أدب الرعب والعام

إنها ليست أنا

بقلم : آمنة الدريدي – تونس
للتواصل : [email protected]

إنها ليست أنا
من أنا ؟؟

من أنا بحق الجحيم ؟ هذا ما يترددُ على شفتايْ حين تتخدر حواسي و يعبُ عقلي بي.. فلا أزال أتساءلُ و لا أحد يجيبْ ، حتى أُجن أكثر ! و أقذفهم بلعناتٍ أُدرك أنها لن تنفذ في أحدهمْ ..

أما تلك الفتاةُ على المرآة فهي من ستخبرنيْ.. رغم أنها سبق و تجاهلتني كما فعل الآخرون ، لكنها ستضجر لاحقاً و ستُفصح .. هيا انطقي أو أنحر عنقكِ بهذا الخنجر في يدي

أين اختفى؟ لا يُهم ، سأعثرُ على غيره .. هيا أفصحيْ من أكون ؟ لا يعقلُ أن أكون أنتِ ، كُلهم يكذبون ! حتى أنهم ألصقوا بي اسماً أمقتهُ بشدة .. يظنوني أنتِ ! تزحزحيْ من مرآة الجحيم هذه و أخبريهم ما تقولينهُ في يقظتي و كوابيسي ، أخبريهم كُلَّ ذاك الهُراء الذي صدّعتِ به رأسيْ ، رأسي الذي لم يعد ليْ.. فأحياناً كانت تنتزعهُ هي منيْ ، و أحياناً ينتزعهُ مني الحنقُ عندما تُغرقني الأصواتُ و تنخرُ أعماقيْ ، فيتسللُ ذاك الصدى المرعب ليلفح رُوحي فلا أميزها و لا أي شيءٍ آخر..

أتعرفون هذا الشعور ؟ إنهُ الموتُ عندما يختلج الجسد بساديةٍ قاتلة ، فينالُ من العقل الذي سرعان ما يلفهُ الضباب ، لتنكب الأصواتُ على رأسي كالمطرقة و ترتجلُ الحواسُ مع هذا الكابوسْ حتى تُحولني إلى جثةٍ تائهة تهرولُ في العدم .. فتارةً تصرخُ بهسترية ، و تارةً تقعُ لتتخبط على الأرض ، و لا تكرر سوى جملةً واحدة ” من أكون ” و مُجددا لا أحد يجيبْ !

في الواقع كنتُ متكومةً في قوقعةٍ اخترقتها أصواتٌ ظننتها من الجنة ، و عندما اقتربتُ طوقتني نيرانُ الجحيم و كدتُ أن أحترق .. أما الآن فالجحيم من يفرُ مني ! و لم أعد آبه لما يتمايل داخل رأسي ، و لا حتى لما يتمايلُ أمام عيني ! لكن كُل شيءٍ تغير عندما أتت هي ..

فقد دفعتُ بأنا القديمة إلى المرآة و انتزعتها هي من أعماقي لتحتل جسدي ، أما الأخرى فقد أوصدتُ عليها جُدران ذهني و تركتها لتتعفن .. لكنها لا تزالُ تزعجني ! فلم أستطع التحرر من كُل قيودها اللعينة ، لكني تقمصتُ أنا الجديدة رغم صرخاتها و رغم الأصوات الجهنمية الأُخرى التي خرست لبرهة لألقن نفسي الكذبة التي أشاء و أُصدقها ..

ظننتُ أني تحررتْ ! لكني الآن أحدقُ في المرآة و لا أرى نفسيْ ، أنظر في داخلي و لا أجدُ غير الفراغ ، اختفت القديمةُ من رأسيْ ، و فرَّت الأُخرى .. تاركةً جسداً خالياً و عقلاً تعبثُ فيه أصواتُ الشياطين .. أعلمُ حقيقةً واحدة ، أنا سيئة و لي ولع بالخناجرْ و الحُروف .. أما ذاك الوجه على المرآة ، ذاك الاسم ، و تلك الفتاة ؟ إنها ليست أنا .. صدقوني إنها ليستْ أنا .

تاريخ النشر : 2017-02-03
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى