اساطير وخرافات

الظواهر الطبيعية .. هكذا رآها الأقدمون

بقلم : قصي النعيمي – سلطنة عُمان
الظواهر الطبيعية .. هكذا رآها الأقدمون
كسبت أعجوبة الحياة حُبَّ الإنسان منذ القدم ..
مرت عقود طوال على البشرية ، خاض فيها الإنسان غمار الخوف نحو المجهول ، شق دياجي الخوف إلى النور ، و سار في طريق الشغف ليقف على شفير المعرفة . و لكن رحلته الطويلة تلك كانت تستحق عنائه ، لقد كسبت أعجوبة الحياة حُبَّه ، و خَلَبَت نَواميسُ الكون لُبَّه . و هنا بدأ عصر جديد لينطلق فيه فضول البشري لأبعد الحدود و أقصاها ، نحو عالم آخر من الألغاز و التساؤلات اللامتناهية ، لكن تأمله في فَرائد الطبيعة لم يزده إلا حِيرةً و عَجَبا ، و تَفَكُّرَهُ في ظواهر البيئةِ لم يُؤته تَفْسيرا و سَبَبا . فكانت أبواب الغيب مشروعة على مصراعيها لتشفي غَليلَ فُؤادِه و إلحاح فضوله ، و تَغَشَّت تلك الظواهر و الفرائد بديجور الجهل و ظلمة الأساطير ، بعضها انكشف الغشاء عنها فَتَبَدَّت ملامحها و أخرى لا تزال في غمرة من الخفايا و الأسرار . في هذا المقال سأسرد شيئاً منها متمنيا أن ينال إعجابكم .

البراكين

blank
فولكان يدق بمطرقته فتنبعث الحمم البركانية ..
بدت له كالجحيم المتصاعد من دهاليز الأرض ، نيرانها المُتفجِّرة التي لا تهدأ و شرارها المُتَوقِّد الذي لا يخبو ، هكذا نظر الإنسان الأول للبراكين الثائرة ، و هنا بدأت قصته معها فربطها بآلهته و مُعتقداته بل و بحياته و طبيعة مَعِيشَتِهِ . فيحكي الرومان القدماء عن إله يسمى فولكان الذي كان بالنسبة لهم إله النار و الحِدادة ، عمل على إمداد الآلهة الأخرى بالخُوَذِ و النِّبال ، حتى ذلك اليوم الذي أغضب فيه الإله جوبيتر فعاقبه بالنُّزول إلى الأرض بعد أن جعله كَسِيحَ القدين ، هناك استقر فولكان في باطن الأرض يدق بمطرقته في ورشته الجديدة ، و دون أي ملل أو كلل بدأ يستأنف عمله كحداد لينبعث الدخان و الحَميم من سندانه المتوهج نحو السطح دون فتور . هذه القصة كما رآها الرومان الأُوَائلْ و ربما هكذا رسخت في أذهان الأقدمين ، أما اليوم فهي الفجوات التي تنبعث منها الأبخرة و الصهارة من باطن الأرض نحو السطح بعوامل جيولوجية طبيعية .

العواصف و الزوابع الرملية

blank
معركة الجن تهيج الرمال و تسبب العواصف ..
بين كثبان الصحاري الشاسعة و تحت سياط الشمس الحارقة ، حيث انقلبت الخرافة إلى حقيقة ، هناك في الجزيرة العربية ، بدت من الأفق هائِجَةً تَخُطُّ المفازة و تقطع المسافة ، رآها العربي فَاقْشَعَرَّ لها بدنُه و اَكْفَهرَّ لها وجهه ، كانت تلك العواصف و الزوابع الرملية التي أصبحت بالنسبة له جزء من عالم الجن و الغيب . فكم قَصَّ علينا كبار السن عنها و كيف أن الجِنَّ إذا تعاركوا فيما بينهم هاجت بهياجِهُم الرمال و تحركت بصولَتِهُمُ الأرض و الجبال ، بل تزخر الخرافات الشعبة بقصص الذين أعترضوها فحَلَّ عليهم مسٌّ من الضر و السوء . و بالرغم من أن العلم فسرها و حلَّ عُقَدَ أسرارها إلا أنها مازالت هاجس الخوف بالنسبة للكثيرين ، فتراهم يرددون العبارات و التعويذات كلما لمحتها أعينهم و قَرُبَت منها أجسادهم .

الصواعق

blank
تور يضرب أحد العمالقة بمطرقته ..
دعونا نبتعد قليلا عن مركز العالم القديم إلى أقصى الشمال ، على القمم الإسكندنافية الثلجية حيث تشكلت الأساطير النوردية فكانت المعتقد و التراث ، هناك حيث البيئة الزاخرة بالخرافات لمحت أعين الإنسان غضب السماء و ثورتها فكانت في أنظاره المُتَرقِّبَةُ ثورة الإله و غضبه المفاجئ . فتذكر المصادر ثور أو تور ذلك الرجل ذو اللحية الحمراء و القبضةِ المَكينةِ ، كان أكثر ما يُمَيِّزُهُ هو مطرقته ، صنعها له الأقزام فكانت السلاح و الرمز ، يقدح بها عِنان السماء أو يرمي بها على أعدائه من العمالقة فتنطلق من أطرافها الصواعق الحارقات . و كما كانت الصواعق و أخطار السماء التي لا تنتهي مستوليةً على اهتمام سكان تلك الانحاء ، فقد حاز تور على اهتمامهم و جعلوه أعظم معبوداتهم و أكثرها قدسية .

الفيضانات

الظواهر الطبيعية .. هكذا رآها الأقدمون
دمعة من عيني إيزيس سببت فيضان نهر النيل ..
في أرض الخصوبة و النماء ، من حيث تفجرت أنوار المعارف و ارتفعت قلاع الوحدة ، في مِصر ، نسج الفراعنة أسطورة الفيضان و جعلوها كغيرها من الظواهر أو الكوارث نِتاج الصراعات الغيبية و الرؤى الدينية . تبدأ القصة حينما هبط أوزوريس إلى الأرض كمعلم للبشرية ، و تمضي القصة لتخبرنا عن الشعبية التي حازها و حب الناس له لتشتعل بذلك نار الحقد في فؤاد أخيه ست و هنا بدأ في التخطيط للتخلص منه . صنع ست تابوتا جميلا رائع المنظر لا يناسب في حجمه إلا أخاه اوزوريس ثم دعا الجميع لحفلٍ كبير ، ثم أتى بالتابوت و وعد بان يعطيه لمن يناسبه فتهافت الكل لتجريبه أملا في امتلاكه، و كان بالطبع من نصيب أخيه الذي ما أن دخل فيه حتى عاجله فأغلقه عليه و رماه في قعر البحر . علمت زوج اوزوريس (ازيس) بذلك فعادت به إلى الدلتا مسرعة ، و وسط حزنها ذاك سقطت دمعة منها ليفيض بها النيل و يكتسح ضفافه الآمنة . هكذا صورت نقوش المصريين الأوائل حكاية الفيضان قصة حقد و عشق و سلام ، فكأنما كانت الطبيعة وحيهم و مَنْهَلَ معرفتهم و الذي منه انتجبوا سطور الحكمة و الحقيقة .

ختاما

هذه أَجلُّ الكوارث الطبيعية و أكثرها ذيوعا ، و في كل بيئة و في كل أرض تجلت للإنسان كبدائع و ظواهر فريدة ، نسج لها أساطيره و حَبَكَ لها قصصه ، منها ما نتخذه كتراث قصه القصاصون و أخرى كمصدر خوف و إن فسرها المفسرون .

تاريخ النشر : 2015-05-14

قصي النعيمي

سلطنة عُمان
guest
43 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى