أدب الرعب والعام

حب تخطفه الاقدار – الجزء 1

بقلم : يعقوب السفياني – اليمن

حب تخطفه الاقدار - الجزء 1
سواد شعرها كأنه قطعة من ليل دامس وعينان تعكسان صورة جميلة

 حسام شاب عشريني ، في السنة الاولى في الجامعة ، شاب خجول ، غير اجتماعي ، لا يحب الظهور كثيراً ، لا يحب التحدث مع الآخرين ، لكنه في المقابل شاب شديد الذكاء وحاد الملاحظة ، علاماته كاملة في جميع مواده ، يحبه أساتذته في الجامعة ، لا يتغيب عن أي محاضرة أبداً ، مهووس بعلم الاحياء ، رتيب في طريقة حياته ، يحب تنظيم غرفته في السكن الطلابي التي يشاركه فيها أعز أصدقائه بل صديقه الوحيد تيسير

لا يميل حسام لعادات الشباب في مثل سنه ، مثل السهرات خارجاً ، يبدأ يومه بالدراسة في الجامعة ، وعند انتهاء يومه الدراسي يعود لسكنه وينهمك في الدراسة والبحث والاطلاع ، هوسه بالأحياء جعله يقتني العديد من الادوات في غرفته ، أشترى مجهر وعدسات وكتب وموسوعات بأكملها في علم البيولوجيا ، في جامعته يشتهر حسام بذكائه المتقد في هذه المادة ، الى حد أن نقاشاته مع أساتذة الجامعة تفضي الى غلبته وتفوقه حتى على معلميه ، في الجانب العاطفي لا يكترث حسام الى هذه الامور غالباً ، ليس لبروده العاطفي ، لكن حسام يؤمن أن العلاقات العابرة خطيئة والحب الذي لا يدوم سوى بضعة أشهر هو حب مزيف ، هو ينتظر فتاة تجتاج عواطفه وقلبه

 في ذات ليلة كان تيسير يحادث صديقه حسام وكان طالب سنة أولى مثله ، يقول تيسير : صديقي حسام هل لاحظت اليوم ميساء ، أنها اجمل بنات الجامعة ، ما رأيك بها ، كل الشباب يتمنونها ؟

يرد حسام ببرود : أنا لا أعرف من هي ميساء ، في الحقيقة أنا لا اعرف أي انثى بالجامعة غير السيدة غادة  مدرسة التاريخ في صفنا الجامعي .

يجيب تيسير مازحاً : أنت تعيس يا صديقي ، حقاً أنت تعيس .

فيرد حسام : لا لست تعيساً ، أنت التعيس لأنك تعيش في الوهم.

حسام عاش طفولة تعيسة للغاية ، توفيت والدته وهو في سن الثانية بسبب مرض السرطان ، ووالده الذي لحقها بعدها بعام تقريباً  بسبب مرض القلب ، تربى بعدها في بيت عمته ، تعرض لحوادث كثيرة في صغره ، منها حادثة أضرت بعموده الفقري كثيراً مما دفعته لأجراء عملية جراحية ، كان في الرابعة عشر من عمره ، وأيضاً حسام تلقى علاج نفسي لمدة عام كاملة وهو في السابعة عشر من عمره ، بسبب عزلته الغير طبيعية ، وعدم التحدث أبداً مع الآخرين ، وأيضاً لأنه كان يزعم تواصله مع مخلوقات أخرى في هذا العالم ، مما اضطر بعمته وزوجها أن يعرضوه على طبيب نفسي استمر بعلاجه عام كاملة .

ينزل حسام من سكنه الطلابي متجهً الى جامعته التي لا تبعد كثيراً عن سكنه ، يمر ببائع الساندويشات الكبير في السن العم خالد ، كان حسام يشتري منه دوماً ، يصل جامعته ، يمر من أمام تجمعات بنات الجامعة دون ابداء أي تفاعل ، يتحدثن عنه وكم هو شخص غريب الاطوار ، يسمع حسام همساتهن حوله ، تقول روان لهن : سمعت أن الجن خطفوه وهو صغير ، ويتبعها قهقهة طويلة للبنات ، يجتازهن مسرعاً ، يكمل يومه الدراسي وكما هي عادته الروتينية يومياً ، يذهب للمكتبة العامة لشراء الكتب ، التي تكون معظمها في الاحياء ومرتبطة به ، يجذب حسام كتاب يتحدث عن علم الميتافيزيقيا أو ما يسمى علم ما وراء الطبيعة ، يخطر بباله لبرهة ذكرياته القديمة ، والمخلوقات التي وجدها في صغره ، كانت مخلوقات غاية في الروعة على حد وصفه ، يأخذ الكتب ويقفل عائداً لسكنه.

في أحد الايام وبينما حسام يتابع احدى المحاضرات ، قذفت ورقة الى كراسته ، كانت رسالة : ممكن رقمك يا حسام ، انا احتاج له ، زميلتك رنا ، يلتفت حسام ليشاهد رنا تلوح بيدها مبتسمة ، كانت فتاة ذات عينان خضراوان وبشرة بيضاء نقية ، شعر أسود غجري ، كانت فتاة جميلة بحق ، يندهش حسام من طلب رنا ، لكنه يأخذ قلمه ويكتب لها رقم تلفونه ، لكنه يردف : أنا لا املك واتساب بهذا الرقم ، أنما يمكنك التواصل معي أتصالاً ، ويقذف الورقة لها ، يعود حسام لسكنه ، بعد ساعات وفي الليل وبينما كان يقراء كعادته ورده اتصال ، أجاب حسام ، تحدثت فتاة : آلو ، كيف حالك؟

حسام : مرحباً ، تمام ، من المتصل ؟

رنا : أنا رنا ، هل تذكرتني؟

تمر الوان الطيف بسرعة من أمام عيون حسام ، فسواد شعرها كأنه قطعة من ليل دامس وعينان تعكسان صورة جميلة حتى لما هو سيئ في هذا العالم ، لم يكن لينساها حسام بسرعة ، يجيب حسام : أهلاً رنا ، أكيد اتذكرك .

رنا : حسام أريد منك أن تساعدني في مادة الاحياء ، أنت تعرف هناك اختبارات قادمة وأنت جينيس في هذه المادة .

حسام : بكل سرور ، سنتفق غداً بالجامعة عن المكان الذي سنذاكر فيه معاً.

في اليوم الثاني ، يستيقظ حسام بنشاط ، يأخذ حمام ساخناً ، يرتدي بذلة أنيقة ومرتبة ، ولأول مرة يطلب من صديقة تيسير أن يعطيه بعضاً من عطره ، يستغرب تيسير ، حسام لم يطلب منه أبداً مثل هذا الطلب فهو لا يهتم بالعطور والزينة ، يعطي عطره لحسام ويقول : شيك ، أناقة ، اليوم حسام أنت حاجة ثانية ، لو لم تكن صديقي حسام الذي اعرفه لظننتك ذاهب في موعد عاطفي ، ما الذي وراءك ؟

يبتسم حسام : لا شيء ، احببت أن أضع بعض العطر.

ينزل حسام ويتجه الى العم خالد ، يأخذ منه ساندويتشاً ، يأكل حسام ، يصل حسام الجامعة ، كان قد تأخر على محاضرة مهمة ، يدخل القاعة ، يجلس لدقائق ، جلست الى جانبه فتاة في الكرسي المجاور ، التفت لها حسام كانت رنا .

يبتسم لها حسام ويقول كيف حالك؟

ترد : بأفضل حال ممكنة ، أنت كيفك؟

حسام : بخير ، رنا بخصوص الموضوع الذي تكلمنا عليه ، أنا مستعد أقدم لك أي مساعدة ممكنة.

تجيب رنا : شكراً لك ، أنا ممنونة لك كثيراً ، حدد لنا مكان لنذاكر معاً.

حسام : ما رأيك في المكتبة العامة ، تجيب : حسناً ، نلتقي عصراً.

 

يصل حسام المكتبة العامة ، يجد رنا الجميلة تقف أمام صفوف الكتب ، يلقي التحية عليها ، تبتسم وترد التحية ، يجلسان معاً في الأماكن المخصصة للقراءة ، يبدأ حسام في شرح مواضيع الأحياء كما لو كان بروفسور شهير فيها ، يجذب شرحه القراء وزوار المكتبة ، كان بارعاً للغاية ، تستمع له رنا بإنصات وهي تنظر لعينيه مباشرة ، تمر ساعتين تقريباً وهو يشرح لها مواضيع كثيرة ، تبدأ الشمس بالغروب ، يقول حسام لرنا أنه سيكمل معها غداً ، تجيبه رنا : شكراً جزيلاً لك يا صديقي ، أنا لا استطيع رد جميلك ، وبصراحة يجب أن تدرسنا أنت الاحياء في الجامعة.

يرد حسام بضحكه لأول مرة منذ سنين : أخجلتني ، في خدمتك في أي وقت.

يغادر الاثنان المكتبة ، يمشي حسام لسكنه الطلابي وهو يحدث نفسه ويضحك : ماذا أيها الغبي ، هل انت مغرم ؟ يبتسم كما لو حاز الدنيا ، يخفق قلبه بشدة ، يعرف أنه الحب الحقيقي .

يصل السكن الطلابي ، يطلب من صديقه تيسير أرسال برنامج واتساب له ، سيستعمله لأول مرة في حياته ، يتأكد من رقم رنا ، أنها تملك واتساب ، يا لها من خلفية تضعها ، كانت صورة مقطوعة لعيونها ، يقبل حسام الهاتف ناسياً للحظة أن تيسير لا زال في الغرفة ، يقول تيسير له : عرفت أنك تحب ، وأخيراً.

يحاول حسام أنكار الأمر لكن بسمة العشاق تخونه ، يرسل مسج : كيف حالك ؟

دقائق وترد رنا : يا اهلين بحسام ، استعملت واتساب وأخيراً ، من الأن يمكنني الدردشة معك بكل وقت.

يرد حسام بمسج : نعم ويضع ملصق البسمة ، ويتبع وأنا كذلك.

ترد رنا : ماذا تفعل الان ؟

حسام : لا شيء ، أقرأ بعض الكتب.

يستمران بالمراسلة والحديث حتى وصلت الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل دون شعور ، ينتبه حسام للساعة ويرسل لها : رنا الساعة الأن متأخرة جداً.

رنا : آه ، لم ننتبه للوقت ، تصبح على خير.

يرد حسام وأنتِ من أهل الخير ، ويضع ملصق الرأس الذي يضع قبلة على شكل قلب ، لكنه يمسحها سريع ويرسل الكتابة فقط.

يأتيه مسج من رنا : كان ملصق القبلة ، مع عبارة : لن أنسى مساعدتك لي.

ينتشي حسام بشدة ، يخفق قلبه ، أنه مجنون بها جداً ، يشعر للحظة بان الحب شيء عظيم.

يتبع …..

تاريخ النشر : 2017-12-16

guest
16 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى