أدب الرعب والعام

الابتسامة الأخيرة

بقلم : سارة الغامدي – جدة_السعودية

ريحان ذو الثلاثة عشر ربيعاً دائم الحزن لا يعرف معنى الابتسام

ريحان ذو الثلاثة عشر ربيعاً ،دائم الحزن لا يعرف معنى الابتسام ، كان ذكياً بل عبقرياً ،سريع الحفظ، جسده كان هزيلاً ،شعره الأسود المائل للرمادي ناعم طويل يغطي جبينه و مؤخرة رأسه و عينيه بلون رمادي.

يدرس في السنة الأولى من المرحلة الإعدادية ، لم يكن أي أصدقاء دائماً وحيد و منعزل عن الطلاب، لا يشارك في الصف، دائم الحصول على درجات عالية في كل المواد و الأول على المدرسة.

كان الطلاب يتهامسون فيما بينهم :
إنه الانطوائي دائم التأخر كيف يأخذ المركز الأول على المدرسة ؟
إنه التوحدي كيف يحصل على درجات عالية على الرغم أنه كثير النوم و عديم المشاركة في الصف ؟
إنه ساحر هل يستعين بالسحر و الجن للحصول على إجابات الاختبار ؟
بسب الإشاعات المنتشرة كان المعلمون يحاولون تجنبه بقدر الإمكان .
كان يسمعهم و يرى تصرفاتهم معه و لا يكترث لهم لتجنب المشاكل .

يعيش وحيداً في منزل قديم متهالك في حي سكني قديم أغلب من يسكنه الفقراء و ذوي الدخل المحدود.
كان يعمل في داوم جزئي كـ نادل في مطعم ،مقابل أربعين دينار.

هل ستتغير حياة ريحان للأفضل و هل سيكسب أصدقاء أم لا؟
هل سيخرج من وحدته و انطوائه ليصحب شخصاً اجتماعياً ؟
ما هو الماضي المخبأ و راء حياة ريحان الانطوائية؟

_____•________•_________•______

مكان الحدث العاصمة تونس.
سنة الحدث:2015 .

يوم الأحد :
الساعة 7:30 صباحاً .

في جو صافي و شمس حارقة و درجة حرارة مرتفعة ، و شوارع مزدحمة بالسيارات و موظفون لأعمالهم ذاهبون.
أمهات يودعن أطفالهن المغادرين بالحافلة المدرسية ، أصدقاء يقابلون أصدقاءهم و الذهاب للمدرسة معاً سيراً على أقدامهم.

في بيت قديم متاهلك يقع في حي قديم ..

الساعة 7:15 صباحا

استيقظ ريحان على صوت المنبه فقام بإغلاقه ثم حمل الساعة بيده فوجد أن الوقت قد تأخر، فنهض مسرعاً و بدل ملابسه و غسل أسنانه،ثم حمل حقيبته و خرج من البيت مسرعاً و يرتدي حذاءه و هو يمشي ، فرأى الحافلة تستعد للرحيل فصرخ بأعلى صوته توقف،توقف، انتظر ،انتظر.
لكن السائق لم يسمعه و ذهب، عندها توقف يلتقط أنفاسه و قال:تباً لحظي النحس هذا.

ثم أمسك بحزام حقيبته و بدأ يهرول ناحية مدرسته التي تبعد قرابة خمسين دقيقة.

كان يرى كل طالب مع صديق أو مع عدة أصدقاء يضحكون و يتكلمون طوال الطريق،لم يكن يكترث كثيراً لموضوع الصداقة هذا ، فكان يرى أن الأصدقاء يرحلون سريعاً ، أو أصحاب مصالح لا غير، لأن و لا أحد يريد صداقته بسب الإشاعات التي تدور حوله بأنه ساحر .

***
الساعة 8:10 صباحاً

وصل للمدرسة و دخل الصف و جلس في مكانه المجاور للنافذة حيث كان يضع يده على خده و هو ينظر منها لفناء المدرسة و طلاب صف الرياضة و هم يلعبون بالكرة أو يجرون حول الفناء .

كان طالب في الصف الأوسط ينظر لريحان نظرة حزينة
و يسأل نفسه : هل أستطيع أن أكون صديقاً له ، أتمنى أن يقبل صداقتي.
قطع تفكيره صوت صديقه الذي ضربه بالقلم في رأسه
و قال: في ماذا تفكر يا سيد سرحان
قال: في ريحان؟
قال: ماذا به؟
قال: أريد أن نكون أنا و أنت أصدقاء له.
قال: عند انتهاء الصف سنذهب له.

قال المعلم: سأنهي الدرس عند هذه النقطة أرجو منكم حل الواجب.
حمل أقلامه و كتبه و خرج من الصف.

عندها نهض الطلاب منهم من يكمل حديث الصباح و منهم من مدد عضلاته،و منهم من خرج خارج الصف للذهاب لدورة المياه أو المشي في الأدوار.

أما ريحان فقد بدأ في كتابة الواجب كي يرتاح عند ذهابه للعمل.
أتى الطالبين عنده و قالا: مرحباً يا ريحان ماذا تفعل؟
نظر لهما بزاوية عينيه و قال: أكتب واجبي المدرسي.
قال: أنا وسام و هذا صديقي محب،ما رأيك أن نكون أصدقاء؟

رفع رأسه و نظر لهما و هو فارغ فاه ورسمت الدهشة على عينيه.
أغلق محب فمه و قال: لماذا أنت مندهش هكذا أخبرني؟
قال: لم يطلب أحد أن يكون صديقي إلا أنتما.
وسام: هل سنكون أصدقاء.
ريحان: نعم،أنا موافق.
محب: إذا نهاية الأسبوع سأقيم حفلاً في المنزل بمناسبة صداقتنا.

حاول ريحان الابتسام مثل صديقيه و لكنه لم يستطع،فالبسمة قد غادرت شفتيه منذ زمن طويل.

محب:لماذا تكتب الواجب الآن اكتبه في المنزل.
ريحان:احب كتابته في المدرسة كي أرتاح في المنزل.
قال:براحتك.

***
الساعة 12:00ظهرا.

وقت الراحة الذي يحبه الطلاب كثيراً لتناول الطعام و الحديث و اللعب مع الأصدقاء.
أما ريحان فقد كان يتخذ زاوية الفناء مكانا ليجلس فيه،فهو لم يكن يملك مال كمصروف مدرسي،فالراتب الذي يحصل عليه مقابل عمله كـنادل يذهب في طعام الغداء و العشاء.

أتى وسام و محب و قالا ماذا تفعل هنا لوحدك؟.
قال: لا شيء أجلس هنا حتى نهاية وقت الراحة.
وسام: ليس لديك مال يا ريحان لشراء الطعام.
ريحان: لا ليس لدي أي مال.
محب: ألا يعطيك والديك مصروف للمدرسة.

نظر لهما ريحان ثم أنزل رأسه للأسفل فقد انعقد لسانه و لم يستطع أن يجيب على سؤال صديقه.

عندها رفع وسام قبضة يده و وجه لكمه لرأس محب.
و قال:لم يكن لسؤالك الغبي أي معنى.
قال:ماذا فيها سؤال عادي.
قال:و إن يكن ربما يكون والده عاطل عن العمل،أو والديه منفصلين.

نهض ريحان و اتجه ناحية سلم الطوارئ و جلس أسفله و ضم ركبيته لصدره و أخذ يلعن نفسه لأنه قدم لهذه الدنيا اللعينة كانت ذكريات الماضي تلعب في عقله الباطن و تزيد المواجع في قلبه.

توجه ناحيته وسام و نزل لمستواه و رفع رأسه و قال: سامح صديقي فهو غبي لا يملك عقل للتفكير.
نظر لوجه دون النطق بكلمة فالحزن في عينه يحكي عنه.

رن الجرس معلناً انتهاء وقت الراحة و بدء وقت الدراسة.

***
الساعة3:00 عصراً

انتهى الدوام المدرسي و خرج الطلاب يواعدون بعضهم باللقاء غدا أو في منتزه أو مقهى.

ريحان حمل حقيبته و خرج مسرعاً كي يسابق الوقت بالوصول للمطعم في الوقت المناسب ، فالمطعم يبعد عن مدرسته حوالي ساعة تقربياً ،يحاول الإسراع و لكن حقيبته الثقيلة تبطئ من سرعته .
كان يرجو في نفسه ألا يتأخر كي لا يعاقبه المدير بخصم راتبه القليل .

***
الساعة 3:15 عصراً

توقف أمام متجر حلوى ليلتقط أنفاسه بعد أن ركض هذه المسافة الطويلة،بحث في جيب بنطاله و وجد دينار فدخل المتجر و اشترى به قارورة ماء تروي عطشه.
عندما هم بفتح القارورة ليشرب منها وجد كلب يلهث من العطش،نظر حوله بحثاً عن شي يضع الماء فيه،لكنه لم يجد.

فخلع فردة حذائه و سكب الماء فيها،و وضعها أمام الكلب و الفردة الثانية رمى بها في صندوق النفايات و أكمل طريقه ركضا بلا حذاء

***
الساعة 4:15 عصراً

وصل للمطعم و دخل من الباب الخلفي فوجد المدير أمامه ، و لما رفع رأسه و نظر في وجهه وجد ملامح الغضب فيه .
فقال : أنا آسف سيدي لأني تأخرت.
قال : ألك وجه و تأتي لتعتذر ، ريحان اسمع سيتم خصم ثلاثون دينار من راتبك.
قال : لكن لن يبقى منه شيء .
قال : لو كنت خائف على المال لما تأخرت كل هذا الوقت،و تأتي أيضاً بلا حذاء ، اذهب و بدل ثيابك فهناك زبائن ينتظرون.
قال:حاضر سيدي.

بعد أن بدل ثيابه توجه ناحية أماكن جلوس الزبائن و يأخذ الطلبات منهم،و يذهب للمطبخ ليعطيها الطباخ،ثم يعود ليوصلها لأصحاب الطلب.

***
الساعة 9:00 مساءً

دخل شخصية مهمة و هي السيد جلال ناقد لنظافة المطاعم. فرحب به المدير و قال: تفضل يا سيدي،لقد شرفت مطعمي أهلاً بك.
و اختار له طاولة راقية.
ذهب ناحية ريحان و أمسكه من ياقة (تي شيرت) و رفعه لمستوى فمه
و قال: اسمع هذه الشخصية مهمة جداً إياك أن ترتكب أي حماقة واضح،و أي غلط واحد سيكون نهاية عملك هنا واضح.
قال:نعم يا سيدي.
فرمى به أرضاً و ذهب، نهض ريحان و عدل ثيابه و توجه ناحية السيد جلال و وقف أمامه ممسكاً بيده قلماً و ورقة ترتجفان مع يده.
و قال: مرحباً سيدي، ما هو طلبك.
نظر جلال عن يمينه ليجد طفلاً قصير القامة هزيلاً ، الحزن في عينيه.

عندما انتهى من تسجيل طلبه توجه للطباخ و أعطاه الورقة،
قال طباخ 2 : تعال اعطي هذا العصير لناقد ، إياك أن تسكبه.
قال :حاضر.

***
الساعة 9:10 مساء

حمل الصينية بيده و يمشي بحذر حتى وصل لطاولة جلال و عندما أراد وضع الكأس فوق الطاولة سقط من يده و انسكب على ثياب الناقد الذي صاح بأعلى صوته: أين المسؤول أريده الآن، ألا يوجد نادل غير هذا الطفل.

تراجع ريحان للخلف بسب صوته ، عندها أتت نادلة تعمل في القسم العلوي المخصص للعائلات.

و اتجهت ناحية طاولة جلال و بدأت تمسح العصير المنسكب على ثيايه و قالت: أنا آسفة، أرجو منك أن تسامحنا.
أتى المدير و الشرر يتطاير من عينيه و هو يتوعد ريحان في نفسه.
و قال:سيدي نرجو منك السماح،إنه عديم التركيز عند مواجهة شخصيات مهمة،لذا أرجوك لا تغضب.

نهض جلال و قال بصوت غاضب : أنا سأذهب و لن أعود أبداً هذا أسوء مطعم في تقديم الخدمات.
و حمل معطفه في يده و خرج من المطعم،أما ريحان فكان ينظر للمدير بعيون دامعة،أتى المدير و أحكم قبضته على رقبته بقوة و قال: هل أنت راضٍ الآن عما فعلت أيها اللعين.
قال بصوت مخنوق:أنا أسف،لن أكررها.
قال:ماذا ينفعني أسفك بعد أن تشوهت سمعة مطعمي الآن يا غبي.
قالت النادلة:سيدي أرجوك سيموت لقد أصبح وجه أزرق.
دفعها المدير و قال:ليس لك به شأن أيتها اللعينة.

عندها نهض شاب في العشرينات و أفلت ريحان من قبضة المدير و ضمه لصدره.
و قال:هل جننت أتريد قتل الطفل،من أجل مطعم.
نظر له المدير باستحقار و قال: اسمع يا ابن……. من اليوم و صاعداً لا تعود هنا مرة أخرى و لا تأتي لطلب راتبك.
قال ريحان بصوت مبحوح:لكن سيدي اسمعني.
قال:لا أريد لكن و لا اسمعني.
أمسكه بذراعه و أخذه من يديّ الشاب و رماه خارجاً ،و أغلق الباب بقوة في وجه.

نهض ريحان و وضع الغطاء المتصل ب_(تي شيرت) على رأسه و وضع يديه في جيب بنطاله و سار في الشارع عائد لمنزله فهو الآن طرد من عمله و لا يملك مال للعشاء،و البيت بارد ليس به دفء العائلة
حنان الأم التي تعد أشهى الطعام،و عطف أب يوفر كل المطالب

***
يوم الأثنين

الساعة 8:00 صباحاً 

كان ريحان نائماً على الطاولة و بطنه يقرصه الجوع،يقول لنفسه أتمنى أن أموت،ليتني لم أتي لهذه الحياة.
أتى وسام من خلفه و ربت بيده على كتفه و قال:صباح الخير يا ريحان.
نظر له بعيون باردة و وجه شاحب و بصوت متعب.
قال:صباح النور.
قال:ماذا بك لماذا وجهك شاحب.
قال:لم أنم ليلة أمس.
قال محب:لماذا لم تنم هل كنت تدرس .
أجاب:أجل.
وسام:أنت بك خطب ما ، أخبرنا ماذا بك،هل لديك مشكلة.
محب: سنحل لك مشاكلك صدقني،لماذا وجد الأصدقاء أخبرني؟
ريحان:وجد الأصدقاء ليكونوا خونة أو ينتهي عمرهم سريعاً.

نظر الإثنان لبعضهم البعض و عرفوا أن لريحان ماضي أليم لا يعرفونه.

***
الساعة 12:00 ظهراً

فترة الراحة التي يتحرر الطلاب فيها و يفعلون فيها ما يريدونه،يلعبون يتحدثون و يأكلون.

اختار ريحان زاوية ليجلس فيها يراقب الطلاب و هم يأكلون أو يشترون من الكافتيريا، و هو لا يملك ديناراً واحداً في جيبه ، فرأى أمامه شطيرة و عصير و لما رفع عينيه وجد صديقيه وسام و محب يبتسمان له.
فسأل: ماذا هناك؟
قال وسام و هو يجلس: لا تتظاهر بالغباء تناول هذه لقد اشتريناه كهدية لك.
محب:اقبلها و لا تخجل نحن أصدقاء.
أخذها منهما و قال:شكرا لكما كثيراً.
تناولها و كأنه لم يأكل منذ سنوات، فالجوع كما يقال كافر.

محب : يوم الخميس سنجتمع في منزلي لا تنسيا.
قالوا : حاضر .

***
الساعة 2:40 ظهراً

كان المعلم يكتب مسائل رياضية على السبورة، و قال:أريد طالباً يأتي و يحل المسائل.
رفع ريحان يده فأذن له المعلم،وقف أمام السبورة و حمل القلم و بدأ بحلها في ثانية واحد ذهنياً ، في حين علت الدهشة وجه الطلاب و المعلم على حد سواء.

المعلم : أحسنت يا ريحان تفضل مكانك،حسناً يا طلاب هذا كل شي لليوم نلتقي غداً .

و ما إن خرج المعلم من الصف حتى بدأ الطلاب بالتهامس فيما بينهم ، لقد شعر بالغيرة من ريحان الإنطوائي :
هل رأيتم ملامح وجه ؟ لم نتوقع أن يحل أحد هذه المسائل الصعبة.
إن ريحان ساحر لقد استعان بالجن لحل تلك المسائل .
نعم لقد كان نائماً طوال الوقت و المعلم يشرح الدرس…

***
الساعة3:00 عصراً

انتهى الدوام و أتى وسام و محب و وقفا بجوار طاولة ريحان و قالا : هيا سنعود للبيت معاً .
هز رأسه موافقاً ، حمل حقيبته و غادر مع صديقيه.

في الطريق:

محب:هل بيتك بعيد يا ريحان؟
أجاب:خمسون دقيقةو نحن في البيت.
قال:خمسون دقيقة،إنه بعيد إذاً.
وسام:ما رأيكم بشراء طعام الغداء.
قالا نعم،هيا بنا،لكن ليس لدينا مال.
قال:لا تقلقا سأشتري لكم معي لا تخافون.

توجهوا لأحد المطاعم القريبة و اشترى وسام لريحان و محب شطائر لحم مع مشروب غازي.

***
الساعة 4:00 عصراً

دخلوا لمنزل ريحان، في حين اندهش وسام و محب فالمنزل كان صغير و على وشك الإنهيار،فالجدران متصدعة،الباب حديدي أكله الصدأ،كان يحوي أربع غرف صغيرة
مطبخ ، غرفة معيشة ، حمام و غرفة نوم.

أخرجهما من صدمتهما صوت ريحان و هو يقول: تفضلا من هنا.
دخلا لغرفة المعيشة التي تحوي أريكة لشخصين و كرسي هزاز،و تلفاز من الطراز القديم فوق طاولة خشبية متآكلة.

***
بعد الطعام و الإسترخاء.

الساعة 9:00 مساءً

قرر الصديقان المبيت في منزله ليوم واحد فقط كي يؤنسان وحدته،حيث أعطاهما مرتبتيّ سرير على الأرض و بطانية و وسادتين.
خلدوا للنوم و المكان يعمه الهدوء إلا من صوت صفير الرياح في النافذة،حيث نام وسام و محب في غرفة المعيشة و ريحان في غرفته.

***
الساعة 12:00 منتصف الليل

طفل يبكي خوفاً من الأطباء الذين يجرون عليه فحوصات مكثفة دون إكتراث لصوت صراخه الذي اختفى تدريجاً ، يقف أمام المعلم و لم يحفظ المطلوب منه ليتم ضربه بوحشية دون توقف عن السب و الشتم.

عندها نهض وسام على صوت شخص يتحدث ،بعد الإنصات للصوت وجد أنه ريحان،نهض مسرعاً و ذهب لغرفته و أشعل الإضاءة و اتجه ناحيته و هزه من أكتافه بهدوء و همس في أذنه ريحان،ريحان،انهض،انهض.

فتح عينيه الدامعة و وجد وسام أمام وجه فرأى يد أخرى تمسح دموعه إنها يد محب.
وسام:هل هو كابوس.
ريحان يعدل جلسته:نعم،دائماً أحلم به.
محب:تفضل اشرب كأس من الماء.
قال:شكرا لكما،أتمنى أن نبقى معاً طول العمر.
قالا:نعم سنبقى معك حتى نهاية أعمارنا في الدنيا.

حلت إجازة نهاية الأسبوع التي ينتظرها الكثير للترويح عن النفس بعد ضغوط الدراسة و النوم مبكرا و حل الواجبات.

اجتمع الثلاثة في منزل محب الذي أقام حفلاً صغيراً بمناسبة صداقتهم ، و من أجل إدخال البهجة في قلب ريحان الحزين ، حيث جهز الفشار و رقائق البطاطس ، و الشكولاته و المشروبات الغازية، البلاستيشن خاصته،حمل أفلام على حاسوبه المحمول.

***
الساعة7:00 مساء.

وصل وسام و ريحان بوقت واحد و اعتلوا درجات السلم ناحية غرفة محب من أجل السمر و اللعب.

و لما دخل ريحان أصيب بالدهشة فالغرفة كبيرة و تحوي تلفاز متصل به جهاز بلايستيشن و يقابله السرير ، و تحت النافذة يوجد مكتب للدراسة ، و بجوار الباب خزانة ملابس كبيرة. و أرضيتها سيراميك أبيض في منتصفها سجاد أزرق فوقها أريكيه جلد أسود لشخصين

أخرجه من حالة التأمل صوت وسام
وسام: هل تملك هاتف نقال.
ريحان: ما هو الهاتف النقال؟.
وسام: جهاز يساعد على التواصل بين الناس.
ريحان: طوال عمري لم أملك هاتف نقال,و لا أعرف كيفية استخدامه.

عندها قاطع محب حديثهما و أمسك بيد ريحان
و قال: تعال سأعلمك كيف تلعب بالبلايستيشن.
جلس بجواره و أمسك بجهاز التحكم و نظر له ،ثم نظر لمحب الذي أدخل لعبة فيديو داخل جهاز البلايستيشن.

أتى وسام و وقف بجوار ريحان و ربت على رأسه
و قال:اتبع تعليماتي و ستفوز عليه في لعبة الملاكمة
قال:حاضر.
محب:هذا سأعتبره غشاً.
وسام:ليس غشاً ،بل تعليمات لشخص مبدئ.
محب:سأوافق على هذا من أجل ريحان فقط.

بدأت المنافسة بين الإثنين و تمكن ريحان بمساعدة وسام من الفوز على محب بسبع جولات.

***
الساعة 9:30 مساء

عندها قال: أعلن استسلامي ، لقد هزمنتي .
وسام: أنت بطل هزمت أكبر محترف في لعبة الملاكمة.
نظر له ثم قال: لو لم تساعدني لما هزمت المحترف.
عندها انفجر الإثنان ضاحكين لكن ريحان حاول و لم يستطع،كان يشعر بالقهر لأنه لا يستطع الضحك أو الابتسام.

محب: دعونا نذهب للأكل فعصافير بطني تغرد.
وسام:هيا بنا.

اتجهوا ناحية طاولة في منتصف الغرفة فوقها:شطائر لحم (همبرجر) بطاطس مقلية،مشروب غازي.

محب: تفصلوا أمي أعددت هذا الطعام خصيصاً لكم.

قالا: تسلم يد والدتك يا محب.

أمسك ريحان شطيرة اللحم و قضم قضمة فأصابته صدمة و جحظت عينيه التي بدأت الدموع تنزل منها.
وسام:ماذا بك؟هل عضضت لسانك.
ريحان:لا.
محب:إذا ماذا هناك.
ريحان طعمه لذيذ جداً ،أول مرة أكل مثل هذا.
وسام:لقد ظننت أنه لم يعجبك.
محب:كنت سأقتله لأن والدتي تعبت و هي تطبخه.

أمسك ريحان بكأس المشروب الغازي و ما إن ارتشف منه حتى بصقه على الأرض.

قال وسام و هو يمد له بالمناديل الورقية: ماذا هناك؟
ريحان:إنه ملئ بالغازات التي انفجرت في فمي.
محب:ألم تشرب مشروب غازي من قبل.
قال:لا ، و لا أريد أن أشربه مرة أخرى

انفجرا ضاحكين عليه،فأخذ المناديل من وسام و مسح الأرضية بغضب من ضحكهما عليه.

***
الساعة 12:00منتصف الليل

تحلقوا حول فيلم رعب نقله محب من حاسوبه المحمول للتلفاز، و جلسوا يتناولون الفشار و رقائق الشبس و المشروبات الغازية و هم يشاهدون الفلم ، حيث جلسوا على الأرض مع الوسائد،من أجل أخذ وضعية المريحة للمشاهدة،و أطفؤوا الأضواء كي تصبح الغرفة مثل السينما.

بدأ الفلم و عيونهم مركزة على الشاشة كي لا يفوتهم كلمة أو مشهد

ريحان:أحداث الفلم مملة لا يوجد بها شي ممتع.
محب:انه في البداية..
وسام:سيبدأ الأكشن في نصف الفلم.
ريحان:سيطول الأمر أليس كذلك؟
قالا:أش لقد بدأ.

***
الساعة12:30 منتصف الليل

في حين ظهر الخوف على وجه وسام و محب،إلا أن ريحان كان ينظر لهما بعيون حائرة متسائلة ما المخيف في الفيلم.

قال محب:ألست خائف.
ريحان: لا فأنا لا أجد شي مخيف في هذا الفيلم.
وسام: أوقفوا الفيلم سأذهب لدورة المياه،أعتقد سأفعلها أو أني فعلتها على نفسي.

نهض محب متكاسلاً ناحية الحاسوب و ضغط زر الإيقاف
و قال: لا تتأخر.
قال: حاضر.

محب: ريحان ألا تعرف الخوف ؟
أجاب: لا، لا أعرف ماذا يعني خوف أو ابتسام فأنا لا أشعر بها.
نظر له محب بدهشة غير مصدق ما يسمع،كيف يكون الإنسان بلا خوف أو بسمة.

عاد وسام و قال: هيا دعونا نكمل الفيلم.

***
الساعة 1:00بعد منتصف الليل.

ودع محب صديقيه على أمل الإلتقاء غداً في المنتزه،و تناول الغداء معاً.

سار وسام مع ريحان في نفس الطريق لتبادل الحديث و لكي يؤنس كل واحد الآخر.

كان القمر مكتمل و السماء تزينها النجوم و الهدوء القاتل للحي السكني، و الناس نائمين و كأن لا أحد في هذا العالم.

توقف ريحان فجأة عن الكلام و السير عندها ربت على كتفه وسام.
و قال:ماذا هناك؟.
قال انتظرني هنا قليلاً .
قال:ماذا هناك؟انتظر لا تركض هكذا فجأة..

ريحان و هو يقف امام الرجل و يحمل في قلبه كل الكره له
قال:أنت السيد جلال الذي جعل المدير يطردني من العمل،الآن أنا بلا عمل و بلا مال هل يرضيك هذا الآن؟
جلال:أنت لم تؤدي عملك كما يجب.
ريحان: أنت السبب في وقوع الكأس من يدي،لقد صدمت يدك في يدي و وقع الكأس.

أمسك جلال ريحان من ياقة (تي شيرت) و رفعه عن الأرض و قال:أتتهمني يا ابن ………… بسكب العصير و طردك من المطعم،ليكن في علمك أنت مكانك في البيت أمام ألعاب الفيديو و ليس نادلاً في مطعم أيها الغبي.
ثم رماه أرضاً و بصق على وجه ثم ذهب ناحية منزله.

أسرع وسام لصديقه و رفعه عن الأرض و نفض الغبار عن ثيابه
و قال:هل تعرف هذا الرجل.
قال: أجل أعرفه، فبيني و بينه قصة طويلة.
قال:هكذا إذا دعنا نعود للبيت،اليوم التالي لدينا رحلة.
قال:نعم،معك حق.

***
يوم الجمعة

الساعة 9:00 صباحاً

استيقظ ريحان على صوت طرق الباب،فنهض من سريره متثاقلاً ناحية الباب و النعاس في عينيه، فلما فتح الباب و جد صديقيه واقفين خلفه فقالا:صباح الخير سيد نعسان.
قال و هو يفرك عينيه:صباح الخير.
وسام:هيا سنتأخر،بدل ثيابك بسرعة.
هز رأسه موافقاً ثم أغلق الباب و اتجه ناحية غرفته لتبديل ملابسه

محب: سنذهب مع سائق والدي فهو متفرغ اليوم.
وسام: فكرة سديدة.
محب لكن من أي لنا بالمال.
وسام: لا تقلق ، والدي تكفل بنقود الرحلة.
محب: شكرا لك،أنت صديق حقيقي.

ارتدى ريحان حذاء دورة المياه ثم فتح الباب لصديقه الواقفين خلفه و قال:أنا جاهز.

***
الساعة 11:00صباحاً

وصلوا لوجهتهم و وضعوا أمتعهم بالفندق و توجهوا للمرسى
حيث قرروا إستئجار قارب للتجول فيه لم تكن هذه المرة الأولى التي يركب فيها محب و وسام القارب فهما يذهبان كل صيف مع عائلتيهما، أما بالنسبة لريحان فهي المرة الأولى حيث تظهر علامة الدهشة على عينيه من منظر البحر و الهواء الذي يصفع وجه.
قرروا تجربة صيد السمك من القارب مثل الرسوم المتحركة ، و الغوص لإكتشاف قاع البحر و كنوزه المخفيه.

***
الساعة :12:00 ظهراً

توجهوا لأحد المطاعم المطلة على البحر للاستمتاع بتناول وجبة الغداء بعد رحلة بحرية ممتعة.

محب: أوصل شكري لوالدك يا وسام لتكفله بمصاريف الرحلة.
وسام:سيكون سعيداً بذلك.

نظرا لريحان الذي يتناول طعامه و دموعه على خديه.

محب:لماذا تبكي؟هل يؤلمك شي.

هز ريحان رأسه نافياً و قال:لم أتذوق طوال حياتي طعام مثل هذا.
وسام:هل هو لذيذ؟
ريحان:نعم،إنه لذيذ جداً.
محب بعد أن تنهد:الحمد الله ظننت أنه لم يعجبك.

***
الساعة12:30 ظهراً

توجهوا لملعب كرة الطائرة و لعبوا هناك حيث السائق و محب فريق و ريحان و وسام فريق .. جرت بينهم مبارة ممتعة ستبقى في ذاكرتهم الأبد.

***
الساعة1:00 ظهراً

توجهوا لنادي الفروسية لرؤية الأحصنة و تجربة الركوب عليها.
أتى خيال عند ريحان الواقف بعيداً عن حصان بني بشعر أسود، ربت على كتفه و قال: هل تريد الركوب عليه يا صغيري ؟
ريحان: ألا يأكل البشر.
انفجر الخيال ضاحكاً و قال: لا يأكل البشر بل يأكل الجزر.
ريحان: حقاً
الخيال: نعم
ريحان: أريد أن أركب عليه.
حمله الخيال ووضعه فوق الحصان الذي أمسكه بلجامه و يسير به و عينيه على ريحان و الدهشة واضحة على وجه.

***
الساعة3:00 عصراً

بعد الانتهاء من الفروسية توجهوا لأحد المطاعم لتناول الكعك و المثلجات و العصير.
أمسك ريحان بالمعلقة و أخذ قطعة كعك و وضعها في فمه عندها اتسعت عينيه و انسكبت دموعه على خديه.

مسحها وسام و نظر له ثم قال: ماذا بك لماذا تبكين ؟
نظر لصديقيه و قال: إن هذه أول مرة أذوق فيها كعك.
رسم محب البسمة على وجه و قال:هل هي لذيذة.
قال: نعم،لذيذة جداً ،شكراً لكما.
قالا عفواً

ذهبوا للتسوق و شراء تذاكر و زيارة المناطق الأثرية و التقاط الصور و الاحتفاظ بها كذكرى للمدى الطويل.

***
الساعة 12:00 منتصف الليل.

عادوا لتونس بعد رحلة ممتعة في مدينة سوسة،حيث ناموا في السيارة من شدة الإرهاق و التعب ، أما السائق فكان ينظر لهم مبتسماً و يقول ما أجمل أيام الطفولة ليتها ترجع فأنا الآن في الأربعين من عمري أتمنى أن أعود طفلاً .

***

يوم السبت 
الساعة 3:50 عصراً

التقى الصديقان أمام منزل ريحان و قالا كأنهما اتفقا على الإجابة.
ماذا تفعل هنا؟
وسام: لدي خبر سار لريحان و أنت.
محب:أحضرت له بعض الطعام.

طرق الباب عدة مرات و لكن لا مجيب، اضطرا للدخول من الباب الخلفي، فالخوف دخل قلبهما ،بحثاً عنه في أنحاء المنزل و لكنهما لم يجدوه .

خرج الإثنان من المنزل للبحث عنه ، و سؤال يدور في ذهنهما أين ذهب يا ترى ليس لديه مال لشراء الطعام أو التبضع من البقالة،من الممكن أنه خرج للتنزه بعد أن أصابه الملل.

توقفا أمام متجر حلوى يلتقطان أنفاسهما،عندها لمح محب ريحان واقف في الرصيف المقابل.
قال:وسام و سام انظر أنه هناك.
قال:أين.
قال:على الرصيف المقابل.

نظرا لصديقهما مبتسمين و لوَّحا لهما بيديهما و نادى باسمه ريحان ريحان.
فنظر لهما و ابتسم لأول مرة بل لآخر مرة قبل أن تدهسه سيارة مسرعة انحرفت عن مسارها,رمته غارقاً في بحر دمائه.

أسرع الصديقان ناحيته و حمله وسام بين يديه التي تخللها الدم و أسند رأسه على ذراعه و قال:ريحان،ريحان افتح عينيك أرجوك.

نظر له ريحان نظرات واهنة و بصوت أثقلته الجروح قال: شكراً لكما على كل شيء ، لقد كنت سعيداً بالتعرف عليكما،الآن أنا سأذهب فـ صابر ينتظرني منذ وقت طويل.

مد ريحان يده كأنه يريد إمساك شيء فأمسك محب بكفه و قال: تماسك أرجوك الإسعاف قادمة.
وسام:ستكون بخير،لذا أرجوك تماسك

ابتسم لهما ريحان ابتسامة باردة و انطفأ بريق عينيه الرمادتين و مات بين يدي صديقه وسام الذي ضم جسده و صرخ بأعلى صوته: لااااااااااا ريحان لا، أرجوك لا، لا ترحل.
و دموعه تساقطت على شعر ريحان الذي أصبح كالريحان الذابل بين أيدي صديقه.
فأعطاهما محب ظهره و بكى بحرقة و هو يهز رأسه نافياً غير مصدق موت صديق الروح ريحان.

مات ريحان في 1 يناير 2015 يوم الأثنين ، ستكون سنة 2018 السنة الرابعة على وفاته
تكفلت عائلة محب و وسام بدفن ريحان،و تواعدا على زيارة قبر صديقهم كل جمعة و الدعاء له ..

أمام قبر ريحان وقف الصديقان بمدامع العيون و داخل نفسهما كلام.

وسام: لم أكن أتخيل أن يأتي اليوم الذي أدفنك فيه بيدي و يكون آخر مرة نراك ، يوم قبلنا جبينك في المشرحة.

محب: ستكون في ذاكرتنا دائما،ليت عمرك لم ينتهي لنروي ظمأ أعيننا من رؤية ابتسامتك.

وسام:
بعدها توجنها لمنزله و دخلنا غرفته وعثرنا على ورقة كتب عليها إلي محب و وسام ،و عندما فتحناها و قرأنا ما كُتب فيها نزلت الدموع بل نار من عيوننا.

كتب فيها:

أنا ريحان يتيم الأب و الأم توفي والدي و أنا في السابعة من عمري كانت الوصاية بتربيتي على عمي،عشت عند عمي شهرين و بعد أن ورثت المطعم و أرباحه، أرسلني عمي لدار أيتام غير مرخص من الحكومة،حيث كانوا يجرون علينا اختبارات قياس الذكاء و يضعوننا تحت تصنفيات (A,B,C,D)

كنت أنا و عشرون طفلا من تصنيف (D) و كنا نخضع لإختبارات لتحسين ذكائنا.

نحفظ أربعين أو خمسين قصيدة في ثلاث أيام.
و إذا لم نحفظ القصيدة أو أخطأنا في قافية يقومون بضربنا بالعصا دون رحمة،و حبسنا في غرفة مظلمة لمدة يومين.
نقوم بحل مسائل رياضية معقدة، و إذا كان الحل غير صحيح
يقومون بضربنا على أصابعنا ، أو اقتلاع أظفارنا
نلعب بالشطرنج لساعتين متواصلة و إذا لم نربح بالعبة الشطرنج يكون العقاب الأكبر بمنعنا من الشكولاتة و نزهة يوم الجمعة و الألعاب.

كنا نجلس أمام فلم رعب للكبار و الأجهزة على رؤوسنا و صدورنا لإجراء فحوصات مكثفة لقياس ضربات القلب و الدماغ عند الخوف ، و إدخالنا غرف مزودة بالكاميرات و مراقبة سلوك نومنا بعد فيلم الرعب.

نظر وسام و محب لبعضهما البعض نظرات استغراب و دهشة

قلب وسام الصفحة.

بعد ثلاث سنوات من العذاب النفسي و الجسدي،هربت من دار الأيتام و أنا عمري عشر سنوات مع الفتى صابر الذي يكبرني بأربع سنوات من الدار لكن تم الإمساك بالثلاثة الذين هربوا معنا.
كنا نختبئ في الشوارع و الأزقة خوفاً من العثور علينا و لكن مر شهرين و لم يتم البحث عنا.
عاملني صابر كأخ له و وفر لي الغذاء و الدواء و تكفل بإكمالي للدراستي،و كان يعمل في عملين لتوفير إيجار شقتنا.

لكنه توفي بسب الكوليرا التي لازمته شهرين و طردني المؤجر من شقته لعدم دفعي الإيجار ، فعشت مشرداً بالشارع بلا مأوى،حتى أخذني زوجين عجوزين لمنزلهما و عشت معهما ست أشهر و بعدها توفيا في حادث مروري لأرث المنزل منهما،بحكم أن ليس لهما أبناء.
وظفني عمي في مطعم والدي كنادل بأربعين دينار،و لكنه طردني بعد أن سكبت العصير على ثياب الناقد جلال.

كانت إختبارات الذكاء و إمساك الأطباء لنا لإجراء فحوص الخوف تطاردني في أحلامي، فكنت أجد صابر يهدئني و يخبرني بأنهم ليسوا هنا و لم يعودوا يريدوننا، بعد موته وجدت نفسي بلا سند أو مؤنس في الحياة.

و شكرا لربي الذي عرفني على صديقين كانا لي مثل الإخوة يأخذاني في الرحلات و يرسلان لي الطعام العشاء و الغداء كل يوم ، و صارا لي أنس و سند في الحياة

النهاية

وسام :

مسحت دموعي التي نزلت لا إيراديا و قلت لمحب: عانى ريحان كل هذا الظلم و سجنه في قلبه ، لم يكن ساحر يستعين بالجن مثل ما كان يظن طلاب المدرسة بل بسب اختبارات الذكاء التي كانت تجرى عليه و على الأيتام،و كان يفضل الانعزال عن المجتمع خوفاً من فقدان أصدقاء آخرين مثل ما فقد صابر.

محب: و لذلك قال قبل موته سأذهب فصابر ينتظرني كان يقصد صديقه الذي مات قبله.
وسام: سأقرأ هذه الرسائل لطلاب المدرسة و المعلمين كي يعلموا السر وراء ذكاء ريحان.
محب: أجل هذا ما نستطيع فعله له.

محب :

غادرنا منزله و كنا نجتمع في 1 يناير يوم ذكرى وفاته كل سنه لنتذكره و نشاهد الصور التي صورناها في الرحلة لمدينة سوسة ، و أول لقاء لنا و تعابير الدهشة عندما تناول لأول مرة الكعك و الشكولاته و شطيرة اللحم و شرب المشروب الغازي كلها محفورة في ذاكرتنا.

وسام:

صدقني يا ريحان ابتسامتك الأخيرة انحفرت في ذاكرتي و لن تمحى منها مادمت على قيد الحياة.
و قد شعر الطلاب و المعلمين بالندم بعد أن قرأت قصتك الأليمة عليهم في إذاعة الصباح،صدقني لقد شعروا بالذنب و تمنوا لو كنت حياً لكي يصبحون لك أصدقاء،و يكون المعلمين قريبين منك لمساعدتك.

محب: نعم لقد رأينا الدموع في عيونهم و رأيتك أنا و وسام واقف عند باب المدرسة تنظر لنا بالإبتسامة التي رأيناها قبل موتك.

_____•________•_________•______

ختاماً

عندما حقق ريحان أمنية صديقيه برؤية إبتسامته،تمت سرقتها من قبل سائق سيارة مسرعة لم يستطع التحكم بسيارته لتصطدم بريحان الذي أعطى عمره للسائق الذي تم وضعه خلف قبضان السجن ليعيش نادماً و متحسراً على تهوره و قتله نفس بريئة لا ذنب لها سوى أنها كانت واقفة على الرصيف تنتظر صديقيها اللذان سيعشان ذكراه طوال حياتهما.

تمت يوم الأثنين 1 يناير 2018

 

تاريخ النشر : 2018-01-13

سارة الغامدي

السعودية
guest
47 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى