أدب الرعب والعام

ثرثرة تحت الأرض – 2

بقلم : البراء – مصر
للتواصل : [email protected]

ثرثرة تحت الأرض - 2
توقَّف الغريب حينما نظر له أوليڤر في شك .. سأله : منحنى غير متوقع هاه ؟!

أشفق الفتى كثيراً على إيلي التي لا تفهم ما الذي يحدث معها ، و مع هذه الشفقة تولد سؤال واحد لم يفهمه الفتى قط حينها .. لماذا ستموت أمها ؟؟ لماذا يتحتم عليها أن تموت ؟
حينما قابل الفتى جدة إيلي بدأ يفطن لحقيقةٍ ما .. حقيقة أن شخصاً مثلها من المفترض أنه هو من يجب أن يُعنى به ، أن توضع في دار مسنين أو شيءٍ من هذا القبيل ، لكنه اكتشف الحقيقة المزرية و هي أنها لم تجد من يفعل لها ذلك ، ببساطة لأنه لم يكن لها إلا ابنة واحدة فقط ، ابنة تساعدها مادياً و معنوياً كل يوم ، تقول العجوز أن السنين مرت بسرعة كبيرة و لكنها مازالت تستطيع تقديم المساعدة لإيلي حتى تستطيع إيلي الاعتماد على نفسها ، لكنه كان ينظر لها و يستطيع أن يشعر بأن روح الموت تحوم حولها .. و ربما ستموت قبل أم إيلي نفسها !

و بالرغم من صراعاته النفسية المثيرة كان الفتى يعرف ما الذي سيفعله بالفعل ، لقد توصل للقرار منذ أن رأى إيلي مع جدتها ، سوف يأخذ الفتاة و يربيها كأختٍ له ، حتى و إن تطلَّب الأمر أخذها بالقوة ، كان إصراره على الأمر شديداً بالفعل ، كما كان منطقياً في نفس الوقت ، لم تجد أمها بدَّاً من أن تنصاع لرغبته ، فقد اقترب موعد الرحيل و هي لا تعرف أحداً يستطيع العناية بها كما سيفعل هو .. 

في أوقات كهذه يتوجب عليك أن تبيع ثقتك لمن يريدها .. و قد فعلت هي هذا و باعت ثقتها للفتى.. فقط لأنها لا تملك حلول أخرى .

توطدت العلاقة كثيراً بين الفتى و أم إيلي ، لدرجة أنه أصبح يقضي أمسياته مع عائلة إيلي في منزل الجدة ، كانوا يجلسون جميعهم معاً و يتناولون العشاء ثم يقضون بقية الأمسية في مشاهدة التلفاز .. و لم يكن الفتى يغادر لمنزله إلا حينما يتأخر الوقت حقاً ، قد أصبح الفتى بدون أن يشعر جزءاً من العائلة ، و أصبحت إيلي تعتبره شخصاً قريباً للغاية منها كجدتها و أمها .. اعتبرته شخصاً من العائلة ، و حينما شعرت أمها بذلك فرحت كثيراً لأنها عرفت أن هذا سيساعدها على تخطي أمر موتها ، الطبيب أخبرها أن السرطان في مرحلته الأخيرة بالفعل و أنه سيعطيها شهرين على أكبر تقدير قبل أن يأخذ روحها ، و قد مر شهرين بالتمام و الكمال لذا فالموت قد يأتي في أي يوم .

حينما أدركت هذا أخبرت الفتى أنها تريد مقابلته ، و في منزلها أخبرته عن السرطان الذي أصابها و عن أنها سوف تموت في هذه الأيام بالتحديد ، ثم طلبت منه في النهاية أنه إذا كان يريد أن يخبرها بشيء أو يسألها عن شيء فليفعل لأنه ربما ستكون هذه هي المرة الأخيرة التي قد يراها فيها ،
تردد الفتى كثيراً و ارتبك في البداية قبل أن يسألها .. 

سألها عن زوجها و أين هو الأن .. عن ما إذا كان حياً أم لا ، رفضت أن تجيبه و أخبرته أن سؤاله يعد سؤالاً وقحاً ، أخبرها و هو يتلعثم بكلماته أنه يريد أن يعرف لأنه يحبها كثيراً ، اعترف أنه كان أحمقاً و لكنها هذه هي الحقيقة ، لكنه تفاجأ بردها .. لقد أخبرته بأنها كانت تعرف ، أخبرته أيضاً بأنها لا تُكِنُّ له ذرة مشاعر واحدة ، صدم الفتى و ظل صامتاً و أخذت هي تكمل كلامها .. لكنه كان لا يستمع لما تقوله ، كان فقط يكتفي بالهمهمة و الموافقة و الإيماء برأسه على كلامها .. 

في رأسه كان الأمور مبعثرة ، لقد كان يظن أنه قد وجد ما يريده ، ظن أنه الحب هو كان يبحث عنه … لكنه أدرك حينها أنه كان مخطئاً ، و مع هذا أدرك مدى حماقته ، أن تتعلق بامرأةٍ على وشك الموت لهو شيء غبي لأقصى الحدود ، لكن الفتى اعتبر الأمر درساً قاسياً و تعلم منه شيئاً وحيداً ، و هذا الشيء هو الحذر الشديد قبل مواصلة التعلق بشخصٍ ما .

ثم إذا ما جلس يفكر مع نفسه كان يعرف أكثر و أكثر مدى حماقته .. إذا قالت أنها تحبه كذلك .. إذن ما الفائدة ؟! يومين أو ثلاثة ثم ستموت ، النتيجة هو أنه ظل لا يراها لمدة يومين حتى اتصلت به الجدة و أخبرته ما كان متوقعاً ، عم الحزن بالطبع لفترة من الزمن .. و خصوصاً بالنسبة للفتى ، رغم معرفته بأنها قست عليه كثيراً في مقابلتهما الأخيرة إلا أن هذا لم يمنعه من ذرف كمية لا بأس بها أبداً من الدموع ، كان يمكنها ببساطة أن تكذب عليه و تفرحه قليلاً .. لكن ألن يتألم أكثر إذا عرف أنها كانت تحبه ، أليس من الممكن أنها كانت تقول هذا كي تخفف من حزنه ؟

و مجدداً مرت الأيام و تعايش الفتى مع الوضع الجديد لإيلي .. و مجدداً عاد يبحث عن الشيء الذي لطالما بحث عنه ، ربما إيلي سوف تساعده على إيجاد ما يريده .. فقط إذا عرفه .. و ربما لن يعرف أبداً ، لكنه و في جميع الأحوال ستظل إيلي معه ، إنها الأن أمانته .

الغريب في الأمر أن الجدة ماتت بعد أسبوع من موت الأم !! كأنها كانت تنتظر أن تسلم الفتاة قبل أن تستريح و ترحل عن هذا العالم ، موتها في ذلك الوقت كان هو الإعلان الرسمي بأن إيلي لم يعد لها غير الفتى في هذا العالم .

بطبيعة الحال وجد الفتى صعوبة كبيرة في جعل عائلته تتقبَّل وجود شخص غريب بينهم .. أعدّوها دخيلاً زائداً لابد من التخلص منه بينما أعدها هو شخصاً في أمس الحاجة للمساعدة ، و في النهاية اتفق مع والده أنه سيسكن في مكان منفرد معها و سيعتني بها ، فعائلة الفتى كانت ثرية و تستطيع تحقيق هذا له بكل بساطة .

أما الفتى فقد كان فتى فقط في نظر نفسه .. لأنه كان يبلغ من العمر حينئذ 21 عاماً و قادراً على العناية بنفسه .. لكنه كان يعتقد أنه لا يزال فتى ، من إيمانه بمبدأ أنت لن تكون رجلاً حتى تعرف ما تريد ، و حتى ذلك الوقت سوف تظل فتياً ، وهو كان لا يعرف مايريد لذا لم يعد نفسه شاباً أو رجلاً في يوم من الأيام ، آمن أباه في يوم من الأيام بأن فكرته عن هذا الأمر كانت سخيفة بقدر ما كانت بسيطة .. و لكنها بالطبع كانت تستحق الدراسة أكثر من هذا .

أما عن إيلي نفسها .. فهي حينها كانت في عالمٍ آخر .. عالم من الصعب استيعابه لأنه يضم فقط طفلة في العاشرة لا تستطيع الإفصاح عن مكنونات قلبها لعدم نضج عقلها ، و كما كذلك لصعوبة الأمر ، أن تفقد في أسبوع واحد كل من عشت معهم في هذه السن .. فهذا سوف يترك ندبة كبيرة في قلبك ، و لسوف يؤثر على سلوكك و طريقة تفكيرك كذلك ، سيكون عليك أن تفهم معنى كلمة موت أولاً ثم بعدها يمكنك أن تبدأ بالحزن ، لكن ما كان يعزيها هو وجود الفتى بجانبها في ذلك الوقت .. إذا احتاجت لوضع رأسها في صدر شخص ما ثم البدء في البكاء فهي على الأقل تعرف ذلك الشخص .. إذا احتاجت للعب مع شخص ما فهي تعرف من سيكون .. إذا لحتاجت لأي شيء فهي تعرف لمن ستتحدث ، كانت طلبات الفتاة أكثر من مجرد طلبات بالنسبة للفتى ، وضعه لطلباتها في قائمة الأولويات كان يثبت هذا ، كما كانت تثبته الأيام كذلك .

إيلي و برؤيتها و ملاحظتها لهذا عرفت أنه يقدِّرها و يحبها كثيراً ، و من ثم تكونت فكرتها عنه على هذا الأساس .. إن هذا الشخص هو ملاكها الذي سيجلب لها ما تريده مهما كان هذا الشيء معقَّداً أو غريباً ، بالطبع كانت توجد هناك طلبات لا يستطيع تحقيقها كونه يعد بشرياً .. فهو ببساطة لا يمكنه أن يجعلها تطير ، كما أن الأمر كذلك لم يكن يقتصر على الطلبات المادية بالطبع ، بالرغم من هذا لاحظت أن حياتها صارت أفضل بكثير بسببه .. هي نفسها صارت أسعد ، لكنها عرفت أنها دفعت الثمن في المقابل حينما ماتت أمها و جدتها ، و هكذا تعلمت إيلي أول حقيقة بسيطة في الحياة .. لا توجد سعادة كاملة و كاذب هو من يقول غير ذلك .

في ذلك الوقت لاحظت أن الأيام تمر ببطء شديد .. لكنها في جميع الأحوال تمر ، و هكذا تعلمت إيلي ثاني درس لها في الحياة .. الوقت سوف يمر مهما كانت الصعاب ، و مع مرور السنين بدأت الأمور تتغير .. بدأ الفتى يلاحظ نظرات إيلي نحوه … لقد تحول حبها الطفولي بطريقةٍ ما إلى حبٍّ آخر لم يكن يتوقعه .. أو يريده “

توقَّف الغريب حينما نظر له أوليڤر في شك .. سأله أوليڤر :
“منحنى غير متوقع هاه ؟!”
منذ أن بدأ الغريب يحكي حكايته و أوليڤر كان يلاحظ الأشياء حولهما ، كان يحاول أن يتأكد من شيء ما ، و في منتصف القصة تأكد أوليڤر من الأمر لكنه ترك الغريب يكمل حكايته ، قال أوليڤر :
“و ماذا حدث بعد ذلك ؟”
“ألا ترى أن هذا كافي ؟! لقد حكيت لك الكثير .. أكثر مما حكيته أنت”
“نعم أنت محق بالفعل”
صمت أوليڤر قليلا ثم أردف:
“أتعرف يا سيد؟!.. هناك شيء غريب بشأنك”
“………”
نظر أوليڤر إلى الأعلى.. و تحديداً نحو مصدر الضوء الذي في العربة .. و قال بابتسامة :
“لقد حاولت كثيراً .. لكن مهما حاولت لا أستطيع أن أراه”
“ترى ماذا ؟”
“ظلك !”

ضحك الغريب ضحكة عصبية قصيرة ثم قال بعدها :
“هل هذا يهم ؟”
“نعم بالطبع .. هذا يعني أنك لست بشراً .. إما أنت شبح أو أنا أتخيلك”
“هذا غريب يا سيد أوليڤر .. لأنني متأكد أنني حاولت أكثر منك .. و لكني لا أرى ظلك كذلك “

أومأ أوليڤر برأسه في رضا ثم صمت الاثنان لفترة من الزمن قبل أن يقطع أوليڤر الصمت :
“جدة إيلي !”
“ماذا عنها”
“لم تكن جدتها حقاً .. أليس كذلك؟”
“لا. ليس حرفياً “
ضحك أوليڤر حينها ضحكة عالية ثم قال متبسماً :
“أمن المعقول أنك لم تدرك بعد ؟”
“بلى أدرك كل شيء .. هذا هو ما جعلني متشوقاً لسماع قصتك”
“كنت تبحث عني إذن”

ثم صمت لثانية حدق فيها في السقف قبل أن يردف :
“لابد من أنك عند نقطة معينة من قصتي كنت قد نلت ما أردته حقاً”
“لم أتأكد من الأمر بعد”
“تأكد إذن.. إن الأمر حقيقي”
“ألم يكن كل شيءٍ بسببك ؟ أنت لم تستطع أن تسيطر على الأمر”
“و أنت الفتى الذي لم يعرف ما يريد حتى بعد أن مات”
“أما و قد عرفت ما أريده فأنا فقط أعتقد أنك أنت السبب .. كان عليك أن تفعل شيئاً حيال الأمر”
“أنت حقاً لا تريد أن تعترف لنفسك بالأمر .. هذه هي بوادر الصدمة على كل حال”
“لا أنا لست مصدوماً.. الحقيقة هي أنني كنت أتوقع هذا .. لقد بحثت كثيراً في أوراقها .. لم أجد أي أثر لأي … لأي شيء رسمي”

و عم الصمت عليهما مرة أخرى قبل أن يقول الغريب :

“لكن ما الذي حدث لك ؟ ماذا حدث بعد رفضك للزواج”

“أنت تعلم ما حدث للمدينة .. كنت الأفضل في تجارتي و كان السوق كله لي .. بعد ذلك حينما حدث ما حدث و طردوا السكان بسبب هراء البنية التحتية ذاك ، فقدت كل شيء .. فقدت زبائني و منزلي و كل شيء ، فقدت كل ما أملكه مجدداً ، تعفَّن مخزوني من الأسماك و لم أستطع أن أبيعه بسبب نزوح السكان كلهم للمدينة الكبيرة ، منذ عشرين عاماً كما تعلم ، و بالطبع لم أستطع نقل تجارتي إلى هناك بسبب السوق المكتظ ، في النهاية استسلمت و قضيت آخر أيامي مليئاً بالحزن ، ثملاً أتجول في المدينة الفارغة ، آخر ما أتذكره هو أنني نزلت إلى هنا و أنا ثملٌ للغاية ، لابد من أنني تعثرت في مكان ما هنا أمام القضبان ، ثم أتى المترو و أنهى بؤسي ، و لهذا ظلت روحي معلقة بهذا المكان ، و طوال العشرون عاماً ظللت آتي لهنا و أركب نفس المترو الذي قتلني و أجلس على نفس المقعد .. صارت هذه هي وظيفتي”

“ظللت تهيم في هذا المكان لمدة عشرين سنة ؟.. لابد من الأمر قاسي عليك”

“و ماذا عنك.. كيف عرفت أنني هو جد إيلي”

” بعد موت أم إيلي أو إبنتك أيا يكن .. بحثت في أوراقها و ممتلكاتها بصفتي الوصي الوحيد على إيلي بتوقيعها قبل أن تموت و بموافقة إيلي ، بحثت و وجدت اسمها الكامل ، و اسم والدها كان أوليڤر ، و أنت تعرف أنني أردت أن أعرف من هو والد إيلي أو أين ذهب ، لذا بحثت عنك لأسألك ، لم أكن أتوقع أن تخبرني أنها كانت كفتاة ليل”

“كان هذا الكلام كما أخبرتك من جاري ، لست متأكداً من كلامه .. ربما هو يكذب”

“جارك الذي يعرف أكثر من اللازم نعم ، لربما يكون هو والد إيلي ، أعني ما المانع”

“لربما كذب الرجل حقاً فيما قاله عنها”

قال الغريب بعصبية:
“أنت أباها.. كيف لك ألا تعرف شيئاً كهذا ؟!!”

” كانت لدي مشاكل أخرى .. ابني و زوجتي كانا قد ماتا للتو ، تباً لها على كل حال .. لقد كانت فتاة قذرة عديمة المشاعر”

“قذرة؟!”

قال أوليڤر بنبرة غضب :
“لم تكترث بشأن أمها ولا بشأن أخيها و تركتني و سافرت ، أنا متأكد من أنها لم تذرف دمعة واحدة عليهما حتى ، لو كانت تحبهما حقاً لكانت قد فعلت مثل الفتيات الأخريات .. لكانت قد بكت حتى أنهكت نفسها ، بدلا من هذا سافرت و تركتني.. كيف لي أن لا أصفها بالقذرة بعد كل هذا ؟”

“إنه خطؤك .. أنت تركتها تهرب ، إنه خطؤك”

“فلتفق من الصدمة أيها الأحمق .. لقد تركتني بمحض إرادتها ، أنا لم أجبرها على ذلك ، كما أنني لست جهاز تعقب لكي أكون ملتصقاً بها طوال الوقت و أعرف متى ستهرب و أوقفها ، لقد اختارت مسارها و غادرت ، فقط غادرت “

“أليس من الممكن أنها غادرت لأنها لم ترد أن تجعلك حزيناً ، أليس من الممكن أنها غادرت لأنها خائفة من نظرتك لها إن عرفت بأنها تحمل طفلاً غير شرعي ، بأنها لم تخبرك بالأمر “

“غلطتها ثم غلطتها .. لا يد لي بالموضوع ، هي اختارت هذا الطريق و عليها أن تتحمل العواقب”

لم يجد الغريب ما يقوله ، قد كان يريد حقاً الدفاع عنها لكنه عند هذه النقطة لم يجد المزيد من المبررات فآثر الصمت على الاستمرار في جدال عقيم ، سأله أوليڤر بعدها:

“ماذا عن إيلي بأي حال.. ماذا فعلت”

“إيلي كانت من النوع المرهف الحس رقيق المشاعر ، حينما بلغت العشرين صارحتني بعد تردد أن حبها الطفولي لي قد تحول إلى شيء آخر .. و كأنما قد أصبحت تراني كعشيقها ، بالطبع عنفتها كثيراً و وبختها بشدة ، لم أستطع أن أتخيَّل أنني و في يوم من الأيام كنت أنظر لأمها نفس النظرة التي تنظرها هي لي ، كان الأمر معقداً بعض الشيء ، في النهاية خرجت للعمل و حينما عدت للمنزل لم أجدها هناك ، ابنة أمها حقاً “

“و كيف مت إذن؟”

“مثلك تقريباً، حزنت لذهاب إيلي كثيراً ، آخر كلماتي لها كانت قاسية بشكل لا يصدق ، بالطبع لم أستطع أنا أتعايش مع الأمر و تملكني شعوري بالندم ، و كما كنت أنت قبل أن تموت كنت ثملاً أقود سيارتي بسرعة جنونية و أنا أبحث عنها ، و حينها ارتطمت بسيارة أخرى ، كان الحادث عنيفاً لدرجة أنني قد مت بدون أن أشعر حتى ، و منذ ذلك الوقت و أنا هائم”

صمتا لفترة من الوقت قبل أن يقول الغريب في تؤدة:

“هل تعتقد أن هناك علاقة؟ قلت أن زوجتك ماتت بمرض خبيث أو شيء من هذا القبيل”

“سرطان الدم نعم”

“ابنتك لم تخبرني قط عن نوع السرطان الذي أصابها .. لكن يبدو أنها قد ورثته”

” ماذا عن تلك الجدة التي كنت تحكي عنها .. لماذا تناديها إيلي بالجدة؟ “

“كانت ابنتك خائفة و مذعورة و تحتاج لمكان تبيت فيه حينما هربت لأول مرة .. حينها رأتها تلك المرأة العجوز ، فأخذتها لمنزلها و ساعدتها”

“و منذ ذلك الوقت أصبحت تعيش معها ؟”

“لا عاشت معها فقط حتى عملت و أصبحت قادرة على شراء منزل لنفسها .. لكن علاقتها بالجدة لم تنقطع أبداً بجميع الأحوال ، أخبرتني الجدة بهذا قبل أن تموت”

” إذن أنت في النهاية لن تعرف من هو والد إيلي أبداً “

“يبدو أن هذا صحيح بالفعل”

“عالم مجنون !”

هز الغريب رأسه في رضاً و اقتناعٍ تامين بدون أن يضيف كلمةً أخرى .
 

تاريخ النشر : 2017-03-13

البراء

مصر - للتواصل: [email protected]
guest
17 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى