أدب الرعب والعام

الساحر الفاسد و القرية الملعونة

بقلم : ذات الجناحين – مصر

الساحر الفاسد و القرية الملعونة
فوران من الغضب اقتحم عقله ، فقرر أن يدمر هذه القرية الملعونة

في صباح أحد الأيام الملعونة ، في القرية التي تجرى فيها أحداث قصتنا ، و صدقني عندما أقول لك أنها قرية ملعونة و قصة مفجعة .

أشرقت الشمس و ألقت بأشعتها المأساوية ذلك اليوم على القرية بأكملها ، استيقظ المزارعون والحدادون والبناؤون مع زقزقة العصافير ليباشروا حياتهم اليومية .
لا تزال النساء نائمة ، لن يستيقظن الآن أبداً ؛ بعد سهرة منتصف الليل اليومية ، سيفارقون الفراش في الظهيرة على الأرجح ، و لو كن يعرفن ما ينتظرهن بعد هذا اليوم لما استيقظن أبداً .

مع إشراقة الصباح الجميلة وفد إلى القرية زائر غريب ، رجل طويل يرتدى عباءة صفراء و وشاح برتقالي و حذاء أسود سميك يصدر صوتاً مزعجاً عند احتكاكه بالأرض ، يعلوه سرب من الغربان .
وصل الزائر العجيب إلى أحد الحقول و طلب من أحد الفلاحين أن يسمح لطيوره بتناول الطعام مقابل بضع عملات نقدية ، استأذنه الفلاح و ذهب إلى زوجته ليخبرها .

– عزيزتي ، زوجتي الجميلة .. هناك رجل يريد بعض الطعام لطيوره مقابل بعض النقود ، ما رأيك يا حبيبتي ؟

نهضت المرأة البدينة و التي لا تمت بأي صلة للجمال من السرير بصعوبة بالغة بينما كانت مفاصل الصرير تصدر صراخاً مرعباً أثناء نهوضها و قالت بغضب شديد :
– أين هو ذلك الرجل اللعين الذي أيقظتني من نومي لأجله ؟

خرج الزوجان المتحابان من البيت و كانت الزوجة فائقة الجمال تستند على زوجها الحبيب حتى كادت تحوله إلى مسمار بكوعها الرقيق .

خرجت الكلمات من فم الزوجة بصوتٍ عالٍ و غضب عارم :
– ماذا تريد أيها الرجل الحقير ؟ ما الذي أتى بحشرة مثلك إلى أرضي ، أجبني و إلا دفنتك حيث تقف 

كانت الكلمات مهينة جداً ، مما جعل الزائر يستشيط غضباً فقال لها بحزم :
– اخرسي أيتها المرأة الفاسقة ، أيتها الشيطانة اللعينة ، و إلا سأحولك إلى غراب وأستعبدك طيلة عمرك البائس 
– أيها الساحر الفاسد ، أنا أعرف أمثالك جيداً ، لقد أتيت إلى أرضى لتدنسها ، احمل طيور الشؤم خاصتك و ارحل من هنا ، قبل أن أجمع نساء القرية و نرجمك هنا .. قالت المرأة بحدة و غضب شديد مما جعل زوجها يترجى الساحر
– أرجوك أيها الساحر احمل طيورك بعيداً عن هنا ، قبل أن تفقد زوجتي شعورها 
نظر الزائر إلى الزوج بدونية و قال :
– أنا لست ساحر ، أنا رجل دين و عالم ، و لقد أهانت زوجتك طيوري المقدسة استعد لغضبي أيها الحثالة

و رحل الساحر من البيت و استمر في طريقة ، يطرق كل باب و يحدث كل رجل وامرأة و قد كان الرفض و الغضب و الإهانة في كل مرة ..

في نهاية اليوم كوَّن الزائر صورة واضحة عن أهل القرية ، نساء قبيحات سيئات الخلق إما سمينات مكتنزات كثيرات اللحم أو هزيلات عجاف ضامرات ، و كلهن ذوات صوت غليظ و رجال دنيئون خسيسون و قليلوا الحيلة .

فوران من الغضب اقتحم عقل الزائر فقرر أن يدمر هذه القرية الملعونة التي تستعبد فيها النساء القبيحات العقورات الرجال ، و سيستخدم لهذا كل حيلة في جعبته و هو بالحق رجل واسع الحيلة .

لم يستطع الزائر النوم تلك الليلة بسبب الضوضاء الصادرة من وسط القرية   سار مسافة ليست بالقصيرة و اقترب ببطء نحو صحن القرية حيث كانت النساء ترقصن و تغنين و تشربن الخمر ، و الرجال يتبادلون أطراف الحديث .
رأى أحد الرجال الزائر فصرخ قائلاً :
– انظروا الساحر هنا لم يغادر القرية بعد
تقدمت إحدى النساء النحيلات و صرخت بصوتها الصاخب الشبيه بنعيق الغربان :
– لقد أعطينا هذا الزنديق فرصة للرحيل عن قريتنا بسلام و لكنه أراد الحرب و سيحصل على ما أراده ، ارجموا الكافر

وحمل كل أهالي القرية الحجارة و بدؤوا برميها على الزائر .
ظهرت الغربان في وسط السماء و بدأت في التحليق نحو أهل القرية و انتزعت الحجارة من أيديهم و بدأت بردها عليهم .
صرخت إحدى النساء
– كنت أعلم أنه ساحر
و أخرى :
– فليهرب الجميع 
و صاح رجل :
– هيا يا حبيبتي لنهرب للبيت 

اختفت الغربان من السماء واختفى الزائر الغريب أيضاً و لكن رغبته بالانتقام لم تختفي على الإطلاق ، بل ازدادت واشتعلت نيران الانتقام في قلبه وأعمى دخانها بصيرته ..

***

مع شروق الشمس الثانية في قصتنا ، كان رجل الدين قد وضع خطة محكمة للانتقام هذة القرية على وشك الهلاك بواسطة ساحر واحد و سرب من الغربان .

الخطة :

المرحلة الأولى / استغلال العناصر المُستَغلة :
الرجال هنا أغبياء و يمكن غسل أدمغتهم و استخدامهم بسهولة لتحقيق رغباتك ، هذا ما تفعله السيدات و هذا هو تماماً ما سيفعله الزائر .
و لتحقيق هذا يجب أن ننتقل إلى الخطوة الثانية .

المرحلة الثانية / اللعب على وتر العاطفة :
سبق و ذكرت بأن الرجال أغبياء ، ليس هذا فقط هم أيضاً مساكين ، أقوى رجل في العالم ضعيف أمام امرأة جميلة ، فما بالك برجال ضعفاء لم تقع أعينهم على الجمال قط .
و هذا سيوصلنا إلى الخطوة الثالثة ..

المرحلة الثالثة/ استخدام الموارد الطبيعية :
جمع الزائر جيش الغربان خاصته و بدأ بتلاوة تعاويذ و تمتمات غريبة من كتاب أحمر صغير .
تحول سرب الغربان السوداء إلى نساءٍ فاتنات فائقات الجمال ، طويلات الشعر ناعمات الصوت ، و ذوات عيون واسعة و خصور نحيفة و صدور مشدودة و جذوع ممشوقة .

عرض الزائر النساء المسحورات في وسط القرية و هن عاريات تماماً ، تجمع الرجال بصمت و ذهول ، و وقفوا يشاهدون الجمال الساحر و الأخاذ لهؤلاء النسوة الفاتنات .
وعد الساحر الرجال بأن كل رجل سيحظى بزوجة من هؤلاء الرائعات في حال اطاعوا كلامه .. 

استمع الرجال بحرص إلى طلبات الساحر و نظروا لبعضهم البعض في خوف و توجس ، سيستجيب الرجال إلى طلباته ، هو يعلم هذا جيداً ، يعلم البشر و كيف يفكرون ، و يعلم كيف يقدم لهم عروضاً مغرية لا يمكن رفضها .
كانت استجابة الرجال للعرض بمثابة دفعة كبيرة إلى الخطوة الرابعة .

المرحلة الرابعة / أثارة الفتنة :
إثارة الفتنة بين الطرفين ليس فقط الرجال و النساء ، و لكن بين النساء و النساء أيضاً ، و هذا سيكون أمر سهل لإن النساء هنا يمتلكن طبعاً سيئاً للغاية و ستكون إثارتهن و استفزازهن سهلاً.
و هكذا بدأ الرجال ينقلون الشائعات في القرية بين النساء السمينات و النساء الهزيلات بنشاط و همة ، بدافع من الشهوة و الغريزة الذكورية التى أحياها فيهم الساحر أو الأصح أن نقول غربان الساحر الجميلات .

– المرأة النحيفة التى تسكن في البيت المقابل ، اتعرفينها ؟ لقد سمعتها تقول عنكِ أنك سمينة ولابد للقرية أن تتخلص من النساء السمينات لأنهن هدر للطاقة و ضياع للمحصول 

– حبيبتي كم أحب قدمك النحيفة و لكن تلك المرأة الشريرة تستمر بالقول بأنك مسمار قبيح و بأنها تريد أن تغرسكِ في الأرض بقدميها السمينتين 

و هكذا في غضون ثلاثة أيام أصبح لدينا طائفتين من النساء الغاضبات حادات الطبع و قاسيات القلب تريد كل منهن أن تقضي على الأخرى بدون أية شفقة .

