أدب الرعب والعام

ضحية الحروب

بقلم : سما – العراق

في يوم مشمس رائع أردت أن أذهب إلى قريتي القديمة حينما كنت طفلة ياااه كم اشتقت لها .. ركبت القطار وتوجهت إلى قريتي يالهي لقد تغيرت كثيرا ظللت اتجول بين ازقتها وبيوتها التي من الخشب وبعضها تم تحديثها بالطابوق وقفت أمام بيت هنا كان بيت طفولتي نظرت إلى عمود قرب البيت ابتسمت إلى الآن لازالت رسوم اخواني ورسوماتي ذكريات جميلة رغم الحزن بين طياتها .. تنهدت .. وبينما انا امشي
وقفت  انظر إلى شجرة كبيرة معمرة لازالت صامدة رغم تغير المكان الا هي بقيت كأنها شاهد على ما حدث منذ ٢٠ سنة .. كارثة شهدتها هذه المنطقة وكنت ممن عايشوا احداثها المرعبة نظرت إلى الساعة كان الوقت ٥:٠٠  جلست بقرب الشجرة انظر إلى غروب الشمس  منظر جميل اعتدت رؤيته مع صديق طفولتي في الابتدائية اسمه سلام ..
سلام طفل مشاغب وكان رئيس الأطفال في القرية هههههه وكنا دائما نتشاجر في مرة  ذهبنا انا وهو الى هذه الشجرة وتسلقناها وكنا ننظر الى غروب الشمس سويا  ياترى أين هو الآن لقد فرقتنا الحروب فقد كان بلدي انذاك في حرب مع دولة اخرى وبالطبع نحن الشعب الضحية والأطفال التي سلبت برائتهم وعاشوا الخوف والجوع وبعضهم أصبحوا أيتام اتذكر  ذالك اليوم كأنه البارحة ..
-انتظر يا سلام أين ستهرب مني انا تسكب الماء علي

لن تمسكي بي يا  رفيف انه مقلب هههههههه

انتظر وسترى .. كان عمري انذاك سبع سنوات ياااه جرت السنين بسرعة
أتت امي رفيف أين انتي هيا الطعام جاهز 
استدراك استدرت . انا اتية اماه .. سلااام هل تأتي وتأكل معي
-لا لن اتي سوف اذهب الى بيتي  إلى اللقاء رفيف
عدت إلى المنزل وانا أرى الجنود يجهزون أنفسهم استعدادا اذا اتو الأعداء.
جلسنا إلى طاولة الطعام وأشعل ابي الراديو وسمعنا المذيع يقول .. إن العدو وصل إلى العاصمة وهو الآن يتجه إلى اطرف المدينة  وعلى جميع الاهالي اخذ الحيطة والحذر والتجهيز للهروب ..
سمعت ابي يقول يا ام اياد كوني جاهزة اذا أتت الغارة فلتهربي انتي ورفيف واياد إلى مكان اخر او إلى قبو المدرسة القريبة لقد جعلوه مكان للاختباء عند الخطر ..
قالت امي وهي خائفة ولكن لماذا  نترك بيتنا .؟؟.
قال ابي انهم بلا رحمة يا عزيزتي انهم يرمون القنابل والصواريخ على المدنيين وقد قتلو الكثيرين في العاصمة واذا وصلو إلى قريتنا الصغيرة فسوف تنتهي أريدك بأمان انتي والأطفال…
قالت امي وماذا عنك ؟؟
قال ابي لقد فتحوا باب التطوع للجيش الوطني وانا سوف اتطوع لحماية قريتي وبلدي .
كل هذا جرى امام ناظري وسمعي ولكني كنت صغيرة لا أعي ما يحدث..بكت امي ولكن ما باليد حيلة .. فالنساء والأطفال كانو يأخذونهم الى مستعمرات الأمان والرجال كانو يتطوعون للدفاع عن الوطن ومن كان له أقرباء في مناطق لم يصل إليها العدو يسافرون إليهم   .. يااه كم افتخر بأبي لقد ابى ان يرى بلاده وارضه يطأها الأعداء فقرر ان يضحي بنفسه  لحمايتنا ..حل اليل وعندما كنا نريد أن ننام سمعنا صوت الانذار يحذر الناس للهروب فلقد دخلت طائرات العدو القرية فأسرع ابي بأرتداء ملابسه وامسك سلاحه واوصى امي بالهرب سريعا
خرج ابي وبعد دقائق خرجنا نحن نحو المدرسة القريبة كما قال ابي للاختباء في قبوها لنحتمي من الصواريخ كنت أرى من شباك القبو أضواء حمراء

انظري يا امي انها العاب نارية ماما انظري 
كانت امي تنظر لي وشبح ابتسامة حزينة على فمها .  -نعم يا ابنتي انها العاب نارية .. كانت تجاريني ،

اخي كان صغيرا ما زال يحبو على الأرض عمره ثلاث سنوات كانت امي تحمله .. وكلما كانوا يقصفون كانت امي تحتضننا وهي تبكي خائفة علينا وعلى ابي .  ..
ومرت ساعات ونحن لا نزال نسمع اصوت القصف  وفجأة دخلت علينا النيران وبدأت بحرق باب القبو الخشبي كل الناس بدأو بالصراخ وعم الخوف في نفوسهم اما امي فأمسكت بي وحملت اخي وبدأت بالجري وانا اقول امي ماذا يجري ماما اجيبي
لم تكن تصغي إلى كلامي .. الآن افهم شعورها كان كل همها أن تحمينا وتصل بنا إلى مكان آمن ..
وفيما نحن نجري أتت قذيفة وانفجرت بالقرب منا تناثروا الناس ومن قوة الانفجار قذفت بنا بعيدا وبعد مدة افقت ورأسي يؤلمني وانا خائفة بكيت امي اين انتي ماما اين انتي كنت ابكي وانظر في وجوه الناس وهم يركضون خوفا واخرون مصابين يتألمون من الحروق سرت بينهم فرأيت جارتنا ام سلام قالت
رفيف ماذا تفعلين هنا صغيرتي هيا اهربي
خالتي انا ابحث عن امي  بكيت وعلا صراخي ماما اين انتي كنت صغيرة وانا ارى اشلاء الجثث في كل مكان اصوات الناس تصرخ من هول الانفجارات قالت خالتي ام سلام تعالي سوف ابحث معكي ..
سرنا ونحن نتفادى الاجساد المرمية في الطريق
فجأة صدر من خالتي صرخة فنظرت لها ورأيت وجهها ملئه الفزع ماذا هنالك خالتي قلت لها
قالت ها لا شيء عزيزتي هل تذهبين معي الى المخبئ الذي فيه سلام
قلت لها لا اريد امي الم نكن نبحث عنها ؟؟
رأيت خالتي كأنها تجاهد لكي لا تبكي امامي طفلتي الان لنذهب وغدا نبحث
صرخت لا اريد امي افلت يدي منها وركضت بين الناس وانا اصرخ بكل قوتي ماااماااااا ماا مااا اين انتي ؟
وبينما كنت اركض تعثرت بجسد عليه اثار الحروق فنظرت اليه وهنا كانت صدمتي .. ياليتني سمعت كلام خالتي ام سلام .. ياليتني .. وهل تنفع الان
انها امي نعم انها هي جلست عندها وهززتها ماما انا رفيف هيا استيقظي انا خائفة
ماما لماذا اياد لا يستيقظ ايضا هيا استيقظوا
تحركت امي قليلا ورايتها فتحت عينها بصعوبه فقالت
رفيف حبيبتي انها انتي الحمد لله لازلت على قيد الحياة حبيبتي اذهبي وانتظري  والدك سيعود ويجب ان يرى واحدا منا انجوا بحياتك صغيرتي
قلت لها ماما هيا قومي لنذهب معا الى والدي
قالت امي صغيرتي هيا اركضي هيااا ووقعت يدها
فصرخت مامااا لماذا نمتي اريدك معي مامااا
لم اكن افهم وقتها ان امي لم تنم ولكنها فارقت الحياة للابد واخي ايضا من قوة الدفعة وقع على راسه ومات .
فارقتني امي وانا صغيرة واصبحت يتيمة .
عندها اتت خالتي ام سلام واخذتني الى مكان الاختباء رأيت سلام هناك فلما رأني قال رفيف كيف حالك اين خالتي ام اياد الم تأتي معك
بكيت قلت له امي لا تتحدث معي لقد نامت وكلما اتحدث معها لا تكلمني .. لماذا يا سلاااام ..
سلام كان رغم صغر سنة كان عمره عشر سنوات لكنه كان يفهم ولم يكن يريد ان احزن قال لي دعيها ترتاح وتعالي نجلس ونلعب
جلسنا ولكني كنت حزينة ولم العب معه 
شعرت بالنعاس ونمت وكان الوقت منتصف اليل وعندما اسيقظت كان الفجر قد بزغ واشعت الشمس كانت تنشر اشعتها لتدفئتنا .. خرجنا وكنت انظر الى المنازل التي احترقت  والناس اجساد مرمية في كل الطرق كنت اسير مع خالتي ام سلام وسلام وانا ابكي
وصلت الى منزلي ورايته محترق لا اعلم ماذا افعل جلست على عتبة الباب وانا ابكي بحرقة امي تركتني وابي لا اعلم اخباره كان منزل سلام ايضا احترق بالكامل .. بعد ساعات اتت فرق الاسعاف والاطفاء والقليل من العساكر ليداوو المرضى ويأخذوا الجثث ويدفنوها  .. عندها ذهبت إلى أحد العساكر سألته
عمي الا تعرف ماذا حل بأبي ..
قال من ابوك يا صغيرة
قلت ابي اسمه سالم الا تعرفه عمي انه ذهب مع الناس ليقاتلو ..
قال اذا هو متطوع .. اجبته نعم
قال لي يا صغيرة هل لديك عائلة هنا  … اجبته لا ليس لدي احد ولكن اعرف أقارب لأبي في بلدة بعيدة من هنا
مسح على رأسي ولم يجبني .. وقتها لم أعلم لما لم يجبني ..
اخذت العساكر كل العائلات لتأخذهم إلى مدن آمنة أتت ام سلام وقالت لي يا رفيف اتأتين معي .. وقال سلام هيا تعالي يا رفيف المكان جميل هناك
قلت لهم لا سيأخذني هذا العسكري إلى أقارب لي في مدينة اخرى هو قال لي ذالك .. وابي سيعود بالتأكيد سوف اذهب وانتظر قدومه ..
هنا افترقنا وانتهى كل شيء اهلي وأصدقائي وطفولتي كلها انتهت.. هكذا هي الحروب تأخذ منك اعز احبابك تنهي طفولتك لتعيش بقية حياتك بجرح عميق في قلبك  .. وبعد مدة عرفت ان الجيش هزم والجيش والمتطوعين كلهم قتلوا  لهذا لم يقل لي العسكري ماذا حل بأبي اي انه قتل .. لا مستحيل . ….
لم أصدق هذا الخبر وقلت اكيد ان ابي لازال على قيد الحياة  ..
وبعد أشهر من هذا اليوم المرعب اخذت ابحث عن ابي بين الجرحى ولا احد يعرف عنه أي شيء …
وتمت ثلاث اشهر وانا عند أقارب والدي منتظرة على أمل عودة والدي وبينما انا اجلس أمام الباب كعادتي كل يوم بأنتظاره .. واذا بشخص واقف أمامي يستند إلى عكازة  لم أصدق عيني انه ابي .. كنت اعلم انه لايزال عل قيد الحياة ولكن يده ملفوفة وقدمه ايضا ملفوفة بشاش طبي  … سعادتي لاتوصف لان ابي قد عاد ..
بكى وحزن كثيرا عندما علم ما حل بأمي واخي اياد .. .
..مسحت دموعي.. لقد انتهى كل شي يا رفيف لا تتذكري انظري إلى المستقبل .  تفائلي فأمك لا تريد أن تراك حزينة .. حدثت نفسي
-من انتي يا انسة .. صوت رجولي نادى
ادرت رأسي ورأيت رجل يرتدي بالطو اسود وبنطال اسود وتحته قميص ابيض ويرتدي قبعة  سوداء 
اقترب مني وكلينا فتح فمه دهشة مما رآه قلت بفرح سلام أهذا انت !!..
رأيتها كانت فتاة ترتدي فستان ازرق طويل وحجاب نفس لونه كانت كالملاك
انها انتي يا رفيف ..
-لقد كبرتي واصبحت انسة جميلة يا رفيف
-وانت أصبحت رجل وسيم يا سلام
-كيف أحوالك كل هذه السنين يا رفيف وماذا كنت تفعلين
-كما تعلم ذهبت الى اقاربي والتقيت بوالدي وأكملت دراستي وانا الان معلمة في مدرسة في المدينة .. وماذا عنك ؟ وكيف حال خالتي امك ؟؟
-عندما افترقنا ذهبنا إلى اقاربنا ايضا  ولكن ابي لم يعد .. أنزلت رأسي اسفا لما حدث له
اعتذر ذكرتك بحادثة مؤلمة
لابأس انا لم انسى كما لم تنسي انتي ايضا لهذا اتيتي إلى مكان لقائنا في الطفولة .. لقد اكملت دراستي ورجعت إلى هذه القرية انا احبها واصبحت طبيبا
وقفنا ننظر الى الشمس التي اختفت تماما ليحل الظلام  ..
-الآن ماذا تريد أن تفعل يا سلام اتأتي معي
-لا استطيع يا رفيف هنا عملي وانا احب هذا المكان .. لماذا لا تبقي انت هنا
-كيف ابقى هنا وكل شبر فيها يذكرني بأمي واخي سأموت ان بقيت هنا
حسنا انها النهاية
-لا ليست النهاية .. انها بداية لقائنا ولكن في يوم آخر.. إلى اللقاء 

سما

ليبيا
guest
30 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك