أدب الرعب والعام

ريموندا و الثلاث كلمات الملعونات 2

بقلم : محمد فيوري – كندا
للتواصل : [email protected]

ريموندا و الثلاث كلمات الملعونات 2
قالت لي بسخرية : هل تظن بأنك تستطيع الهروب مني ؟

فتحت عيني بهدوء و أنا خائف أرتجف ، لأجد نفسي بوسط بيتي من الداخل وسط العفرة الكثيفة كالضباب ، و الركام المتساقط في كل مكان حولي .. حتي بدا لي أني أسمع صوتاً كصوت رامي حبيب آتياً من بعيداً يقول ..

– يا جماعة العفرة إللي نزلت من السقف زيادة عن اللزوم … ممكن نعيد تاني ..

ظهرت لي فجأة بوجهها القبيح آتية من بين العفرة ، كانت يدها تسبقها لتمسك عنقي تخنقني بشدّة ، و تغرز جميع أظافرها الزرقاء الداكنة داخل لحمي دون رحمة ، كنت أعافر و أنا أصارع الموت دون أي فائدة مني لشدة قوتها .

– سمعت بودانك رامي ابتدي تصوير الفيلم وانت لِسَّه ما أرسلتش الأيميل ! أتوسل إليك أنقذني أنقذني إياك ترسل الأيميل أو باقي الروايه إياك ، لازم ترسل الأيميل ، إياك أتوسل إليك ساعدني أنقذني .. أنا بقولك أرسل الأيميل .

كانت تترجاني أن أرسل الأيميل و بالوقت نفسه تترجاني ألا أرسله ، كأنها أصبحت اثنان يمتلكان جسداً واحد ! واحدة ترخي قبضت يدها و تترك عنقي و تبتعد ، فكنت أرى ملامح ريموندا الجميلة و هي مرتديةً الأبيض ، و الأخرى تخنقني بشدة و هي تنزف الدماء ، ملامحها قبيحة مرتديةً الأسود ، لكن أنفاسي بدت تتباطأ و تتباطأ و تتباطأ لتغمض عيني و أتوقف عن التنفس تماماً ..

***

شعرت بأنني تركت الدنيا و فارقت الحياة ، كانت تمر كل أحداث حياتي في خيالي سريعاً منذ صغري حتى اللحظة
لتخرج روحي من جسدي ، و أرى جسدي من الأعلى مستلقياً وسط “الريسبشن” .. يدي اليمنى ملفوفة بالشاش و عنقي ينزف الدماء ، وحيداً لا أحد معي أو حولي ، لتترك روحي بسرعة مهولة المكان و تصعد عالياً ، في السماء وتهبط مرة أخري بريف ” ميون ” البريطاني .

و على ضوء القمر أجد نفسي مستلقياً على ظهري وحيداً وسط أرض كبيرة ليس لها نهاية خاوية ، نظرت للسماء و أنا أفتح عيني ببطء ، فرأيت السحب الكثيفة الداكنة تتحرك و تغطي ضوء القمر ، و بدأ صوت الرعد يضرب بقوة ، و يضيء البرق الأرض من حولي لتتساقط الأمطار بشدة على وجهي .

حاولت أن أنهض أو أتحرك لكن دون فائدة ، جسدي ثابتٌ متيبس لا يتحرك ، فتناهى إلى سمعي صدى صوت لصراخ فتاة يأتيني من بعيد ، حاولت و حاولت و تحاملت على نفسي حتى أصبحت في وضع الجلوس بصعوبة بالغة ، التفت بنظري إلى اتجاه صوت الصراخ ، فوجدت أن الصوت يأتي من داخل بيتٍ عتيقٍ جداً ، مكون من دورين يبتعد عني عدة أمتار ، كنت أرى أضواءً خافتة لشموع ، كان الهواء يجعلها ترتعش خلف زجاج النوافذ من الداخل ، مازال صراخ الفتاة المستمر يأتيني متموجاً من شدة الرياح دون توقف تطلب المساعده ، كان صوتها مبحوحاً و كأنها تصرخ منذ عدة أيام طوال .. حتي سمعت صوتاً آخر لفتاة أخرى تصرخ ، كانت قادمة و هي تجري نحوي ، و أتت و جلست بجواري تلهث بشدة و هي تنظر خلفها بفزعٍ و خوف ..

فوجئت بأنها ريموندا لكنها لم ترني ، فأتى إليها ثلاثة رجال يمتطون الخيل ، نزل واحدٌ منهم و أمسك شعرها بقبضة يده و سحبها لتقف أمامه ، يظهر الابتسامة على وجهه و هو ينفث دخان السيجار بفمه ، ثم أخرج مسدس من خلف البنطال و وضع مقدمته فوق رأسها و هي تبكي و تصرخ متوسلة إليه و تترجاه ألا يفعل … ثم أطلق عدة طلقات على رأسها لتسقط و تفارق الحياة في الحال .

فتحت عيني لأرى وجه سيانا أمامي و هي تبكي و تصرخ تحاول إفاقتي ، واضعةً كميةً كبيرةً من الماء على وجهي ، و مكعبات الثلج على عنقي ، و يدها ملطخةٌ بالدماء ..

– أنا اتصلت بيك مليون مره وجيت وشوفت عربيتك مركونه بره .. حسيت إن فيه حاجه حصلتلك ، كسرت الباب ودخلت لقيتك غرقان في دمك ، إياك تتحرك أنا طلبت الأسعاف جايين حالا ..

أخذتني الإسعاف إلى المستشفى و كانت سيانا معي تلازمني ، قام الأطباء بعلاجي بسرعة ، و بعد مدة من الوقت أتى طبيب إلى الغرفه و قال ..

– احنا عملنا تحاليل دم لحضرتك ووجدنا كمية كبيره من الكحول والمخدر بدمك ، وممكن يكون ده السبب إللي خلاك تحاول إنك تنتحر و الموضوع أكيد هيكون فيه نيابه وتحقيق لأنه يعتبر شروع في قتل ..

– كحول ومخدر إيه يا دكتور . أنا مش بتعطي الحاجات دي ، إزاي نتيجة التحاليل كده ! أكيد في حاجه غلط ..

– أنا عرفت إن حضرتك كاتب وسيناريست، يعني عايز تقولي إنك هتكتب وهتألف من غير الحاجات دي .. معلش اعذرني أنا ورايا حاله تانيه لازم أطمن عليها .. بعد إذنك

خرج الطبيب من الغرفة ، و نظرت لي سيانا و هي تهز رأسها تعجباً و تبتسم ابتسامة خفيفة بسخرية .

– كحول ولا مخدر المهم إنك بخير .. أنا هاسيبك ترتاح وهرجع أزورك كمان شويه .. اه صحيح روجينا كلمتني وقالتلي إنهم ابتدوا التصوير في ريف ” ميون ” زي ما أنت طلبت منهم وكانوا يتمنوا إنك تكون معاهم .. وقالتلي كمان إن ” نائل ” هيكمل الجزء التاني من الروايه وهيكتبها هو بنفسه ..

– سيانا إياكِ تسمعي كلام الدكتور لو قالك حاجه عليا ، أنا مابتعطاش وأنتِ عارفه ، وما حولتش أنتحر زي ما هو بيقول ، إنتِ شوفتي بعينك إللي حاصل فالبيت عندي والحيطان ساقطه وده كمان بسبب إيه بسببي !؟ .. أنا بصراحه عايز أكلمك في موضوع مهم مافيش حد غيرك أقدر أحكيله وعايزك تفهمي و تعرفي كل حاجه ..

– أنت ماتحكيش حاجه غير إنك تريح نفسك دلوقتي .. ولما أجيلك ابقي إحكيلي إللي أنت عايزه ، وبعدين الحيطان ساقطه بسبب الزلزال الشديد إللي حصل امبارح أفتحلك التليفزيون علشان تشوف مصر حصل فيها إيه .. إياك تفكر إنك تأذي نفسك تاني ، حرام عليك أنت كده هاتموت كافر ودي مش المره الأولی .. بصراحه مش عارفه ليه حاسه إني قلبي مقبوض و قلقانه عليك قوي و إنك هاتوحشني .. أرجوك أرجوك حافظ علی روحك و نفسك ..

خرجت سيانا من الغرفة واضعةً يدها على فمها و هي تبكي و أغلقت الباب وراءها و تركتني وحيد ، انتابني الضيق الشديد و شعرت باختناق و ملل ، فنهضت و توجهت إلى باب الغرفة لكي أترك المستشفى و أذهب إلى بيتي ، منعني من الخروج حارس يقف على الباب ، عدت إلى الداخل مجبراً فأغلق الحارس الباب خلفي و أنا أتوعد له من شدة غيظي ، نظرت أمامي لأجد ريموندا جالسة على السرير واضعةً قدم على قدم تبتسم ..

– عايز تحكي لسيانا وتعرفها كل حاجه بسهوله كده .. طيب لو هاتعرف تقرأ الفاتحة أقرأها واترحم على روحها خلاص مافيش سيانا تاني … كل شويه هاخليك تخسر حد عزيز على قلبك ، هو موت أي حد بعيد عن التلات كلمات مش هايفيدني ، لكن أنا هفضل أعذبك لحد ما تستسلم وترضى بالأمر الواقع وترسل الأيميل بإيدك وبرضاك لأصحابك إللي موتهم هايفيدني .. مافيش حد هيكمل الراوية غيرك انت ، أنتظر كمان عشر دقائق خبر هيوصلك عن ” نائل ” و مبروك عليك سمعة الأدمان ..

اختفت ريموندا من أمامي ، فأخرجت هاتفي من جيبي و دموعي تنهمر بشدة ، اتصلت بسيانا لكنها لم تجيبني ، عاودت الاتصال بها مراتٍ عديدة لكن دون فائدة .. لم تجب ، جلست صامتاً وأنا أشعر بالحزن و القهر و عقلي متوقف تماماً عن التفكير ، لكنني تذكرت ما رأيته عندما كنت غائب عن الوعي في بيتي .. نعم بالفعل ما رأيته هو ريف ” ميون ” و نعم هي بالفعل ريموندا ، و قد قاموا بقتلها !! هذا يعني أن ريموندا ميتة !!

هل من الممكن أن تَكُون روحها هي التي تأتيني و تريد الانتقام مني ، لكن أنا ما ذنبي ! و من .. من هي تلك الفتاة الأخرى التي كانت تصرخ بشدة من داخل البيت ؟ هههه لا لا أنا على ما يبدو مجنون و مريض و مدمن ، و حاولت الانتحار مراتٍ عديدة كما قالت سيانا ، أتمنی أن تكون هَذِه حقيقتي ، فأنا لا أريد إيذاء أي أحد منهم بسببي ، جميعهم بخير .. نعم بخير .

نهضت و توجهت إلى ثلاجة توجد بركن الغرفة ، ووأحضرت بعضاً من العصير و وضعته بكأس ، فاهتز الهاتف معلناً قدوم رسالة ، نظرت إلى الرسالة .. ” نائل في المستشفى ما بين الحياه و الموت ” .. تملكني الغيظ الشديد و قمت بقذف الكأس من يدي فأصاب زجاج نافذة الغرفة ليتطاير بكل الأرجاء و أنا أصرخ بشده : لييييه لييييه ..

دخل الحارس سريعاً محاولاً مسك يدي ليضعها خلف ظهري ، فلكمته في وجه و جريت حتى أصبحت خارج المستشفى ، عبرت طريق مزدحم و أنا واضعاً يدي على أذني لا أطيق سماع اْبواق السيارات المزعجة و لا النظر لأضوائها ، حاولت الاتصال بسيانا مراتٍ عديدةٍ دون فائدة .. لم تجب ، فذهبت ماشياً حتى وصلت إلى بيتها ، عبرت البوابة الحديدية لحديقة البيت و لم أجد سيارتها مركونة أمامي ، و بيتها مظلم من الداخل و الخارج ، تذكرت أنها تركت سيارتها بجوار سيارتي بحديقة بيتي و ذهبت معي بسيارة الإسعاف إلى المستشفي ، لكنني جلست أمام باب بيتها أنتظرها لتأتي حتى مرت ساعات و ساعات .. لكنها لم تأتِ ، فقررت الذهاب إلى بيتي .

عندما وصلت وجدت سيارتي فقط مركونة بالحديقة ، يبدو أن سيانا أخذت سيارتها و ذهبت ، لكنني مازلت أشعر بعدم الاطمئنان و القلق عليها ، صعدت السلالم و فتحت باب البيت و دخلت و أغلقته خلفي ، لكن بدأ خبطٌ شديدٌ على الباب .
فتحت الباب فوجدت أعداداً غفيرة من رجال الشرطة أمامي ، اقتحم بعضهم البيت و دخلوا ، و البعض الآخر وضعوا يدي خلف ظهري و سحبوني معهم ..

وصلت إلى قسم الشرطة و أدخلوني إلى غرفة التحقيق ، جلست أمام وكيل نيابة و كان ينظر لي و كأنه ينتظرني منذ مدة طويلة .. وقف صامتاً يفكر ، ثم أشعل سيجاره و تحرك ليقترب مني و أنحنى و هو ينظر إلى وجهي ..

– أنت عارف أكيد أنت عملت إيه ؟ ..

– أيوه عارف .. عارف إن أنا مدمن وحولت أنتحر مليون مره ، وإللي جابني هنا علشان حاولت اموت نفسي والموضوع شروع في قتل وهربت من المستشفي ، لكن الموضوع بصراحه مايستحقش البهدلة دي كلها ..

– هههه .. أنت كمان مدمن وحاولت تنتحر …. أنت متهم بقتل سيانا عامر المنشاوي .. و كاميرات المراقبه إللي فالشارع صورتك وأنت داخل بيتها وبعد ما خلصت جريمتك فيه شهود شافوك وانت خارج مرتبك و بتقفل الباب وراك ، غير السكينه إللي قدامك دي عليها بصماتك ولسه الدم مانشفش وجابوها من بيتك ، أنا كنت منتظرك و أنا معاك للصبح .. واظن بعد المعلومات دي كلها إللي وصلتني عنك مش هاتقدر تنكر إنك قتلتها … بصراحه ومن الأخر أنا مش عايز أتعبك معايا ولا عايزك تتعبني معاك .. هممم … جاوب .. أنت إللي قتلتها ؟؟ ..

– أيوه أنا إللي قتلتها ..

– خدوه على حبس انفرادي دلوقتي وانا هكمل معاه بكره الصبح ، فتحوا عينكم كويس عليه ده خطر على نفسه وحاول ينتحر مش عايز أي اله حاده أو أي حاجه فغرفة الحبس عايزها فاضيه ..

دخلت غرفة فارغة من كل شيء لا يوجد بها إلا البلاط ، ذهبت بهدوء إلى ركن و جلست على الأرض و أنا ابتسم سخرية علي ما أتى لي وحل بي … في تلك اللحظة و تلك الأوقات العصيبة التي مررت بها و مازلت أمر بها ، فكرت بالفعل أن أنتحر و أخلص من هذا العذاب و الظلم و القهر ، نعم كنت أعيش وحيداً أدرس و أعمل و عايش سعيد ، لكنني لا أتحمل فراق أي أحد من أصدقائي ، فهم بالنسبة لي إخوة و أحباب و أكثر من أصدقاء ، فهم كل شيء بالنسبة لي .

– أنت فاكر نفسك لما تعترف بجريمة أنت مارتكبتهاش ويحبسوك هنا يبقي هربت مني ومن لعنتي .. كل إللي أنا بفكر فيه إني أعذبك وبس ، لكن شكلك مبسوط ومرتاح إنك هنا مسجون بين أربع حيطان ..

– طلعيني من هنا و أنا هرسل الرواية بنفسي وبأيدي .. أوعدك ..

اختفت ريموندا من أمامي و دخل حارس في الحال و سحبني من ذراعي فنهضت و ذهبت معه ، دخلت غرفة التحقيق و جلست ، جاء وكيل النيابة و جلس أمامي و كانت تظهر على ملامحه نظرات الأسف .

– أنا بعتذر لحضرتك جداً ، حصل لَبْس في موضوع قتل سيانا ، وأنا عرفت أنها من أعز أصدقائك البقاء لله ، أنت دلوقتي حر ومافيش أي شبه جنائية عليك اتفضل امشي علشان تلحق العزاء وانا بعتذرلك مره تانيه …

تركت قسم الشرطة و ذهبت إلى بيتي ، صعدت إلى غرفة مكتبي و فتحت جهاز الكومبيوتر ، تصفحت مئات الصور التي كانت تجمعني بسيانا منذ سنوات طوال و استسلمت لبكاءٍ شديد ، غيرت ملابسي و أخذت سيارتي و ذهبت إلى بيتها لكي أقوم بواجب العزاء ، وصلت إلى حديقة بيتها و أنا أنظر حولي باندهاش ! لا أصدق ما تراه عيني ، أضواء ليزر ، موسيقا صاخبة ، سيارات كثيرة متراصة متصافة ، شباب فتيات بكل مكان ، نظرت إلى مرآة سيارتي الخارجية وجدت سيانا قادمة و هي تبتسم ، فتحت لي الباب و سحبتني من يدي ..

– أنا حالفه ما أطفي الشمع إلا لما تكون أنت موجود .. الساعة حداشر يا أستاذ وبعدين إيديك فاضيه ليه فين هديتي ؟؟

يتــــــبع ..

تاريخ النشر : 2017-02-15
guest
20 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى