أدب الرعب والعام

الشك والحزن .. هل يؤديان للجنون ؟!

بقلم : مريم – مصر
للتواصل : [email protected]

الشك والحزن .. هل يؤديان للجنون ؟!
ماتيلدا .. فتاة متعلقة جدا بأمها

أعرفكم بنفسي أنا ماتليدا أخطو الآن نحو الـ 25 من عمري ، مازلت أذكر اليوم والساعة وكأنها حدثت الآن ، من الصعب علي أن أنسى شيئاً كهذا حتى مماتي .. كنت حينها أبلغ من العمر 10 سنوات ، وقد كنت في تلك الليلة مستلقية على سريري أفكر بعمق شديد ، كنت وحيدة بالمنزل مع أخي الأكبر ، لسفر والدي بحجة بعض الأعمال الضرورية .. وأظن بأنه كان سيعود في تلك الليلة بالذات ، وقد أثبت ذلك صوت الجرس الصاخب الذي أفزعني قليلاً ..

نهضت من سريري مسرعةً وتجاوزت باب غرفتي كالأشباح .. فقد مضى الكثير من الوقت منذ سفر والدي ، ربما لن يعلم أحد مقدار اشتياقي له ولعطفه لكن لا بأس .. هبطت درجات السلم واحدة تلو الأخرى ،ثم عبرت الممر الطويل وشعرت لأول مرة بأن منزلنا واسع جداً ، فتحت الباب بدون أن أتأكد من الذي يقف أمامه ، لكن وكما توقعت فقد كان والدي وقد ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهه ، قفزت في أحضانه وقد هطلت من عيني بعض الدموع الباردة ..

قبلني أبي على رأسي ثم قال لي :
– أين أخوكِ ؟
قلت بخبث :
– كعادته نائم وشخيره يصل إلى أسماع جيراننا .
ضحك أبي ببساطة ثم قال بإعياء :
ـ حسناً يا عزيزتي أحضرت لك عشاءً ساخناً ، كليه وحدك لا أرغب في الطعام اتركيني لأنام فقط .
ـ أشكرك بشدة إنني جائعة جداً ولم آكل سوى قطعة من الكعكة المحترقة التي صنعتها .. يبدو بأنني سأبدأ مشواري في تعلم الطبخ .

***

الساعة 8:30 ص :

صحوت في الصباح الباكر بانزعاج وقلق .. فقد تناهى لأسماعي صوت والدي يقول :
ـ حضري لنا الإفطار يا عزيزتي .
بالطبع لم أكن أنا المخاطبة فلم يكن أبي يوكل إلي الكثير من أعمال المنزل فهو يساعدني ويعطي لأخي بعض الأعمال ..
وبالطبع أيضا فقد أخبرني قلبي بأن شيئاً سيئاً يحدث .. شيء لم أتمناه طيلة حياتي ..

قفزت من سريري كفأر مذعور وقد تتطاير النوم من عيني .. هبطت الدرج بسرعة لم أعهدها أنا على نفسي ، توجهت إلى المطبخ حيث يحضر الإفطار ونزلت و صعقت بالمفاجأة التي ألجمتني .. فقد حدث ما خشيته فعلاً ..
فتلك امرأة غريبة لم أعهدها ولم أرها من قبل ، سألتها بتوجس وحذر :
ـ من أنت ؟!
نظرت لي تلك الحقيرة بنظرة دونية ثم ضحكت ضحكة مستفزة وقالت :
ـ زوجة والدك ، ألم تعرفيني .. يا لكِ من مسكينة .

نعم كانت هي زوجة أبي الجديدة .. آآه نسيت بأن أخبركم أن والدتي قد توفيت حينها منذ سنتين .. إذاً فلم يكن أبي كما توقعت ، كنت أظنه وفياً لأمي ولن يتزوج من بعدها ، ولن يترك أمر أبنائه لامرأة غريبة .. لكن هذه هي الأقدار .. وتلك المرأة هي أقذر ما رأته عيناي .

***

كانت الأيام تمر وأزداد أنا التصاقاً بغرفتي .. ولم أكن أحاول بأن أتكلم مع والدي ، حتى هو لم يعد يحدثني أصلاً .. لكن تلك الحقيرة كانت تضيف لي الكثير من أعمال المنزل وكأنني خادمتها وهي سيدة المنزل .. لقد جاءت هذه السافلة وجاء معها النكد وودعت منذ قدومها كل ما هو جميل وممتع .

***

مرت الشهور وبدأ صبري يذهب معها .. حتى جاء ذلك اليوم السعيد الذي قررت فيه أجمل قرار .. فقد ذهبت دونما تردد إلى المطبخ ، أخذت أقبح سكين بها ، ذلك النوع من السكاكين الرديئة التي لا تستحق الموت بها حتى ، توجهت إلى غرفة أبي وتعمدت الجلوس بجوارها ، ثم أخبرت والدي بأن لدي مفاجأة سارة له ، لكنه لم يأبه لي ولم يبتسم حتى بعد أن استولت تلك الحقيرة على قلبه .. لكن آن الآوان لينتهي كل هذا .. فأخرجت المفاجأة من خلفي وأخذت أطعن تلك الحقيرة بكل مكان في جسدها ، لدرجة أن والدي لم يتمالك نفسه من الذعر فهرب طالباً الشرطة ليقبضوا عليها ، أيظنني مجنونة أو أنني أبدأ مشوار الجنون .. لا إنني بكامل قواي العقلية ، ولا أظن بأني قد أخطأت بإنهاء حياة ذبابة مزعجة كهذه ..

وها قد ألقي القبض علي وحوكمت بالسجن المؤبد أو الإعدام ، لا أعلم تحديداً ، لكن كيف يسمحون للسجناء باصطحاب مذكراتهم الشخصية معهم في الزنزانة ؟!

**

غمغم الأب بقلق :
ـ كيف هي حالتها يا دكتور ؟
أجاب الطبيب وعلى وجهه نظرة أسى وحسرة :
ـ للأسف ابنتك على وشك الجنون أو أنها قد جنت فعلاً ، لقد أثَّر موت والدتها على حالتها الصحية بشدة .. لدرجة أنها كنت تشك بأنك ستتزوج من أخرى بعد موت زوجتك مباشرة ، وأظن بأن ذلك كان أكبر مخاوفها والذي قد أوصلها للجنون ، وبدأت ذاكرتها تخترع الكثير من الأحداث التي لم تقع أصلاً ..

لو قرأت مذكراتها لعلمت ذلك .. فهي تقول بأن الشهور مرت ، وأنك سافرت لفترة طويلة لكنك لم تفعل ، وهي تقول بأن عمرها 25 مع أنها لم تتجاوز العاشرة .. يبدو بأنها مصابة باضطراب في ذاكرتها .. عجيب أمرها !
هل قلت لي بأنها كانت تطعن السرير الفارغ بسكين ؟؟!
همهم الأب بذعر :
ـ إنها تقول بأن لديها أخاً أكبر .. لكن الحقيقة بأنها لا تملك أخاً أو أختاً .. إنها وحيدة .

تمت ..

تاريخ النشر : 2017-06-20

مريم

مصر
guest
25 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى