أدب الرعب والعام

صراع العروش .. الجزء الثاني

بقلم : Samer Salah – here

صراع العروش .. الجزء الثاني
ربما عليها أن تعود إلى المغطس و لكن كيف السبيل إلى ذلك

عادت ” نرمين” إلى القصر و قد أهمها كلام العرافة لابد من أنها تقصد بأن عودتها إلى عالمها ستكون عبر الماء كما كان قدومها عبره ، ربما عليها أن تعود إلى المغطس و لكن كيف السبيل إلى ذلك و هو في جناح الأمير “ذئب المملكة” ، كان عليها أن تخطط جيداً قبل أن تقدم على تلك المغامرة الخطرة.

لم يكن لخادمات الجناح الشرقي حديث سوى ما فعلته “زين” في جناح السيدة”بيلسان”، كيف لا و هي أول خادمة ملكية تقف في وجه السيدة التي يهابها الجميع ، “فبيلسان” كانت امرأة عصبية و مزاجية، لا تتحكم في غضبها، و يقال أن السبب هو خوفها الدائم من فتيات القصر و خادماته، فزواجها من الأمير “الحسام” كان برغبة من والده الملك “جوهر” و ترتيبه، و هي إضافة إلى ذلك تكبره بأربع سنين و فوق كل ذلك لم تنجب طوال سنوات زواجهما الثلاثة ، و هو ما جعلها تخشى مصير الملكة “ياقوت”، و إن كان حب الملكة الأولى في قلب زوجها قد جعله يحتفظ بها، فهي تدرك جيداً بأن لا حب لها في قلب زوجها ولي العهد “الحسام”.
كانت غيرتها و خوفها هما سبب نفيها لزين في جناح الخدم بعد أن تكفلت بها بعد وفاة والديها بل و ضمت كل ميراثها إلى أملاكها الخاصة.

و يبدو أن خوف “بيلسان” كان في محله، فقد وقعت “زين” من قلب الأمير “الحسام” موقعاً حسناً ، فقد أعجبه جمالها عندما قابلها في الساحة عند النافورة، و سحرته شجاعتها في حادث الجناح الأميري ، و شعر بأنها ليست كغيرها من النساء و تساءل كيف لم ينتبه إليها من قبل.

جن الليل و خلد جميع من في القصر إلى النوم و لم يبقَ سوى الحراس و العسس ، و بعض الجواسيس و العيون المبثوثة في زوايا القصر الملكي تتصيد الأخبار و الأسرار. تأكدت “نرمين” بأن الجميع نيام، فتسللت من فراشها بحذر ، كانت تبحث عن مغطس أو مصدر ماء تعود من خلاله إلى عالمها كما تأمل ، و لكنها لم تجد في القصر سوى نافورة المياه في الساحة، و التي كان العسس منتشرين حولها، أو بحيرة صغيرة في الجزء الخلفي من القصر، قصدتها و هي تلتفت حولها. 

ترددت قليلا، فهي لا تعلم إن كانت هناك شعائر معينة عليها القيام بها قبل أن تحاول و لكنها قررت أن تغوص في البحيرة ، غاصت “نرمين” في المياه الباردة، و هي تشهق، ثم أغمضت عينيها و بدأت بالدعاء :
ـ أتمنى العودة إلى حياتي، أتمنى العودة إلى حياتي..
ـ ما الذي تفعلينه هنا ؟؟
ارتعبت “نرمين” و قفزت و هي تحاول تبين الرجل الواقف عند شاطئ البحيرة، لقد كان الأمير “القاهر” لكنه وحيد هذه المرة على غير العادة!
ـ كنت أسبح فقط … سموك
ـ تسبحين في هذه الساعة في المياه الباردة
لزمت “نرمين” الصمت و هي ترتعش وسط المياه، بينما وقف الأمير “ذئب المملكة” أمامها ضاحكاً :
ـ أخرجي من المياه الباردة فأنت ترتعشين كالقصبة في مهب الرياح.. أي جنون هذا؟

خرجت “نرمين” و هي تلعن حظها، و قبل أن تخرج من المياه، نزع الأمير “القاهر” رداؤه الحريري و رماه عليها ، فتمسكت به دون أن تهمس بحرف، فقد عجزت عن فهم ما يحدث أو ما يريده “ذئب المملكة” منها فهو يبدو الآن و كأنه شخص آخر .
ـ غريب أمركِ كلما قابلتك كنت مبتلة، في جناحي ذلك اليوم، في الساحة و اليوم! هل أنت ضفدعة أم سمكة!
انتبه الأمير إلى تبسطه معها فعاود العبوس:
ـ ارحلي بسرعة و لا تتأخري غداً عن مهامك في الجناح الأميري

انسحبت “نرمين” و قد أهمها أنها لم تستطع إتمام ما خططت له، بينما تبعها الأمير “القاهر” بعينيه، لقد سمع بما قامت به في جناح أخيه الأمير “الحسام” و رأى فيها فرصة لا يجب تفويتها.

كان الأمير “القاهر” بارعاً في فنون القتال و الحرب، و لكن إن رغب في الفوز بعرش المملكة عليه اتقان فنون السياسة أيضاً ، التي كان و مازال ولي العهد “الحسام” يجيدها أكثر منه ، فقد نجح في استمالة كبار الوزراء و النبلاء، بينما لا يسانده هو سوى عناصر الجيش و الحرس ، إن أراد أن يكون ملكاً فعليه أن يكون جاهزاً للاستلاء على العرش من “الحسام” و لكي يناله ، عليه أن يختبئ وراء قوانين و قواعد سياسية تشرّع ملكه و ملك أولاده من بعده ، و لذلك عليه كسب سياسي البلاط و ولائهم .

** * **

غير بعيد عن البحيرة، في جناح الملكة “صبح”، الملكة الثانية، اجتمع ولي العهد “الحسام” و شقيقتيه و والدتهما و شقيقها رئيس الوزراء في البلاط الملكي يتباحثون أمور الدولة
ـ الأمير “القاهر” بات يشكل خطراً محدقاً علينا، و أمه “مريان” تستغل حظوتها عند الملك و تسعى إلى تجريد ولدي “الحسام” من ولايةالعهد و منحها لابنها، قالت الملكة”صبح” بحنق شديد
ـ لا تقلقي يا أختاه، فحلفاؤنا في البلاط قد وعدوني بمساندتنا مساندة كاملة و تقويض كل محاولة لتغيير ترتب ورثةالعرش، جميع النبلاء في صفنا بينما لا يقف في صفها و صف ابنها سوى العسكريين
ـ لا تستهن بقوة حلفائه العسكريين يا خال، و لا تنس أن قيامه بثورة مسلحة أمر مرجح إذا ما يئس من نيل العرش سلمياً ، و عندها لن نصمد أمامه و ستكون الغلبة له و لحلفائه العسكريين خاصة إذا ما تدخل جده الملك “بران” في الصراع، و عندها لن يفيدنا حلفاؤنا من السياسيين و النبلاء، قال الأمير “الحسام”
ـ معك حق، و لكن لا تظنن بأني لم أفكر في هذا الاحتمال من قبل، لقد فكرت فيه و لذلك زرعت في جناح الأمير “القاهر” جاسوساً ينقل إلى أخباره و لكني فقدته مؤخراً للأسف و علينا تدارك هذه الهفوة سريعاً ، قال رئيس الوزراء
فقاطعته الأميرة “نهوند”:
ـ أتعني جاريته “بتول” التي سقطت من فوق حصانها أثناء رحلة صيده الأخيرة؟
ـ بلى، لقد قطع سرجها عمداً ، مما يرجح بأن أحداً من طرف الملكة “مريان” قد كشف سرها و لذلك تريثت قليلاً قبل البحث عن بديل لها

سأله الأمير “الحسام”:
ـ من تراه قادر على القيام بعبئ هذه المهمة في مثل هذه الظروف الصعبة و وسط شكوك الملكة و حلفائها؟
ـ لقد اخترتها بالفعل و زرعتها منذ أسابيع في جناح “ذئب القصر”، و لكني أتوخى الحذر في التواصل معها كي لا نخاطر بكشفها كما حصل من قبل
ـ من تكون؟ تساءل “الحسام”
ابتسم خاله في مكر :
ـ إنها خادمة “نوران”، “زين الحسان”
تمتم الأمير متعجباً :
ـ تلك الخادمةالتي تسببت في مشكلة الجناح الأميري
ـ بلى يا أخي و لقد كان صراخي في وجهها جزء من خطتنا حتى لا تثار الشكوك حولها، يجب أن يظن الجميع بأنها تمقتنا و تميل لصف “القاهر” ضدنا فيثقون بها و يسهل علينا معرفة خططهم ضدنا

قالت الملكة :
ـ إنها خط محكمة، و سيخدمنا ما فعلته معها “بيلسان” بالتأكيد و لكن هل أنتم متأكدون من ولائها لنا؟

تبادل رئيس الوزراء و الأميرة “نوران” نظرات خبيثة و قال:
ـ ثمن ولائها باهظ جداً لن تفرط فيه .. لقد وعدناها بالانتقام من “بيلسان” و بإرجاع أملاك عائلتها كاملة و منحها لقباً نبيلاً يرثه أبناؤها من بعدها مهما كانت مكانة و منصب زوجها المستقبلي.. ما رأي الأمير؟
ـ العين بالعين و السن بالسن و البادئ أظلم يا رئيس الوزراء، أجاب “الحسام” بهدوء
ضحكت الملكة حتى بان سنها :
ـ أخيرا ستعيد لنا “بيلسان” الجميل بعد أن عاشت سنوات عالة علينا .

** * **

في الصباح ، طلبت الأميرة “نوران” من “أم الحُسن” أن ترسل إليها الخادمة “زين” لتساعدها في تجهيز نفسها، و ما إن وصلت الفتاة و تأكدت الأميرة من أنهما على انفراد، بادرتها:
ـ أخبريني إذاً ما الذي يحصل في الجناح الأميري ؟
ـ سموك لم يحصل شيء
ـ ما الذي تعنينه، خمس أسابيع كاملةو لم تستطيعي التقاط سر واحد !
لم تفهم “نرمين” ما تعنيه الأميرة
ـ اسمعي لقد منحناك وقتاً طويلاً و صبرنا عليك كثيراً .. لا يهمني ما تفعلينه لمعرفة ما يخططون له في ذلك الجناح و تذكري جيداً أنه و كما لنجاحك ثمن فلفشلك أو انكشاف أمرك ثمن أكبر.
ـ إنكشاف أمري؟ تمتمت “نرمين”
ـ إذهبي الآن و لكن احذري أن يعلم أحد ما يدور بيننا

عندها أدركت “نرمين” بأنها أو بالأحرى “زين” قد تورطت في الصراع بين أبناء و بنات الملك، و أنها قد زرعت جاسوسة في جناح “ذئب القصر”.

قضت “نرمين” أسبوعاً كاملاً تعمل في جناح الأمير “القاهر” كخادمة خاصة، ترتب جناحه و تحضر له المائدة و تنظف ثيابه.. فيما كانت عيون رئيس الوزراء تراقبها من خلف الأبواب و النوافذ ، فقد كان شقيق الملكة “صبح”، رجلاً ماكراً ، لا يؤمن له جانب ، نجح في استغلال عقم الملكة الأولى “ياقوت” و تزويج شقيقته الصغرى من الملك و بدأ منذ ذلك الحين يخطط للاستيلاء على العرش عن طريق ابن شقيقته و وريث العرش الأمير “الحسام”.

في أحد الصباحات، عاد “القاهر” من تدريباته القتالية المعتادة، فطلب من “زين” تحضير حمامه، و عندما جهزته همت بالمغادرة قبل قدومه و لكنها تفاجأت به واقفاً عند الباب، دخل و قال لها:
ـ أقفلي الباب أريد الحديث معك على إنفراد
إرتعش قلب “نرمين” ، ما الذي يريده منها “ذئب القصر”، ليس خوفها وليد اللحظة بل هو بسبب ما لاحظته منذ أيام من تغير سلوك الأمير “القاهر” نحوها فبعد أن كان يعاملها بقسوة و عنف بات رقيقاً معها، متبسطاً في الحديث و أحياناً المزاح، منذ ليلة البحيرة.
ـ سموك هل يمكننا تأجيل الحديث فأنا لم أنهي بعد أعمالي
ـ لا الموضوع لا يحتمل التأجيل

أغلقت “نرمين” الباب و وقفت قبالة الأمير:
ـ علمت بما وقع بينك و بين الأميرة “نوران” ، و ما إن سمعت “نرمين” كلماته حتى داهمها الدوار و كادت تقع
بينما أكمل كلامه:
ـ لقد كنت شجاعة جداً حتى تواجهيها دفاعاً عن صديقتك، أنا أقدر أمثالك كثيراً لأنهم يذكرونني بنفسي.. كما علمت أيضاً بما كان من زوجة “الحسام” في حقك و استيلائها على أملاكك و تجريدك من امتيازاتك ، و أنا اليوم أقدم لك عرضاً .

توقف الـ “قاهر” قليلاً قبل أن يكمل كلامه ليمنح “زين” الوقت لإدراك ما يحدث ثم واصل :
ـ ليست “بيلسان” وحدها الظالمة و المستبدة، بل هي حلقة من سلسلةطويلة من الظلمة و المستبدين في تلك الأسرة، فوالد الملكة “صبح” نال لقبه النبيل بالتآمر و الاستيلاء على حقوق غيره و سفك دمائهم ، و شقيقها الوزير “جلنار” واصل جرائم والده و أضاف إليها جريمة جديدة فقد استغل عقم الملكة الأولى و أقنع الملك بوجوب الزواج بشقيقته لإنجاب ولي العهد، و أنت إمرأة و تعلمين كم يكسر قلب المرأة عندما يهجرها زوجها من أجل أخرى؛ و للأسف يسير أخي الأمير “حسام” على نهجهم.. هل تقبلين أن تحكم أسرة فاسدة كهذه المملكة و تعبث بمصائر الناس؟

لازمت “نرمين” الصمت فهي قد أدركت ما ينصب إليه الأمير من كلامه
ـ عليك مساعدتي للحؤول دون ذلك و لن أبخل عليك و سأحميك
ـ سموك !!
ـ كل ما أطلبه منك مراقبة ما يحدث في جناح الملكة الثانية و الأميرات و الأمير “الحسام” و موافتي به أولا بأول و دعي الباقي علي ..

و هكذا وجدت “نرمين” نفسها عالقة بين مطرقة “الحسام” و سندان “القاهر”، جاسوسة مزدوجة تسير على حبل رفيع تحته جحيم مستعر .
لم يكن أمامها إلا التعجيل بإيجاد الطريقة التي ستسحبها من هذا العالم المخيف و تعيدها إلى حياتها السابقة.

** * **

تذكرت “نرمين” تلك العرافة التي رأتها سابقاً في السوق و تذكرت كلامها الغامض ، لابد من أنها تعرف الوسيلة التي سترجعها إلى عصرها، كل ما عليها إيجاد المرأة و طلب المزيد من التوضيحات.
لذلك ما إن وجدت “نرمين” فرصة مناسبة حتى تسللت خارج القصر و جابت السوق بحثاً عن العرافة. و لكنها لم تجدها و خشيت أن تبتعد فتتوه و تزيد الطيب بلة .. و بينما هي عائدة إلى القصر تجر أذيال الخيبة، انتبهت إلى مجموعة من الفلاحين متجمهرين حول إمرأة ممددة على الأرض، اقتربت فوجدتها تلك العرافة الغامضة تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن داستها عربة .

كادت “نرمين” تصاب بالجنون فهي على وشك فقدان متاح خروجها الوحيد، فأخذت تهز المرأة صارخة:
ـ أرجوك يا عمة أخبريني كيف أرحل من هنا، كيف أعود إلى عالمي أجيبني بسرعة كيف؟ كيف؟
و لكن المرأة ماتت دون أن تخبرها أو تمنحها حلا للغز.

عادت “نرمين” إلى القصر و قد أصابها اليأس، ستبقى عالقة إلى الأبد في هذا العصر المخيف و في هذ الجسد الغريب عنها و الأدهى أنها عالقة الآن في صراع خطير على العرش قد يفقدها حياتها في كل حين.
كم تمنت لو أنها لم تقدم على ما فعلته، كيف تقدم على إنهاء حياتها بسبب صدمة عاطفية!

حاولت تذكر ما قالته العرافة يوم قرأت طالعها لقد أخبرتها بأنها أقبلت إلى هذا المكان بسبب الماء و أنها ستعود بسببه ، و لكن هل يعني ذلك الماء بصفة عامة أما نوعاً مخصوصاً منه.. لقد سبق و جربت مياه البحيرة و لكنها لم تنجح أو ربما قدوم الأمير يومها لم يمنحها الوقت الكافي .. و لذلك عقدت العزم على تكرار المحاولة في تلك الليلة.

و كما فعلت في السابق تسللت “نرمين” نحو البحيرة بعد منتصف الليل بقليل، و لكنها وجدت الأمير “القاهر” قد سبقها و انخرط في تدريباته القتالية ، وقفت الفتاة خلف إحدى الشجيرات تراقبه، كان بارعاً جداً في استخدام السيف تنم حركاته عن خبرة طويلة ، و عندها عاودتها كلماته عن سلالة الملكة “صبح” فتساءلت هل يهمه حقاً شعبه و مشاغله كما يدعي أم أنه مجرد عذر يخدعه بها و يكسبها في صفه ويغلف به طموحه المشين نحو العرش.

قررت بأنها لن تعود قبل أن تتجرب الأمر للنهاية حتى لو كلفها ذلك الانتظار لبقية الليل، و بالفعل جلست وراء الشجيرة تنتظر أن يرحل الأمير و لكن النعاس غلبها و لم تفق إلا على وخزة في كتفها لتجد “ذئب القصير” واقفاً عند رأسها يطالعها مستغرباً :
ـ أنت مجدداً ! ما الذي تفعلينه هنا؟
ـ سموك، وقفت الفتاة و انحنت للأمير، لقد كنت أود السباحة و لكن عندما وجدتك تتدرب آثرت الانتظار و لكن النعاس غلبني
ـ لابد من أنك مجنونة، هل تسبحين في البحيرة كل ليلة؟
ـ لا ليس كل ليلة ، أحيانا فقط .. اسمح لي سموك بالرحيل
ـ لما أنت مستعجلة، اجلسي قليلاً .

جلس الأمير على المرج و ربت على العشب بجانبه مشيراً لـ “نرمين” بالجلوس
ترددت الفتاة قليلاً و لكنها جلست غير بعيد عنه
ـ ما رأيك في مهاراتي القتالية ؟
ـ لقد كانت جيدة سموك
ـ هل تجيدين استخدام السيف
ـ لا ، لا أستطيع سموك
ـ إذاً ستحظين اليوم بمدرب خبير، و نهض الأمير و سلمها سيفه فيما أخرج خنجراً طويلاً تسلح به و بدأ يعلمها أسلوب القتال

كان متبسطاً معها يضحك من خوفها و أخطائها كطفل صغير يلهو فيما كانت هي تتصرف بحذر فهي تذكر بأن الأمير “القاهر” أو “ذئب القصر” كما وصفه المؤرخون كان رجلاً صعب المراس متقلب المزاج، يضحك حيناً و يعبس حيناً آخر. كانت تخشى أن تبدر منها حركة أو كلمة تسوئه فينالها ما لا تحمد عقباه.

غير بعيد عنهما، كان جاسوس الوزير “جلنار” يراقب ما يحدث ، سيسعد الوزير بأن خطته بدأت تؤتي أكلها و يبدو بأن “الذئب” قد وقع في الفخ.

** * **

طلبت الأميرة “نوران” “زين” في جناحها بعد لقاء البحيرة بأيام قليلة و عندما دخلت إلى الجناح تفاجأت بوجود الأمير “الحسام” رفقة شقيقته فعلمت بأنه كأخيه متورط في مؤمرات القصر، أمرتها “نوران” أن تسكب الشاي لهما للتمويه :
ـ أظن بأن لديك ما تخبريننا به أليس كذلك؟
ـ بلى.. صمتت “نرمين” قليلاً .. لقد بدأ الأمير “القاهر” يطمئن لي و تخلى على تحفظه و لكن ليس بشكل كامل.
ـ هذا لا يعنيني المهم من زاره هذا الأسبوع و مع من اجتمع و ماذا قال؟ أجابت “نوران” بحنق
ـ لقد زارته الملكة الثالثة في جناحه مرتين و تبادلا حديثاً سطحياً لا علاقة له بالعرش و لكنه زارها خمس مرات في جناحها و لا أعلم ما دار بينهما فهو لم يصحبني معه.

ـ بالتأكيد لن يصحبك معه عندما يعقد دسائسه ذلك الماكر اللعين، صرخت الأميرة بحنق فيما كان الأمير “الحسام” يستمع بهدوء.. جدي طريقة تمكنك من معرفة ما يحدث بينهما في جناح الملكةو راقبي من يزورها في جناحها
ـ حسناً
ـ و من زاره أيضاً ؟
ـ زاره جلالة الملك لمرة واحدة لما توعكت صحته هذا الأسبوع
ـ و عما تحدثا؟
ـ تحدثا عن صحة الأمير “القاهر” و .. صمتت “نرمين” بعد أن أدركت بأن لسانها قد زل
ـ و ماذا أيضاً
ـ لقد تحدثا عن مشروع زواج الأمير
ـ و من العروس المقترحة؟
ـ لم يحدد جلالة الملك إسماً بعينه، حاول فقط إقناع الأمير بالتفكير جدياً في مشروع الزواج
ـ ألم يتحدثا عن أعمال الدولة؟
ـ لا لم يفعلا
ـ هل زاره أحد آخر؟
ـ لا يا سمو الأميرة حاشيته فقط
ـ حسناً يمكنك المغادرة الآن

قبل أن ترحل “نرمين” بادرها الأمير “الحسام”:
ـ “زين” توخي الحذر و أحسنت عملاً

ما إن غادرت “نرمين” حتى قرّعت الأميرة شقيقها :
ـ ألا تبالغ في مدحها يا أخي هي لم تقدم لنا معلومات ذات قيمة
ـ لا تتعجلي يا “نوران” ما حققته “زين” في أسابيع مع “القاهر “تعجز عنه غيرها في شهور ، و مديحي لها سيجعلها تشعر بأننا نهتم لأمرها و نقربها منا و هو ما يضمن لنا ولاءها ، لدي شعور قوي بأنها ستكون سلاحنا الفتاك الذي سيخلصنا من “القاهر” و خطره

** * **

قضت “نرمين” أشهراً تنتقل و تتسلل بين أجنحة الأمراء و الأميرات ، تنقل أخبارهم و تتحرى أن لا تفصح إلا بمقدار مدروس تسير بحذر بين اندفاع “الذئب” و سكون “الحسام”. و لكن ما لم تعلمه بأنّ عيون الأمراء كانت عليها في سكناتها و اختلاجاتها، في صمتها و حديثها. و بأنّ تلك القطرة الضعيفة التي كانتها صارت سواقي تحفر بعمق في قلبي الرجلين.

أحبها “الحسام” منذ رأها قبالة نافورة المياه حلما لذيذاً يواجه كابوس زواجه المهزوز، لقد تزوج عندما أمره والده بالزواج دون أن يهتم من تكون “بيلسان” و دون أن يسمع ما رأي قلبه فيها ، كان فكره منحصر في شيء واحد لا غير الكرسي العظيم في قاعة العرش الذي متى ما ملكه ملك الكون بأسره. تزوجها لأنه يعلم بأن زواجه منها سيقربه من مراده و يفتح له أبواباً و تحالفات جديدة تشد أزره.. و لكن عندما رأى “نرمين” أو “زين” ذلك اليوم علم بأنه و حتى “الحسام” له قلب .

أما “الذئب” الذي ذاع صيت قسوته و دهائه فقد حاول المقاومة في البداية و لكنه وقع في فخها في ليلة البحيرة الأولى، لما رأها ممددة وسط المياه و ضوء الهلال النصفي الخافت منسكب على وجهها. بعكس أخيه كان “القاهر” حذراً في أمور القلب لذلك سعى دوماً إلى إخراج زواجه من الصفقات السياسية و إن كان الجميع حوله يظنون بأنه يوفره كخيار أخير.
كان يعتقد بأن الزواج يجب أن يخلص من المصالح و الصفقات و يكون زواج حب ، أو الزواج الأول على الأقل ، كان يطمح للعرش و لكنه لم يمل إلى الدسائس لنيله و لم يسلكها إلا لمواجهة الداء بالداء.

كان حب خادمة الجناحين الأميريين كغيره من أسرار البلاط الملكي يُحسُ و لا يُرَى، شيئا أثرياً لا دليل ملموس يشير إليه و يفضحه، كان كذبذبات خفية تجوب المكان دون قيود و كل ما تتركه بعض الأثار الجانبية.
و كان الأمر سيظل ربما على ما هو عليه لولا أن استفاق القصر الملكي يوماً على خبرٍ مخيف ، لقد توفي الملك “جوهر الملوك” ليلاً في نومه تاركاً وراءه قصراً تستوطنه الدسائس و الأحقاد و قلوب تغلي لا حزناً عليه بل طمعاً في عرشه

يتبـــع

 

تاريخ النشر : 2017-11-24

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى