إعدام بحبل الضمير
علقوا الحبل في عنقه , واستعد الجلاد كي ينفذ الأمر … |
أخرجوه من زنزانته بعد الفجر بقليل , ارتجف وحاول أن يداري خوفه ورعبه , فهو ذلك الثابت الرجل العنيد الصنديد ..
قالوا له حان الموعد …
وضعوا الأصفاد في يديه , وفي الطريق إلى غرفة الإعدام رجع بذاكرته إلى ذلك اليوم حينما ارتكب جريمته .
كان يحب ابنة عمه من صغره , لكنها اختارت حسن المتعلم في احدي جامعات الخرطوم , لقد فعل الكثير ليلفت انتباهها , اعترض طريقها أكثر من مرة لكنها كانت تتجاهله , لا وبل تشمئز منه , وتنظر له باحتقار وتذكره بالفارق التعليمي بينهما , وهذا ما كان يغيظه ويثير غضبه , ولولا حبه لها وتعلقه بها لكان ضربها ضربا شديدا .
ضل يلاحقها بلا فائدة إلى أن أتى حسن صديقه القديم الذي واصل تعليمه بينما هو لم يحصل حتى على الابتدائية فقد تم فصله لسلوكه السيئ , ولم يهتم كثيرا فهو ابن عمدة القرية الغني وصاحب المزارع …
قطع حبل ذكرياته صوت العسكري وهو يفتح إحدى بوابات السجن , وأحس أن رجليه أصبحن لا يحملانه , ولأول مرة أحس بالندم .. أحس بجسمه يتصبب عرقا من الخوف , ورجع بذكرياته مرة أخرى عندما طرق باب بيت عمه ليطلب زينب من والدها الذي قال له : “أنا أعطيت كلمه لحسن ابن خالتها وقد أوضحت لك أن زينب متعلمة وتخرجت من الجامعة ولن تتزوج إلا متعلم مثلها ” .
ووجد نفسه يهتز بواسطة العسكري الذي قال له : ” أفيق يا رجل ” ..
وجد إمام السجن يقف قبالته ليلقنه الشهادة , ثم ادخلوه إلى غرفة مظلمة وأوقفوه أمام منصة الإعدام الرهيبة , تذكر مرة أخرى كيف غلى الدم في عروقه وأصبح لا يري أمامه من شدة الغضب , وكيف أشتعل الحسد في قلبه وحقد على حسن الذي خطف محبوبته منه رغم أن الكثيرات يتمنينه زوجا .
بعد أسبوعين سمع بخبر زواج حسن وزينب وان العقد والدخلة سيكونان يوم الجمعة القادمة , اضمر الشر وذهب إلى الاندايه (الخمارة) وشرب كثيرا , وحين رجع سمع من بعيد أصوات الحفلة والمغني يصدح .
أسرع الخطى إلى القرية فقد كان يرفض فكرة أن تتزوج زينب بغيره فحبه لها كبير , وسمع المطرب يتغني بأسم العريس , هنا بكي كما لم يبكي من قبل ولعبت الخمر والشيطان بعقله , وحين وصل إلى الحفلة وقف بعيدا , انتظر حتى انتهت وراقب فرحتهما وكان يعض شفته السفلي حتى كاد يقضمها , تقدم في وسط المعازيم وما أن وصل متظاهرا بأنه يريد التهنئة حتى استل سكينه وغرزها في صدر حبيبته … نعم فقد افتدت زوجها وحبيبها بروحها …
أمسكوه وهو لا يكاد يصدق ما فعل , ظل صامتا طوال جلسات التحقيق والمحكمة رافضا الشراب والأكل , صرخة زينب كانت ترن في أذنه ومنظر دمائها كالحمامة الذبيحة في فستانها الأبيض الذي أصبح احمر كان يقض مضجعه ..
أفاق من ذكرياته على صوت باب الحجرة المظلمة وهو يغلق , علقوا الحبل في عنقه , واستعد الجلاد كي ينفذ الأمر … لكن في اللحظة الأخيرة أتت إخبارية بإيقاف التنفيذ فقد عفا عنه أهل المجنية عليها .
أبعدوا الحبل عن عنقه وانزلوه من على منصة الإعدام , كان جسده باردا وعيناه باهتتان … انزلوه من على حبل المشنقة وهو جثة هامدة فقد مات قبل تنفيذ الحكم فيه ! ..
تاريخ النشر : 2015-05-19