تجارب ومواقف غريبة

ليلة لا تنسى !

بقلم : مازن الشايب – تونس

ليلة لا تنسى !

الساعة تشير إلى منتصف الليل، الحي هادئ و الصوت ساكن..

يا الهي ! إنني أشعر بالخوف .. سأهرب .. لن أبقى معهم .. سأدعهم يواجهون الخطر وحدهم بتهورهم ! أشعر ببرودة في جسمي .. أسناني تصتك ببعضها .. سيغمى علي ..

كنت رددت هذه الكلمات بيني و بين نفسي تلك الليلة عندما كنت في حي ابن خالي الذي ذهبنا لزيارته في بلدته البعيدة .. كان يماثلني في العمر حينها ! و قد كان يقطن في منطقة جبلية .

باختصار .. اتفق هو و أولاد الحي على إجراء تجربة تحضير الجن !! و اقترح علي ابن خالي الذهاب معهم فوافقت .. و تقوم الخطة على الاجتماع معا في منتصف الليل بعد نوم جميع ساكني العمارة في مكان منزوي من الحي و إجراء التجربة . و طبعا مستلزماتها معروفة .. قط أسود ، كأس به ماء و ملح ، سكين ، قطعة نقدية ، الخ الخ .. ثم ترديد عبارة أخرج يا جن أو ماذا .. المهم نسيت ..

حسنا ، الساعة تشير إلى منتصف الليل، الحي هادئ و الصوت ساكن، وجوه شاحبة،خائفة، مترددة و أخرى متحمسة .. مجتمعة في هذا المكان المرعب ، القمر المضيء يختفي و يحل مكانه الظلام، رمز الرعب و الخطر.. كلمات جماعية تهتف بالجن و الأشباح في نبرة يشوبها الخوف و التردد . ثم يغلبها الصمت المربك المحزن ..

والآن ؟ أعين تنظر و حدقات تتسع منتظرة النتيجة و لكن ؟ لا شيء !! لم يحدث شيء. خاب أمل الجميع ثم ضحك بعضنا ساخرا و كنت أنا منهم و هممنا بالمغادرة في ظل صدمة المؤمنين بنتيجة غريبة .. و لم ابتعدت ناداني أحد الأصدقاء باسمي .. التفت و يا ليتني هربت و لم ألتفت ..

وجوه مرعوبة تحدق في هذا المشهد الفظيع : سكين يطارد القط الأسود!! نعم .. سكين .. يطارد .. القط، الأسود ..

أقولها غير مصدق .. لم ينبس أحد ببنت شفة !! أخذ القط يعدو و يموء بصوت خشن متقطع ثم اختفى هو و السكين في الأعشاب .. و ساد صمت رهيب قاطعه مواء حاد عال يصم الأذان .. من المؤكد أنه القط ! ذهبنا لكي نرى ما الذي يحدث فلم نجد شيئا لا سكين و لا قط .. و قد كانت دهشتنا عظيمة حينها !! عدنا إلى مكان التجربة فوجدنا شمعة مطفأة .. و القطعة النقدية اختفت و الماء جف !!! ..

و الآن ستبدأ الحرب .. الآن سندفع ثمن تهورنا .. الآن سنتحدى .. الآن سيبدأ الرعب و الفزع … و الآن ستبدأ المغامرة التي لا تنسى .

انقطع التيار على كامل العمارة .. و أغلق بابها .. أصبحنا معزولين وحدنا أو بالأحرى مع المخلوقات الأخرى .. بدأ قلبي يخفق بشدة. خرج سكان الحي مفزوعين .. و سمعنا صوتا في موقف السيارات .. ركضت مع اثنين آخرين إلى هناك لنجد بعض إطارات السيارات مثقوبة ! و رائحة كريهة غريبة تعم المكان .. ثم سمعنا صياح بقية الرفاق لنرى ثلاثة ظلال سوداء تقفز من الأسوار و يتجه كل ظل في اتجاه مختلف و يختفون بشكل غريب . بدأ البعض يرمونهم بالحجارة و الغريب أن الحجارة كانت تمر و تخترق أجسادهم .. ثم التفت أحدهم نحونا و بدأ بالاقتراب منا فهربنا خائفين و دخلنا العمارة ثم أغلقنا أبوابها و بدأنا بسمع طرقات على الجدران و صراخ فتيات .. اتجه العديد منا إلى شققهم ليختبئوا من الخوف و رجعت أنا و ابن خالي إلى منزله فوجدنا خالي و أبي بصدد انتظارنا و الساعة حينها كانت الثانية فجرا !!

كان البقية نائمين وقتها .أصر خالي على دخولنا .. فلم نجد بدا من ذلك ..

الآن ، الجو هادئ ، الحي فارغ.. نهضت فرأيت الساعة تشير إلى الثالثة فجرا .. لم أشعر بالنعاس، كان ذهني مركزا مع أحداث الليلة و شريط صورها يمر على ذهني ثم يبدأ ثانية .. لم أستطع نسيانه أبدا .. أنا خائف ، أنا الوحيد المستيقظ في المنزل أو ربما في الحي!

كان ابن خالي نائما معي في نفس الغرفة .. نهضت و جلست قرب النافذة لأرى المشهد الجميل ، الجبل من بعيد .. بقيت أتأمله .. و لكن ، لحظة ! ما هذا ؟ يا الهي إنها السكين التي طاردت القط ملطخة بالدم ! مشهد فظيع و أنا متأكد أنها هي ملقاة على الأرض !! .

فجأة!! شعرت بيد تمسكني من الوراء ، ففزعت و هممت بالصراخ لأجد نفسي في السرير صباحا !!!! نهضت بسرعة و بقيت أحملق في الحائط مذهولا و انتظرت ابن خالي لينهض .. و لما نهض سألته ان كان هو أم لا من أمسك بي ليلا .. و ياليتني لم أسأله . تغيرت ملامحه و صمت قليلا ثم ابتسم ابتسامة غريبة و قال "نعم أيها الغبي هاهاها" .. سكتت ثم نهضت لأغسل وجهي و لما عدت إلى الغرفة، سمعته يبكي بحرقة ، نعم يبكي!! فلم أرد إزعاجه .. كنت يومها سأرجع إلى مدينتي مع عائلتي .. و عندما كنت أجمع حقيبتي ، ناداني إلى غرفته و أغلق الباب وجلس ثم قال كلمة واحدة : "لست أنا من أمسكتك بيدي البارحة !! " وقعت هذه الجملة علي وقوع الصاعقة .. نظرت إليه لحظات فأضاف : "اسمع ، لست أمزح معك " .. كنت مركزا معه تركيزا تاما قاطعه فتح الباب ، كانت أمي تناديني و تريد أن تودعه .. و عندما هممت بالخروج ، نظرت إليه خلسة فرأيت دموعا في عينيه ، لم أحتمل ذلك فخرجت مسرعا ..

بصراحة أنا لم أرو هذه الحكاية لأحد من قبل .. و لكنني يجب أن أرويها الآن .. أكيد ستتساءلون عن مصير ابن خالي ؟ هو بخير و لحسن حظه فقد انتقل من ذلك الحي، ولقد اتفقنا على نسيان هذه المغامرة ، و لكن هذه الليلة لا تنسى و ستبقى صورها محفورة و منقوشة في ذهني كالوشم ، لا تختفي أو تتلاشى مع مرور الزمن !! .

و الآن كل شيء واضح ، ربما يكون ما حدث في الحي كله مقلبا أو خطة مدبرة بذكاء من قبل أولاد الحي ، و لكن هنالك أشياء غريبة حصلت صعبة التدبير !! أو ربما يكون و أرجو لا ، أن يكون حربا مع المخلوقات الأخرى التي أؤمن و لا أؤمن بها :

و ماذا أيضا عن اليد التي أمسكت بي ؟ و خدرتني ؟ أنا متأكد بأنه ليس ابن خالي .. فأنا لم أسمع حركة و هو أنكر ذلك و الأهم كيف خدرني ؟؟ .

على كل حال هذه حقيقة صدقوني ، مغامرتي غلبتني هذه المرة و أنا أقولها بحزن ، أرجو أن لن تغلبكم أنتم أيضا ! فلن أجد لها تفسيرا حتى و لو عشت إلى الأبد ..

تاريخ النشر 16 / 07 /2014

guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى