أدب الرعب والعام

الفزع القاتل

بقلم : s .thr bleu rose – الجزائر

الفزع القاتل
ساد الصمت مرة أخرى و لم يقطعه هذه المرة إلا صرخة مرعبة

– حسناً يا سيد كلارك ، من الصعب زحزحتك عن إيمانك بعدم وجود الأشباح و لكني أعرف رجلاً لا يمكنك تكذيبه
ركز ديزموند نظره على أحد الحاضرين و كان عجوزاً يدعى السير نيكولز و قال :
– اروي له عن منزلك لعله يقتنع بوجود الظواهر و غيرها ..
– أرجو المعذرة يا سيدي ، أفضل عدم التطرق إلى الأمر
صاح ديزموند :
– هيا يا نيكولز .. لا أجد سبباً يحثك على التكتم عنه ، ثم إنك أثرت فضولنا جميعاً ..كلارك لا يؤمن بالخوارق و أنا أصر على أن تقنعه

و تحت إصرار ديزموند بدأ يسرد ..

– اشتريت قصر راينهام في حقبة كانت قد سادت فيها إشاعات كثيرة حوله ، خاصةً بعدما تركه مستأجروه كلهم ، منظره يثير الاشمئزاز .. زجاج مهشم ، غبار كثيف ، ستائر متجعدة و تراب متسرب إضافةً إلى أن برودة المنزل شديدة ، و لعل ذلك كان مصدره القبو الممتلئ ماءً ، لكن الظواهر لم يكن مصدرها القبو بل غرفة نوم تجاوره ، و في كل عشرة أشهر يقدم الكائن المجهول .. يحبس صاحبة المنزل في الغرفة ، و بعد قضاء عدة ساعات يحررها و يدخل مكانها .

في كل مرة كان أصحاب القصر يعرضونه للبيع لكن كل من كان يبيت في تلك الغرفة يلقى حتفه من شدة الخوف ، حتى أحدهم قد سلَّح نفسه ببندقيتين و استعد لمواجهة الخطر رغم تحذير أهل القرية له ، و لسوء الحظ لم يبقَ على قيد الحياة هو الآخر ..

استدار ديزموند إلى كلارك و قال :
– ما قولك الآن ، هل غيرت رأيك ؟
– لا أظن يا صديقي ، لازلت لا أؤمن بأن رجلاً واعياً يمكن أن يرى شبحاً إلا إذا كان عقله خارج نطاق المنطق ، برأيي لا يجب الاستسلام كلياً للمخيلة لأنها يمكن أن تصبح مختلة ، وكدليل إليكم السير نيكولز مثلاً ، إنه يقيم هناك و لكنه لم يذكر لنا – و لا أظن أنه سيفعل – أنه رأى أو سمع شبحاً ..لا هو و لا خدمه ، و لو كان الشبح محبوساً في الغرفة – كما قيل – فلابد له من أن يحاول إثبات وجوده و فرض نفسه ..
و لأضع حداً لشكوككم أنا أتطوع للمبيت في تلك الغرفة ، و سأراهنكم بمائة جنيه مقابل خمسين على أني سأخرج حياً من تلك الغرفة في الصباح

وافق الجميع على الصفقة إلا السير نيكولز الذي احتج على الأمر بحدة ، و حذر كلارك من النتائج الوخيمة التي قد يواجهها بإقدامه على مثل هذه المخاطرة ، لذا اقترح كلارك أن يأخد مسدسه معه للحيطة ، فوافق نيكولز بشرط أن يصيح كلارك منادياً بإسمه إذا لم يسعفه الوقت لاستعمال سلاحه ، و هكذا عقد الرهان ..

جاء ديزموند و كلارك في الموعد ، فوجدا الطباخ في استقبالهم وقادهم إلى الصالون ، عند دخول نيكولز أخذوا يتحدثون بعدة مواضيع في شتى المجالات متحاشيين التطرق إلى تحدي الليلة .. لكن هذا زاد من رهبتهم و ترددهم حتى أن نيكولز طلب من كلارك الانسحاب إن أراد و لن يحاسبه أحد على ذلك ، إلا أن كلارك ازداد عناداً و تشبثاً ..

بعد تقديم العشاء قاد نيكولز كلارك إلى غرفته ، و هناك نزع كلارك معطفه و استلقى على فراشه المكون من أربعة أعمدة ارتكاز ، لم يغط في النوم بل أخذ يراقب ما حوله في الظلام الحالك… بينما جلس رفيقاه في الصالون متيقظان و منتظران نداءه أو صوت مسدسه .

لكن الليلة كانت أهدأ مما تصورا ، حيث أنهما كانا يسمعان أخفت الأصوات !

– على الأرجح أنه لن يحدث شيء الليلة .. قال ديزموند حائراً .
فأجابه السير نيكولز :
– آمل ذلك ، و إني لأعترف لك بأني سأكون سعيداً بخسارة هذا الرهان .

ساد الصمت مرة أخرى و لم يقطعه هذه المرة إلا صرخة مرعبة … وثب الرجلان في ذعر ، إذ أنهما لم يتوقعا أن يصرخ رفيقهما ، و أنه كان على الأقل سيكتفي بنداء استغاثة !

هرعا مسرعين نحو الغرفة و لما فتحا الباب تجمدا بفعل الدهشة .. كان كلارك مستلقياً على نصف السرير و يده متشبثة بالغطاء .. عيناه مفتوحتان مفزوعتان من شيءٍ ما .
نظر ديزموند إلى نيكولز نظرة مرتابة ذات معنى…
فأجاب نيكولز :
– نعم.. إنه ميت..

* * *

– هيا يا أوستن ، لا شك في أن هذا المنزل القديم الكبير فارغ .. انظر إلى اللافتة “للبيع”

– أظن أنه علينا التريث قليلاً يا صديقي ، ألا يبدو لك أنه مهجور لمدة طويلة ؟

أجاب هنري بنفاد صبر :
– إذاً ابقى أنت هنا في الخارج حتى تتجمد أطرافك ، انصت إلي يا صديقي ..لقد فشلت رحلتنا البحرية و خسرنا كل مالنا ، لا يمكننا بالطبع العودة إلى الديار و نحن في هذه الحالة… لذا لابد لنا من أن نبيت هناك الليلة إلى أن ينار لنا السبيل

بعد بضع لحظات …
أوستن : هيا لنعد أدراجنا..إنه منزل مخيف ، إن شعوراً سيئاً ينتابني و أنا أصعد هذه السلالم ، يخيل لي أنها ستلتهم أقدامنا من كثرة صريرها
أجاب هنري موافقاً : معك حق ..ولكن بما أننا صعدنا إلى الطابق العلوي لابد لنا من أن نستكشف المنزل قليلاً لعلنا نعثر على مضجع نرتاح فيه ..

– أوستن….أوستن انظر إلى هذا إنها غرفة .
– نعم ،إنها غرفة كبيرة و لكنها باردة ..سأذهب لأجلب بعض الخشب للمدفأة .

نام البحاران على السرير الكبير حيث لاقى كلارك مصرعه ، فقد كان ذلك المنزل الكبير هو قصر رانهايم نفسه..

في ساعة متأخرة من الليل استيقظ أوستن .
– أسمعت هذا ؟
– نعم .. سمعته لعله صوت الرياح
خرج الكائن الغريب من خلف الستار ..
بدأ أوستن بالصراخ :
_هنري ما هذا الذي …
لم يكمل جملته حتى أوقعه الغريب المخيف أرضاً ..
هنري بصوت باكٍ : بحق السماء ما هذا ..أوستن سأطلب النجدة .. اختبئ إلى أن أعود ..يا إلهي !

هرع خارجاً و هو بالكاد يدرك ما يجري و هو يلهث ، صادف في طريقه شرطياً :
– حباً في الله تعال معي يا صديقي..
أنا بحار و نحن ” أنا و صديقي ” نتعرض للهجوم ، من أجل الرب ساعدني..

دخلا الغرفة معاً ، و كانت المفاجأة…

وقعت عيناهما على أبشع منظر قد يراه الإنسان … لم يملك البحار إلا أن يفقد وعيه تاركاً الشرطي مفزوعاً من فرط الدهشة .. إذ كان أوستن على الأرض يحدق بهما ، فاغراً فاه ، وقد خلت ملامحه إلا من علامات الخوف و الرهبة ، لم يكن هناك شك في أنه قد فارق الحياة … ولكن ما طبيعة هذا الرعب المجهول ؟؟ و أين يختفي ؟؟

لم يعلم أحد ما هو السبب أو الشيء الذي أخاف كلارك و البحاران حتى الموت ، إلا أن بعض التقارير و الشائعات التي ثارت حول المنزل وضحت قليلاً السبب وراء هذه الظاهرة المتكررة :

تقول إحداها أن قصر راينهام كان لأحد الملوك ، أنجبت زوجته ابناً مشوهاً مخيفاً نقلوه إلى القبو لاعتقادهم بأنه لن يعيش طويلاً ، و لكن الوريث البائس عاش ، و بسبب تشوهاته الخلقية تولى أخوه عنه العرش … يقال أن روح الوريث الحقيقي القلقة تجوب الغرفة كونها قريبة من القبو

تقول شائعة أخرى أن الغرفة كانت لفتاة صغيرة تمت إخافتها حتى الموت ، و هي الآن تنتقم ممن يدخل غرفتها بإخافته حتى الموت تماماً كما حدث معها ..

بينما تزعم أخرى أن المنزل كان في وقت ما لرجل سيئ السمعة يلازم الخمر و المراهنات ، و في أحد الأيام لم يجد من يلعب معه الورق لأن اليوم كان يوماً دينياً ، فذهب عند الراهب يطلب منه اللعب لكن الراهب حذره قائلاً أن اللعب في هذا اليوم أشبه باللعب مع الشيطان ..أثار ذلك غضب الرجل فدخل غرفته و قال أنه سيلعب مع الشيطان … صدرت أصوات مرعبة من الغرفة و فجاء الخدم مسرعين محاولين فتح الباب ، لكن محاولاتهم باءت بالفشل ، وفي لحظة ..ساد الهدوء و توقفت الأصوات ، أفزع ذلك الخدم فاضطروا للاستعانة بالحراس لقلع الباب .

لكن سيدهم اختفى و كأنه تبخر في الهواء !! ويظن أهل القرية أن الرجل الدنيء راهن بحياته و أنه سيعود كل عشرة أشهر ليلعب مع الشيطان مجدداً كي يستعيد روحه ..
 

تاريخ النشر : 2017-07-14

s .thr bleu rose

الجزائر
guest
14 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك