قصص الافلام

العــازف المنفرد

بقلم : حسين سعد الحمداني

العــازف المنفرد

فيلم يتطرق لقصة صحفي موهوب ومشرد نابغة ..

فيلم اليوم هو من أكثر القصص الحقيقة إلهاما في المجتمع الأمريكي ، قصة الصحفي ستيف لوبيز مع عازف التشيلو المجنون “ناثانيال ايرز” .

دعونا نسلط الضوء على الشخصيات الأساسية لمحور الموضوع قبل الدخول في صلبه ..

ستيف لوبيز / هو صحفي أمريكي يعمل في جريدة لوس انجلوس تايمز منذ بدايات العام 2001 كان قد كتب عدة مقالات منوعة فقط للنشر والحصول على أسم في هذا الوسط إلى أن استقر ككاتب في العمود صحفي في الجريدة ذاتها وباشر في كتابة سلسلة “نقاط الغرب ” التي تناولت حياة العازف ناثانيال الذي أصابه الجنون وأصبح متشردا رغم موهبته الكبيرة .
هذه المقالات تحولت لاحقا إلى كتاب يحمل عنوان “العازف المنفرد” ، وذلك لكونها لاقت استحسانا كبيرا من قبل قراء جريدة لوس انجلوس تايمز خصوصـا وأن موضوعها يتناول قضية إنسانية .

كيف بدأت ؟

العــازف المنفرد
متسول يعزف الكمان أسفل تمثال بتهوفن

ستيف لوبيز الأرمل يعيش حياته كلها للكتابة ، وقد قال “أنا اكتب حتى أعيش ” ، كان دائم البحث عن أي عنوان أو قصة ملهمة تساعده على النشر والكتابة في عموده الصحفي حتى ظهر له ناثانيال المتسول جالسا أسفل تمثال بيتهوفن في كاليفورنيا وهو يعزف على كمانه ذو الوتريين ، أعجب “لوبيز ” بعزفه لدرجة انه قرر مساعدته والتعرف أكثر عليه ، لكن العازف كان كثير الهذيان والتحدث بكلام غير مفهوم ودائما ما يكرر الكلام أكثر من مرة حتى يصيب من حوله بالتوتر ، لكن لوبيز قرر أن يسلك طريقا خاصا للتواصل معه ومعرفة جذوره ، بدأ يسأله عن حياته ومسكنه وعن عائلته ، وأخذ العازف يجيب بكل استسلام وكأنه يتحدث إلى شخص يعرفه منذ سنوات ..

انطلق “لوبيز ” برحلة البحث حتى توصل إلى أخت العازف ثم إلى مدرسته الثانوية .. وبحث حتى وصل إلى جواب النقطة الأساسية لحالته .. “لمــاذا هو بلا مأوى؟ .. ولمـاذا هو متسول ؟ ” .

طفولة ناثانيال ..!

العــازف المنفرد
ناثانيال الحقيقي

فتح الطفل المولع بالموسيقى الكلاسيكية عينيه على مقطوعات بيتهوفن التي دخلت قلبه ورسخت جنون الموسيقى فيه . التحق بمعهد الموسيقى وكان ذو موهبة عالية لدرجة انه وصل إلى مقام العازف المحترف (المنفرد بصفة أخرى) مما جعله يحجز كرسيا في دار الأوبرا حيث تعزف أشهر المقطوعات على يد امهر الطلاب الموسيقيين .

جنون ناثانيال بالموسيقى أوصله إلى رسم أوتار التشيلو على ذراعه حتى وهو نائم يعزف المقامات على ذراعه وإذا سمع صوت موسيقى في مكان ما فأنه يبدو كأن احد السحرة ألقى بسحره عليه وجعله يسهو ويناغم حواسه مع النوتات الصادرة من الآلات ..

حين وصل سن البلوغ بدأ العازف يسمع اصواتا داخل رأسه , صوت يهدده .. يحبطه.. يقلل من قدره .. يستفزه .. يعيق إلهامه الموسيقي ويدفعه إلى الجنون والهرب من الجميع .

العــازف المنفرد
درس لعامين في مدرسة جوليارد .. إحدى ارقى مدارس العالم للفنون ..

ذات مرة كان ناثانيال يعزف أمام احد أهم قادة الاوركسترا وفجأة حدثه ذلك الصوت من داخله ليخبره بأنه تافه وبأن هؤلاء الناس سيضحكون عليه ويتظاهرون كذبا بحبهم له ، مما جعله يهرب من مقعده أمام الفرقة .

تحولت أصوات العازف الداخلية من وسوسة قهرية إلى هوس ثم إلى شك .. شــك في أمه التي ماتت حزنا على حالته المزرية .. شــك في أخته التي كان يظن إنها تضع له السم في الأكل .. شكه تلاعب بحواسه حيث انه أثناء الأكل يعتقد أن الأكل هو عبارة عن مواد سامة تحرق أحشاءه وكلما أكل جاع أكثر .. لذلك امتنع عن الأكل والشرب والنوم والبيات في المنزل حتى هرب إلى الشارع وبعدها هجر أخته الوحيدة ثم انتقل إلى كاليفورنيا وظل نائما تحت تمثال بيتهوفن إلى أن التقى به الصحفي “لوبيز ” .

سلسلة نقاط الغرب بقلم ستيف لوبيز

العــازف المنفرد
ستيف لوبيز الحقيقي

تضمنت هذه السلسلة يوميات الصحفي مع العازف المتسول وقام بنشر أول حلقة من هذه اليوميات في احد الأعداد وحازت على إعجاب الجميع وأثرت بهم .. لدرجة أن هناك قارئه مسنة تبرعت لناثانيال بآلتها التشيلو كهدية لأنها تعاني من هشاشة في المفاصل وغير قادرة على العزف عليها ، هذه الخطوة جعلت “لوبيز ” يستكمل كتابة يومياته مع العازف بالرغم من صعوبة التعامل معه لكنه تحامل على نفسه وضحى بقدر ما يستطيع حتى يتم ما بدأه على أكمل وجه ويعرف الجميع قصة “ناثانيال ” .

التقى به مجددا في احد الشوارع فأعطاه الآلة ، فصدم عند رؤيتها وخاف أن يلمسها ، خوفا من جنونه الموسيقي أن يكسرها ..

ناثنيال يعزف امام ستيف فيبهره ..

وكما ترون فـ “لوبيز ” سحر بعزفه وهذا كان سببا آخر لجعله يستكمل كتابة السلسلة ، هو أمن بموهبته وقرر أن يساعده ، وهنا أصبح الصحفي الإنسان صاحب الرسالة الحقيقة للقارئ ، قرر إنقاذه من حياة الشوارع وتسجيله بمركز لعناية المتسولين وعلاجهم ، وفعلا تم ذلك ، وبدأ العازف يسحر كل من يسمع موسيقاه في المركز ، وأصبح لوبيز الصديق الأوفى للمتسولين .

معزوفة مؤثرة لناثانيال الحقيقي وهو يستعرض مواهبه على اكثر من آلة ..

حاول الصحفي جعل العازف يتحسن قدر الإمكان ، وفر له شقة ومدرب يعلمه مقطوعات بيتهوفن ، لكنه كان كثير الرفض ، على خطى بيتهوفن فأنه يريد أن يعيش حياة بلا جدران بلا أكل بلا نوم … وان يكرس حياته للعزف حتى يموت على أوتار آلته..

التشخيص في المركز ؟

العــازف المنفرد
من طالب متألق – 1970 – إلى مشرد مجنون ..

أثبتت تشخيصات الأطباء النفسيين المتواجدين في المركز الخاص بالمتسولين أن العازف يعاني من عدة أمراض نفسية وعقلية ، فمن الناحية النفسية هو يعاني من القلق الدائم والخوف من اللاشيء ، أما من الناحية العقلية فهو يعاني من الاختلال .. الاضطراب .. الانفصام الجزئي في فصوص عقله مما ينتج عنه خليط من ردود الأفعال فلا تستغرب عندما تراه يبكي وهو يأكل ولا تستغرب عندما تراه يضحك جالسا لوحده .

النهاية

عندما اخبر لوبيز أخت العازف أن أخيها ساءت حالته النفسية أكثر قررت أن تأتي بنفسها للعناية به ، وفعلا تحسنت حالته لكنه لازال شخصا غير متزن عقليا .

الحقيقة وراء كل ما سبق ؟

العــازف المنفرد
جنيفر شقيقة ناثانيال .. وصورة له مع اوباما في البيت الأبيض ..

قرر ستيف لوبيز أن يحول يومياته إلى كتاب يحمل اسم “العازف المنفرد ” مع إضافة بعض المستجدات لأن قراء هذه السلسلة شعروا بالحزن عندما انتهت ، فقرر أن ينزلها بكتاب حتى تبقى خالدة ، الشخصيات الحقيقة للعمل شدوا انتباه الجميع وكاميرات الإعلام أصبحت لا تفارقهم ، ظهروا في عدة برامج شهيرة ، صورهم نزلت في اكبر المجلات حتى تحول الكتاب إلى فيلم لعب أدوار البطولة فيه النجمين “روبرت داوني جونيور ” و”جيمي فوكس ” وقد حصد الفيلم عدة جوائز جولدن جلوب . أما بالنسبة لأخت العازف المجنون فقد أنشئت مؤسسة تحمل اسم “أنتوني ناثانيال ايرز ” لمساعدة المصابين نفسيا والموهوبين المجانين .

من الجمل المشهورة التي ظهرت في الفيلم ” أجور المعاصي هي الموت وهداية الله تعطيك الحياة الأبدية ” .

تاريخ النشر 16 / 02 /2014

guest
29 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى