أدب الرعب والعام

منزل كراولي

بقلم : هيثم ممتاز – مصر
للتواصل : [email protected]

منزل كراولي
أنني الآن أمام “بيت الرعب”

في أحدى المدن الترفيهية في لندن ,أقف في وسط الأضواء حولي ,فهناك في اتجاه الشرق لعبة الإفعوانة الرهيبة ,وفي إتجاه الغرب لعبة قطار الموت المخيفة.. لم تستهويني تلك الألعاب يوماً ! بالتأكيد أنني الآن أمام “بيت الرعب” فأمامي بوابة حجرية ويقف على بابها رجل ينتظر أي لاعب يدخل هذه اللعبة .ذهبت نحوه وقلت له.

“أريد تذكرة”

إبتسم وقال لي بلكنة غامضة.

“حسناً”

وعلى الفور قطع تذكرة وأعطاها لي قائلاً.

“رحلة مخيفة ..وموفقة”

أخذت التذكرة وأعطيته الجنيهات ونظرت إلى اللافتة فوق الباب .

“منزل كراولي”

قالها لي فنظرت له وأعطاني كشافاً ,ثم دعاني للدخول.

دخلت من البوابة ..أنا الوحيد في اللعبة ,ولكن لا بأس.

قمت بتشغيل الكشّاف وخطوت بضعة خطوات حتى بعدت عن البوابة.

“ترررراك”

نظرت خلفي منتبهاً لهذا الصوت ..البوابة مغلقة الآن!!

لا بأس.

“إنتبه لي ..وإستيقظ”

هذا الصوت أفزعني ..أهذا الرجل يمزح معي ؟

نظرت أمامي مصوباً الكشاف .لم أرَ شيئاً محدداً فأنا في قاعة فارغة في نهايتها باباً موارباً .وقفت في مكاني لأستمع

“لا تعرف أليستر كراولي بالتأكيد ..نعدك في رحلتك هذه أن تعرفه .والآن أمامك هذا الباب فلتدخله.. مرحباً بك مرة أخرى في منزل كراولي”

إنتهى المتحدث وخطوت خطواتي نحو الباب ودخلته والآن أنا في غرفة ,على جدرانها توجد رسومات لنجمة خماسية الشكل وفي مركزها رسم لرأس “تيس”.

على الأرض أمامي يجلس رجل متشحاَ السواد, على رأسه قبعة سوداء مثلثة الشكل ,يقوم بتمنزيق كلب أسود ويلتهم أمعاءه ..

منزل كراولي
وقال بصوته المبحوح المخيف : “إتبعني”

هل هذا الرجل دمية متحركة كالتي موجودة في بيوت الرعب في مصر ؟

أخذت أنظر له حتى قام وسار نحوي ,وجهه عليه علامات الشر والجنون في آن واحد. أخذ يقترب مني وأنا محاولاً إقناع نفسي بأنه مجرد دمية ..ولكن لا. شكله وحركته ليست بحركات دمية على الإطلاق ..أنه بالتأكيد ممثل!

إقترب نحوي ثم وضع يده الباردة على رأسي وإبتسم وقال بصوته المبحوح المخيف.

“إتبعني”

إلتفت فسار نحو نفق ضيق في أحد جدران تلك الغرفة فسرت وراءه ..ودخلت النفق سائراً على يدي وركبتيّ مثله وأخذت أتبعه إلى أن وصلنا أخيراً وليس بآخراً إلى غرفة واسعة بها المنظر البشع الأتي : خمسة مخلوقات شيطانية يضاجعون خمس فتيات عاريات تماماً. هذا الرجل رأيته يذهب في أخر الغرفة ساحباً لفافات موضوعة على الأرض وأخذ يقرأ بصوتاً عالياً مخيفاً.

“بحق الشيطان الأعظم ..أن تنجبوا من كل عاهرة مائة شيطان مجيد ..إرفعوا إسم بافوميت فوق كل مقدس”

من هذا المجنون ؟ هكذا قلت وأنا واقفاً أسمع ما قاله وما أراه.

الشياطين يضاجعون الفتيات الخمس ,والرجل يقترب من كل شيطان وفتاة ويبتسم .

“بافوميت ..بافوميت”

وتتعالي الصرخات الماجنة بين الفتيات ,وصرخات الشياطين أيضاً.

هذا جنون !متى تنتهي تلك اللعبة ؟

منزل كراولي
الشياطين يضاجعون الفتيات – صورة حقيقية من طقوس عبدة الشيطان

أنتهوا الشياطين ..وعلى الفور أخذت كل فتاة تنزل شياطينها الصغار ..واحد فالثاني فالثالث ….فالمائة .الغرفة إزدحمت بمخلوقات صغيرة بشعة. خرج كل شيطان صغير وفور خروجه أخذ يقترب نحوي ..أعداد لا أستطيع عدها من الشياطين يقترب نحوي ,أنظر إلى وجوههم الملعونة فألعن نفسي .

عليّ اللعنة!!

بحركة غريزية وجدتني أنظر إلى هذا الرجل -بالتأكيد ساحراً- لعله ينجدني .وجدته ينظر له ثم صرخ بصوت جهوري لا يتناسب طردياً ولا عكسياً مع بحّة صوته.

“توقفوا”

وبالفعل توقفوا عن التحرك نحوي.

أخذ يسير في وسط تلك الأعداد المهولة من الأطفال وهو يتمتم بكلمات لم أسمعها ,وعلى الفور أخذوا يسجدوا لي واحداً تلو الأخر.

نظرت في دهشة وأنا أرى الكبار أيضاً والفتيات يسجدون لي.

إقترب مني الساحر وإبتسم قائلاً.

“إتبعني”

دخل على الفور غرفة جانبية لا أعلم متى ظهرت ودخلت على أثره. قاعة فارغة ..على الأرض توجد رسمة ضخمة لنجمة خماسية .جلس في منصفها وقال لي.

“إجلس”

جلست أمامه مطيعاً على النجمة الخماسية أيضاً.

إبتسم لي فإبتسمت لا إرادياً له .أعطاني لفافة من رداءه الأسود فسحبتها ..لم أجد سوى رقم 666.

أعطاني سكيناً فأخذته وجرحت إصبع السبّابة وسقطت بضعة دماء على هذا الرقم .زفر الساحر زفرة ثم أعطاني يده فأعطيته السكين, ثم قام من مجلسه وأخذ يتلو عبارات بلغة غريبة شعرت من أثرها بالنعاس حتى غبت عن الوعي تماماً.

بعدها بدقيقة -على ما أعتقد-إستيقظت فوجدت نفسي جالساً ,وأمامي يجلس الساحر وأمامه جثة تيس ..مذبوحاً ,أخذ يقطع رأسه بإصرار ثم قام وأعطاها لي ,فأخذتها مطيعاً.

الإبتسامة على وجهه البارد.

دخلت هنا فتاة عارية تماماً الى الغرفة التي نحن فيها ..إعتدلت لها وأنا في مجلسي ..إقتربت مني ثم أخذت من الساحر السكين وشدّت شعري وقامت بذبحي ..دفعتني إلى الأرض وسط نافورة الدماء الخارجة من رقبتي ,وبعد عدة رفسات مني كالماشية ..لم أشعر بأي شيء …

..

شعرت بيده تدفعني ففتحت عيني ..يا لهذا الكابوس المخيف .كابوس داخل كابوس!

لا يوجد أي تيس ولا توجد أي فتاة ..فقط الساحر واقفاً.

أنا حيّ !

“بافوميت ..قم وإتبعني”

منزل كراولي
فور أن رأوني سجدوا لي : بافوميت .. بافوميت ..

بالتأكيد أنه قالها لي فقمت وسرت وراءه ..عدنا إلى غرفة الشياطين والفتيات مرة أخرى ,وفور أن رأوني سجدوا لي.

“بافوميت ..بافوميت ..بافوميت”

من المفروض أن أنا بافوميت ..ومن المفروض أيضاً أنهم يمجدونني.

ولكن من بافوميت ؟

مسك الساحر يدي وسار بي إلى عرش وجدته فجأة -لم يكن موجوداً أول مرة -وأجلسني عليه ,ثم سجد أمامي مثلهم.

ما هذا الجنون ؟؟؟

إستمر الوضع هذا دقيقة أو أكثر بقليل ..إعتدل في جلسته ثم قال لي.

“أيها العظيم ..لك عندنا هدية”

قامت فتاة من سجودها -تلك الفتاة التي رأيتها في إغمائي- وقد يدها رأس بشرية ,ماسكة إياه من شعره ..أخذت تقترب وتقترب حتى وقفت أمامي حاملة الرأس بين يديها.

إنها رأسي !!

هنا سمعت صوت الساحر .

“أنت الآن ليس ملكك ..بل ملكنا ..أنت بافوميت”

لم أكن أصدق نفسي ..على الفور وجدت نفسي أجري بما أوتيت من قوة فأخرج من غرفة إلى غرفة ..من قاعة إلى قاعة ..حتى وجدت أمامي أضواء بعيدة فجريت نحوها.

وأخيراً أنا بالخارج.. خارج منزل كراولي الملعون.

لا وقت لديّ حتى أعطي للرجل المحصّل هذا لكمة تطيح بحياته البائسة.

أريد أن أنجو بحياتي من هؤلاء المجانين.

الحمد لله أنني بخير ..

جريت غير مبالياً بأي شيء سوى أن أخرج من مدينة الألعاب هذه.

“سيد هيثم”

سمعت هذا الصوت الأنثوي ..وجدت نفسي أتوقف فألتفت وعلى وجهي علامات الإستفهام التي سرعان ما تحولت ملامحي إلى الرعب والذعر.

إنها هي ..

“خذ رأسك”

قالتها مبتسمة في إغراء واضح ..في غنج.

الرعب يتملكني !!

تحسست رأسي الموضوع على كتفي ..إنها ليست رأسي .

بل رأس تيس ..

رأس بافوميت..

نظرت حولي لعل أجد أحداً ينقذني ..

حتى الناس حولي لم يكونوا بشراً ..

بل شياطين تنظر لي في إجلال.

“بافوميت ..بافوميت”

وإليستر كراولي واقفاً هناك مبتسماً تلك الابتسامة الباردة.

***

هوامش على القصة من موقع كابوس :

منزل كراولي
اليستر كراولي .. يعده البعض اشهر ساحر في القرن العشرين ..

– اليستر كراولي (Aleister Crowley) : ساحر ومنجم انجليزي ولد عام 1847 . كانت له اهتمامات مبكرة بالتنجيم والسحر والفلسفة والشعر والطوائف السرية . جال العالم بحثا عن أسرار الديانات القديمة ، وكان منجذبا بشكل خاص للديانة الفرعونية . أثناء مكوثه بالقاهرة زعم بأنه قد أوحي إليه من قبل الإله حورس – إله الشمس لدى الفراعنة – ، هذا الوحي استمر لثلاثة أيام ونتج عنه كتاب “القانون” ، والذي يمكن تلخيصه بعبارة “أفعل ما شئت” ، أي أن الإنسان يجب أن لا يردع أو يكبت عواطفه ورغباته أيا ما كانت . ولاحقا أسس كراولي ديانة تدعى “ثيلما” وتكاثر مريديه وأتباعه ، وكان يقيم لهم حفلات واجتماعات سرية تتخللها الكثير من طقوس السحر الأسود التي تتضمن الأضاحي والدعارة والفجور .

– بافوميت (baphomet) : قديما كان يرمز للجدي المقدس لدى الإغريق والفراعنة ، وبحسب بعض المؤرخين القدماء فأنهم شاهدوا الكاهنات وهن يمارسن الجنس مع الجدي – ذكر الماعز – داخل المعابد . لاحقا بعض المصادر في العصور الوسطى زعمت بأن فرسان المعبد عبدوا إلها لديه رأس وأقدام جدي ، وكانت تلك هي المرة الأولى تاريخيا التي يذكر فيها أسم بافوميت والذي أرتبط منذ ذلك الحين بالطقوس السرية والسحر الأسود ، خصوصا ما يعرف بسبت الساحرات ، حيث تجتمع الساحرات في مكان قصي داخل الغابة ليبعن أرواحهن للشيطان ويقدمن له فروض الطاعة والولاء . ويقال بأن الشيطان يحضر تلك الطقوس بنفسه على هيئة بافوميت ، أي جسد إنسان ورأس جدي ، ويتخلل تلك الطقوس الكثير من المجون وانتهاك المحرمات وتدنيس الرموز المقدسة للأديان السماوية . أما في العصر الحديث فقد أصبح بافوميت رمزا للكثير من الديانات الجديدة والطوائف السرية ، منها ديانة ثيلما التي ابتدعها اليستر كراولي . ويعد بافوميت رمزا وشعارا مقدسا لدى معظم طوائف عبدة الشيطان .   

تاريخ النشر : 2015-01-24

guest
34 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى