العرّافة
أقتربت منها بهمس متابعةً:إن أردتي ان تتحقق أحلامكِ فستجديني بإنتظاركِ بمنزلي |
هذه القصة من وحي ألخيال ، وإن إرتبطت بعض أحداثها بمايحدث بالواقع .. نتمنى لكم قراءة ممتعة من ملكة الظلال ” شادووا ” …
كان فيما مضى إيمان الناس بالعرّافين والسحرة فيه نوع من المبالغة ، يصدقون أحاديثهم ويتبعون أوامرهم بأعين معصوبة …
بليلة هادئة ، مظلمة ، إخترق سكونها صوت أقدام شخصٍ ما ، وعصاه التي تدب الأرض وكأنها توزع اللعنات على أهل القرية ، إنها ” العرّافة ” عجوز تجر لعنتها خلفها ، لا أحد يدري ماهي تلك اللعنة أو ماسرها فقد ولى عليها زمن ، لكن لم ينس أحد أنها ملعونة .
تخترق خطواتها كالعادة أرجاء القرية كل ليلة ، البعض قال أنها تبحث عن شيءٍ ما والبعض قال أنها تهرب من شيءٍ ما ، وتبقى الحقيقة قابعة بعقل تلك العجوز .
إمتزجت أصوات خطوات تلك العجوز بصوت بكاء أو بالأحرى صوت أنين لشخصٍ ما ، أصاخت العجوز سمعها من خلف النافذة إلى تلك الفتاة التي رسم الجمال لوحته على وجهها ، كقصة سندريلا فتاة جميلة تعاني من غيرة زوجة أبيها وأنتم تعلمون الباقي ، معاناة ومعاناة والمزيد منها .
تسلل من نافذة الفتاة ضوءٍ حاد إستمر لوهلة ثم إختفى ، فتحت الفتاة نافذتها فلم تجد أحداً بالجوار ! ، ظنت أنه ربما يهيأ لها فأغلقتها ثم عادت للنوم .
صباح اليوم التالي …
– خرجت زوجة الأب لشراء مستلزمات المولود مع زوجها فقد كانت حاملاً بشهرها الأخير ، وظلت الفتاة وحدها بالمنزل ، سمعت صوت طرقات على الباب فظنت أنهم عادوا ، لكنها بدلاً من ذلك وجدت عجوزاً تتكئ على عصاها.
– بماذا أساعدك سيدتي ؟
– ما إسمك يافتاة ؟
– أنا أدعى ” عالية ” قالتها بتوتر .
– عالية ، إسم جميل ، أعطني يدكِ .
– ماذا ؟
– لاتخافي ياعزيزتي ، سأقرأ لكِ الكف وأخبركِ عن حظكِ .
– سحبت عالية يدها من العجوز متابعةً بخوف .. لا، لا أريد ، أنا لا أؤومن بتلك الأشياء .
لم تهتم العجوز بها وأمسكت يدها مجدداً متابعةً …
– لن تخسري شيئاً ، خطت بيدها على كفها متابعةً …
– أرى حزناً كبيراً يملأ قلبكِ ، وغيرة من شخص يمكث بقربك ، لكن سيتبدل الحال ، والفقر سيترك الأبواب ، ويدق بدلاً منه المال .
سحبت الفتاة يدها بهدوءٍ متابعةً ..
– حسناً ، أعتذر لكن لدي بعض الأعمال يجب أن انهيها ، قالتها مودعةً العجوز وهي تعطيها بعض العملات لقاء مافعلت لكن ماكان من العجوز إلا أن تابعت برفض قائلةً …
– لا أريد المال ياعزيزتي ، أقتربت منها بهمس متابعةً …
– إن أردت ان تتحقق أحلامكِ فستجديني بإنتظاركِ بمنزلي ، ذلك الذي يقبع بالغابة .
ابتعدت خطوات العجوز مخلفة وراءها ” عالية ” التي تملكتها الدهشة ، بالرغم من أن ألسنة العرّافين لاتخلو من تلك الكلمات إلا أنها شعرت ببعض الجدية بحديثها ، عادت للداخل وأغلقت الباب ومعه التفكير بالأمر ، تناسته بمجرد رحيل العجوز إلا أن معاناتها التي ازدادت جعلتها تفكر بالأمر فلن تخسر شيئاً من التجربة …أو هكذا ظنت .
بزغ نور الفجر وخرج أباها للعمل بينما زوجته لا زالت نائمة فاستغلت الأمر للذهاب للعجوز ، شقت خطواتها بداخل الغابة التي كانت تشعر بالبرودة أكثر فأكثر كلما توغلت بها ، تناهى لسمعها همسات …
– إنها هي ؟
– نعم ، نعم أصمت …
– هل من أحد هنا ؟ قالتها وهي تلتفت حولها محاولة منها للبحث عن مصدر الصوت لكن لا أحد ، فقط صوت الرياح المثير للريبة ، إستمرت بالتوغل أكثر حتى ظهر لها منزل كبير وكأنه أشبه بتلك القصور القديمة لكنه الآن بات اشبه ببيت للأشباح ، لفت نظرها من بعيد بئر تحاوطه الأشجار وكأنها تحاول منع الغرباء من الدخول إليه … أو بالأحري الخروج منه .
اقتربت لتدق الباب فوجدته فتح من تلقاء نفسه وصوت صريره لا يبشر بأن هناك خير بالداخل ، تابعت خطواتها بحذر للداخل وهي تلقي نظرة على المكان متابعةً …
– هل من أحد هنا ؟ .. لقد جئت كما طلبت مني … مرحباً .
– تفضلي ياعزيزتي ، لقد كنت بإنتظاركِ .
أتاها الصوت من ركن مظلم تبعته خطوات لتظهر العجوز بإبتسامة ، أشارت لها بيدها متابعةً …
– إتبعيني .
تبعتها الفتاة إلى ممر تقبع بأخره غرفة ، كانت الغرفة الوحيدة بالممر ، مازالت” عالية ” تسمع تلك الهمسات من جديد …
– هل تظنها ستقبل؟
– نعم ، هذا ما أتت لأجله ….
توقف الهمس فجأةً عندما إستدارت عالية خلفها ، ظلت تنظر يميناً ويساراً لا تدري من أين تأتي تلك الهمسات الخفيفة ، بالكاد تستطيع تفسير مايقولون .
– هل هناك شيء ما عزيزتي ؟ هكذا قاطعتها العجوز وهي تفتح باب الغرفة .
– لا ، لا شيء .
دخلت عالية الغرفة وهي تنظر بالأرجاء ، غرفة تليق بساحرة ، العديد من كتب السحر والأدوات الغريبة وغراب يتساقط منه الدماء بوعاء والتي أخفته العجوز لكن عالية استطاعت رؤيته ، وكأنها إشارة للرحيل وبالفعل لم تشعر بالراحة فحاولت الأستئذان للخروج لكن العجوز حاولت طمأنتها ، وكأنها كنز لا تريد خسارته أو فريسة أمسكتها تواً .. من يعلم ربما هي كذلك .
أمسكت كف يدها ثم ابتسمت متابعة ..
– سيكون لكِ من الخدم كثير ، ملابس حرير وماال وفير .
رفعت العجوز بصرها إلى الفتاة وقاطعت ابتسامتها قائلة …
– لكن عليكِ أولاً سداد الدين .
– أي دين ؟ أنا لا أملك شيئاً لأعطيه لكِ .
– أمسكت يدها قبل أن تغادر ثم تابعت بنبرة يملأها المكر …
– انتظري ياعزيزتي ، أنا لا أريد مالاً .
– ماذا تريدين ؟
– أريد طفلاً .
– ماذا ؟
اقتربت من اذنها ثم تابعت بهمس …
– أريد طفلاً أكمل الأربعين ، احضريه ولكِ ماتتمنين .
– وماذا سأفعل به ؟
– أغرقيه في البئر ، هنا جحظت عين الفتاة بينما تابعت العجوز بلهفة … ورددي ثلاثاً
” ياعاقد العزيم ، خذ الدخيل وأعطني الدليل ”
إذا قبلوا هديتك سيعطونكِ العقد ، أحضريه إليّ وسأخبرك ماذا ستفعلين .
أنهت العجوز كلماتها بينما الفتاة لازالت ملامحها تبرز صدمتها مما سمعت ، غادرت تجر أقدامها مرحبةً بالفقر مرةً أخرى فأي تخاريف تلك التي ستركض خلفها ، تغرق طفل .. لا لا مستحيل ( هكذا ظلت تحدث نفسها حتى عادت لمنزلها ).
– أتحدثين نفسك ؟ هذا ماكان ينقصني .
رفعت ” عالية ” بصرها إلى زوجة أبيها التي تنظر لها بتكبر ، ثم أخفضتها إلى معدتها وكأنها تعاود التفكير بالأمر .
– إلى ماذا تحدقين ؟ هيا أغربي عن وجهي .
تابعت ” عالية ” خطواتها إلى غرفتها تاركةً خلفها زوجة أبيها تقوم بتبخير نفسها وتلك الخزعبلات التي تحمي من الحسد أو هكذا يظنون ، هه المسكينة لاتدري مايجول بخاطر تلك الفتاة .
حل الليل وعالية تفكر بالعرض مرة وترفضه مرة حتى أرهقها التعب واستغرقت بالنوم ، الثالثة فجراً .. ذلك السكون الذي اخترقه صرخات زوجة أبيها ويبدو أنها ستجلب المولود الجديد ، أسرع أبيها إلى ” الداية ” بينما وقفت عالية أمامها تستمتع بصراخها فهي لم ترها من قبل تتألم أو تصرخ سوى عليها فقط وليس من الألم ، لحظة ربما لن تتكرر .
مر بعض الوقت ليسمع صوت المولود ، غادرت المرأة بعدما أخذت أجرها ، استرقت عالية النظر من غرفتها لتجد أبيها يلاعب المولود الجديد ، أغلقت الباب بهدوء ثم عادت للنوم فهي لاتهتم برؤية ذلك الطفل او ملاعبته ، الأطفال لايحملون ذنب والديهم لكن بالنسبة “لعالية ” كان الأمر مختلفاً ، كان يذكرها دائماً بزوجة أبيها ، لطالما كرهته .
عقدت ” عالية ” العزم على إتمام الأمر فمستقبلها أهم من أي شيء آخر ، هكذا ظلت تحدث نفسها ، حلت ليلة الأربعين بعد طول إنتظار منها ، تلك الليلة التي ستغير مجرى حياتها ، تغييراً لم تخطط له ولم يخطر بعقلها من قبل .
انتظرت “عالية ” إلى أن خلد الجميع للنوم ثم تسللت إلى غرفة الطفل ، سحبته بهدوء من جانب أمه وحملته بعيداً ، شقت طريقها إلى الغابة تحديداً إلى ذلك البئر ، الذي كان يدعوه أهل القرية ” بئر الأشباح ” فقد كان يسمع صرخات منه بالليل ، إقتربت منه حاملةً الطفل الذي تسلل ضوء القمر إلى وجنتيه ، ألقت “عالية ” نظرة أخيرة إليه وهو يستيقظ من البرد بين يديها .
عيناه الرقيقة ويداه الصغيرة التي تتمسك بملابس عالية من شدة البرد ، بدأ بالبكاء وجسده يرتعش ولا نخفي أن خلف ذلك القناع الذي ارتدته مدعية القسوة ، كان هناك فتاة صغيرة تساقطت دموعها لحاله ، صرخت به متابعة …
– اصمت ، توقف .
أمسكته بقوة ثم دفعته داخل البئر وصرخاته تبتعد ، وهي تعلو بصوتها مرددةً التعويذة ، بينما صوت إصطدامه بالماء أعاد لها رشدها ..
– لا ، لا ، ماذا فعلت ؟ .
أسرعت عالية بالقفز خلفه ، وهي ترى من يسحب الطفل للأسفل ، تلك اليد السوداء التي التفت حوله ، أمسكت ” عالية ” الطفل بدورها وهي ترفعه عالياً حتى لايغرق و صرخاتها لذلك الشيء الذي يرفض تركه تزداد ..
– أتركه وشأنه ، لا أريد شيئاً منكم .
ضمت الطفل إليها رافضةً تركه بينما سحبهم ذلك الشيء معاً للأسفل ، كان الظلام شديداً في القاع ، بذلك الوقت كان هناك من يدفع ثمن مافعلته ” عالية ” ، لايمكنك ببساطة ان تتراجع عن إتفاق معهم حينها ستنال عقابك ، اشتعلت النار بمنزلها وحبس بداخلها أبيها وزوجته ، أغلقت الأبواب عليهم من الداخل وخيمت سحابة سوداء فوق المنزل أرعبت القرية بأكملها .
كانت تتخذ تلك السحابة هيئة شيطان أو بالأحرى رأسه ، حاول البعض إخماد النار بينما الآخرون لم يستطيعوا الإقتراب خوفاً من أن تصيبهم لعنة ، صرخات والد عالية وزوجته تتصاعد بالداخل حتى اختفت وسط النيران المشتعلة التي رفضت أن تخمد ، ظل الجميع ينظر حتى أصبح البيت رماداً مشتعل .
بذهول وسط أهل القرية ، بدأ القيل والقال ، إتهموا العائلة بممارسة السحر وأنهم ماكانوا إلا مجرد لعنة على القرية ، بذلك الوقت على ضفاف النهر الذي يقطع الغابة شخصاً ما كان يجر شيئاً من الماء ، كان جسد ” عالية ” والطفل .
استيقظت عالية تنظر حولها وتتحسس بألم ذلك الخدش على رقبتها ، نظرت بجانبها فوجدت الطفل ، جسده بارد كالثلج ،بعدما باءت محاولاتها لإيقاظه بالفشل ، أخذت دموعها تنهمر وهي تنظر للعجوز أمامها متابعة …
– ساعديه أرجوكِ .
لم تهتم العجوز بها بل أمسكت سكيناً ووضعته بقدر أمامها كان به شيئاً ما أسود اللون وأخذت تتمتم بكلمات غير مفهومة حتى أصبحت السكين سوداء نقش عليها رموز غريبة ، اقتربت من عالية التي كانت منشغلة بالبكاء على الطفل أخفت السكين خلفها متابعة …
-لم ينجو أحد من قبل منهم ، أخبريني ماذا حدث ؟ كيف نجوتي منهم ؟
– لم تبادلها عالية الرد بل أخذت تتذكر ماحدث …
حينما سحبها ذلك الشيء للأسفل هي والطفل لم تدري ماذا تفعل ؟ ، تذكرت كلمات أمها لها عندما كانت طفلة …
– أخبريني ياأمي ، لم تظلين بجانبي تقرئين القرآن حتى أغفو ؟
– لتذهب عنكِ الشياطين ياعزيزتي .
أخذت عالية تقرأ بقلبها ماتيسر لها من الآيات …
بدأت تسمع صرخات مزعجة تأتي من الأسفل ، وذلك الشيء الذي كان يمسكها بدا وكأنه يتلوى من الألم ، حاولت التملص من قبضته ، دفعها بعيداً لتغيب عن الوعي بعدما خلف خدوش لأظافره على رقبتها .
رفعت عالية بصرها إلى العجوز متابعةً ..
– ساعديه .
– ابتسمت بمكر .. اطمئني ياعزيزتي ، مازال على قيد الحياة .
رفعت السكين متابعةً ..
– برأيك وعلى من سأنهي لعنتي .
أمسكت عالية الطفل سريعاً وأبعدته عنها لتخترق السكين الكرسي .
– ماذا تفعلين ؟ أنا لا أريد شيئاً ، لقد أخبرتهم بذلك.
– أنا من أريد ياعزيزتي ، اقتربت متابعةً …
– أريد الإنتهاء من لعنتي ، لقد كنت مثلك فتاة احلم بالمال والخدم والحشم ، لم أجد طريقة إلا أن أفعل ما كنتِ على وشك فعله ، امتعضت العجوز متابعةً ..
– لم يكن إلا فخاً ، وقعت العقد كما طلب مني وظهر لي بالعقد المقابل لما سأخذه ، اللعنة، ضحكت بهستيرية متابعة …
– لم يخبرني أحد أن المقابل هو أن أسمع صرخات هؤلاء الأطفال من داخل البئر كل ليلة ، أسمعهم يناودني ، نظرت حولها متابعة .. بل وأشعر بهم أيضاً ، قابعون بأرجاء المنزل يحدقون بي حتى بزوغ الفجر ، ابتسامتهم مرعبة ، كان عليّ تحمل هذا طيلة حياتي ، نظرت إلى عالية بإبتسامة متابعةً …
– أو حتى أجد بديلاً ليأخذ المسيرة .
– ألم تجدي غيري لتتخلصي من لعنتكِ ؟ قالتها بغضب .
– لست أنا من يختار بل هم ، جعلوني حبيسة تلك اللعنة سنوات حتى ضاع شبابي لأجد بديلة ، اندفعت تجاه عالية وهي تصرخ متابعة … – ولن أنتظر مرة أخرى .
– لا ، ابتعدي .
هنا سمعت عالية صوت اصطدام ، نظرت لتجد العجوز ملقاة بجانب الحائط تتلوى من الألم ، لم تعلم عالية أنها من فعل ذلك ، لم تشعر بأن عيناها تحولت للون الدماء وبشرتها أصبحت شاحبة كالموتى ، لم تعلم أيضاً انها أخذت بعضاً من قوى الحارس عندما خدشها .
حملت عالية الطفل بعيداً تاركةً خلفها العرّافة تحترق بذلك المنزل الذي أشعلت أرجاءه ، لترتفع صرخات العجوز عالياً مودعةً اللعنة .
اتخذت العرّافة سبيل ” حارب النار بالنار ” فلم تجد سوى الدمار فقط ، بينما لوكانت تمردت على هؤلاء الشياطين وأطفأت تلك النار بالماء كما فعلت عالية لتخلصت من لعنتها للأبد .
هكذا هم العرّافين والسحرة يغمسون أحاديثهم بأكاذيب لتجد بها حلاوة لكنها بالأصل ماهي إلا خدعة وفخ ، وكما قال رسولنا الكريم ” كذب المنجمون ولو صدقوا ”
محلقة بالهواء تنظر لضوء القمر ، والنسيم البارد يداعب شعرها الطويل ، حاملةً بيدها ذلك الطفل التي تلمع عيناه وهي تبتسم متابعةً .. لاتقلق ياصغيري ، لن أدع شيئاً يمسك بسوء.
النهاية ….
تاريخ النشر : 2017-08-12