و هذا ما كان في الخطوة الخامسة ..

المرحلة الخامسة/ الفكرة كهدية من السماء :
قال الساحر :
– يجب اتباع التعليمات بحرص .. أي خطأ بسيط سيتحول إلى بذرة شك في قلوبهن القاسية و لا أعلم إن كانت هذه البذرة ستنمو في تلك الظروف القاحلة أم لا و لكن يجب الحذر .

قال أحد الرجال تنفيذاً للخطة :
– لدى لكِ فكرة عظيمة ، أتمنى لو تعجبك ، مارأيك أن نقيم حفل لإعادة المودة بيننا و بين الهزيلات مجدداً ؟
إحدى السمينات :
– أنت أحمق لعين ، لا تصالح مع الفاسقات صاحبات الخصور الضامرة ، سآكلهن أحياء لو استطعت 

– لمَ تأكليهن بينما يمكنك تسميمهن ؟! ماذا لو أحضرنا لهن الطعام المسموم ، كهدية و عربون تصالح ؟

– هذة فكرة ذكية يا رجل ، لو أخبرنى أحدهم أنك تستطيع التفكير هكذا لبصقت في وجهه 

و هكذا يتكرر الامر ذاته مع النحيفات الوضيعات ..

تم الأمر ، سيكون هناك حفلة ضخمة سترقص فيها النساء و تغنين وسيحضر الجميع الطعام للاحتفال ، البدينات و الهزيلات كل سيشارك .
ما عدا الرجال بالطبع .

المرحلة السادسة / الهدوء قبل العاصفة :
تجمع الجميع وسط القرية النساء و الرجال النحيفات و السمينات ، و وضع كل شخص طبقاً على المائدة .
فلنستعد الأن لهبوب العاصفة ولكن لحظة .. هناك تغيير مهم .. الآن .

المرحلة السابعة / تغيير بسيط و مهم :
عندما تتغير إحدى العناصر في خطتك ، اهدأ و لا تفزع ، فكر بهدوء ، كيف يمكنني تصحيح الأوضاع ؟
النساء البدينات لا يردن تسميم النحيفات بل يردن أكلهن .. اللعنة
حسناً فليستمع كل الرجال إلي :
– أنا الآن أراهن على غباء البدينات ، أخبروهن بأنه من الأفضل تسميمهن أولاً حتى يستطعن أكلهن بسهولة “

المرحلة الثامنة/ العاصفة :
النظرات الماكرة من الطرفين و الهدوء المرعب قبل الانفجار المدوي ، هنا تكمن المتعة الحقيقية .
تناولت النحيفات الطعام و طلبن من البدينات مشاركتهن إلا أنهم فضلوا الرقص و شرب الخمر أولاً .. النحيفات أيضاً أغبى من أن يفهمن .

بدأت الهزيلات يسقطن الواحدة تلو الأخرة ، أمسكت السمينات بهن و وضعنهن في قدر كبيرة و بدأت كل واحدة في تقطيع البصل و رش التوابل على لحم الموتى .
انتهت الوجبة و كانت السمينات يشعرن بسعادة بالغة ، و لكن ما لبث أن بدأت كل واحدة منهن في السقوط جراء تناول اللحم المسموم .

كل النساء ميتة ..

المرحلة التاسعة / الخدعة :
– لقد كنتم رجال صادقين و أقوياء لهذا تستحقون هذه العطايا ، استمتعوا بالنساء الساحرات إنهن هبة من الرب ، أخبرتكم بأنني رجل دين ، هيا اذهبوا الى بيوتكم “

عندما وصل كل رجل إلى بيته و أصبح في غرفته وحيداً مع امرأته الجديدة ، بدأ الأمر مع أول قبلة ، تلامست شفاه الرجال مع النساء فتحولن إلى غربان و بدأن في نقر رؤوس الرجال و نهشها .

كل الرجال ميتة ..

المرحلة العاشرة / الاختفاء :
جمع الساحر سربه من الطيور بعد أن تمتتع بوجبة دسمة من دماء الرجال و اتجهه إلى خارج القرية و ابتسامة النصر الخبيثة على شفتيه ، و الكتاب الأحمر بين يديه ، و سرب الغربان فوق رأسه ينعق بصوت غليظ و كأنها نغمات الهلاك ، موسيقى الآخرة ، ألحان النهاية المأساوية التي أصابت هذه القرية الملعونة و أهلها الفاسدين .

النــــــهاية 
 

تاريخ النشر : 2017-04-24

guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى