أدب الرعب والعام

الشياطين لا تأتي من تحت الأرض .. بل تهبط من السماء !

في لندن تحديدا ، وفي عام 1905 أي بعد حقبة العصر الفيكتوري بقليل ، شبت سلسلة جرائم متلاحقة في قلب العاصمة الكبرى . وقد كانت الضحايا أغلبهن من النساء اليافعات ، فالضحايا الرجال الذين وجدوا مذبوحين في مسرح الجريمة .. يعتقد أنهم كانوا قد حاولوا باستماتة منع هذا القاتل الذي وصف بالعاتي من النيل من هؤلاء النسوة المسكينات واللواتي طاردهن حتى الرمق الأخير منهن ، وقتلهن حينها بدم بارد وببشاعة منقطعة النظير .

الأجواء في العاصمة أثناء هذا العصر كانت مشجعة للغاية على نشوب وباء القتلة المتسلسلين ، البيروقراطية المنتشرة ، والطبقية اللامنتهية ، وأيضا تلك الشوارع الشاسعة والفارغة تماما في الليل إلا من رحم ربي . كل ذلك قد ساعد هذا القاتل الذكي والقوي في نفس الوقت على التخفي لأشهر عديدة دون الايقاع به . ودون حتى استقطاب أي دليل ملموس يكشف عن هويته . ومع تزايد اختفاء العديد من النسوة وزيادة عدد جرائم هذا القاتل المرعب في الأنحاء أخفقت شرطة العاصمة بجهازها الكبير ، بل واشتبهت في الكثيرين ونفذت حكم الإعدام في أكثر من شخص كان يعتقد أنهم هم نفسهم هذا القاتل البشع .

إلا أن الجرائم من بعدها كانت تعود من جديد لتثبت نظافة أيديهم مما حدث . استعانت شرطة العاصمة أخيرا بمحقق بريطاني دولي رفيع وله باع طويل في التحقيق في جرائم القتل الجنائية . من جرائم جاك السفاح وحتى جرائم سفاحة برشلونة استطاع هذا الفذ أن يطبع بصمته في الداخل والخارج ، هاري دون هو محقق بارع يتم الإستعانة به على الدوام في جرائم القتل البشعة في بريطانيا الفيكتورية .

**

في البداية تظهر أمامنا فجأة سيارة شرطة قديمة منتصبة بمحاذاة الطريق وسط ذلك الميدان الفيكتوري الشاسع . وقد وقف إلى جوار السيارة بعض من رجال الشرطة المسلحين ببنادق توماس رفقة المحققين والذين كانوا ينظرون برعب وضيق الى تلك الفتاة الصغيرة الشقراء صاحبة الملابس البسيطة ، والتي كانت مسجاة أمامهم على الأرض وسط بقعة كبيرة من الدماء الساخنة ، والتي كانت الجرذان ترتشف منها خلسة لتروي ظمأها .

إقرأ أيضا : شياطين الطابق الرابع

وحول رجال الدولة المخلصين تجمهر عدد من الناس وكان الحزن يعلو وجوهم وهم ينظرون بألم وأسى نحو جثة تلك الطفلة المغدورة . وقد كان هنا أحد هؤلاء المحققين بقبعته وشعره البني يتفحصها بعناية وهو ماكثا على ركبتاه ” هاري دون ” . وقد كانت الطفلة المتوفاة تنظر إليه بفزع وعيناها كانت مفتوحة على مصراعيها وكأنها قبل مقتلها رأت شيطانا رجيما . وهنا أردف المحقق قائلا وهو في مكانه لهذا الرجل ذو الشارب والذي كان من العامة :

” متى عثرتم عليها هكذا ؟ “

” منذ قليل ، سمعت عن بحثكم المطول عن قاتل متوحش ، ووجدت تلك الطفلة مقتولة على الأرض بهذا الشكل ! بعدها مباشرة اتصلت بكم “

” أحسنت ، حتى الصراخ بعد وقوع المصيبة قد يفيد “

وهنا نهض المحقق من مكانه باهتمام وتوقف إلى جوار مساعده قائلا له وهو يشعل سيجاره :

” تلك الجريمة متصلة أيضا بذلك اللعين الذي نلاحقه منذ أشهر يا جيمس ؟ “

” سيدي؟ ، لكن هذه طفلة ؟! “

” نعم أعرف ، أظننا أمام قاتل فريد هذه المرة ، قاتل بعقل طفل ولايعرف حتى كيف يفرق بين أعمار النساء اللواتي يقتلهن ، يقتلهن جميعا .. نساء ، أطفال ، شابات بل وحتى العاهرات ! أنا معجب به “

“سيد هاري؟ ، هل يوجد رجل بالغ يقتل طفلة بمثل تلك الطريقة ؟ . ثم من أجل ماذا ؟ ، إنها حتى لم تبلغ بعد؟ . صدقني لن تفيده بشيء”

القاتل لا يتحرش بهن ولا يهدف لإشباع غريزته ، انظر معي ، نفس الطريقة التي نجد بها الضحايا كل مرة . ينظرن الينا وهن مفزوعات وكأنهن رأين قبل مقتلهن وحشا جامحا كبل أيديهن وأرجلهن ، وفي كل مرة الجثث تكون بلا أحذية ! . أيضا الخدوش التي في جسد الطفلة واستخدام الأيدي العارية والأسنان لإلحاق أكبر أذى يدل أنه هو نفس هذا القاتل الغريب المضطرب . إنه سادي بطريقة لاتوصف ، ولن يتوانى عن القتل حتى لو حاولنا الإمساك به . تبا ، لماذا علي الخضوع دوما لهؤلاء القتلة ومحاولة الإمساك بهم؟ . ألم أجد عملا آخر ؟ “

” على رسلك سيدي ! ، ماذا نفعل الآن ؟ “

” لا شيء الآن سوى الذهاب للمخفر الرئيسي ، رفعت كل البصمات ، أيضا تفحصت الجثة جيدا ، سيأتي رجال الطب الشرعي بعد قليل ليأخذوا الجثة للمشرحة . أيضا يبدو أن تلك الطفلة من أطفال الشارع مرت فترة ولم يسأل عنها أحد ، مسكينة ؟ “

“إذا ؟ “

” فلتذهب للجحيم ولنذهب نحن الآن للمخفر ! . هيا الآن لنركب سيارتنا . “

إقرأ أيضا : ثمن الثروة

**

وأثناء ركوب المحقق هاري سيارته رفقة مساعده الفذ جيمس اقترب منه أحد العامة قائلا له باستعطاف :

” سيد هاري ، ما العمل؟ ، نحن نفقد نساءنا يوما تلو الآخر ؟ . هل ستوقفون هذا القاتل المرعب أم لا ؟ “

“ولماذا تستفسر؟ ، أنت رجل؟”

“نعم ، لكن زوجتي ، ابنتي ، أختي …”

“حسنا ، حسنا ، حسنا ، توقف عن الثرثرة الآن أعرف ما ستقوله . أظننا سنفعل ونؤدي عملنا ، نود فقط أن تقوموا بإبلاغنا فور رؤيتكم أي شخص يتجول في المنطقة في الليل . أظننا أمام جريمة مماثلة لقتلة الشرق ريا وسكينة ، هل تذكرك دعابة ريا وسكينة باختك وزوجتك؟” .

وهنا انفجر المحقق ضاحكا في سخرية وأدار مساعده السيارة وانطلقوا بسرعة من مسرح الجريمة .

كان الطريق طويلا ومملا للغاية أمام عجلات سيارة المحقق هاري للوصول الى المخفر الرئيسي للعاصمة . وأثناء سير السيارة في شوارع المدينة كان هناك حرفان مميزان للغاية مطبوعان على أكثر من جدار ، وقد لفتا أنظار المحقق أثناء السير الطويل بين الشوارع ..

“F،K ؟ ، ماهي أسرار تلك الأحرف على كل حائط” ؟ .

“مجرد عابثون يا سيدي ؟”

“على ما أظن !”

وهنا قاطع كلام المحقق مع مساعده نداء استغاثة على اللاسلكي الخاص المثبت في سيارته :

” إلى المحقق هاري ، أتمنى قبل أن تتواجد لدينا وأن تتوجه صوب ملهى كاربيل الرئيسي ، الفرع 5 إلى جوار شارع ……”

“ساوث؟! “

“نعم أحسنت أيها المحقق ، شارع ساوث ، هيا بسرعة ؛ فهناك أمر طارىء . “

“ماهذا يا سيدي ؟ “

” لقد سمعته ، انحرف يمينا الآن وبسرعة ! “

وهنا انحرف جيمس يمينا متوجها لمكان الإستغاثة ، وماهي إلا دقائق وقد انتصب بالسيارة أمام ملهى كبير للغاية يدعى ملهى كاربيل .. وأثناء ترجل المحقق هاري رفقة جيمس لدخول الملهى قابلهما بسرعة أمام الباب رجل أنيق للغاية بشعر أسود وشارب ، وقد تقدم نحوهما قائلا بذعر :

” أهلا بكما ، وصلتما في الموعد “

” من أنت ؟ “

“سكوت ، اسمي سكوت مرزباخ ، أنا صاحب الملهى سيد هاري “

” هل تدخن ؟ “

” لا شكرا سيدي ، لا أريد سجائر الآن “

إقرأ أيضا : جزيرة ابليس!

” أيها الغبي ، من قال لك أنني سأعطيك سجائر؟ ، سجائري نفذت وكنت أبحث عن المزيد من خلالك “

” حسنا يا سيدي ، تفضل “

” لا بأس سيد سكوت ، ما الخطب؟ . اتصلت بالمخفر وأرسلنا لك ؟ ، هل هناك ما يدعو للقلق؟ “

” اختفت فتاة من الراقصات في الداخل منذ قليل ، آنا شيشتابوسكا ، روسية الأصل ، راقصة أتت من بلادها إلى هنا لتعمل خصيصا لدي واختفت فجأة بعد تقديم العرض مباشرة . وملابسها لا تزال في الداخل ، أيضا منعا للإحراج ومنعا لأحداث بلبلة في مكان عملي هناك شيئا ما أود أن أريك إياه في الحمام . “

وهنا نظر هاري لجيمس بتعجب وقال ساخرا :

“حمام ؟! ، يبدو أنني بالفعل كنت سأتوجه له بدون أن تطلب مني . فأنا بحاجة الآن لقضاء حاجتي سريعا وإلا بللت سروالي ، هيا بنا اذا لنرى ..

” تفضل سيدي “

ترجل هاري ومساعده وراء الرجل ودخلا بالفعل باحة الملهى . وقد كان الملهي مكتظا عن آخره من الزبائن والراقصات ، وعلى المسرح انتصبت حسناء شقراء أخذت تتمايل وتتراقص يمينا ويسارا ببراعة وأخذ يلقى الرجال السكاري النقود عليها ببذخ ..

وهنا انتصب الرجل رفقة هاري وجيمس أمام باب خشبي معزول في رواق كئيب مظلم :

” باب الحمام الرئيسي “

” سأفتح الباب الآن ، رجاءا حاولت إخفاء كل شيء عن الزبائن كي لايحدث اضطراب “

“هيا بسرعة ، ليس لدينا وقت !”

فتح الرجل الباب بسرعة ، وظهرت باحة الحمام من الداخل أمام أعين هاري وجيمس واللذين انتصبا في مكانهما برعب وهما يشاهدان تلك المرأة الشقراء والتي انكشف على الفور أمامهما . كانت معلقة من قدمها في السقف وكان شعرها الغزير يتدلى للأسفل ، ووسط فخذيها شقت قدماها بشكل بشع من المنتصف وكأن القاتل استخدم منشارا . وقد انسدلت دمائها من جراحها وأغرقت الحوائط والأرضية حتى بلغ منها السيل الزبى . ووراءها وعلى هذا الحائط الأبيض داخل الحمام كتب القاتل المجنون بدمائها عبارة مرعبة للغاية ..

“لو كنت تبحث عني اذهب إلى سكرامنتو”

“قف أمام مبني 15”

“أراك لاحقا هاري”

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وأنهى القاتل رسالته الموجهة بالكثير من علامات الإستفهام الرمزية وباسم المحقق الفذ هاري وكأنه يعرفه ! .

” تبا ، إنه يعرفني ؟! “

” هل يراقبنا يا سيدي ؟ الأمر فعلا غريب ! “

” لا أظنه بتلك الغرابة ؛ فلا يوجد أي مجرم في البلاد برمتها لا يعرف من هو هاري دون ، عامة هيا بنا الآن وبسرعة “

انتفض هاري بسرعة تجاه باب الخروج وهرول رفقة مساعده قائلا للرجل الذي كان خلفه :

” أغلق هذا الباب نهائيا ، سأحاول إيقاف هذا العبث بأي شكل . اجعل الزبائن يستمتعون بيومهم هنا ، وأنا سأذهب للمخفر وسأرسل لك قوة لتعاين المسرح وترفع الجثة في سرية تامة “

” متى يأتون؟ ، الساعة الآن الثانية صباحا ! “

” في الرابعة سيصلون هنا ، لا تغلق أبوابك “

وهنا ركب هاري سيارته رفقة جيمس وقبل أن ينطلق قال متسائلا للرجل صاحب الملهى :

” صحيح ؟ هل كل الفتيات عندك بريطانيات عدا تلك الفتاة الروسية المخطوفة؟ “

” لا ، أغلبهن مجنسات ، صربيا ، وأرمينيا ، وأوكرانيا . هذا هو الفرع الوحيد لدي و الذي يعمل مع المستقطبات من الخارج ؟ “

“هل هاجم القاتل أي فرع آخر لك ؟ “

” لا “

” حسنا ، شكرا لك ، انتظر الرجال ، سيصلون لك “

“مع السلامة ، لاتنساني رجاءا ، فأنا خائف للغاية “

انطلق هاري رفقة جيمس بالسيارة بسرعة نحو المخفر الرئيسي ..

” القاتل يحاورني جيمس ، إنه يعرف أنني أبحث عنه “

” الأمر مرعب للغاية ويثير التوتر سيدي الفاضل “

” لم يسبق أن حدث لي أمر مشابه لهذا من قبل ، إنه أيضا من خلال ضحاياه السابقين يختار النساء المجنسات بشكل غريب . أغلب من قتلهن يحملن جنسيات مزدوجة ، هناك سر ما في هذا الموضوع . عليّ البحث عنه وإيجاده قريبا “

“هل يكره المغتربين ؟ “

” سنرى عندما نصل للمخفر ، تركه لعنوانه أمر مريب “

” قاتل فريد حقا “

**

بعد ربع ساعة تقريبا توقفت سيارة المحقق هاري أمام مخفر المدينة الرئيسي مباشرة . ومنها هرول بسرعة رفقة مساعده مقتحما أروقة المكان المكتظ بالموظفين والضباط ، وقد ارتطم هاري حينها بقوة بأحد الضابطات ..

” أنت ، احترس ! هل فقدت بصرك ؟ “

” ماذا تريدين يافتاة ؟ ، المعذرة فأنا هنا في مهمة لإنقاذ جنسك اللعين من الإنقراض ! “

” سيد هاري ، المعذرة ، لم أتعرف عليك إلا الآن ؟ “

إقرأ أيضا : حين نطق المال

” هل مأمورنا العزيز في مكتبه؟ “

” نعم ، إنه هناك الآن “

” حسنا ، بعد إذنك “

وبسرعة تحرك هاري رفقة جيمس ووصلا إلى مكتب المأمور الكبير ودخلاه دون إذن . وقد كان المأمور هناك جالسا بقبعته الأنيقة وبزيه الشرطي المرصع بالنجوم على مكتبه يطالع بعض الاوراق . وقد انتبه لدخلة محققه المصون وهو يقتحم مكتبه على عجل وقد اردف له قائلا بلهفة :

“سيد واطسون ، حددنا مكان القاتل ، لق …”

“لقد ترك لك جزءا من عنوان منزله على الحائط !”

“نعم ، لقد فعل ، هل وصلت لك المعلومات سيدي ؟”

“اعتقد ذلك ياهاري ، وصل كل شيء . ثم كيف تقتحم مكتبي بتلك الطريقة أيها العجوز ؟! “

” المعذرة سيدي ، أنا متلهف للأمر كثيرا ، الغريبة لماذا يفعل القاتل ذلك؟ . هل يوقع نفسه؟”

” لا ، لا أظن ، إنه فقط يستمتع ! “

” يستمتع ؟!”

“نعم”

” المعذرة سيدي ! أنا لا أفهم ما تقوله ؟ “

” العبث مع الآخرين والأحجية هي متعة القتلة يا هاري ، وحتى وإن كان هؤلاء رجال شرطة . رؤيتهم للقانون يعاني في حد ذاته متعة تكاد لا توصف “

” مذهل ! ، أتمنى أن تسمح لي للذهاب الآن رفقة جيمس ومجموعة من الضباط لمداهمة منزله “

” لا بأس ، لديك تفويض كامل في القبض عليه وقتله إن قاوم . ولكن ستكون رفقة جيمس فقط ، أريد أن تكون عملية القبض عليه و تصفيته سرية للغاية “

” أخشى من حدوث شيئا ما ، لكن لابأس سيد واطسون ، ستكون كذلك كما أردت “

” صحيح ، بعضا من رجالنا سبقوك إلى سكرامنتو واستطاعوا تحديد البناية التي يسكن فيها ورقم الطابق “

“كيف ؟! كيف هذا ؟! رائع ، إذن المسالة أصبحت سهلة للغاية الآن ، وأخيرا سنوقع هذا الوغد الذي نال من نساء البلاد لفترة كبيرة “

” نعم أخيرا ، أتمنى أن لا يفلت منكم خاصة أن المنازل هناك عشوائية وملتصقة إلى جوار بعضها بشكل لا يصدق “

” لا تقلق سيدي ، ثق بنا “

” حسنا والآن اذهب لمهمتك ، وخذ تلك الورقة ، بها العنوان مفصلا بواسطة المعلومات التي حصلنا عليها “

وهنا رفع المحقق هاري الورقة الموصومة ببقعة خضراء أمام عيناه واستطلعها باهتمام …

“سكرامنتو ، بي 15 ، الطابق العاشر ، بجوار دير الراهبات الأعظم “

” دير الراهبات الأعظم ! “

وهنا اطلق ضحكة ساخرة قائلا :

” ألم تجد مكانا أفضل من هذا لتقطن فيه أيها الحقير ، عن إذنك سيدي “

” تفضل ، بعد أن تنجز المهمة هاتفني من أي مكان “

وهنا هبط المحقق هاري الدرج رفقة مساعده جيمس نحو سيارتهما الرسمية المنتظرة أمام باب المخفر وركباها مجددا . وتولى جيمس القيادة وانطلق بها رفقة قائده المصون هاري والذي اخذ يشرد بخياله ويتخيل شكل هذا القاتل اللعين الذي أرعب المدينة طيلة هذه المدة ..

إقرأ أيضا :الطريق الملعون

” كيف تتخيله يا جيمس ؟ “

” لا أعرف يا سيدي ، أعتقده ككافة المضطربين الذين تخلت عنهم نسائهم وأصيب بعقدة ما ، سيكون أجحظ العينين وبمشاعر سوادوية مضطربة ! “

“لا أعرف ، لماذا يحدث هذا دوما طالما أننا فطرنا على ذلك ؟ “

” لم أفهم قصدك يا سيدي؟ ، عمّاذا تتكلم بالضبط؟ “

” أقصد لماذا عندما يهجر الرجال من قبل النساء يتحولون بسرعة لقتلة يعبثون في الأرجاء ؟ “

وهنا أجاب جيمس ضاحكا :

” إن الأمر متعلق بالكرامة والشرف يا سيدي . عامة أرى أن الكرامة رفقة الشرف ليسا سببان كافيان لإزهاق روح أحد “

” كأفضل ما يكون “

” عامة لقد اقتربنا ، هاهو المبنى رقم 12 يطل في الأفق هناك “

وهنا قال المحقق هاري مردفا وهو يسحب مسدسه من مخمده :

” حسنا ، اقترب أكثر و توقف بالسيارة أمام مدخله لنلقي نظرة الوداع الأخيرة على هذا المضطرب فورا “

**

بعد قليل من السير بواسطة السيارة توقفت سيارة الرجلين أخيرا أمام مبنى قديم ومهترىء أصفر اللون ، قبع إلى جوار دير كبير يدعى بدير الراهبات الأعظم .

وكان حول المبنى عدد من البيوت الأخرى العشوائية ، والتي كانت بنفس قباحته بالضبط . وهنا هبط المحقق هاري من السيارة رفقة مساعده جيمس وأخذ يحملق من أمام مدخل هذا المبنى المظلم جدا من الداخل قائلا ببرود :

” المدخل مظلم للغاية من الداخل ، سنواجه عدة مصاعب هنا خاصة أن اللعين يقطن في الطابق العاشر “

” لا بأس سيدي لنستخدم المصعد “

وهنا دخل الرجلان إلى المبنى وهما يقتحمان الظلام اقتحاما من أجل الوصول للطابق الذي يحوي شقة هذا القاتل اللعين . وبسرعة شديدة وجدا أمامهما المصعد وقد كانت الأضواء حوله خافتة للغاية . وبسرعة البرق دخل فيه من أجل الهروب من هذا الظلام البارد ..

” بسرعة ، اضغط الزر رقم 10 ، لقد شعرت بشعور سيء للغاية عندما انتصبت أمام المصعد في هذا الظلام “

وهنا ضغط المساعد جيمس بسرعة الزر رقم 10 ، وبدأ المصعد يصعد بهما ببطء إلى الطابق المراد ..

” تبا سيدي ، الأدوار ليس بها إلا إضاءة خافتة للغاية . هذا المبنى يبدو بالأساس مهجور ، هل يعقل أن يقطن أي بشر فيه ولو كان حتى قاتلا متسلسلا ؟! “

” لا أعرف ماذا يحدث ؟ ، هذا الرجل مجنون بالفعل ، جهز مسدسك ، الطابق اقترب ! “

إقرأ أيضا : إعدام بحبل الضمير

وهنا أخذ المحقق يعد مع تسلسل أزرار المصعد من أجل بلوغ الطابق ..

8
.
9
.
10

” لقد وصلنا ، هيا الآن ، هاهو الطابق العاشر لنلقي القبض على هذا اللعين ولننهي كل هذا فورا “

وفور أن فتح المصعد أبوابه اندفع هاري للأمام بسرعة في هذا الرواق الذي كان به إضاءة صفراء خافتة للغاية وقد كان قابضا بيديه على مسدسه تحسبا لأي ظرف .

وهنا كان المحقق ومساعده منتصبين في مكانيهما وهما ينظران بحيرة الى أبواب تلك الشقق الأربعة والتي أحاطت بهما من كل جانب ..

” ماذا بك ؟! ، لا تنظر إليّ هكذا يا جيمس ! . هل فقدنا الاتصال؟ ، رئيسنا المصون لم يخبرنا أي باب من الأربعة ! “

وعندما كان المحقق يقف في حيرة من أمره وفي ظهره مساعده وسط هذا الرواق المرعب .. يرمقان تلك الأبواب القديمة بخوف وذعر شديد ، لفت نظرهما معا أحد الأبواب المكتوب عليها باللون الاخضر ..

” أطرق هنا ياهاري أنت والأحمق الذي معك “

” تبا ما هذا ؟! ، هذا مسكنه ، كيف يعرف القاتل أننا اثنين “

” لولا أنني اعرفك جيدا يا جيمس لكنت قلت أنك تعمل لصالحه فلا تفسير غير ذلك . عامة .. أطرق الباب عليه الآن ، أظنه في الداخل ويريد أن يمرح قليلا ونحن لن نحرمه من ذلك ، هيا بسرعة ! “

وقبل أن يفعل جيمس المتردد أي شيء تقدم المحقق هاري بسرعة بدلا منه وقرع المقبض الحديدي الذي كان يتدلى من على الباب بحذر . وبعد ثوانٍ معدودة لم يجد المحقق القائد أي استجابة من داخل تلك الشقة ..

“سيدي الشقة فارغة ، أعتقد أنه فخ ! “

” إهدأ قليلا ولا تكن جبانا ، الباب أصلا مفتوح ! “

وهنا اكتشف المحققان أن الباب أصلا كان مفتوحا ولكنه كان يحتاج فقط إلى دفعة ! . وقد دفع هاري الباب ببطء شديد ودخل إلى تلك الشقة في هذا الرواق الطويل المنار بنفس هذا النور الأصفر الخافت . وقد كان رفقة مساعده يحملقان يمينا ويسارا في هذا الرواق الطويل المؤدي إلى غرفة الضيوف والتي كانت من بعيد تحوي أرائك ومقاعد مهترئة . وينسدل منها صوت أشخاص يتجادلون وعلى مايبدو أنه صوت التلفاز . كان المحققان يسيران رفقة بعضهما برعب ووجس شديدين وهما يحملقان في نهاية هذا الرواق و الذي كانت حوائطه منقوشة بالرسومات الغريبة والرموز الدينية العديدة ..

” هل القاتل فنان تشكيلي؟ “

“لحظة ، وصلنا أخيرا ! “

**

إقرأ أيضا : العتبة الملعونة

دخل هاري وورائه مساعده إلى حجرة الضيوف ، وقد وجدا التلفاز فيها أمامهما مباشرة ومضاءا على النشرة التلفزيونية . وأمام هذا التلفاز القديم للغاية كان هناك كرسي مهترئ ويعطيهما ظهره القماشي الممزق . وعلى الطاولة التي كانت إلى جوار الكرسي ، كان هناك طبق فشار طازج وكأنه مصنوع للتو . ولكن المنزل من حولهما برمته كان فارغا ولا يوجد به أي نشاط بشري يذكر ..

” هل نرحل من هنا يا فتى أم ليس بعد ؟ ، القات …..”

وقبل أن يكمل المحقق هاري كلامه ، صمت مفزوعا ليتفاجأ هو ومساعده بيد رجل غليظة امتدت من شخص ما جالس على نفس الكرسي . وأخذت بدورها بعض الفشار من الطبق لتلتهمه . وبما أن الكرسي كان يعطيهما ظهره فقد كان الشخص الجالس عليه مجهولا ، وكل ماسمعاه منه هو طرقعة الفشار أثناء التهامه له بنهم ..

“حسنا سيدي ، أعتقد أنك المراد . أنت مشتبه به في أكثر من جريمة قتل وقعت وسط العاصمة ، ست وثلاثون امرأة وثمانية رجال . وبحسب عنوان أنت تركته في جريمتك فأنت هنا رهن الإعتقال ، لهذا أعطني يداك رجاءا وضعهما في تلك الأصفاد الحديدية دون أي مقاومة أو أي كلمة “

وبعد هذا الحديث المطول لم ينبس هذا المجهول الوقح ببنت شفة ، وأخذ يواصل غرف الفشار بقبضة يده الضخمة . وهو غير مكترث أبدا بالرجلين اللذين كانا يتحدثان معه من وراء ظهره . والذين كانا لا يسمعان منه إلا صوت مضغه النهم للغاية للفشار الطازج ..

“سيدي ، لنقف أمامه الآن وننهي هذا الرعب بسرعة “

” انتظر ، يغير قناة التلفاز “

قام القاتل بسرعة برفع ريموت التلفاز وبضغطة منه قام بتغيير القناة ، ليظهر أمامنا شارلي شابلن وهو يستعرض فكاهته بظرافته المعتادة .

“ما .. ماهذا الشيء الذي ضغطه لتتغير القناة ؟ أهذا لاسلكي ؟!”

” لا أعرف سيدي ما هذا الشيء فعلا ؟! ، قلت لك أن الأمر مرعب للغاية هنا ، ثم مادخل شارلي شاب …”

وقبل أن يكمل جيمس جملته ، انطلقت ضحكة غليظة للغاية ، وكأنها قادمة من شيطان وليس بشر من قِبل هذا القاتل المجهول تفاعلا منه مع حركات شابلن الظريفة . وقد كان لايزال جالسا على الكرسي ببرود وغير مبالي تماما بهذين الشرطيين الذين ورائه . وتبعت هذه الضحكة ضحكات أخرى مخيفة منه وغليظة للغاية وكأنه قادم للتو من عالم الجن .

” حسنا ، أنا أكرر لك ، انهض من مكانك وارفع يديك فورا وإلا سأطلق عليك الرصاص ! “

” أصغ لنا ياهذا ولا تكن غليظ العقل ! “

**

قام القاتل بسرعة هنا بإطفاء التلفاز من ريموت الكنترول الخاص به ، والذي بالطبع لم يكن قد اكتشف بعد في هذا العصر . وبسرعة نهض من مكانه وأخذ يحملق في الرجلين بكل غرابة . ولك معي عزيزي القاريء أن تتخيل مظهره ، لقد كان رجلا طويل القامة وسمينا للغاية ، كان يمكن لطوله أن يتجاوز المتران ونصف والمتر . وقد كان يرتدي ملابس جزار مع مريلة سوداء جلدية وقفازات غليظة كان يرتديها في يده .

كانت مريلة الجزارة الخاصة به تتدلى منها عدة أسلحة بيضاء كبيرة وسواطير قاتلة للغاية ، وعلى خصره كان هناك حزام ضخم يحوي عددا كبيرا من سكاكين ذبح الخراف والشياه . كان شعره أسود ووجهه غريب للغاية ، ويظهر لنا أن أحد عينيه منبثقة للأمام قليلا وبشكل مرعب كما وكأنه تشوه . وكان وجهه المستدير مليئا بالكدمات والجروح ، أما فمه فكان واسعا قليلا وأقرب للضفادع بشكل ما . من خلال مظهره كان يمكن لقبضته أن تقتل المحقق هاري رفقة مساعده جيمس بضربتين فقط دون أي مجهود ! .

أخذ هاري هو ومساعده يرتعدان في ذعر فور رؤيتهم لهذا الرجل الغريب ينظر إليهما مطولا دون حديث ، وهنا فتح صوته الغليظ قائلا لهما في غضب :

” لماذا تأخرتما عن الموعد أيها الأحمقان؟ ، لقد تركت لكم عنواني منذ أربع ساعات “

” لا بأس نحن لم نتأخر كثيرا سيدي الفاضل ، أنت تحتاج إلى المساعدة حقا . امكث على ركبتيك الآن ودعنا نكبل يديك لنخرج من هنا دون مشاكل ! “

” خروج؟! .. أنا لم أقل هذا لكما ، لا أحد سيخرج من هنا أبدا ! “

أخذ الرجل العملاق يقترب منهما ببطء ، وارتسمت فجأة على ثغره ابتسامة شيطانية أظهرت أمامنا أسنانه الصفراء وكأنه يتسلى .

إقرأ أيضا : مرايا الظلام – قصة قصيرة

” لا أنصحك بالإقتراب أكثر ، سأطلق النار عليك ! . استسلم فورا وامكث على ركبتيك كما أخبرتك ؟ “

” لن أفعل ما تقوله أيها المحقق الغبي ، لدي مهمة الآن يجب عليّ أن أنهيها بسرعة “

وقبل أن يقوم القاتل الذي كاد رأسه أن يلامس السقف برفع قبضتيه في الهواء ليهوي بهما على هاري وجيمس ، قام هاري في لمح البصر بإطلاق الرصاص من سلاحه وقد ارتطمت طلقتان في وجهه الكبير .

**

أخذ المحققان يطلقان الرصاص بسرعة شديدة تجاه جسد ووجه السفاح الضخم ليشغلوه . وقد كان يضع يده صوب تلك الرصاصات الطائشة ليصدها عن وجهه وجسده ، والتي كانت بشكل ما لا تؤثر فيه من الأساس الا من بعض الجروح الخفيفة ، حتى طارت فجأة قطرة من دمه واستقرت على سترة المحقق جيمس ..

” يا الهي ؟! دمه أخضر ؟! “

“لا أعرف يا سيدي ما هي طبيعة هذا الكائن اللعين! ، إنه ليس بشر ! “

” لا أظنه فضائيا أيضا ، نفذت ذخيرتنا الآن ! “

وبعد أن توقف المحققان عن إطلاق الرصاص بعد نفاذ الذخيرة التي معهما ، نظر إليهما السفاح الضخم بشر وأطلق العنان لابتسامة شيطانية منفرة أخرى وكأنه يسخر منهما :

” ماذا؟ ، ألا يوجد لديكم المزيد ياحفنة الحمقى ؟! “

ثم أخذ يقهقه برعب في أرجاء المنزل ، وقد اقترب منه المحقق هاري في محاولة يائسة منه لضربه بسكين تقطيع في بطنه وهذا بعد أن نفذ الرصاص . ولكن السفاح الضخم قام بالإمساك به من يده ورفعه منها كاللعبة وانتشل من اليد الأخرى المسدس الفارغ . وقد أدنى وجهه من وجه هاري أمام أنظار جيمس الذي كان يراقب من بعيد في خوف . وبحركة غريبة للغاية قام بوضع المسدس في فمه وقام بمضعه ومزقه تحت أسنانه أمام وجه هاري المذهول . وبحركة عنيفة وقوية للغاية رفعه في الهواء وألقاه بقوة ناحية زميله المرعوب جيمس ، والذي تلقف زميله من الهواء وسقطا سويا على الأرض يتقلبان إلى جوار بعضهما من شدة تلك الضربة ..

” جيمس؟ ، كنا نحتاج إلى دعم كبير للقبض على هذا المعتوه ، إنه خطير للغاية ! . سيقضي علينا إن لم نهرب الآن ، هيا بنا بسرعة نحو الباب !”

إقرأ أيضا : حتى يكتمل الفن

وبسرعة رهيبة للغاية نهض المحققان و انطلقا نحو الرواق الذي قدما منه ووراءهما السفاح . وعندما وجدا الباب أمامهما للخلاص كان السفاح يقف هناك أمامه ليسد طريقهما ..

“تبا ؟ ، ماهذا؟! ، أذكر أنه كان في الوراء ، أقسم أنه كان وراءنا !! “

” هل ينتقل زمنيا يا جيمس ! ، ربما سفاح خارق ! “

اقترب العملاق منهما بسرعة ، وبضربة طائشة من قبضته الضخمة والتي ارتطمت في وجه هاري أطاحت به بعيدا في الهواء إلى داخل حجرة الضيوف . وقد أخذ في طريقه كافة الكراسي والطاولات الصغيرة ، حتى أنه ارتطم بالتلفاز وتحطم فوقه تماما ، وقبل أن يقوم جيمس بفعل اي شيء هو الآخر لإنقاذ زميله ، قام هذا السفاح السادي بحمله من وسطه إلى جواره بمنتهى السهولة وكأنه طفل . وقد أخذ المسكين يركله بقدميه ويضربه بقبضتيه بقوة ليفلته ، إلا أن هذا العملاق الضخم لم يكن يأبه لتلك الركلات والصفعات المتكررة من قبل مساعد المحقق هاري الضعيف ، وتوجه به بسرعة نحو الحمام وفتح الباب وهو حاملا إياه كما هو ..

” إثبت هنا أيها القزم ! “

“ماذا ستفعل بي أيها الوغد؟”

” القط هنا ياطائر الكناري ! ، هكذا ستمشي المهمة على مايرام قبل أن أغادر من هنا للأبد “

وبسرعة ألقاه أرضا تحت قدميه على أرضية الحمام البيضاء ، وبقوة مبهرة للغاية اقتلع حوض الحمام من مكانه وخلعه من الجدار تماما ، وانسدلت المياه لتغمره رفقة جيمس المسكين . ورفع بسرعة الحوض في الهواء واستعد أن يهوي به فوق جسد جيمس الذي كان تحت قدميه يحاول الفرار ، ولكن السفاح الضخم ثبته بقدمه جيدا قائلا له بسخرية :

“أنتم البشر تهربون دوما كالجرذان !””

“أولست بشرا ؟!”

كان جيمس يحملق تحت أقدام السفاح وهو بلا أي حول أو قوة في كافة أرجاء الحمام مستعدا للموت . حتى ذهبت أنظاره بسرعة تجاه حوض الإستحمام الكبير والذي كانت ستائره مغلقة ، وكل مالفت نظر مساعد المحقق هو تلك الرأس المنزوية خارج الستارة ، والتي كانت عبارة عن رأس امراة شقراء عيناها مفتوحة على مصراعيها وقد كانت تستلقي وهى مذبوحة تماما خلف تلك الستارة الكبيرة .. آنا شيشتابوسكا ..

” تبا ! ، تلك هي الفتاة المخطوفة ، لقد قتلتها . ماذا ستفعل بجسدها يا لعين ؟ “

قال له السفاح ساخرا بصوت طفولي :

” تماما كالذي سأفعله بجسدك الآن “

وقبل أن يهوي بالحوض فوق جسد جيمس ليحطمه نتفاجأ هنا بهاري المنتفض من وراء حطام حجرة الضيوف ، والذي هجم عليه من الوراء بسرعة وتعلق على ظهره وأخذ يلكم رأسه بعنف ..

“اتركني وشأني أيها البشري الغبي ! “

” جيمس ، اهرب بسرعة ؟! “

وهنا رفع السفاح قدميه من فوق جيمس ، وألقى الحوض من يده بعيدا ليرتطم في الحائط ويتحطم . وبسرعة رهيبة التقف هاري من وراء ظهره ، واحتضنه هنا بقوة مستخدما استراتيجية الأناكوندا مع فريستها . محاولا تهشيم عظامه بواسطة قوته الجسدية الكبيرة .

إقرأ أيضا : برميلي العزيز ج1

**

أخذ هاري يصرخ بشدة للغاية ، وأخذت الدماء تنسدل من فمه من شدة هذا الاعتصار ، فدوت صرخاته في تلك المنطقة السكنية العشوائية بشكل واضح للغاية . وقد ظهرت فتاة صغيرة تقف أمام نافذة منزلها وهي تمسك بدبها القطني ، وسمعت بدورها الصرخة القادمة من المبنى المجاور لها تحديدا ، فذهبت لجدتها بكل عفوية وبراءة قائلة لها برعب :

“جدتي ، هناك أحد ما في مأزق ، سمعت صرخته من النافذة “

” كلنا نواجه المصاعب يا ابنتي ، ولكي تتغلبي عليها عليكِ أن تغلقي تلك النافذة الآن وفورا ! “

وهنا تحول بنا المشهد إلى السفاح وهو محتضن هاري . وبحركة سريعة للغاية تناول هاري بيده أحد السواطير التي كانت مثبتة في خصر السفاح ، وبحركة سريعة للخلاص هوى به على رأسه ، وطعنه في منتصفها ليتركه الأخير بسرعة ويمكث قليلا بعيدا عنه يتألم .

كان هاري يتألم هو الآخر ويطالع الساطور الذي كان في يده ، والذي تلطخ بالدم الغزير الأخضر القاني . كان السفاح أيضا يمسح دماء جبهته الغزير ويحاول تدارك أموره للنهوض مجددا :

” أيها الأرضي الغبي ، كدت تقتلني “

” تبا ! ، ما طبيعة هذا الرجل ؟! “

وقبل أن ينهض السفاح العملاق ويقضي على هاري الذي كان أمامه على أرضية الحمام ، عاجله جيمس من الوراء بضربة قوية للغاية من التلفاز الصغير الذي كان بالخارج وهوي به على رأسه . إلا أن التلفاز تحطم و لم يتأثر القاتل أساسا ، ونظر لجيمس بغضب وركله ركلة عنيفة للغاية أطاحت به بعيدا ليكسر حائط الشقة ويخرج من الناحية الأخرى له ساقطا من المبنى إلى الأسفل ومن الدور العاشر !

” جيمس !!!! .. أيها الوغد أتعرف ماذا فعلت الآن ؟ “

“هذا لا يعنيني أيها الأرضي الغبي ، أنا هنا في مهمة وكلت لي لإسكاتك للأبد ! “

“حقا، ومن وكلك؟! “

“هذا ليس من شأنك ، مت الآن ! “

وقبل أن يقوم السفاح بضرب قبضته على هاري ، ركض الأخير بسرعة رهيبة للغاية .. متفاديا الضربة ليتجه نحو محول الكهرباء الرئيسي في الشقة والذي كان إلى جوار الثلاجة . وعندما لحقه السفاح هو أيضا في لمح البرق وحاول أن يهوي بقبضته عليه مجددا تفادها المحقق الفذ بصعوبة لترتطم يده الضخمة بالمحول وتدمره من جذوره تدميرا تاما . وقد كان من الحديد المقوى . ولتنتقل بدورها الموجات الكهربائية منه إلى جسد السفاح المبتل بفعل مياه حوض الحمام ولتصعق جسده كله بقوة في مشهد درامي عنيف . حتى أن النيران اشتعلت فيه بفعل قوة الكهرباء العالية و المنسدلة من هذا المحول الضخم . وسقط بعدها هذا الكائن العملاق أرضا مسندا رأسه إلى الحائط وقد لطخ دمه الأخضر الأرض ..

” أي .. أيها .. أيها الوغد ! “

إقرأ أيضا : تلك الأيام

سارع هاري بسرعة نحو الثلاجة ، وقام بحركة سريعة وماهرة بتحريكها وإلقائها عليه لتستقر بثقلها فوق جسده الضخم :

“هذا ما تستحقه أيها اللعين ، نلت منك كما نلت أنت من الجميع “

قام هاري أخيرا بالتقاط انفاسه واتكأ في تعب شديد على ركبتيه أمام جسد هذا السفاح العملاق الملقى أمامه والذي كان بلا حراك تماما ، وقال وهو يبكي بغزارة ويضعه وجهه على ركبتيه :

” ياليته قتلني ، سأشتاق إليك كثيرا يا جيمس “

ثم نهض المحقق بصعوبة وكفكف دموعه الغزيرة ، وانتصب بشموخ وسط حطام المنزل وهو يتملق جسد السفاح الضخم الذي كان ميتا أمامه وشعر بشيء من الإرتياح . ولكن هذا الإرتياح زال بسرعة عندما لفت نظره شيئا ما أرعبه وجعل الخوف يتسلل إليه مجددا وبسرعة رهيبة .

لقد كان جسد السفاح من أمامه مشقوقا إلى نصفين حتى خصره وكان خاويا تماما من الداخل ولا يحوي أي أعضاء وكأنه زي وليس جسد ! ، وهنا كان المحقق منتصبا و شعر بشيء ما من وراءه يراقبه ، وقد كان هذا الشيء منتصبا على السقف تحديدا ، فقد قبع وراءه على السقف كائن غريب الهيئة كثيرا ونحيف للغاية بلون بني فاتح . كانت عيناواه حمراوان وكبيرتان للغاية وتشبه أعين الذباب تماما والحشرات المعروفة . كان يمتلك أيضا طولا فارعا جدا بنفس طول السفاح بالإضافة إلى أربع أذرع نحيفة متصلة بجسده ، وقد كان الكائن يتملقه في صمت مرعب وكأنه يتهيأ للإنقضاض عليه . ومع أول نسمة هواء أتت من النافذة التفت هاري بسرعة ونظر نحو الكائن ليطبق عليه الظلام هنا ويغيب كل شيء بعدها عن الأنظار .

وبعدها يظهر من جديد هنا عند مكتب السيد واطسون المأمور الذي كلف هاري بتلك المهمة . كان جالسا بدوره في مكتبه بلا مبالاة شديدة ، وقد أخرج فجأة من درج مكتبه هاتفا حديثا للغاية وبمواصفات فضائية ، و أخذ يطالع رسالة أتت له عليه وكان نصها على شاشة هاتفه كالآتي :

” سيدي ، نجحت المهمة ، هاري قتل ، لن يزعجنا مجددا ، سأجمع العينات وأعود للكوكب حالا “

وبعد أن طالع المأمور الرسالة يظهر أمامنا وجهه وقد ابتسم ثغره هنا ابتسامة غريبة للغاية ، حتى أن فمه كان يتمدد وكأنه ضفدع . وبشكل ما تحولت إحدى عينيه إلى اللون الأحمر، وأخرج لسانه غريب الشكل ولعق وجهه بسرعة ليدخله إلى فمه مجددا .

إقرأ أيضا : سمارثي

 **

في كوكب غريب من الكواكب المجهولة في المجموعة الشمسية ، والذي يلقب باسم كوكب سريال ونت . تنشط عليه حياة أخرى تماما أكثر تطورا بكثير من الحياة التي على الأرض ، حيث تنشط عليه مجموعة من الكائنات الشريرة ، والتي تبرع كثيرا من خلال جيناتها في القتل التسلسلي مثل القتلة الأرضيين تماما وبطرق أكثر براعة .

جاك السفاح ، وويست ميسا ، وأيضا قاتل لندن المذكور كلهم كانوا من تلك الكائنات الغريبة ، والتي كانت تقتل النساء بلا رادع . تهبط تلك الكائنات على الأرض كل اثنتي عشر عاما من أجل التسلية ومن أجل بدء جرائم محيرة في شتى أنحاء الكوكب لإثبات أفضليتهم على البشر .

وفي تلك المرة كان الهبوط اضطراريا للغاية ، لأنه كان من أجل جمع خصلات شعر ست وثلاثين امرأة مختلفة ، مع إحضار جسد كامل للتحليل والدراسة هناك . وهذا للقضاء هناك على وباء فتاك غزا كوكب سريال ونت وأطاح بعدد كبير من تلك الكائنات الشريرة والمدمرة . ويكمن العلاج الوحيد الفعال في خصلات شعر نساء الأرض . والذي يتطلب جمع ست وثلاثين خصلة مختلفة منهن من أجل بلوغ الكوكب هناك والقضاء على هذا الفيروس الأكثر شرا من تلك الكائنات حتى . ومع هذا اتخذت تلك الكائنات أشكال العديد من البشر الذين قتلتهم تماما كما وكأنها هم . بل في بعض الأحيان تكون قادرة على اتخاذ أشكال بشرية غريبة ومضطربة لا تمت للواقع بصلة ..

وهنا يظهر أمامنا فتى صغير يطلب من أمه أن تعطيه الكرة ليعلب في حديقة المنزل في الخارج :

” أمي ، أرجوكِ أعطني كرتي ، لا تمنعيني من اللعب رجاءا “

” لا ، ستجرح نفسك أثناء اللعب مثل كل مرة يا كوبر “

” أمي ، أعدكِ بأنني سأكون على مايرام “

وبعد إلحاح الطفل تناولت الأم الكرة من دولاب مطبخها وأعطتها للطفل ، والذي خرج بها راكضا بسرعة نحو الحديقة يلعب بها أمام أنظار أمه الهادئة والتي كانت تنظر إليه من النافذة بسعادة . وقبل أن ينتهى كل شيء وتنتهي قصتنا نظرت إلينا الأم نظرة ماكرة وابتسمت لنا ليتمدد ثغرها وليتغير لون عينيها إلى اللون الأحمر القاني ، ولتغمز لنا بها بسرعة وينتهي كل شيء هنا .

guest
18 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك