أدب الرعب والعام

ولادة الجن

بقلم : ميار علي محمود – العراق

ولادة الجن
لشدة دهشتي فأن طفلها لم يكن طبيعيا ..

كنت البارحة في منزل جدتي , فأنا متعلقة بها كثيرا , وأحب دائما أن تروي لي قصصا عن الماضي لأستمتع بها , وقد روت لي البارحة قصة عجيبة كانت قد مرت بها في طفولتها , ولشدة غرابة القصة وغموضها سوف اسردها لكم كما سمعتها :

تقول جدتي :

كنت ما أزال طفلة في العاشرة من عمري , وفي ليلة من ليالي تموز الحارة كنت جالسة مع أمي أمام النافذة نراقب الشارع , وإذا بامرأة عجوز تقترب من النافذة ومعها فتاة صغيرة , وبعد أن ألقت السلام على أمي ترجتها أن تأتي معها إلى بيتها لأن لديهم حالة ولادة مستعجلة , فأمي كانت قابلة – داية – , لكنها رفضت الذهاب لأنه لم يكن في المنزل أحد سوانا , ولم تكن تريد أن تتركني وحيدة . فقالت المرأة لأمي لا تخافي فسوف تبقى طفلتي مع أبنتك وسيلعبان معا حتى نعود , وأشارت بيدها إلى الفتاة الصغيرة التي كانت معها .

أمي قالت للمرأة بأنه لا يجوز ترك طفلتين لوحدهما في المنزل , فقالت المرأة وهي تشير إلى الفتاة التي معها : " لا تخافي هي سوف تحمي ابنتك من أي سوء " .

أمي وافقت بعد تردد على الذهاب مع المرأة العجوز استجابة للواجب الإنساني , لكن قبل أن تغادران , نظرت المرأة إلى الطفلة نظرة غريبة لن أنساها أبدا , بدا الأمر وكأنهما يتكلمان عبر العيون , ثم قالت للطفلة وهي تشير نحوي : " العبي معها ثم اتركيها لتنام ونامي أنتي أيضا " . فردت الفتاة : " حاضر " .

أنا ركضت للنافذة وثمة شعور بعدم الراحة يعتصر قلبي , ورأيت أمي والمرأة وهن يبتعدن ويختفين في الظلام , ثم رجعت وأمعنت النظر في الطفلة التي تركوها معي , كانت ناعمة جدا , عيونها كبيرة وجميلة لا تطرف أبدا , ذات رموش طويلة , شعرها بني طويل .. كانت في الحقيقة جميلة جدا وغريبة أيضا , فهي لم تنزل عينها عني لكنها لم تتكلم أبدا , وساد الصمت والهدوء المكان , فشعرت بشيء من الضيق وأردت أن اكسر حاجز الصمت الثقيل فكلمتها وسألتها عن أسمها , فردت قائلة بصوت خافت : " لا تسأليني عن أي شيء " ! ..

كان ردها مخيبا للآمال , فقلت لها بشيء من العتب : " لكن ألم تقل لكي والدتك أن تلعبي معي ؟ " .

فأجابت بنبرة فيها شيء من الحدة وبصوت بدا وكأنه أكبر من عمرها : " نعم .. لكنها لم تقل لي أن أجيب على أسئلتك " .

وساد الصمت الثقيل مجددا , وبدأت أشعر بالخوف وادعوا الله في سري أن تعود والدتي سريعا . لكني تشجعت مجددا بعد فترة من السكوت وقلت للطفلة : أتلعبين معي لعبة بيت أبو أبيوت ؟  – وهي لعبة عراقية للبنات تشبه لعبة جلسات شاي البنات – .

فتغيرت نظرة الفتاة وأحسست ببعض اللطف فيها , فتشجعت وتقربت منها , لكنها قالت بنبرة تحذيرية : " ابتعدي عندي ودعي بيننا مسافة " .

فتراجعت إلى الوراء قليلا لكني لم استسلم , أحببت أن تكون صديقتي وقلت لها أتأتين معي إلى غرفتي حيث أنام فيها مع أخي الكبير لكنه الآن مسافر إلى البصرة . لكن الفتاة لم ترد , فمددت يدي لأسحبها معي , وليتني لم أفعل ذلك , فيد الطفلة كانت لينة من دون عظام , كأنها مادة جلاتينية القوام , لكنها تبدو كاليد العادية . فأبعدت يدي عنها وفتحت عيني بدهشة ثم تراجعت إلى الوراء مرعوبة . أما هي فقد تغيرت ملامح وجهها من البراءة إلى الخباثة وارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة وباردة جدا , ثم قالت لي بنبرة موبخة : " الم اقل ابتعدي عني .. الم أحذرك ؟ ".

وفجأة اختفت الابتسامة وظلت النظرة المخيفة , فبدأت أقرا المعوذات وقلبي يرتجف خوفا , فأغمضت الفتاة عينها وأخذت نفسا عميقا جدا جدا , ثم فتحت عينها وقالت لي : " أنتِ لم تفهمي .. أنا مسلمة .. ولهذا فأنا لن اختفي إذا قرأتِ آيات القرآن " .

وساد الصمت الثقيل مجددا , وأستمر طويلا حتى عادت والدتي وهي تحمل سلة معها والمرأة في أثرها , فركضت إليها وعانقتها كأنها غائبة منذ سنة , وقامت الفتاة ووقفت بجانب المرأة , وتبادلن النظرات كأنهن يتحاورن عن طريق العيون , وهزت المرأة رأسها غير راضية , ثم رفعت عينها عن الفتاة ونظرت إلى وهي تبتسم بطريقة غريبة وقالت " حسنا سوف نذهب .. أتمنى انكِ استمتعتِ مع حواء ؟ " . فقلت بصوت لا يكاد يسمع : " نعم ! " . فقالت المرأة : " إن حواء فتاة لطيفة لكنها لا تحب الأطفال كثيرا .. تقول أنهم ثرثارون ويحاولون اكتشاف كل شي وهذا لا يعجبها أبدا " . ثم نظرت المرأة لوالدتي وشكرتها . وفي أثناء ذلك نظرت الفتاة إلي وشعرت كأن صوتا يهمس في رأسي قائلا : " إياكِ أن تقولي شيئا عما جرى " . فبدأت بالبكاء , ونظرت المرأة إلي ثم تساءلت : " لماذا تبكين حبيبتي ؟ .. حواء اكبر منك لذلك لا ينفع أن تكونا صديقتان .. قولي لها وداعا " . ثم غادرت المرأة والفتاة .

أمي لم تنم تلك الليلة ولا أنا حتى طلع علينا الصباح وعاد والدي , فقصت عليه ما حدث معها في تلك الليلة الرهيبة وقالت :

عندما ذهبت مع المرأة وابتعدنا عن المنزل قليلا طلبت مني أن أغمض عيني وقالت لا تختلسي النظر أبدا , وعندما فتحت عيني وجدت نفسي في غرفة مليئة بالنساء , وهناك سرير عليه شابة تعاني أوجاع الولادة . كانت أشكال النساء غريبة باستثناء تلك الشابة التي تلد . فقالت لي المرأة العجوز أرجوكِ قومي بتوليدها , فنحن لا نستطيع ذلك , لأنها مختلفة عنا .. أرجوكِ .

واقتربت من تلك الشابة على السرير فأمسكت يدي وقالت أرجوكِ .. أنا لا احتمل أكثر سوف أموت . فنظرت إلى بطنها , وكانت مزرقة والأوردة ظاهرة منها , فعلمت بأن ولادتها متعسرة , وبدأت أطلب من النساء أن يحضرن اللوازم التي أحتاجها لتوليد المرأة , وبعد جهد ومعاناة قمت بتوليدها بصورة طبيعة . لكن لشدة دهشتي فأن طفلها لم يكن طبيعيا . كانت عيناه سوداء بلا بياض , مفتوحتان وكبيرتان , وشعره طويل يصل إلى نصف ظهره , وبشرته لونها غريب بين الأزرق والأسمر , ولدية أربع أسنان وهن القواطع , وكان يصرخ ويبكي بصوت عالي وغريب .

وبعد أن أكملت عملي , وفيما كنت أهم بالمغادرة , دخل إلى الغرفة رجل وجلس قرب المرأة الشابة متحدثا معها بلغة غريبة , ثم نظر لي وشكرني وقال : " أنها مثلكم .. أشكركِ على مساعدتها " . فوقفت منتفضة وقلت أريد أن اعرف الحقيقة كاملة الآن , فقالت المرأة العجوز : " هذا أخي .. ونحن عائلة منفصلة عن إحدى عشائر الجان .. انفصلنا عنهم بسبب زواج أخي من آدمية .. وقد حملت منه " .

فوقفت مصدومة مما سمعت , ثم فكرت بابنتي التي تركتها وحيدة بالبيت مع جنية ! .. فكأنما شعرت المرأة بما يختلج في صدري فقالت بنبرة مطمئنة : " لا تخافي .. حواء لن تؤذي ابنتكِ أبدا " . ثم أعطوني سلة مليئة بقشور البصل مقابل عملي , فتعجبت من هذه الهدية , وقلت لهم بأني لا آخذ أجرا وأعمل من اجل الثواب . لكنهم أصروا على أن آخذ السلة , فأخذتها وخرجنا أنا والمرأة , فطلبت مني أن أغمض عيني مرة أخرى , وحين فتحتها مجددا كنت أقف أمام البيت .

حين أنهت أمي قصتها ساد الصمت الحجرة , فوالدي تعجب كثيرا من هذه القصة التي يصعب تصديقها , ولهذا قامت أمي وأحضرت السلة التي أهدوها إليها لتثبت صحة كلامها , وكانت المفاجأة الكبرى هو ما وجدناه داخل السلة , فحين رفعت أمي الغطاء عنها كانت قشور البصل قد تحولت إلى نقود ذهبية كثيرة ! . ومنذ ذلك الحين أصبحنا أثرياء واشترينا بستانا كبيرا وعشنا في سعادة ورفاهية تامة .

تاريخ النشر 15 / 06 /2014

guest
125 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى