى على الأرض و أعادت نظراتها الباردة إلى مرجانة التي سألتها :
– لينا هل أحضرت أوراق اللعب ؟
مدت لينا يدها من داخل المرآة و بها ثلاث أوراق لعب ذهبية اللون تحمل نقوش جوكر ، نجمة ، فتاة .. ضحكت مرجانة ضحكات شريرة متواصلة … و أخيرا سأصبح سيدة الظلام الأولى سأحكم العالم و…. أحست بيد تخترق صدرها ، رجل طويل القامة يرتدي معطفاً أسوداً و يغطى رأسه و وجهه

– سـ .. سيدي ؟!
-أجل يا مرجانة ، أردت خيانتي ، حبستك فتحررتِ ، لم أرد قتلكِ أنتِ من دفعتني إلى ذلك ..
اقتلع قلبها فسقطت و تحجر جسدها ، تجمد عبد الله و زوجته من هول المنظر .

وجَّه الرجل نظراته إلى الزوجين فقالا بخوف :
– من أنت ؟

– أنا الجزء المظلم منك و من كل شخص ، سيد الظلام الأول ، حاكم قوى السحر المتحكم بالعالم السفلي ، أتغذى على جشعكم و مخاوفكم ، ثم وجهكلتمه لعبد الله :
– قتلتَ ستةً من أعظم السحرة لتجمع القطع ، دمرت عائلتك بسبب جشعك ، سأخطف روحك و ابنتك ستبقى مسجونة في عالمي دوماً .

دقت عقارب الساعة مشيرة إلى الثانية عشرة ، أكتمل القمر ، خطفت السيدة آمال أوراق اللعب من يد مرجانة المتحجرة ، و رمت بهم على النار المشتعلة ، تلاشت قوى سيد الظلام للحظات ، التفت إليها و بحركة سريعة سحبه السيد عبد الله إلى داخل المرآة و انعكس ضوء القمر عليها ، أمسكت أمال بعصا السحر و كسرتها إلى جزأين ، أمسك عبد الله بيد ابنته و خرجا من المرآة علقت قدمه فالتفت ليجد القاتم يمسك بقدمه يسحبه بقوة إلى الداخل ، أمال تحاول مساعدة زوجها ، يصرخ عبد الله :
– حطمي المرآة بسرعة قبل اختفاء القمر بين الغيوم

و هي تحاول إخراج زوجها بدأ القمر يختفي بين الغيوم ، تنظر أمال إلى عيني زوجها و هو ينظر إليها نظرة توسل لتسامحه ، يحاول توديعها .. بدأ الظلام يزداد قوة ، صرخات عالية ، أجزاء المرآة تطايرت في الهواء ، انكسرت إلى ألف جزء .. التفتت آمال لترى قامة طويلة ، وجه يشع كالقمر ، شفتان صغيرتان مضمومتان ، و أنف صغير ، و عينين سوداوين تشعان أملاً .. تلك هي لينا عبد الله واقفة على قدميها ، حطمت المرآة لتسد المعبر بين عالمين و تنهي فصلاً من قصة المعاناة و الجشع . .

– و السيد عبد الله يا جدتي ؟
– دفع جدك عبد الله يا علي ثمن جشعه ، و ضحّى بحياته من أجلي و أجل والدتك لينا .

التفتت آمال إلى ابنتها ، ضمتها إلى صدرها و على وجهها ابتسامة النصر .

تاريخ النشر : 2017-01-05

ملكة القمر

الإمارات
guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى