قتلة و مجرمون

ألكسندر بيتشوشكين: سفاح رقعة الشطرنج

حظيت روسيا في القرن العشرين بمجموعة لابأس بها من المجرمين الذي عاثوا في الأرض فسادا، وأهلكوا البلاد والعباد، وارتكبوا جرائم تشمئز لها الأنفس وتقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين. وعلى غرار سفاحي أمريكا المشهورين أمثال تيد باندي وإيد جين وجيفري دامر، فقد كُتب على صفحات تاريخ الاتحاد السوفيتي سابقا أسماء سفاحين سُطّرت بالدم بداية من “ذئب موسكو” في العشرينيات إلى “جزار روستوف” في الثمانينيات وأخيرا إلى “مهووس بيتسيفسكي” ألكسندر بيتشوشكين الذي ابتدأ نشاطه بعد انهيار الاتحاد، وقرر ترك بصمة في تاريخ الإجرام في روسيا الجديدة ولكن على طريقته الخاصة.

نشأة ألكسندر بيتشوشكين

ولد ألكسندر بيتشوشكين في التاسع من إبريل لسنة 1974 في مدينة ميتيشي الصناعية التي تقع جنوب غرب العاصمة الروسية موسكو على بعد مسافة قصيرة. عاش هناك دوما مع والدته وأخته الصغرى غير الشقيقة وزوجها وابنها في شقة من غرفتي نوم، كان المبنى يعود إلى عصر خروتشوف، ويبعد ستة أقدام فقط عن متنزه بيتسا الأشهر والأضخم في موسكو. أما الأب فقد هجرهم قبل أن يبلغ ألكسندر سنةً من عمره.

blank
متنزه بيتسا الأشهر في موسكو

كان طفلا عاديا يحظى بحياة عائلية مستقرة، ووفقا للشهود، كان فتى ذكيا اجتماعيا مرحا، ومحبا للحيوانات كثيرا وخاصة الكلاب. ولكن، هي لحظة واحدة غيرت كل حياته.

ففي حوالي الخامسة من عمره تعرض لحادث سقوط من الأرجوحة أثناء تأرجحه عليها. حادث تعرضت فيه جبهته للضرر، وعلى إثر ذلك قال الأطباء المختصون أنه أثر كثيرا على القشرة الأمامية من دماغ ألكسندر، خاصة وأنه كان طفلا وجبهته صغيرة لم توفر حماية كافية له، مما أدى إلى تأثيرات سلبية، وبالتالي ميل السلوك نحو الاندفاع والعدوانية وهو ما حدث فعلا بعد ذلك.

ألكسندر بيتشوشكين
كان طفلا لطيفا ومرحا

بيتشوشكين في المدرسة لم يكن سعيدا كأي طفل آخر، فقد تعرض للتنمر الجسدي واللفظي والتخويف والتهميش والإساءات المتكررة من بعض الطلاب هناك، والذين كانوا يلقبونه بالمتخلف.

كل ما مرّ به الطفل إضافة لميل طباعه للعدوانية والغضب نتيجة إصابته جعل من سلوكه غير مقبول، مما دعا بوالدته لنقله من مدرسته العادية لمدرسة أخرى تُعنى بالأطفال الذين يواجهون صعوبات بالتعلم.

في مراهقته المبكرة لاحظ جده لأمه علامات عبقرية عليه، وأدرك أن للفتى مواهب فطرية ستضيع هدرا إن لم يركز عليها. فألكسندر لم يشارك في نشاطات منزلية أو طلابية من قبل، وفوق ذلك، فالمدرسة الخاصة بصعوبات التعلم تركز على جانب التغلب على الإعاقة لا جانب الإنجازات، لذلك أخذ الجد على عاتقه مهمة توجيه حفيده، وتشجيعه على تطوير أفكاره ومزاولة نشاطات فكرية خارج حدود المدرسة، ولذلك دعاه للعيش معه في بيته.

ألكسندر بيتشوشكين مع جده
كان متعلقا بجده أيما تعلق

وبما أن العجوز كان لاعبا ماهرا في لعبة الشطرنج قرر تعليمها لألكسندر. وهو ما حدث فعلا. كان يأخذه معه لمتنزه بيتسا حيث يجتمع المسنون للعب الشطرنج، إذ كان مخصصا لهم مساحات واسعة للقيام بذلك. كانوا متميزين وأذكياء، وهو ما جعل بيشوشكين يعتبر اللّعبة التنافسية منفذا للسيطرة على عدوانيته من خلال السيطرة على رقعة الشطرنج في كل مبارياته.

blank

استمر الوضع كذلك في فترة مراهقته قبل أن يتأزم عاطفيا وينهار عالمه بسبب وفاة جده الذي كان متعلقا به أيّما تعلق، فهو الوحيد الذي أحبه دون شروط أو قيود.

عاد ألكسندر لمنزل أمه مجددا، وانخرط كطالب في مدرسة مهنية، وكمحاولة لتخفيف ألم فقدان جده وكبح ميوله للعدوانية راح يحتسي الفودكا وبكميات كبيرة. وواصل لعب الشطرنج في متنزه بيتسا حيث كان يقارع بقية المسنين في اللعب والشراب، رغم أنه على خلافهم بإمكانه اللعب يقظا إذ أنه لا يتأثر بالكحول.

blank
أراد أن يطور نزعة الشر لديه..

وبما أن لا رادع أصبح يقف في وجهه باعتبار أن لاشيء يخسره، فقد استغل ألكسندر بيتشوشكين نهاية مراهقته في تطوير نزعة الشر لديه.. إذ كان يتلاعب بالأطفال ويهددهم بقتلهم إما سقوطا من النافذة أو دفعا من مكان عال أو.. أو.. ويصور هلعهم وخوفهم ليشاهده مرات عديدة وقت فراغه، وذلك كان يُشعره بتفوقه وقوته.

مع بلوغه سن الثامنة عشر لم تعد تلك المزحات الصبيانية تلبي رغباته، لقد أراد شيئا أقوى.

الجريمة الأولى

في عام 1992 كان قد قُبض على قاتل متسلسل في موسكو، هو الأخطر في التاريخ الحديث ودون مبالغة، قتل أكثر من اثنين وخمسين طفلا وشابة على مدار اثنتي عشرة عاما، بل إنه اغتصبهم وأكل أجزاء من العديد منهم. هو السفاح الذي عُرف بأنه أندريه تشيكاتيلو – جزار روستوف – وأُعدم عام 1994.

blank
السفاح أندريه تشيكاتيلو.. كان خير قدوة لبوتشيشكين!

ألكسندر كان يرى من تشيكاتيلو مثلا أعلى وخير قدوةٍ له، فألصق صوره على جدران غرفته، بل إن الأمر تجاوز ذلك، لقد أراد أن يتفوق عليه ويقتل أناسا أكثر منه. لذلك وفي يوليو لنفس العام اتفق مع رفيقه ميخائيل أوديتشوك وهو أحد القلائل من المدرسة الذين بقي على اتصال معهم على الالتقاء في متنزه بيتسا، ووضع خطة لقتل أربع وستين شخصا بعدد مربعات رقعة الشطرنج، لقد أسرّ له بيتشوشكين بأن لديه نزعة للقتل.

ميخائيل لم يكن شريرا مثل ألكسندر، لذلك فما إن التقيا وأخذ الأخير يناقشه في الأمر بجدية حتى غيّر رأيه، لأنه كان يظن أن رفيقه يمزح، وهذا ما ضايق ألكسندر وأغضبه. لقد وقّع أوديتشوك حكم الإعدام على نفسه بقراره ذاك، ففي غفلة منه قام بيتشوشكين بإطباق يديه على رقبته وخنقه، وعند التأكد من موته رمى جثته في أحد المجاري في غابة بيتسيفسكي الكبيرة والمليئة بالأشجار الكثيفة والجداول والمساحات الخضراء. التابعة للمتنزه، وعاد لبيته القريب وكأن شيئا لم يكن.

blank
رمى جثة صديقه في أحد المجاري في غابة بيتسيفسكي..

بعد اختفاء ميخائيل فتحت الشرطة بطلب من والديه تحقيقا لاكتشاف ما حدث له. شهادة الشهود أكدت على رؤيته يرافق بيتشوشكين نحو المتنزه، وهو ما جعلهم يقبضون عليه ويخضعونه للتحقيق. وفي النهاية أُطلق سراحه لادعائه بأنه تركه حيا يرزق في الحديقة، ولا شيء أثبت عكس ذلك.

خطة محكمة وجرائم لا تنتهي..

بعد ذلك، وخوفا من أن يكون مراقبا من الشرطة، لم يقتل ألكسندر بيتشوشكين ثانية حتى غيّر رأيه عام 1996، السنة التي ألغت فيها روسيا عقوبة الإعدام.

بداية موجة القتل كانت في عام 2001، قرر ألكسندر أنه لن ينتظر أكثر، شراهته القتل كانت في ازدياد، لذا وضع خطة محكمة سيعتمدها في استدراج ضحاياه.

الخطة كانت تبدأ بوعد ضحاياه من لاعبي الشطرنج بالفودكا المجانية. كان يستهدف في الغالب الرجال المسنين والمشردين، وأحيانا كان يلاحق أحيانًا النساء والأطفال.

بمجرد أن ينقل ضحاياه إلى مكان منعزل في غابة بيتسيفسكي، يخدعهم بدفعهم إلى الركوع واحترام كلبه المتوفى فعلاً. وبينما الضحية مشغول بفعل ذلك، كان بيتشوشكين يوجه إليهم ضربات متعددة بمطرقة كانت كافية لقتلهم، لكن في أحيان أخرى، كان يرميهم في المجاري وهم لم يلفظوا أنفاسهم بعد.

ثاني جرائمه كانت في السابع عشر من مايو لعام 1991، حيث استهدف رجلا كان جاره يبلغ من العمر 52 عاما ويدعى يفغيني برونين الذي عاد مؤخرا من السجن، اتبع خطته بحذافيرها واستدرجه لقتله ثم ألقى جثته في قناة صرف صحي لتغرق وتختفي آثارها.

وطيلة خمس سنوات، هاجم بيتشوشكين ستا وثلاثين ضحية رماهم في آبار ومجاري غابة بيتسيفسكي. ولاحقا، غيّر نمط القتل، ووسع نطاق بحثه عن الضحايا، وأصبح لا يستخدم المطرقة فحسب، بل ويترك الجثث في العراء أيضا. وغالبًا ما كان يقوم بدفع زجاجات الفودكا المكسورة في الثقوب الكبيرة في جماجم ضحاياه. واستمر على ذلك النحو يقتل ويلقي الجثث في أماكن مكشوفة حتى اكتُشفت أول جثة له.

blank
بعض ضحايا بوتشيشكين .. كانت قائمة طويلة..

في 15 أكتوبر 2005، وجد رجال الشرطة جثة امرأة شابة تدعى نيكولاي فوربيوف، في الواحد والثلاثين من عمرها.. ملقاة في غابة بيتسيفسكي، كانت قد قُتلت بطريقة غريبة وغُرست قارورة فودكا في رأسها. حققوا في الجريمة، لكن لم يمسكوا أي رأس خيط.

بعد شهر وجدت جثة أخرى، لمسن في 63 من عمره، وبعدها بأسبوع عثروا على جثة أخرى بنفس الغابة، وبمرور شهرين كان عدد الجثث قد وصل لسبعة جثث وكلهم رجال.

غياب أدلة السرقة في مسارح الجريمة، ونمط القتل الذي كان هو نفسه، جعل المحققين يدركون أنهم أمام قاتل متسلسل خطير ومحترف.

تحقيقات مكثفة

انتشار الخبر بين سكان مدينة موسكو الذين فزعوا لوجود وحش بشري بينهم جعل السلطات تعيّن أكفأ وأذكى المحققين ممن لهم باع طويل وقدرة على التعامل مع القتلة المتسلسلين ليجدوا المجرم الذي أطلق عليه العامة ” وحش متنزه بيتسا”.

لم يجد المحققون أي بصمةٍ أو دليل يعتمدون عليه في تحقيقاتهم، وكأن القاتل شبح يقتل ضحاياه دون ترك أي أثر. الشيء الوحيد الذي أسفرت عليه عمليات التشريح هو ماهية سلاح الجريمة، فبناء على تشوه الجماجم فهو المطرقة ولا ريب.. لكن من المجنون الذي يتجول داخل متنزه عام بمطرقة في جيبه؟

أحيط المتنزه بأكثر من مائتي رجل شرطة يرتدون أزياء مدنية وعسكرية بغية مراقبته، والتدقيق في أي تصرفات مريبة قد تصدر عن أحد الزوار، لكن كثرة الزوار وكِبر مساحة المتنزه جعلا الأمر صعبا للغاية.

وكما أسلفنا فإن بوتشيشكين كان يترصد الضحايا في متوسط العمر والمسنون خاصة من هم مشردون، وطبقا لمحللين نفسيين، فإن القاتل هو أقرب للمختل، ووجود مصحة نفسية قريبة جدا من المتنزه، تطلق مرضاها كل فترة للتجول هناك جعل من الشرطة تربط الأمور ببعضها في محاولة منهم لإيجاد أي دليل. لكنهم لم يستطيعوا الوصول لأي شيء.

ما زاد الأمور سوءا هو استمرار عمليات القتل، فقد وُجدت جثة لامرأة بعد فترة تبعتها ثلاث جثث أخرى لنساء أيضا قتلن بنفس النمط. وفي منتصف صيف 2006، عثرت الشرطة على جثة خامسة لامرأة في السادس والثلاثين من عمرها، كانت تدعى مارينا موسكاليوفا. لا شيء كان مميزا أو مختلفا في تلك الجريمة باستثناء أنهم وجدوا تذكرة مترو في جيبها.

طرف خيط أخيرا، سارع المحققون لمحطة المترو لتفتيش كاميرا المراقبة وإيجاد أي دليل يوصلهم للقاتل، وخلال ذلك، تعرف ابن مارينا على جثة أمه وأخبر الشرطة بأنها تركت ملاحظة في المنزل قبل مغادرتها، تقول فيها أنها ستذهب في نزهة برفقة ساشا – في روسيا لديهم عادة اختصار الأسماء وساشا هو اختصار اسم ألكسندر – وتركت رقم هاتفه أيضا، والرجل كان زميل عملٍ في السوبر ماركت الذي تعمل به.

لاحقا عُثر على مقطع كاميرا المراقبة يصورها وهي مغادرة برفقة رجل، كان ألكسندر بيتشوشكين بنفسه.

من جهة أخرى، ألكسندر كان على علمٍ أن الشرطة تلاحقه وتحيط المتنزه من كل جهة، ومع ذلك لم يستطع التوقف عن القتل لأنه أصبح بالنسبة له كالأكسجين الذي يتنفسه. كانت كل جريمة يرتكبها وكأنها الأخيرة، وكان يدرك تماما أن مارينا تركت اسمه ورقم هاتفه في منزلها، لكنه لم الأمر لم يردعه.

القبض على ألكسندر بيتشوشكين
ملامح قاسية وساخرة.. ألكسندر بوتشيشكين بعد القبض عليه

ووفقا لما فُهم بعد ذلك من مختصي علم النفس، فإن بيتشوشكين كان يمزقه صراعٌ داخلي، لقد أراد أن يقتل، وأن يعرف الجميع أنه القاتل. أراد الاعتراف به وتعظيمه واحترامه. وكمثال على ذلك حكايته لاحقًا عن ذات ليلة كان يشاهد فيها التلفاز مع والدته وأخته، وكان هناك تقرير عن قاتل غابة بيتسيفسكي، فهتفت أخته من شدة الإعجاب به وتساءلت عمن يكون ذلك العظيم، وكان عليه هو أن يقمع نفسه بشدة حتى لا يخبرها أنه يجلس بجوارها.

محاكمة ألكسندر بيتشوشكين

في 15 يونيو 2006، أي بعد يوم واحد من ارتكاب آخر جريمة له ألقي القبض على ألكسندر بيتشوشكين، ولم يجد المحققون أي صعوبة في جعله يعترف بجرائمه. فبمجرد القبض عليه، قاد ضباط الشرطة إلى مسرح العديد من جرائمه في متنزه بيتسا، وأظهر تذكرًا شديدًا لكيفية ارتكاب جرائم القتل، وغالبًا ما كان يمثلها بالتفصيل.

أحيل إلى المحاكمة وبعد أكثر من سنة من الجلسات وتحديدا في 24 من أكتوبر 2007 أدين بارتكاب 49 جريمة قتل وثلاث محاولات قتل. لكن الأمر لم يعجبه وطلب من المحكمة إضافة 11 ضحية إضافية إلى عدد جثثه، ليصل عدد القتلى إلى 60 ضحية.. أي ليتفوق على مواطنه أندريه تشيكاتيلو بسبع ضحايا. وللتنويه فإن الشرطة عثرت في منزله على رقعة شطرنج مرقمة من واحد وحتى واحد وستين، لكن التحقيق لم يثبت سوى ارتكاب تسع وأربعين جريمة عثروا على جثثها، ولم يجدوا أثرا للإحدى عشر جثة المتبقية.. وهي من ضمن التي ألقاها في مجاري الصرف الصحي، ويعتقد البعض أنها لا تزال عالقة هناك.

blank
لوح الشطرنج الذي عثر عليه في منزله .. ظلت ثلاث مربعات خاوية

أثناء المحاكمة، تم وضعه في قفص زجاجي واستغرق الأمر من القاضي ساعة واحدة لقراءة الحكم.. السجن مدى الحياة مع قضاء أول 15 عامًا في الحبس الانفرادي. ومرد ذلك كما أسلفنا أنه تم إلغاء عقوبة الإعدام في روسيا في عام 1996.. وهو الحكم الذي لم ينل إعجاب ألكسندر ورآه مجحفا بحقه، لقد رأى أن خمسة وعشرين سنة من السجن تكفي بل وتزيد!

blank
blank
داخل المحكمة في قفص زجاجي..

جرائم لم تكتمل..

بالعودة لجرائم بيتشوشكين، فإن ثلاثة منها لم يكتب لها أن تكتمل، ويتعلق الأمر بامرأة وفتى ورجل.

فأما المرأة فهي أول ناجية من الهجوم، كان اسمها ماريا فيريشيفا. في ذلك الوقت، كانت الفتاة التي تبلغ من العمر 19 عامًا حاملا في شهرها الخامس، التقت بألكسندر شتاءً بالقرب من محطة مترو. عرض عليها عملاً ما، وأحضرها إلى الغابة، وبعد ذلك ضربها عدة مرات ودفعها إلى بئر بارتفاع ثمانية أمتار.

لكن إرادة ماريا وتشبثها بالحياة جعلها تسبح في الظلام لمدة ساعة تقريبا. ولتسهيل الأمر، تخلصت من حقيبتها وسترتها التي كانت تحتوي على جميع وثائقها الثبوتية. كانت الفتاة لا تزال قادرة على التسلق ثم دفعت فتحة المجاري الثقيلة جانبا وخرجت. ذهبت إلى الشرطة لتشكو ألكسندر لكن أحدا لم يصدقها، فقد ضاعت كل الأوراق التي تثبت هويتها. كان عزاؤها الوحيد بعدما حدث أنها حافظت على حملها.

الناجي الثاني كان طفلا يتيما يدعى ميخائيل لوبوف يبلغ من العمر 13 عامًا. في أحد الأيام، طلب ألكسندر منه المساعدة، وفي المقابل كان مستعدًا أن يدفع له 500 روبل فوافق.

ونظرًا لأن ميخائيل كان لا يزال طفلاً، فقد ألقى به بيتشوشكين إلى أسفل فتحة المجرى دون أن يفعل أي شيء له. فظل الصبي يطفو في لمدة نصف ساعة قبل أن يتمكن من الخروج. في اليوم التالي واجه ألكسندر بأنه على قيد الحياة، ولكن الأخير وعلى غير عادته قرر عدم القضاء على الطفل والاعتماد على فكرة أن لا أحد يصدق الصبي، وذاك ما حدث فعلا.

أما الأخير – ولن نقول أنه ناجٍ بالفعل – فهو كونستانتين بوليكاربوف البالغ من العمر 31 عامًا. كانا جيرانا لفترة طويلة وكانا على علاقة جيدة. في أحد الأيام عرض ألكسندر عليه مشروبا في الغابة. وبعد ذلك ضربه على رأسه عدة مرات بمطرقة وألقاه في فتحة المجرى.

وعلى الرغم من الإصابات الشديدة، تمكن كونستانتين من الخروج. ولكنه لم يتذكر كيف ذهب إلى الغابة مع بيتشوشكين، ولا ما حدث بعد ذلك، لقد تسببت الإصابات في تلف دماغه وفقدان ذاكرته.

بعد المؤبد .. ألكسندر بيتشوشكين حي يرزق حتى الآن

بعد إلقاء القبض عليه، تداول الناس أخبارا كثيرة عن ميول ألكسندر الجنسية، وانتشرت شائعة عن كونه كان يمارس الجنس مع جماجم ضحاياه قبل أن يدفع قوارير الشراب في تجاويفها، لكن والدته ناتاشا فيدوسوفا المنهارة والمصدومة لما آل إليه حال ابنها قالت أن ابنها لم يكن يهتم بالفتيات، ولم يتحدث قط عن الجنس أو ينظر إلى النساء بالطريقة التي ينظر بها الرجال إليهن. بل ورفضت بقوة أي فكرةٍ حول كونه مثليا.. ووافقها المختصون في ذلك، فليس شرطا أن ترتبط ممارسة الجنس بالقتل عند القتلة المتسلسلين، لأن الكثيرين ومنهم ألكسندر نفسه يرونه في حد ذاته فعلا جنسيا.

ناتاشا فيدوسوفا

في عام 2008 ظفِرت صحيفة التابلويد الروسية بمقابلة حصرية مع ألكسندر بيتشوشكين، كان الهدف سماع أفكاره وآرائه في الحياة، ألكسندر لم يكن نادما على الإطلاق فيما يخص جرائمه، بل إنه تجاوز ذلك بقوله أن حياة الإنسان ليست طويلة جدا، بل إنها أرخص من النقانق، وأن مبدأه واحد لا غير وهو “إلى القبر”. أضاف أيضا أنه استمتع أكثر بقتل الأشخاص الذين عرفهم شخصيًا. وأن جرائم القتل الأكثر خطورة جعلته يشعر بالقوة والتفوق على الآخرين.

blank

وعلى نفس نهج السفاح الأمريكي تيد باندي، فقد تلقى بيتشوشكين على حد قوله رسائل من ثمانين معجبة به على الأقل، كلهن كنّ عاشقات له ومبهورات ومهووسات به، ومن بينهن تعرف على ناتاليا عام 2007.

ناتاليا قالت لوسائل الإعلام أنها تحب ألكسندر وفخورة به، بل ووشمت صورته مع رقعة الشطرنج على ذراعها ليظل دوما بقربها! وتحدثت عن كونه أفضل شيء حصلت عليه بعد فشل زواجها السابق، وأنها تريد الزواج منه بالتأكيد لولا أن السلطات منعت الأمر، ضف لذلك رفضه من خلال موجة غضب شعبيةٍ عارمة من أهالي الضحايا، ورغم كل هذا بقيا على تواصل.

ناتاليا.. عشيقة ألكسندر بيتشوشكين

 

blank

والآن في عامنا هذا، يقضي ألكسندر بيتشوشكين – الذي قالت عنه والدته ذات الواحد والسبعين عاما أنه مريض وحالته سيئة – عقوبته في السجن منذ 17 عامًا في مستعمرة القطب الشمالي الجزائية ” البومة القطبية ” وحيدا في زنزانة انفرادية، فجميع المساجين وحتى أعتى المجرمون والمغتصبون وأكثر القتلة وحشية رفضوا رفضا تاما مشاركة زنزاناتهم معه اشمئزازا منه وخوفا من ميتةٍ غادرة.

وفي الختام، لا يسعني سوى أن أقول أنه كلما تعمقت في عالم القتلة والسفاحين الذي ولجته من خلال موقع كابوس، كلما ازددت يقينا أننا نعيش في عالمٍ مجنون، وأنه لا يوجد شيء أخطر على الإنسان من الإنسان نفسه. وبغض النظر عما إذا كان السفاح عاقلا أو حتى مجنونا فلا يمكننا التغاضي عن كونه مبدعاً في تمييز نفسه عن البقية، ورسم عالمٍ خاص به لا يتشبه فيه بغيره من بني جنسه.

المصدر
Mk.ruPartnersearchWikipediaren.tvgq.commurderpediaranker

وفاء

الجزائر
guest
22 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى