اساطير وخرافات

المتحولون: حكايات غريبة لحيوانات تحولوا لأشخاصٍ والعكس!

في عالمٍ يموج بالعجائب والغرائب التي تُحاكي الخيال وتُذهل العقول، تَخفى بين ثنايا الحكايات القديمة مخلوقاتٌ خارقة للطبيعة، تُعرف باسم “متغيري الشكل” .. تخيّل معي عزيزي القارئ، وحوشًا بشريةً قادرة على التحول إلى حيواناتٍ في غمضة عين، أو أشباحًا تتحول إلى قططٍ سوداءَ .. من أشهر هذه المخلوقات المُرعبة، “المستذئب” .. فمن منا لم يسمع بحكاية ذلك الوحش المُخيف الذي يجوب أرجاء الليل تحت ضوء القمر المكتمل، باحثًا عن فريسته ومُرسلاً زئيرًا يُزلزل الأرض من شدته؟ تخيّلْ للحظةٍ واحدةٍ لو تحول جارك اللطيف – ذلك الشخص الذي يُسدي إليكَ السلام كلّ صباحٍ بابتسامةٍ عريضة والذي اعتدتَ مُشاركته كوبًا من الشاي – إلى ذئبٍ ضخمٍ ذي أنيابٍ حادةٍ ومخالبٍ قاتلة! .. ماذا ستفعل حينها؟ هل ستُسارع بالفرار طلبًا للنجاة، أم ستُقاومه بكلّ ما أوتيتَ من قوةٍ وعزيمة؟

طبعًا رحلتنا مع “متغيري الشكل” لا تنتهي عند “المستذئب”، فهناك مخلوقات غريبة وعجيبة من جميع أنحاء العالم، بعضها مشهور في الأساطير والحكايات، وبعضها الآخر ينتظر من يكتشفه ويُنير ظلام المجهول حوله .. ففي ثقافات الأمريكيين، نجدُ “سكين والكر” .. ذلك الساحر الشرير الذي أساء استخدامَ سحره، فحُكم عليه بالعيش إلى الأبد داخل جسد حيوانٍ .. وعليه فإن صادفت يومًا عزيزي القارئ كلبًا ينطق بكلام البشر، فلا يغرنك مظهره الوادع، فاحذر وحاذِر، فليس كل ما يبدو بريئًا هو كذلك، قد يكون هذا الكلب قد تحول بفعل سحر عتيق .. وربما تلك الكلمات المعسولة مجرد فخٍّ ماكرٍ تحت ستارٍ من الفراء والنباح وها هو الآن يتربص بك، منتظرًا الفرصة المناسبة للانقضاض عليك!

ولكن انتظر هل تعتقد أنّه لا يوجد “متغيرو شكلٍ” في ثقافتنا العربية؟ بالطبع لا! فمن منا لم يسمع عن “الجِن”؟ ذلك الكائن العجيب ذو القوى الخارقة، الذي يُمكنه التبدل إلى أشكالٍ مختلفة، مُخيفًا بعض الناس حتى تدق قلوبهم كالطبول! .. ولعلّ أكثر متغيري الشكل إثارة للدهشة هو الإنسان العربي نفسه .. ففي الصباح، هو فارسٌ مغوارٌ يبحث عن الرزق، وفي المساء، هو نجمٌ ساطعٌ في سماء السّمر، وفي رمضان، هو صائمٌ مُتبتّلٌ، وفي العيد، هو مُحتفلٌ مُبتهجٌ .. حتى أنت، عزيزي القارئ، قد تتحول بين لحظة وأخرى من ملاك هادئ إلى وحش جائع، أو من عبقري مبدع إلى كسول مُقعد، أليس كذلك؟!

أخيرًا ماذا لو حاولت إغلاقَ النافذةِ بإحكامٍ بعد قراءة هذا المقال، فتسمعُ صوتًا خافتًا قادمًا من الخارج: “مياو .. مياو!” .. ثم تلتفتُ ببطءٍ لتُفاجأ بقطةٍ صغيرةٍ ذات فراءٍ أسودَ تُحدقُ فيكَ بعينيها الصفراوين .. فتُحاولُ طردها بلطفٍ، لكنّها تقتربُ منكَ أكثر فأكثر .. وفجأةً، تُفتحُ فمها وتُنطقُ بكلماتٍ بشريةٍ: “لا تُطردني .. أنا جاركَ!” .. هل ستُصدقُ ما سمعت أم ستُطلق الساقين للريح؟

تحذير: القراءة على مسؤوليتك الشخصية ولا أتحمل مسؤولية أي كوابيس قد تنتج عن قراءة هذا المقال! .. على بركة الله لنبدأ ..

“كوشتاكا” .. قندس البحر الذي يتحول إلى صديقك ثم يمزقك إرباً!

في غياهب آلاسكا الشمالية الغربية وكندا الجنوبية الشرقية، حيث تلتقي الأمواج بالجبال الثلجية، تسللت أسطورة مخيفة إلى قلوب السكان، التلينغيت والتشيمشيان .. إنها قصة الكوشتاكا، أو كما يُطلق عليه البعض “كووشداخا”، وهو كائن من عالم آخر، يجمع بين براءة الفراء ووحشية الإنسان .. تخيل مخلوقًا يظهر لك في صورة حيوان لطيف، ألا وهو حيوان القضاعة البحرية، ذلك الكائن الرقيق الذي يطفو على الأمواج وكأنه دمية من قطن .. لكن حذار! فما إن يضع هذا الفراء المزيف قدمه على اليابسة حتى يتحول إلى وحش بشري الشكل، يتربص بضحاياه في صورة أقاربهم وأصدقاؤهم، وكأن الشيطان نفسه قد ارتدى ثوب الوداعة .. كائنات قد تتمثل في شكل أشخاص يشبهون أقاربك المفقودين منذ عشرين عاما! .. أتذكر خالك عثمان الذي اختفى وهو يبحث عن نظارته!

blank
سيتحول إلى صديق ثم يلتهمك

يُقال إن الكوشتاكا تتحول إلى صورة عزيز مفقود أو جريح في البرية، فيستدرج الضحية بحنو كاذب إلى أعماق الغابة حيث قد تتقمص شخصية خالك الحبيب وتغريك بحلوى مشبوهة أو جولة في الغابة “لاختصار المسافة” .. طبعًا لن يكون هناك اختصار سوى إلى قائمة العشاء الخاصة بهم!، حيث يمزق الضحية إرباً أو -والأمر أسوأ- يحولها إلى كوشتاكا مثله، سجيناً للأبد في جسد من الفراء .. ولكن الأخطر من ذلك هو تجمع الكوشتاكا، فإذا ما اجتمعوا، فإنهم يطلقون صيحات تشبه صراخ النساء والأطفال، مستدرجين الضحية إلى مصيرها المحتوم .. ولا فكاك حينها، إلا باللجوء إلى حليف الإنسان الأول وهو الكلب .. فالكوشتاكا تهاب الكلاب هلعاً، والنار أيضاً، يُقال إنها تردعهم عن الاقتراب .. البعض يعتقد أن أسطورة الكوشتاكا مجرد حكاية تحذيرية أخترعها سكان القرى لتفسير حوادث التيه في الغابة لكنها تظل عالقة بين الحقيقة والخيال.

لذلك في المرة القادمة التي تذهب فيها إلى ألاسكا، لا تنسى أن تأخذ معك كلبًا وولاعة – فمن يدري، ربما تصادف خالك عثمان هناك وترد له نظارته!

الناغول .. اكتشف سرّه قبل أن يكتشفك!

تخيل أنك ذات يوم في ليلة مقمرة، وبينما تجلسُ مع عائلتك كالعادة حول مائدة العشاء، يسود الهدوء المكانَ لا يقطعه سوى صوتِ مضغِ الطعام ورنين الملاعقِ على الأطباقِ .. وفجأة، يطرق آذانَكم صوتُ مواء خافت، يزدادُ وضوحًا مع كل ثانية تمر، كأنّه ينبعث من العدم .. فتُمسك بِشوكَتك بحذر، وتلتفت ببطء نحوَ النافذة، كأنّك تُحس بوجود شيء يتربّص بك .. وبِحركة مُترددة، تُزيح الستار عن النافذة، فتُطل عليك قطة سوداء اللون، عيناها تُشعّان ببريق غريب تحتَ ضوء القمرِ .. تُحدّق فيك القطةُ بثبات وهي تلعق شاربها بتلذذ، وذيلُها ينقر على الأرضِ بإيقاع مُخيف .. هل هي حقًّا قطة جائعة تبحثُ عن بقايا الطعام، أم أن وراء مظهرها البريء سرًّا مُظلمًا؟ فتُحاول إغلاق النافذة، لكنّ القطة تُسرع وتقفز إلى داخلِ المنزل، قبل أن تتمكّن من ذلك .. مهلاً هل لاحظتَ تلكَ الوشمة الغريبة على ذيلها؟! .. هل تضع القطط وشمًا؟!

هذا ما نراه في بلادٍ غريبة بعيدة، تُدعى “المكسيك” و”أمريكا الوسطى” – تلك البلاد التي نعرفها فقط من أفلام رعاة البقر ورحلات “توم وجيري” – حيث يُحكى عن مخلوق أسطوري غريب، اسمه “الناغول” .. تخيل عزيزي القارئ، رجلاً عاديًا يتحول فجأة إلى أسد ضخم، أو نمر مرقط، أو حتى ذئب بري جائِع .. هكذا يعتقد أهل تلك البلاد، لكن دون اتفاقٍ بينهم على ماهية هذا الكائن.

فمنهم من يظنه ساحرًا شريرًا يتنكر في هيئة حيوان لإخافة الناس، مُستوحيًا أفكاره من أفلام الرعب الهوليودية .. بينما يرى البعض الآخر فيه وليًا صالحًا يحميهم من الأخطار، مُتخيلين إياه نسخة حية من “سوبرمان” لكن بفروٍ كثيف! .. بل ويزعم البعض أن الناغول يتحول إلى حيوان حسب مزاجه، وكأنّه في جولة تسوق بِسوق الخضار، يختار ما يناسب إطلالتَه اليومية!

ولكن، لم تتوقف خرافاتهم عند هذا الحد، بل يؤمن أهل تلك البلاد بوجود “حيوان روحي” لكل إنسان! تخيل عزيزي القارئ، أنّ لكل منّا توأم روحي من عالم الحيوان، يشاركه قدراته، بل إن البعض يتحكم فيه تمامًا، وكأنّه يلعب لعبة “بوكيمون” على هاتفه! والأدهى والأمرّ، أن بعضهم يتحول إلى هذا الحيوان كليًا، وكأنّه يبدّل ملابسه! لنفترض أنك تتبادل أطراف الحديث مع عمتك الثرثارة وإذ بها فجأة تتحول إلى حمامة بيضاء وتطير من النافذة! .. هل ستُسارعُ إلى اصطيادِها، أم ستُحاول إقناعَها بالعودة إلى المنزل؟!

المستضبعين .. الضبع الذي كان إنسانًا!

تخيّل لو أنَّ جارك، الذي تشاركه الابتسامات الصباحية وتتبادل أطراف الحديث معه عن شقته المليئة بالنباتات لدرجة أنها تبدو وكأنها غابة استوائية مصغرة!، هو في الحقيقة وحش ليلي يتحوّل إلى حيوان مفترس؟ هذا بالضبط ما تقوله الأساطير عن “الضبع البشري” أو ما يُعرف بـ “المستضبع” .. هذا الكائن الغريب، الذي يتنقل بين عالمين .. عالم البشر الهادئ، وعالم الوحوش المظلم .. بعضهم يقول إنه مزيج من الاثنين، وآخرون يؤكدون أنه يتحول بين الشكلين.

ولكن، الأمر لا يتوقف عند التحول الشكلي، فهذا الكائن الساحر(ساحر بالمعنى الحرفي!) يُقال إنه يملك القدرة على التحكم في بقية عائلة الضباع، وكأنه عراب المافيا الحيوانية! .. بل والأدهى من ذلك، يُزعم أنه يستطيع السيطرة على عقول البشر، ليجعلهم أدواتٍ طيعةٍ لأوامره المشؤومة .. كل منطقة من العالم العربي والأفريقي لها قصتها الخاصة عن هذا الكائن .. ففي الصومال مثلاً، يُقال إنَّ المستضبع يحتاج إلى عصا سحرية ليتحول، وكأنه ساحر مبتدئ نسى جلب أدواته! .. أما السودان فتروي قصصاً عن هجماته الغامضة على العشاق ليلاً، حتى يثبت لنا أن الحب يجب أن لا يكون أعمى! .. والمغرب الشقيق لا يتخلف عن القافلة، ففيه يتحول المستضبع كل ليلة عند غروب الشمس، وكأنه موظف حكومي أو عامل في مصنع ينتظر موعد الدوام!

blank

وإذا كنت تعتقد أنَّ هذه الأساطير مجرد خرافات لتهويل الأطفال، فعليك التفكير مرة أخرى .. لأن العلاقة بين البشر والضباع تمتد لآلاف السنين، وهي علاقة مبنية على الخوف والعداء! .. فالضباع، بصوتها المزعج وعيونها المتوحشة، كانت دائماً مصدر رعب للناس .. فهل حقاً يوجد كائن مرعب يتربص بنا في الظلام، ينتظر اللحظة المناسبة ليكشف عن وجهه الحقيقي؟ أم أنَّها مجرد خرافات لتفسير الأحداث الغامضة؟ الأمر متروك لك عزيزي القارئ لتقرر، ولكن تذكر أنَّ النظر من الشباك ليلاً قد لا يكون فكرة جيدة!

السِلكِيّات .. طلب يد فقمة للزواج!

ألا تُثير الدهشة تلك الكائنات الأسطورية التي تُدعى “السِلكِيّات”؟ فحسب روايات الإيرلنديين والاسكتلنديين والفاروئيّين والأيسلنديين، هم فقميات بحريةٌ طيبة القلب، يزخرون بالوداعة والطيبة .. إلا أنَّ الأمر لا يخلو من المفارقات، فهم يمتلكون موهبة خارقة في التحوُّل الكامل إلى بشرٍ عند صعودهم للشاطئ، كأن الزيّ البحري لم يعد يليق بهم .. ولكن، يا عزيزي القارئ، لا تظنَّ أنَّ الأمر بهذه البساطة، فبعد الاستمتاع بوقتهم البشري القصير، يتوجب عليهم العودة إلى البحر، إلا أنَّ العودة ليست كالدخول، فمن المفترض أن ينتظروا سبعة أعوام كاملة قبل أن يضعوا أقدامهم البشرية مجددًا! .. سبعة أعوام يطالها الحرمان الشديد من أصدقاء البحر والأسماك اللذيذة!

ولا تظن أنَّ السِلكِيّات أناس عاديون، فمنهم الذكور الوسيمون اللذين يشبهون نجوم السينما، ومنهن الإناث الجميلات اللواتي يذهلن الألباب .. وكأنَّ القدر أراد أن يزيد الأمر تعقيدًا، فقد لعبوا أدوارًا متناقضة في الأساطير، أحيانًا يكونون الضحية، وأحيانًا أخرى هم الصيادون .. فمنهم من يزور الشاطئ بحثًا عن المتعة البشرية البسيطة، ومنهم من يقع في حبكة درامية مأساوية.

فبعض الأساطير تحكي عن السِلكيّات الذكور فمنهم من يتربص بالنساء الوحيدات على الشاطئ، ويحاولون خداعهنّ بجمالهم المزيف .. أما الإناث فغالبا ما تُسرق جلودهن، فيقعن تحت سيطرة البشر في زواجٍ قسري، وكأنَّ الحياة لم تكن مُرَّة بما فيه الكفاية .. ولكن دعني أشاركك سرًا .. فربما يكون سبب هذه الأساطير – كما يدعي البعض – هو زواج عابر للقارات من بعض المستوطنين الاسكتلنديين القدامى والإسبان من نساء فنلنديات وساميّات ذوات شعر داكن ويرتدون الجلد الفروي .. تخيل اللحظة التي يكتشف فيها زوج اسكتلندي أن زوجته تتحول إلى فقمة كلما رأت الماء! .. فهل يمكن أن تكون السِلكِيّات في الحقيقة مجرد نساء عاديات تحولن إلى أسطورة بسبب سوء الفهم؟ أم أنَّ هناك شيئًا أكثر غموضًا يختبئ في أعماق البحار؟

في المرة القادمة التي تقع فيها عيناك على فتاة يجذبك جمالها على شاطئٍ هادئ، تذكر هذه الكلمات .. قد يكون ذلك الجسد الجميل مجرد قناعٍ يخفي وراءه شيئًا ما .. فَليس كُل ما يَبْرق ذهبًا، وَلا كُل ما يُبْهِر النَفْس آمنًا! .. لا تدع مظهرًا بريئًا يُخدعك .. لذا هل تملك الشجاعة لمواجهة الحقيقة وراء تلك الابتسامات الساحرة؟ أم ستختار أن تُغمض عينيك وتستسلم لِسحر المظاهر الكاذبة، مُعرضًا نفسك لِمخاطر لا تُحمد عقباها؟ .. القرار بيدك أيها القارئ الكريم، علمًا بأن تحذيري لك ليس عبثًا، فما تخفيه الظلمة أغرب مما تَتَخَيّل!

الباكينيكو والنيكوماتا .. قط بذيل وآخر بذيلين!

من عجائب هذا الكون أن تحلّق الأذهانُ بعبقريتها لتُخْرِجَ لنا كائناتٍ خياليةٍ، كأنَّها قطراتٌ من جنونٍ سُكبتْ على لوحةٍ بيضاء .. ومن تلك المخلوقات الغريبة، تلك التي حيكتْ خيوط أساطيرها من خيالٍ يابانيٍّ ثرٍ، القطُّ الماردُ المعروفُ بـ “باكينيكو” .. يُقال إنَّ الباكينيكو لم يكن سوى قطٍّ عاديٍّ، ربما كان يمُرُّ على أقدام أصحابه كظلٍّ رقيقٍ، أو يُداعب خيوطَ الشمسِ بلهوٍ طفوليٍّ .. ولكنَّ الدهرَ، هذا الساحرُ العجوزُ، قدَّرَ له تحوُّلاً غريباً .. إذ فجأةً، بدأ يمشي على قدميه الخلفيتين وكأنَّه يقلِّدُ أسياده من بني آدم، ثمَّ ما لبث أنْ استقامَ كالبشرِ تمامًا، بل وازدادَ طولا حتى كاد يلامس السقف!

blank

ولكنَّ الأمرَ لم يتوقَّف عند هذا الحدِّ، فقد اكتسبَ القطُّ الماردُ قدراتٍ خارقةً تجعلُ المرءَ يتساءلُ عمَّا إذا كان قد شربَ من كأسِ السحرِ .. فصارَ يُحوِّلُ شكله كيفما شاء، يتقمَّصُ هيئةَ البشرِ، وخاصةً أصحابَه، ليخدعَهم بألوانٍ مزيفة .. ولم يكتفِ بذلك، بل أتقنَ لغاتِ البشرِ ليكيدَ لهم كما يشاء! .. ولكنَّ الباكينيكو لم يكن مجردَ ساحرٍ متقمِّصٍ، بل كانَ أحيانًا شقيًّا مُتَّهمًا بإشعال الحرائق باستخدام ذيله كمشعلٍ، وكأنَّه يريدُ أنْ يُضِيءَ ظلام الليل! .. بل ويزيدُ الأمرُ غرابةً، فقد قيل إنَّه يستطيعُ التحكُّم في الأموات، وكأنَّه ملك على عالمٍ آخر.

وإذا كان الباكينيكو قد أثارَ دهشتنا، فإنَّ قريبه “نيكوماتا” يُعدُّ كابوسًا حقيقيًّا .. فهو الباكينيكو المُتطوِّر، الأكبرُ والأشرسُ .. ويمتازُ بذيلين بدلاً من واحد، وكأنَّه يريدُ أنْ يُضاعفَ شرَّهُ وفتنه .. ولكنْ، هل كلُّ هذه الأساطير حقيقيةٌ أم هي ثمرةٌ لخيالٍ جامحٍ؟ ربما قد يرى الناس قطًّا يقفُ على قدميه الخلفيتين وهو يلهثُ وراء سمكة زلقة، فتصوَّرُوا أنَّه شيطانٌ مُتَّخِذ هيئةَ قط .. ومن يدري؟ ربما كانت تلك البدايةُ لأسطورةٍ خالدةٍ، ولكنَّني أفضِّل أنْ أبقيها مجرد حكايةً ليلية تُروى للأطفال قبل النوم، مع تمنِّياتي بأنْ تبقى تلك المخلوقاتُ الغريبةُ حبيسةَ الخيال فقط، ولا تخرجُ لتُزعج نومك الهادئ!

تياناك .. الوحش الرضيع!

لا أدري إن كان أهل الفلبين يظنون أن الأطفال كائنات بريئة لا تُؤذي ذبابة، أم أنهم يمرون بتجارب نفسية قاسية جعلتهم يختلقون كوابيسهم على هيئة أطفال أم يختصّون بتربية أطفال مروّعة، أم أنّ الشيطان قد فتح لهم فرعاً هناك، لكنّ ما لا شكّ فيه أنّ خيالهم الخصب قد أنجب وحشاً صغيراً لا يقلّ رعباً عن أكبر التّنانين الأسطورية! .. ففي خضمّ هذا الخيال، ولد لهم مخلوقٌ عجيبٌ، يختبئ وراء قناع البراءة، ثم ينقلب إلى وحش كاسر في طرفة عين .. إنه “تياناك”

تخيل معي عزيزي القارئ، طفلاً رضيعاً أو مشلولاً، عيناه الزُرّاقتين تلمعان بلون الدم، وأنياب طائلة تلمع كأظافر السّبع، وجلد مجعد كشيخ طاعن شهد قرونًا من الزمن، وصرخته التي تشبه زئير الأسد وأنف كبير كالجبال وفمًا واسعًا يبتلع القمر لولا بعده عنه! هذا هو “تياناك” في حقيقته .. لكنه يظهر للناس كطفل بريء، يبتسم ببراءة زائفة، ثم ينقضّ عليهم كالصّقر على فريسته حين يجرؤ أحدهم على حمله! .. والمضحك المبكي، أنهم يقولون إن صراخه المدوي دليل على بعده، وصوته الخافت دليل على قربه! أيعقل أن يكون هذا الطفل الشيطاني صاحب استراتيجية دفاعية عكسية؟ أم أن أهل الفلبين يعانون من ضعف السمع؟!

وإذا لم يكفك هذا، فهم يعتقدون أن أرواح الأطفال الذين ماتت أمهاتهم عند الولادة أو الذين ماتوا قبل المعمودية تتحول إلى “تياناك”! وكأن المعمودية هي التّطعيم الوحيد ضد الشيطان! .. هل تتصورون العذاب الذي يمر به الطفل المسكين ليتحول إلى كابوس يطارد الناس؟ ولكن، لا داعي للخوف، فلدينا حل سحري .. ما عليك سوى ارتداء ملابسك بالمقلوب فالتياناك كائنات جبانة تخاف جدًا من ارتداء الملابس بشكل صحيح!، أو اصدح بالصوت العالي وقل له “أنا غريب مثلك لا تخف!”، وسيختفي “تياناك” كأنّه لم يكن.

لذا إذا سافرت يومًا ما إلى الفلبين وسمعتَ صرخة طفولية وانت تسير في إحدى شوارعها، فاحذر، فربّما يكون ذلك الطّفل الصّغير هو في الحقيقة وحشٌ كاسر يتربّص بك .. ولا تلومنّي إن قلت لك “اللهمّ احفظنا من أطفال الفلبين”!

القرش الحامي .. عندما يكون الأمان مرهونًا بذيل سمكة!

من يصدق أن أسماك القرش، تلك الكائنات المفترسة المرعبة، كانت يوماً ما آلهةً معبودة؟ ولكن هذا ما تؤكده الأساطير الهاوائية، التي تحكي لنا قصصاً عجيبة وغريبة عن علاقة خاصة بين الإنسان والقرش .. يقولون إن أول إنسان على وجه البسيطة كان نتاج علاقة محرمة بين امرأة بشرية وإله قرش! .. فالقرش في الثقافة الهاوائية ليس مجرد سمكة كبيرة الأسنان، بل هو جدٌّ عظيم وأبٌ حكيم! .. بل إنهم يعتقدون أن بعض أسماك القرش هي أرواح أجدادهم التي انتقلت للسكنى في أجسام هذه المخلوقات البحرية المخيفة لتقوم بحمايتهم من الأخطار!

ومن بين كل أنواع القرش، يتمتع سمك القرش النمري بلقب خاص، فهو المفضل لديهم بلا منازع .. ولعل أشهر أسطورة عن أسماك القرش هي قصة الملكة كاهاوباهو، التي كانت تحرس بحار بوولوآ بكل قوة وشراسة .. ولكن ذات يوم، هاجمت مجموعة من أسماك القرش المفترسة المكان، فما كان من الملكة البطلة إلا أن تحولت إلى شبكة صيد ضخمة وأغلقت مدخل الميناء على تلك العصابة الشريرة! ولسنا وحدنا من يندهش، فحتى أخوها كاهيوكا انزعج من تصرفاتهم، فقام بضربهم بذيله حتى فارقوا الحياة.

ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فهناك أسطورة أخرى عن قرش أنثى تدعى كانيكوانا، والتي كانت توفر الطعام لسكان إيوا في أوقات المجاعة .. وامتناناً لدورها البطولي، بنى لها الناس معابد وقربوا لها القرابين، التي كانت تتكون عادة من المحار والجمبري والأنشوجة! .. وإذا كنت تعتقد أن هذا كله مبالغة، فلتذهب إلى هاواي وتسأل السكان بنفسك، فربما تصادف واحداً منهم يخبرك بكل جدية وفخر أن جده كان قرشاً!

أخيرًا .. ماذا ستفعل إن فتحت باب الحمام يومًا لتجد قرشا يبتسم لك؟! ..

النظام الغذائي الصحي للبومة .. قلب بشري يوميًا!

يا للعجب من عجائب هذا الكون الساحر، الذي لا يفتأ يدهشنا بقصصه الخرافية المليئة بالجنون والعبث .. ففي غابات أوكلاهوما ومستنقعات نيوجيرسي وميشيغان، يقال إن كائنا غريبا يتخفى بيننا، يجمع في هيئته بين الإنسان والبومة في مشهدٍ لا يليق إلا بأفلام الرعب الرديئة! .. إنه الستيكيني! .. يبدو الستيكيني كأي إنسان عادي في وضح النهار، لكن ليلًا يتحول إلى وحش ريشي مخيف، يتربص بالنومى والأطفال الأبرياء .. ويقال إن هذه الأشكال الكريهة كانوا في الأصل ساحرات شرّيرات، تحولن إلى هذه الهيئات البشعة .. وسماع صياحهم يعدّ نذير شؤم، كأن الموت يلوح في الأفق.

blank

الأغرب من ذلك، أن بعض الأساطير تزعم أن الستيكيني ميتون في الحقيقة، ويحتاجون إلى إحياء أنفسهم باستمرار، وذلك بتناول قلوب بشرية! نعم، قلوب بشرية! حيث يتقيؤون أعضاءهم الداخلية ويخفونها، ثم يتحولون إلى بومة عملاقة بحثًا عن ضحية جديدة .. وعندما يجدونها، ينتزعون قلبها الدافق ويأكلونه سراً .. ثم يعيدون أعضاءهم إلى أجسادهم قبل طلوع الشمس ليعودوا بشرًا .. فإذا سرقت أعضاؤهم أو أُطلق عليهم سهم معين قبل أن يأكلوها، فإنهم يموتون عند شروق الشمس.

فهل تصدق هذه الحكاية؟ هل تظن أن هناك من يخرج ليلاً يتجول بحثًا عن قلوب بشرية؟ أم أنها مجرد خرافات لترهيب الأطفال؟ لا أعلم، ولكنني أنصحك بالبقاء في المنزل بعد غروب الشمس!

الإنكانتادو .. الرحلة من الزعنفة إلى البدلة!

من أعماق غابة الأمازون الرطبة، حيث يختلط اللونين البني بالإخضر، وحيث يصرخ الببغاء بألوان قوس قزح، وتتراقص الضفادع على ورق اللوتس، وحيث يزحف التمساح بحيوية، وتعيش القردة على فروع الأشجار، وتستوطن الفراشات عيون الزهور تنبعث لنا أسطورة غريبة عجيبة، كأنها من كتاب طُرِحَتْ أوراقه في نهر الوقت .. إنها أسطورة “الإنسان الساحر”، أو “الإنكانتادو” كما يُدَلّل عليه بلغة البرتغال البرازيلية .. وهو الاسم الذي يليق بمن يمتلك قدرة خارقة على تحويل نفسه من دلفين وردي اللون إلى فارس أحلام.

نعم أيها القارئ الكريم، دلفين وردي! فما بالك بحيوان بحري يملك رخصة قيادة ويستطيع أن يتحول إلى رجل وسيم طويل القامة ويرتدي بدلة سهرة وكأنه ذاهب لحضور حفل زفاف في أحد القصور الفخمة! هذا الدلفين الساحر، لا يكتفي بكونه عارض أزياء، بل يمتلك مهارات اجتماعية خارقة .. فهو يزور القرى الأمازونية ليلاً، ويقوم بزيارات مفاجئة للسيدات المتزوجات والعوازل، تاركًا وراءه آثارًا لا تُمحى، أو بالأحرى، أطفالًا لا يعرفون أبًا!

ولكن لا تظن أن هذا الدلفين الدون جوان مجرد عارض أزياء ومُلقح متجول .. فبعض الروايات تقول إنه يملك عالمًا سريًا تحت الماء، يسميه “الإنكانتي”، وهو مكان يفوق جنة عدن جمالًا، حيث لا يوجد قلق بشأن ارتفاع أسعار البنزين أو أزمة السكن! .. المشكلة الوحيدة أن من يزور هذا العالم لا يعود منه أبدًا، وكأننا ندخل في تجربة اختفاء قسرية، ولكن من نسخة فاخرة!

أما الجانب الإيجابي في هذه الأسطورة، فهو أن الدلفين الوردي يُعتبر كائنًا مقدسًا لدى السكان .. فمن يجرؤ على إيذائه سيواجه لعنة أبدية، حيث تطارده الدلافين الوردية في منامه ليلًا ونهارًا، وكأنهم فريق كرة قدم يلاحقون الكرة! .. فهل من الممكن أن تكون هذه الأسطورة حقيقية؟ أم أنها مجرد خيال جامح لأناس عاشوا في عزلة عن العالم؟ كل ما نعرفه أن هذا الدلفين الوردي، سواء كان ساحرًا أم لا، قد نجح في أن يصبح بطلًا أسطورياً، وربما يكون قد فتح بابًا لعالم جديد من العقارات تحت الماء!

هل تخاف من الظلام؟ .. الأدزي يقول نعم!

لا شك أن العالم مليء بالكائنات الغريبة، التي تثير الدهشة والإشمئزاز معاً .. إلا أننا نجد أنفسنا اليوم أمام وحش أسطوري، لا يقل غرابة ولا رُعباً عن مخلوقات الخيال العلمي .. إنه “الأدزي”، ذلك الكابوس الذي يطارد شعب الإوي في غرب أفريقيا منذ قرون .. فما هو الأدزي؟ إنه متحول غريب، يتحول بين عدة أشكال .. ففي لحظةٍ يكون ذبابةً مزعجة، وفي أخرى خنفساءً كريهة المنظر، وإذا به فجأةً يتحول إلى يراعة، ليفاجئك بعدها بدقائقٍ قليلة بأنه بعوضة .. ولا يكتفي بذلك، بل إنه يتقمص شكل كرة ضوئية، ليلعب دور الملاك الوهمي الذي ينزل من السماء، في حين أنه في الحقيقة شيطان يطرق أبوابك ليلاً!

وإذا لم يكفك هذا، فإن الأدزي قادرٌ على التحول إلى شكلٍ بشري، وإن كان بشرياً مشوهًا .. فهو يظهر كقزمٍ منحني الظهر، قبة ظهره كالجبل ذي مخالبٍ حادة وبشرةٍ سوداءٍ كليل دامس، يذكرنا بأفلام الرعب التي نحاول نسيانها! .. وإذا كنت تعتقد أن الأمر انتهى عند هذا الحد، فأنت واهم! فالأدزي ليس مجرد مخلوقٌ قبيح، بل إنه مصاص دماءٍ متعطش، يطلق عليه البعض “اليراع الأفريقي مصاص الدماء” .. ووفقاً للأسطورة، فقد كان الأدزي في الأصل ساحرةً شريرة، عقدت صفقاتٍ مع قوى الظلام، مقابل الحياة الأبدية .. ولكنها دفعت ثمناً باهظاً، إذ أصبحت مدمنةً على الدماء، وتحولت إلى هذا الوحش المرعب.

والأسوأ من ذلك كله، أنه لا يوجد علاجٌ للدغة الأدزي، ولا سلاحٌ قادرٌ على قتله .. فالأدزي أقوى من أي جرعةٍ سحرية، وأشد بطشاً من أي سيفٍ مسحور .. ولكن هناك بعض الطرق للتخلص من الأدزي إذا ما استطاع أن يسيطر عليك .. ألا وهي الصلاة والدعاء أو ضربها بعصا سحرية إن وجدت! .. قد يكون من المريح أن نعتقد أن الأدزي مجرد أسطورةٍ مخيفة، لا أساس لها من الصحة .. ولكن، هل يمكننا تجاهل انتشار الأمراض التي تنقلها الحشرات في تلك المنطقة، والتي كانت منتشرةً بشكلٍ كبير في القرن الثالث عشر؟ فربما يكون الأدزي مجرد رمز لهذه الأوبئة المرعبة، التي كانت تفتك بالناس دون رحمة، تاركةً وراءها الرعب والخوف.

ولكن مهلاً عزيزي القارئ، لا داعي للخوف ، فالأدزث لا يزال مجرد أسطورة، أو ربما هو مجرد حشرة ضالة دخلت غرفتك عن طريق الخطأ .. المهم أن تغلق النوافذ جيدًا قبل النوم، وتتأكد من عدم وجود أي فتحات في الغرفة .. وإذا سمعت صوت طنين غريب، فاستخدم المبيد الحشري ولا تقلق!

ختامًا ..

مع نهاية سطور هذا المقال، تدور في ذهني عدة أسئلة .. ماذا لو اكتشفت عزيزي القارئ فجأة أن شخصًا عاديًا تقابله يوميًا يمتلك القدرة على التحول إلى أي كائن حي؟ ماذا لو رأيت صديقك المقرب يتحول إلى قطة أمام عينك، أو زميلك في العمل يتحول إلى ثعبان ضخم؟ .. أين ستختبئ؟ كيف ستفرق بين الحقيقة والوهم؟ هل ستثق بأي شخص مرة أخرى؟! الحياة أصبحت مليئة بالشك والريبة .. هل ستجرؤ على النظر إلى المرآة؟ ماذا لو اكتشفت أنك أنت نفسك تمتلك هذه القدرة؟ هل ستستخدمها للخير أم للشر؟ هل ستتحول إلى بطل خارق ينقذ الأبرياء، أم ستصبح شريرًا يهدد البشرية؟ .. الأسئلة مفتوحة على مصراعيها، والإجابات ربما تكون مخيفة!

في النهاية أودعكم بقول واحد .. الحذر واجب، فالمتحولون قد يكونون بيننا!

المصدر
onlineyourstateCulturacolectiveatlasobscuraancient - originsancient - originshawaiiactivitesmythicalencyclopediaancientpagesatlasobscura

تامر محمد

مصر/ للتواصل : https://www.facebook.com/tamerasfour1996
guest
21 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك