سؤال الأسبوع

تيك توك: تطبيق أم تغريق؟

أهلا بك في عالم تيك توك، حيث أسوء شيء من كل شيء. تيك توك هو تطبيق صيني تم إطلاقه في سبتمبر 2016 تحت اسم Douyin في الصين، ثم تم إطلاقه عالمياً باسم TikTok في سبتمبر 2017. ولكن لم يحظى التطبيق بشعبية ملحوظة إلا في عام 2020 مع انتشار جائحة كورونا، والتي ألزمت ملايين الأشخاص بيوتهم، والذين بدورهم بدأوا بالتنقيب عن أشياء مسليّة جديدة. وكان تطبيق تيك توك إحدى أفضلها.

المحتوى في تطبيق تيك توك : تسلية ثم انحدار

بدأ تطبيق تيك توك بفكرة أساسية وهي مشاركة مقاطع الفيديو القصيرة والتي لا تزيد عن 15 ثانية. وكان المحتوى الأكثر شيوعاً بين المستخدمين هو تحريك شفاههم على الأغاني الشهيرة أو أداء رقصات قصيرة. هذا النوع من المحتوى كان شائعاً جداً بين الشباب والمراهقين. ولكن مالبث مطوروا التطبيق إلا أن زادوا مدّة الفيديوهات التي يمكن نشرها تدريجاً، إلى أن وصلت إلى 10 دقائق لكل فيديو !.

العديد من الأشخاص رأوا في تطبيق تيك توك تحرراً من قضبان يوتيوب وفيسبوك وانستجرام التابعين لشركة ميتا وشروط تحقيق الربح الصعبة عندهم. خاصة مع توافر ميزة الربح من المنصّة وبأرقام أكبر.

وكما يقال: إذا كثر الطبّاخون فسدت الطبخة، وفي حالتنا لم يكثر الطباخون فقط بل انضم إليهم المخبّصون والمجعّصون. فسقطت الشهادات والمواهب والمهارات، وسقطت معها القيم والمبادئ. وأصبحت الخلاعة والاستفزاز وسيلة أساسية لجني المال. فمن تحتاج للعلم والدراسة وهي مع القليل من التمايل على التطبيق تستطيع جني بيوم ما تجنيه طبيبة في شهر!. ومن يحتاج للعمل طالما أنه يقدم محارمه في مقاطع الفيديو وعلى البث المباشر للايحاءات والرقص.

أصبح حثالة المجتمعات ( مؤثرين ) وأصبح لهؤلاء المؤثرين (جيش) يسند كل واحد فيهم لربح جولات هرطقة ومضيعة للوقت. وتخيل يا رعاك الله أن إحدى هذه البثوثات وصلت إلى مليون دولار! أما عن محتوى البث، فلم يكن إلا جلسة دردشة بين (المؤثر) ومتابعيه وما يتخللها من أداء لبعض الرقصات ..

سوق نخاسة متطوّر: خوارزميات تيك توك تشهد!

لا يهم نوع المحتوى في تطبيق تيك توك! فهو سيقترح لك مقطع الفيديو الذي فيه أكبر عدد من التعليقات والتفاعلات، سواءاً كانت سعيدة بمضمون المحتوى أو مهاجمة له. وهي سياسة اتّخذتها شركة ميتا في وقت لاحق أيضاً. مثلا وأثناء تصفحك في تطبيق فيسبوك ستجد أن التطبيق يقترح لك منشوراً ما . ولنفرض أنّك كنت رافضاً لظهور هذا المحتوى المقترح. فتنقر غاضباً على المنشور وتذهب فتحظر الصفحة حتى لا تظهر لك مجدداً. ولكنك تتفاجئ أن عشرات المنشورات التي تتضمن محتوى مشابه تظهر لك. وهذا بسببك، أو بسبب نقرتك على المحتوى نفسه بغض النظر عمّا فعلته بعدها. إذ أن نقرتك تلك فهمت منها خوارزمية فيسبوك أنك مهتم بالمحتوى فيقترح لك المزيد. ماذا أفعل إذن؟ توجد إشارة X بجانب المحتوى انقر عليها وامضي فقط.

بالعودة لتطبيق تيك توك فسنرى أنّه بات تجسّداً لسوق النخاسة ولكن بطريقة إلكترونية معلوماتية منمّقة. فكم من (الرجال) يتّخذون من محارمهم محتوىً لهم؟ وهذا ليس حكراً على المحتوى العربي فقط. فإذا ما أخذنا نظرة واسعة على باق المحتويات سنجدها تتشابه من حيث المضمون ( العري والخلاعة) وتتفق من حيث الهدف (جمع المال بأسهل طريقة).

تيك توك الصين VS تيك توك باق العالم

مروّج الممنوعات لا يتعاطاها، وهذا هو تماماً ما يحدث في حالة تطبيق تيك توك. فكيف ذلك؟

لا يوجد تيك توك في الصين.

معقول! كيف هذا وقد ذكرت أنّه تطبيق صيني صنع بأيد صينية!

في الواقع فإن تشابه الأسماء لا يعني تشابه الأفعال، من المفترض لتطبيق تيك توك أن يكون النسخة من دوين  Douyin . ورغم أن كلا التطبيقين مملوكان للشركة ذاتها إلا أن لكل منهما نظام منفصل عن الآخر تماماً. وبالتالي سيكون لكل منهما مراكز بيانات منفصلة. وسنلاحظ أن تطبيق تيك توك الصيني هو أقرب ما يكون ليوتيوب youtube.

أيضاً سنجد أن أغلب المحتوى في النسخة الصينية يمتاز بطابع تثقيفي أخلاقي. لا يوجد فيه عري أو خلاعة أو تنمر. ولا يوجد فيه بثوثات ذات محتوى هابط. وهذا طبعاً بسبب خضوع التطبيق هناك لرقابة الحكومة الصينية الصارمة جداً. حتى عند وجود محتوى مرح وفكاهي فسيكون بسيطاً وخفيفاً ومتعلقاً بالثقافة الصينية.

خلاصة القول أن المحتوى هناك أغلبه علمي ودراسي وتجارب ومشاركات هادفة، وحتى الفكاهي منها فهو بسيط خفيف الظل.

هل يوجد تطبيق تيك توك على جهازك؟

تيك توك ليس الوحيد، بل هناك الاف التطبيقات المشهورة والمغمورة تقدم محتوى أكثر سقوطاً من الموجود في تطبيقنا القادم من الصين، وهذا يشمل فيسبوك وانستجرام وما يجر من منصّات اخرى تسلّقت أو تتسلق على أكتاف الرغبات البشرية التي يمكن تنفيذها وانت تجلس في بيتك. وتطبيق تيك توك هو إحدى أنجح هذه الحالات.

كما الثورة الصناعية والثورة الفكرية وغيرها من الثورات التي غيرت مجرى التاريخ،باعتقادي أن ثورة وسائل التواصل والمنصات غيرت وجه العالم. لا اريد التحدث عن نظرية المؤامرة ، ولكن إغراق العالم بأفكار الخروج عن القيم والمبادئ وطبخات فكرية جرت في عقول أجيال العقود الأخيرة وعلى نار هادئة جداً. جعلت شعوب العالم عبيداً لمشغلي هذه المنصات تحت وطأة شهوات الجنس والمال والشهرة، مهما كان لثمن المدفوع. عملية صهر عميق وبارد للقيم والمبادئ والأفكار والتطلّعات السامية. تحقير الصحيح، ورفع الحقير فإلى أين هذا العالم ذاهب؟

  • هل تستخدم وسائل منصّات التواصل بشكل عام وما أكثر منصة تستخدمها؟
  • ما رأيك بتطبيق تيك توك وهل تستخدمه؟
  • هل انت من المنتفعين من إنشاء المحتوى على إحدى المنصات؟
  • ما الذي تحب إضافته أو معارضته عمّا جاء في المقال؟
guest
9 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك