اساطير وخرافات

قطوسة الرماد " حكاية شعبية من التراث الجزائري "

بقلم : ميهرونيسا بربروس – الجزائر

قطوسة الرماد " حكاية شعبية من التراث الجزائري "
كان الرماد يغطي وجهها و ثيابها فسميت قطوسة الرماد

حكت لي جدتي فيما تحكي من قصص, أنه كان في قديم الزمان حطاب فقير يقتات على ما يبيع من الحطب في الشتاء , و كان لهذا الحطاب سبع بنات توفيت أمهن منذ سنوات تاركة إياهن مع والدهن في كوخ صغير في الغابة .
وكانت الفتيات كل صباح يخرجن برفقة والدهن لمساعدته في الاحتطاب و تقطيع الخشب تاركين الأخت الصغرى لأعمال البيت , و لأنهن يحتقرنها لصغر سنها كن يكلّفنها بتنظيف الموقد و المدخنة , فكان الرماد يعلو شعرها و يغطي ثيابها و وجهها فسميت قطوسة الرماد .

كان الأب مستاء دائماً من المسؤولية التي يلقيها على عاتق بناته منذ أن توفيت أمهن فقرر أن يتزوج فلعل الزوجة الجديدة تسليهن و تعينهن على أعباء البيت , لكن هذه الزوجة لم تكن عند حسن ظنه فكانت امرأة شريرة ماكرة زادت الطين بِلّة , تجبر بناته على القيام بكل أعمال البيت فكن بالإضافة إلى تقطيع الخشب و ملئ الماء من البئر البعيدة يغسلن ملابسها و ينظفن أحذيتها من الطين , بينما تتمدد هي طوال النهار تشرب الشاي و تزين وجهها , و لأن الأب يحضر إلى البيت متأخراً فقد كانت تخبئ الطعام الجيد و تطعمهن ماءً و خبزاً يابساً و تقول لهن أن هذا هو الموجود و أن عليهن النوم مبكراً كي يستيقظن مبكراً , و عندما يأتي زوجها تخرج اللحم و الطعام الذي كانت قد خبأته فيسألها : هل تعشت البنات ؟ فتقول : أكلن حتى شبعن ثم نمن 

استمر الأمر على حاله لمدة طويلة فلا الأب يدري بأكاذيب زوجته و لا البنات يدرين بأكاذيب زوجة أبيهن .
حتى استيقظت قطوسة الرماد ذات ليلة فوجدت أباها و زوجته جالسين على مأدبة من المأكولات الشهية فأطعماها معهما و عندما همت بالقيام قالت لها زوجة أبيها : عودي إلى النوم و لا توقظي أخواتك , و ما إن استلقت قطوسة الرماد في الفراش حتى قامت بقرص أختها التي خلفها فقامت هذه و أكلت من المأدبة الشهية , فقالت لها زوجة أبيها كما قالت لأختها , و عندما تمددت هذه في الفراش قرصت أختها الموالية فقامت أيضاً و أكلت من الطعام و هكذا كل واحدة منهن تقرص الأخرى فتنهض و تأخذ بنصيبها .

استفاقت الأخوات لحيلة زوجة أبيهن و غدون يفعلن ذلك كل ليلة حتى سئمت السيدة و فكرت بحيلة للتخلص منهن , فقالت لزوجها ذات ليلة و هي تذرف الدموع : أنا قلقة جداً على مستقبل بناتك المسكينات مع هذه الحياة الصعبة التي نعيشها من الفقر و الفاقة , نحن فقراء و بالكاد نكسب لقمة العشاء , انظر إليهن كيف أصبحن شاحبات , أخشى أن لا تكفينا لقمة العيش التي نجني فلا نحن بمكتفين و لا هن و سنموت جميعاً من الجوع , فقال لها : و ما الحل ؟ , فأشارت عليه بتركهن في الغابة و بررت مقولتها بأن الغابة كبيرة و مليئة بأشجار الفواكة و أنهن سيحسن تدبير شؤونهن خير من بقائهن معهم في البيت , غضب الرجل من حديثها غضباً شديداً و رفض الفكرة بشدة فمازالت تضرب في رأسه بمطرقتها حتى أقنعته .

اصطحب الأب و زوجته البنات إلى الغابة موهما إياهن أنه يريد أن يحتطب , و وضعهن داخل حفرة عميقة بحجة أن صعود الجبل سيرهقهن ففي هذه الحفرة سيكن في مأمن و أخبرهن أنه سيأتي لاصطحابهن عندما ينتهي من عمله , ثم غطى الحفرة بخشبة كبيرة بحيث تصدر صوتاً كلما هزها الريح بين حين و آخر لتعتقد البنات أنه يحتطب و غادر مع زوجته الشريرة , فكلما حركت الرياح الخشبة قلن :هذا أبي مازال يحتطب ..

حتى حل الظلام و أخذت الذئاب بالعواء بين حين و حين وقتها أيقنت الأخوات أن والدهن تخلى عنهن و أن النزهة كانت من تدبير امرأته الماكرة , فحاولن الخروج من الحفرة فلم يستطعن و ضرب الجوع بفأسه في أحشائهن , فأخذن يحفرن و يأكلن دود الأرض و ترابها حتى ضربت الكفوف شيئاً غريباً , أزحن التراب عنه فإذا هي نافذة صغيرة تطل في قصر الغولة , و كانت تحَضِّر حلويات و مأكولات شهية فأسال لعابَهن ما رأين و فكرن في طريقة للدخول , فقالت قطوسة الرماد : إن رأتنا الغولة قد تأكلنا , لكن هناك طريقة واحدة و هي أن نرتمي في أحضانها نقبلها و نتحنّن إليها و نقول أمنا أمنا ..أنتي أمنا , فتشفق علينا و تسمح لنا بالبقاء 

و هكذا فتحت الأخوات النافذة و ارتمين في أحضان الغولة .. أمنا أمنا الحبيبة كم اشتقنا إليكِ .
أشفقت الغولة عليهن و ضمتهن إليها ثم قدمت لهن الطعام و قررت أن تتخذهن بنات لها , و عندما قرب و قت الغروب قالت لهن 🙁 لقد اقترب موعد مجيء الغول و هو قاسٍ جداً فاذهبن و اختبئن و عندما أعطيكن إشارة اخرجن و تحنّن إليه و قبلن يديه فسوف يشفق عليكن و يبقيكن ) , و نسيت أن تعلمهن أنه من عادات الغول حين يجلس على كرسيه أن ينادي على جميع أواني البيت فتحيط به .

و بعد قليل سمعن صوت زمجرة و قعقة أقدام قوية فعرفن أن الغول قد جاء فاختبأن خلف صينية كبيرة , فدخل الغول و جلس على كرسيه , ثم نادى بصوت مرعب مخيف : أحيطي بي يا أواني داري , فتزعزعت كل أواني البيت من مكانها و كذلك الصينية الكبيرة , و أحاطت بالغول فكشف أمر الأخوات , لكنهن تداركن الوضع بذكاء و أسرعن إليه يقبلن يديه و يتودّدن إليه قائلات : أبونا أبونا .. كم نحن نحبك , لم يقتنع الغول تماما و علت وجهه نظرة غريبة , و هنا تدخلت الغولة قائلة : نحن وحيدان هنا منذ زمن طويل , فلندع هؤلاء البنات يعشن معنا يسليننا و يخدمننا و نؤويهن و نطعمهن ثم أنهن يعتقدن أننا أبوان لهن .

اقتنع الغول و قرر أن يجعلهن بناته .

مكثت قطوسة الرماد و أخواتها الستة في قصر الغولين لكنهن لم يكن مطمئنات فكن يتناوبن على حراسة غرفتهن خلال الليل , حتى اجتمعن ذات ليلة بعد أن نام الغولان , و أجمعن على وضع حد لهذا الرعب فلا يمكن لهن مهما حاولن أن يأمن غائلة وحشين , و اتفقن أن يتغدين بهما قبل أن يتعشيا بهن , و أحكمن خطة للإيقاع بالغولين .

و في الغد و بعد أن غادر الغول القصر اجتمعت الأخوات حول الغولة و طلبن منها ألا تدخل إلى المطبخ لأنهن يحضرن مفاجأة لها , طال انتظار الغولة و نفد صبرها فألحت عليهن بالدخول فأخبرنها أن المفاجأة مازالت في الفرن و لم تنضج بعد , فإن أرادت أرينها إياها , فألحت عليهن لتنظر بداخل الفرن , فأخذت قطوسة الرماد بيدها و فتحت لها الفرن و ما إن تقدمت لترى ما فيه حتى دفعتها الأخريات لتسقط داخله , و أغلقن عليها بإحكام حتى احترقت .

انتهت الأخوات من أمر الغولة و جاء دور الغول , فحضرن عشاء محترماً و طاولة جميلة زيّنّها بالورود لاستقبال الغول , و حفرن تحت كرسيه حفرة عميقة جداً و ملأنها بالحطب و أوقدن النار فيها , و غطينها بالأفرشة و وضعن كرسيه فوقها كما كان من قبل , و ما إن دخل الغول حتى هرعن إليه بسرور : أبونا .. أبونا , و أخذن بيديه إلى المأدبة التي قمن بتحضيرها 🙁 هذا من أجلك يا أبتي و احتفالاً بك و بِأمنا الغولة ) , فأعجب الغولَ ما رأى ثم قدنه إلى كرسيه حتى أجلسنه فيه فسقط في النيران فهلك .

و هكذا أصبح القصر ملكاً لقطوسة الرماد و أخواتها , و تخلص سكان المدينة من الغول مالك القصر الذي روّعهم لعصور , أما الحطاب الفقير فإنه لم يتحمل تأنيب ضميره و بعد بناته عنه , فأمر زوجته أن تخرج معه لتساعده في البحث عنهن لكنها أبت قائلة : الشتاء على الأبواب , لن أخرج في هذا الطقس البارد , فتركها في الكوخ كما هي و خرج يبحث عنهن في كل مكان حتى وصل إلى المدينة , فسمع الناس يتحدثون عن سبع بنات تغلبن على الغولين الشرسين , فسألهم أين يا ترى أجد هؤلاء البنات ؟ , فأجابوه أنهن يعشن في قصر الغول , و هناك التقى الأب ببناته اللّاتي طالما افتقدنه و افتقدهن , فضمهن إليه و هو يبكي و طلب منهن العفو و الصفح عن خطيئته , سامحت البنات والدهن و احتفين به احتفاءً شديداً و عاشوا معا في القصر حياة ملؤها سعادة و هناء .

أما زوجة الأب الشريرة فبقيت في الكوخ الصغير تتمنى ألا يعود الأب ببناته , حتى حل الشتاء فماتت من البرد و الجوع و نالت عقابها على ما اقترفت يداها .

( النهاية )

ملاحظة : قد توجد حكاية تشبه هذه الحكاية في التراث التونسي أو المغربي و هذا لأن المنطقة إقليم واحد تتشابه فيها حكايا التراث

 

تاريخ النشر : 2017-11-01

guest
33 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى