قتلة و مجرمون

جون جوزيف جوبيرت: نسر الكشافة القاتل

في داخل كل منا ظل شرير يتحين الظروف المواتية كي يفصح عن نفسه بجلاء دون خوف من أي عواقب، فنجد بشرا يقدمون على أفعال شديدة القبح والبشاعة و الأذى، بدءًا من ذبح جرو صغير و انتهاءا بقتل عشرات البشر الآخرين.

و نحن البشر العاديين الذين نذهب إلى أشغالنا باكراً ونسدد فواتيرنا بانتظام، و نتابع مبارايات الكرة أو نرتاد المناسبات الاجتماعية المختلفة، حين تمر بنا جريمة بشعة مقروءة أو مجسدة كعمل درامي، لا ننفك أن نسأل أنفسنا :” كيف يفكر أؤلئك الناس؟” و يصل بنا الأمر أحيانا إلى محاولة أن نرى العالم لوهلة بمنظور هذه الذئاب المنفردة لعلنا نفهم دوافعهم للقيام بما يقومون به، الإ أننا وفي نهاية الأمر محكمون بالأ نفهم بعضنا حقا.
و بالرغم من قناعتي بأن الظروف مهما كانت قاسية وبيئة مثالية لصناعة مجرم، فإن كل من يعايشها ليس بالضرورة سيكون مجرماً أو سفاحاً لا يرحم، كلا ! إذ أن بشراً آخرين واجهوا ظروف أسوأ و اقسى، جعلتهم أقرب للرحمة و التعاطف والإحساس بالناس من حولهم .
و مع هذا فإنني – ولا اخفي عليكم – كثيراً ما تمنيت لو أنهم حين يأتون بالمجرم لقفص الاتهام و الإدانة، أن يضعوا أحد الوالدين أو كلاهما معه في نفس القفص، لو ثبت أن طريقتهم في التربية أو أن إهمالهم، كان لها أثر كبير على هذا الإبن المملوء غضبا ً و سخطاً من العالم أجمع. و يمكنني أن أسرد عليكم بعض هذه النماذج، لكن افضل أن أترككم لقراءة مقالتي اليوم عن جون جوزيف جوبيرت.

نشأة جون جوزيف جوبيرت

ولد جون جوزيف جوبيرت الرابع في 2 يوليو 1963 في لورانس، ماساتشوستس، لأسرة مكونة من طفلين هو أكبرهما. و بطبيعة الحال كان جو الأسرة دوماً مشحوناً و تكثر فيه الشجارات. حتى أنه في واحدة منها شاهد أبيه يحاول خنق أمه، لتنتهي هذه الحياة الأسرية المضطربة بلنفصال الوالدين وهو في الثامنة من عمره، و ينتقل للعيش مع أمه و شقيقته في ولاية ماين.

blank

لكن، و إلى جانب المرارة اللاذعة التي أحس بها جراء هذا الانفصال، و تنقله المستمر بين عدة منازل مختلفة، كانت والدته بيفرلي جوبيرت امرأة مستبدة لم تسمح له بتكوين أي صداقات مع الأطفال الإخرين، نافذة الصبر دائمة الصراخ و الوعيد لابنها على أتفه الأسباب، و كانت تبرحه ضرباً حتى بلغ من العمر 12 عاماً، وفوق كل هذا منعته من زيارة أبيه.

و بالمدرسة لم تكن أموره بأفضل حالاتها أيضاً، إذ أنه بالكاد كان له أصدقاء، و بالطبع كان هدفاً سهلاً للتنمر بسبب صغر سنه وسط أقرانه، ورده الوحيد على تلك المضايقات كان بالصمت المطبق.

وفي عمر الحادية عشرة، بدأ جون العمل في توصيل الصحف بحيه حتى بلغ السابعة عشرة من عمره إلى جانب الدراسة. ومنها كان يدفع النقود التى يدخرها لتسديد رسومه الدراسية فى مدرسة تشيفيروس الثانوية، وهي مدرسة ثانوية كاثوليكية للبنين في بورتلاند.

وبعد دخوله الثانوية، بدا بالنسبة للمدرسين والكثير من الطلاب بأنه صبي يحتذى به في الاجتهاد والعمل الدؤوب. فبجانب طبعه الهادئ الكاره للعراك؛ فإنه قد حصل على دورات دراسية بمرتبة الشرف، و لا يلي جهدا في سبيل تحصيل أعلى العلامات الدراسية، كما أنه يتمتع بمستوى ذكاء عال، ومتفوق في اللغة الإنجليزية والتاريخ، و كثيرا ما كانوا يشاهدونه يقرأ كتاب حتى أثناء وقت تناول الطعام بالمدرسة ؛ بل إنه وفي الإجازة الصيفية التي ينتهزها الأولاد الأخرين للتسلية و الراحة من أعباء المذاكرة، كان جون يعمل خلالها أيضاً لمساعدة ووالدته.

أما في أوقاته الطويلة بمفرده، فإنه كان يقضيها جلها يستمع إلى الراديو أو يبني نماذج للطائرات.

إلى هنا، يبدو أننا بصدد حكاية ملهمة وواعدة عن شاب صغير عصامي يتحدى ظروفه بتصميم لا يلين، كغيرها من الحكايات التي كتبها أصحابها من ذهب في سماء التفوق والتمييز.

و لكن وكما عودتنا هذه السير الذاتية للمجرمين، فإنه كالعادة لابد لشيء ما أن يسير على نحو خاطئ في قصته، ليكون الوحش الذي نخشى وجوده بيننا وفينا إذا ما كانت الظروف مواتية.

blank
جون اليافع

ولعل سبب من الأسباب التي تصنع مجرمين بحق، هو حين يتركون لأنفسهم لردح طويل من الزمن تفترسهم فيه أفكارهم وخيالاتهم، وينفصلون عن واقعهم، انفصالا لا رجعة فيه.

و من هنا يبدأ الجانب القاتم من حكايتنا اليوم ، وهو أنه خلف هذا المراهق المثالي الهادئ الرصين، تجول وتصول أفكار لحوحة في رأسه عن إيذاء الآخرين .. آخرون يُذبحون و يَصرخون و يتلوون من عذابات رهيبة، و كأنهم شخصيات داخل شريط فيلم رعب لا يمل تكراره داخل عقله المعطوب.

وفي يوم من الأيام، يتخذ القرار الحاسم بأن يحول هذا المسلخ الخيالي إلى حقيقة!

بداية الجرائم

كانت البداية في يوم ديسمبري من عام 1979، حين وقعت عينه على فتاة صغيرة تدعى سارة كانتي، لا يتعدى عمرها الست سنوات، تلعب في حديقة منزلها، عندما مر بدراجته. و أمام هذا المنظر اللطيف الذي قد يسلب لب أغلب الناس و يعيد لهم ذكريات طفولتهم السعيدة حين كانوا أحرارا من أعباء وهموم الحياة، فإن جون انتابه اشمئزاز من المشهد إلى درجة العزم على تحويله إلى المشهد الذي يرضي ذوقه هو، فسحب آلة حادة من جيبه و نزل عن دراجته يسير باتجاه الطفلة التي رمقته ببراءة إلى أن طعنها دون مقدمات.

تعالت صرخاتها، ولاذ جون بالفرار، قبل أن يظهر والدها لنجدتها، وهو يشعر بإحساس عارم من الإثارة، بات يستحضره لأيام تالية، حتى صارت ذكريات حادثة إيذاء سارة الصغيرة تبعث على الضجر، وعليه أن يصنع واحدة أخرى، و بجرعة أعلى من العنف!

وفي أحد أيام يناير سنة 1980، صادف أن كانت تسير تعيسة الحظ ڤيكي جوف ذات السابعة والعشرين على طول شارع ديرينج، في طريقها إلى الجامعة. أطبق عليها جون من الخلف وشرع في طعنها بالسكين، وهو يضع يده على فمها، كي يكتم صراخها، وولى هاربا قبل أن تتمكن الفتاة من إلقاء ولو نظرة خاطفة على مهاجمها!

و سرعان ما يدب السأم في أوصاله من مشهد الطعن الأخير، فشرع في تنفيذ آخر، مع الحرص على مضاعفة حدة الهجوم، و كان ضحيته هذه المرة صبي صغير، اسمه مايكل ويثام عمره تسعة أعوام. كان مايكل مثل الضحية السابقة يسير في شارع ديرينغ حين استوقفه جون من على دراجته، و أخذ بطرح بعض الأسئلة عليه، و من ضمنها أسئلة شخصية، لم تثر أي منها ريبة الطفل الصغير، إلى أن أخبره جون بأنه يمكنه الذهاب الآن؛ لكنه حين التفت يهم بالمغادرة بُوغت من الخلف و حز عنقه بسكين. لكن الطفل كان رابط الجأش بما فيه الكفاية كي لا ينتهي به المطاف بالسقوط قتيلا، و عليه فإنه ركض بشجاعة إلى بيته طلباً للمساعدة.

احتاج مايكل إلى اثنتي عشر غرزة لإغلاق جرحه، فيما أخبره أطباؤه بأن الهجوم كان من الممكن أن يكون مميتاً، وأنه كان جد محظوظ، بكونه على قيد الحياة الآن.

المرحلة الثانية

بعد انتشار أخبار الطعنات، قرر جون أن يتوقف لفترة من الزمن، حرصاً على مستقبله من جهة، ومن جهة أخرى حتى لا يقع في قبضة الشرطة، فتخرج من المدرسة الثانوية، وأصبح طالباً في جامعة نورويتش، وهي كلية عسكرية في نورثفيلد، فيرمونت، حيث درس الهندسة، الإ أنه غادر مقاعد الدراسة، بعد فصل دراسي واحد فقط! ليحاول العثور بعدها على عمل، لكنه لا ينجح، مما يزيد من توتره وغضبه إزاء ما يعده إخفاقا، و على أثره تعاود رغبته المحمومة بإيذاء الأخرين الإلحاح عليه من جديد..

وحتى عند هذه المرحلة رغم خطورتها و ضحاياها المحتملين، كان من ممكن أن يلجأ جون جوزيف جوبيرت للمساعدة النفسية، لعله استطاع بعدها أن يتعايش مع ندوبه العميقة جراء صعوبة نشأته و تربيته و صرامة أمه دون أن ينقاد إلى هذا الدرب الدموي المريع .. إلا أنه سيختار أن يسلكه حتى نهايته، وبالتالي، و بعد شهر من ترك الجامعة، سيجد الصبي الذي سيدفع ثمن غضبه و إحباطه!

ضحية جون جوزيف جوبيرت الأولى

وكما أعتاد جون، فإن أي هجوم يقوم به، لابد للهجوم الذي يليه أن يكون أشد ضراوة، و بما أن آخر ما انتهى إليه هو محاولة قطع حلق، فإن نقطة البداية بالنسبة إليه هذه المرة ستكون هي القتل.

وفي الثاني والعشرين من أغسطس عام 1982, كان جون يذرع الشارع جيئا و ذهاباً، يتفحص بعناية كل من يمر بجواره، باحثاً بينهم عن الأكثر هشاشة كي يستدرجه، حتى اصطدم به أخيراً.

في نفس هذا اليوم، غادر ريتشارد ستيتسون “ريكي” البالغ من العمر 11 عامًا منزله في الساعة الثامنة إلا ربع مساءاً لممارسة رياضة الركض على طول ممر في باك كوف، في شمال بورتلاند. و في ذلك الوقت من فصل الصيف، كان ضوء الممر لايزال مغلقا بعد؛ إلا أنه كان مأهولًا براكبي الدراجات والعدائين والمتنزهين.

blank
ريتشارد ستيتسون

و بينما يركض ريكي كما اعتاد دائما‏، كان جون يتبعه بدراجته، حتى وصلا إلى مكان معزول. عندها، هاجمه جون و طرحه أرضاً، ثم لف ربطة عنق حول رقبته من الخلف إلى أن لفظ أنفاسه.. وقف للحظات يتأمل الجثة، فأحس بأن الأذى الذي ألحقه بالصبي غير مرض بعد، و أن الاكتفاء بخنقه لا يشبع ميوله؛ فنزع جزء من ثيابه وأمسك سكيناً، و سدد إلى صدره ثلاثة طعنات، وعض ساقه وبعض أجزاء من جسده في أكثر من مكان كما لو كان يحاول التهام شيء صالح للأكل؛ إلا أن محاولاته قد باءت بالفشل، و انتبه أنه قد ترك آثار أسنانه بقوة على ربلة ساق ريكي، فأخذ سكينه، واقتطع الجلد الذي يحوى آثار أسنانه قطعة تلو الأخرى، حتى اكتشف إن الأمر سوف يستغرق وقتاً طويلاً لا يملكه؛ فعاد أدراجه.

في هذا الوقت بدأ والدي ريكي في القلق على ابنهما الذي تأخر كثيراً، فاتصلا بالشرطة، و و أخذا في سؤال الجيران عنه، و أستمر بحثهم عنه، إلى أن عثرت امرأة على جثته الملطخة بالدماء في صباح اليوم التالي ملقاة بجانب الطريق السريع.

أعتقدت الشرطة في البداية أنه حادث دهس بسيارة ألقت به على جانب الطريق عوضاً عن الذهاب به إلى المستشفى؛ لكن نتائج تشريح الجثة ‏أظهرت أن ستيتسون قد تعرض للخنق، ثم طعن عدة مرات في صدره. وقد تم إحداث علامات العض على الجسم بواسطة مجموعة من الأسنان البشرية.

وعندما تم استجواب الناس فى ممر باك كوف، أكد العديد منهم على رؤيتهم لريكي فعلاً بينما كان يركض ولاحظوا وجود شاب يتبعه، فألقي القبض على شاب يدعى جوزيف أندرسون بتهمة قتل ريكي، لكن في فبراير عام 1984، تم إطلاق سراحه، أي بعد سنة تقريباً، لأن علامات العض على ساق ريكي لم تكن، متطابقة مع أسنانه، و بمرور الوقت باتت القضية باردة لا جديد فيها.

الضحية الثانية

يمضي أكثر من عام على الجريمة الأولى، كان جون خلالها قد قدم طلباً للالتحاق بوظيفة في القوات الجوية الأمريكية تم قبوله، حيث تدرب كفني رادار، وانضم إلى فرقة الكشافة المحلية، ليصبح مساعداً لقائد الكشافة.

و بينما كان جون يتسكع حول قاعدة سلاح الجو في أوفوت مقر عمله، وقعت عيناه على داني جو إيبرل البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً. وهو فتى توصيل الصحف في الحي، يقف بجوار دراجته ويضع البعض منها فى يديه استعداداً لإلقاءها أمام الأبواب.

و بينما كان الصبي الصغير ما زال أمامه تسليم سبعة وستين جريدة بعد من أصل سبعين واحدة بحوزته لجريدة أوماها، و دوامه قد أوشك على الانتهاء، لم يشك البتة في وجود حيوان مفترس على مقربة منه يتربص به استعدادا للانقضاض عليه. فانتهز جون الفرصة السانحة وداني يسير بدراجته، و أخذه على حين غرة، ثم قيده و ألقى به في صندوق سيارة، وتوجه به إلى وجهة نائية ومعزولة.

blank
داني جو إيبرل

ترجل عن السيارة، وراح يفك وثاق الصبي و يجرده من ملابسه، وأعاد أحكام الحبال على جسده من جديد، عندئذ سأله داني: ” هل سأموت؟” و رد عليه جون بالإيجاب.

أحس داني بالهلع، وحاول التدحرج بعيداً، فعالجه جون بطعنة في ظهره، وثبته على الأرض بالسكين، فظل داني يتوسله بالنحيب أن يطلق سراحه و يصطحبه إلى المشفى، وفي المقابل يعده أن لا يشي به و بما فعله.

سرعان ما اتخذ جون قراره بأن لا يسمح له بالعيش، لأنه لا يضمن ألا يشي به، فتناول سكينه من جديد، وراح يغرسها في ضحيته، دون أدنى إشفاق أو تأثر بصرخات استغاثته؛ بل ونحت ما يشبه النجمة على جسمه. و مثل طقوس الجريمة السابقة، لم ينس عض الجثة عدة مرات، ثم محاولة إزالة آثار أسنانه بالسكين.

و في الوقت الذي رقد فيه داني الصغير جثة باردة، أخذت الشكاوى تنهال من المشتركين في الجريدة على عدم تسلمهم نسخهم الذين يدفعون مقابلها. و على الجانب الآخر، انتاب القلق والديه من تأخره، فاتصلا بالصحيفة، و أطلعتهما بدورها على ما حدث، و على الفور يقررا التوجه لأقرب مركز شرطة لتقديم بلاغ عن غياب داني.

تم العثور على دراجته مع عدد الصحف المتبقية، على مقربة من المنزل الرابع، الذي كان من المفترض تسلمه الجريدة. هنا، تزايدت مخاوفهم و باتا على يقين من ابنهما الغائب قد أصابه مكروه.

وبعد مرور ثلاثة أيام، في 21 سبتمبر، عثر على جثة داني في منطقة عشبية قبالة الطريق، قرب قاعدة سلاح الجو، على بعد حوالي 4 أميال من المكان الذي تم العثور فيه على دراجته.

فبدأت الشرطة في جر متحرشي الأطفال المعروفين للاستجواب، والطلب من المواطنين الإدلاء بأي
معلومات قد تساعدهم، و قام أحد مدراء البنوك المحلية، تعاطفاً مع مأساة الولد المغدور، بالإعلان عن مكافأة قدرها أربعين دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض على المجرم.

و قد افترض روبرت ريسلر، محلل مكتب التحقيقات الفيدرالي، أنه من المحتمل أن يكون مرتكب هذه الجرائم، شاب أبيض، ذو دوافع جنسية.

الضحية الثالثة

ما تكاد تمضي على هذه الجريمة ثلاثة أشهر، حتى لا يطيق جون صبرا على جريمة قتل أخرى لصبي آخر . فينطلق بسيارته السوداء المخصصة لاصطياد فرائسه، إلى حيث مدرسة بلفيو، كي يتسنى له اختيار الصبي المسكين الذي سينفس فيه عن خيالاته الرهيبة، و كان سوء الحظ هذه المرة من نصيب ولد يدعى كريستوفر والدن، لا يتجاوز عمره اثنتي عشرة عاما، ابن ضابط في القوات الجوية، كان في طريقه إلى مدرسته.

اقترب جون منه بدهاء الأفاعي، و أخذ بمحادثته، و من ثم أشهر في وجهه السكين، مهددا إياه كي يصعد إلى سيارته، و رغم أن كريستوفر في تلك اللحظة كان محاطاً ببعض الأشخاص، إلا أنه خاف من طلب المساعدة و صعد إلى السيارة التي انطلقت إلى وجهة مجهولة.

blank
كريستوفر والدن

و ما إن تلقت العائلة اتصالاً من إدارة المدرسة، تبلغهم بعدم حضوره، حتى سارعت إلى إبلاغ الشرطة عن اختفاءه.

توقفت السيارة في منطقة غابات، على بعد حوالي 3 أميال من مسرح جريمة داني على جانب الطريق. أمره جون أن يخلع ملابسه ما عدا سرواله الداخلي. لكن لما تعالى صوت كريستوفر بالنحيب، فكر لوهلة في إطلاق سراحه، الإ أنه سرعان ما تراجع كحال المرة السابقة، وطلب منه الغستلقاء على الأرض الباردة.. لسبب أو لآخر لم يستطع الولد تنفيذ أوامر جون، فلف الأخير يديه حول رقبته ودفع رأسه ليصطدم بالأرض، شرع في خنقه، إلا أن يداه أصيبتا بالخدر جراء البرد، فأخرج سكينه وطعنه حتى الموت، ثم مرر السكين على رقبته وقطع حلقه وحفر نجمته إياها على جسده. و للأسف كان الصبي الصغير واعياً لبعض الوقت و هو يتعرض لهذا الانتهاك الوحشي، حتى دخل تدريجياً مرحلة الغيبوبة، و مات إثر فقدان كميات كبيرة من الدم، و أخيراً أنهى جون طقوسه البربرية المعتادة بزرع عضات مسعورة على أنحاء متفرقة من الجثة، ثم محاولة محو أثار أسنانه باقتطاع الجلد منها.

وعندما أصبح جون مغطى بالدماء بما يرضي نزعته السادية الخبيثة. وشعر أنه أخيرا أصبح ممتلئا بما يريد أن يمتلأ داخلها به.

انحنى ليجر الجثة إلى أحد جانبي طريق الغابة وتركها تتجمد تحت ندف الثلج، ثم عاد بسيارته إلى مقر عمله في قاعدة الطيران. لتُكتشف جثة كريستوفر المتجمدة بعد يومين فقط، على يد رجلين كانا يصطادان طيور الدارج.

البحث عن القاتل

سافر روبرت ريسلر، محلل مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلى نبراسكا للمساعدة في التحقيق من خلال تقديم ملف تعريف عن القاتل. وبدأ بوضع الاحتمالات مثل المرة السابقة عن ماهية القاتل، من ضمنها أنه ضعيف البنية لأنه لم يكن قادراً على حمل جثة داني على مسافة بعيدة، وأنه لايعرف المنطقة جيداً نظراً لأن الجثة لم تكن مخفية بشكل جيد وتم العثور عليها في وقت قصير، وأنه قد يكون لديه بعض المعرفة من قراءة المجلات البوليسية، حيث حاول إخفاء آثار عضاته على أجساد ضحاياه؛ أما أهم شيء تم التركيز عليه، فهو الحبل الذي تم ربط الضحايا به، إذ كان الحبل فريداً من نوعه، يتكون من عدة ألياف مختلفة، وأكثر من مائة خيط ملون مختلف.

blank
الحبل المستخدم في ربط داني جو إيبرلي (المصدر:
يوتيوب )

أما الشهود فقد أفادوا بأنهم شاهدوا كريستوفر مع شاب متوسط الطول ذو شعر أسود وعيون داكنة، يترواح عمره بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين، يقود سيارة ذات لون أسمر تحمل لوحة ترخيص تبدأ بالحرف R، و راحت الشرطة تعمل بدأب للقبض عليه و نشر صورة مرسومة بأوصافه و تعميمها في كل مكان.

أما جون فكان غير مبالٍ بالبلدة التي انقلبت رأسا على عقب كي تستدل على أثره، لعل ذلك يرجع لسطوة الغرور الزائد في ذكاءه و قدراته، حتى أنه تجرأ على الذهاب بسيارته ثانية أمام إحدى المدارس .

ففي 11 يناير عام 1984، وصلت المعلمة باربرا ويفر إلى المدرسة فى الصباح الباكر قبل وصول طلبتها لتحضير صفها الدراسي. وحين أطلت من النافذة تقلب نظرها بين الشارع وبين ساحة انتظار السيارات، وجدت سيارة وحيدة بداخلها سائق شاب. حدقت نحوه في فضول، فإذا به يبادلها التحديق أيضاً، مما أثار ريبتها بسبب الحوادث التي تسمع عنها من قتل الأطفال الصغار، ولأنه يشبه إلى حد كبير مواصفات الرسم التخيلي له. على الفور جلبت باربرا ورقة وقلم، وبدأت تتدقق النظر فى لوحة السيارة، مدونة أرقامها، غير مهتمة بنظراته الحادة الساخطة.

لكنها حين تركت النافذة، وعادت إلى الداخل، فؤجنت بباب الصف يفتح و الشاب الغاضب أمامها، يحمل في يده سكيناً و يدنو منها، فاستجمعت نفسها رغم الأحساس المروع بالصدمة ، وهربت خارج المدرسة حتى أقرب منزل من الجهة الأخرى الشارع، و طرقت الباب، و على عجل أخبرت صاحب المنزل عما جرى، وطلبت استخدام الهاتف للاتصال بالشرطة، التي استجابت في سرعة البرق، و حين دلت الضباط على مكان الواقعة، كان جون قد هرب دون أثر.

blank

جون جوزيف جوبيرت يقع أخيرا..

تتبع المحققون رقم لوحة الترخيص الذي كتبته باربرا، و تعرفوا إلى جون جوزيغ جوبيرت البالغ من العمر 20 عاماً، وهو فني رادار للقوات الجوية الأمريكية الذي كان يعيش في قاعدة أوفوت الجوية في بلفيو.

قام جوبيرت بمطابقة ملف تعريف روبرت ريسلر بنقطة اللنطلاق: لقد كان شاباً صغيرا لا يتمتع ببنية قوية، أحد أعضاء فريق الكشافة، وحاصل على لقب النسر وهو أعلى الألقاب، و لايعيش فى المنطقة منذ فترة طويلة. وأثناء تفتيش غرفته في قاعدة الطيران عثر المحققون على عدة مجلات “بوليسية” إباحية.

أما في سيارته فقد قاموا بجمع شعر الرأس الذي تم تحليله، واكتشفوا إلى أنه يرجع لداني جو إيبرل. كما عثر في السيارة على شريط لاصق وسكين. في حجرة القفازات كان هناك قطعة من الحبل، من نفس النوع الذي كان داني مقيداً به. وهو حبل قد تم تصنيعه في كوريا الجنوبية لصالح الجيش الأمريكي.

blank

وعندما وصلت أصداء الجريمة الي شرطة محافظة ماين، أعادوا فتح قضية مقتل ريتشارد ستيتسون، مشتبهين بالمجرم نفسه بسبب تطابق ظروف الجريمتين لاسيما محاولة إزالة آثار العض بنزع الجلد المعضوض. و انتقال جون إلى نبراسكا، بعد أربعة أشهر فقط على مقتل ريكي. و ثبت التطابق بين أسنانه وآثارها الموجودة على أجساد ضحاياه الصغار.

وأثناء التحقيق معه قال جون جوزيف جوبيرت إنه ممتن لأنه ألقي القبض عليه، لأنه كان سيقتل مرة أخرى. و اعترف أيضاً أنه المسؤول عن هجمات الطعن الثلاث في ماين، حيث كان يتدرب على عمليات القتل المستقبلية التي سوف يقوم بها.

وفي فترة اعتقاله، خضع جون جوبيرت لعدة تقييمات نفسية. وصنف على إنه ذو ميول سادية، ويعاني من اضطراب الشخصية الفصامية، الذي يتميز بعدم الاهتمام بالآخرين أو بتكوين العلاقات الرغبة الدائمة في العزلة عن كل الناس. و صُنف أيضاً على أنه مثلي جنسياً خفي، بسبب أنه صرح بعدم إقامة علاقة مع فتاة من قبل وانجذابه الي إيذاء الذكور بشكل خاص.

وعلى الرغم من التقييمات المتعددة التي تشير إلى أن جوبيرت، كان يعاني من الوسواس القهري، بجانب الاضطرابات السابق ذكرها، فإنه في نظر القانون كان في كامل إدراكه ووعيه وقت ارتكب تلك الجرائم .

وأُدين جون جوزبغ جوبيرت بارتكاب ثلاث جرائم طعن وجريمة قتل واحدة في ولاية ماين، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.. وفي نبراسكا، حُكم عليه بالإعدام فى جريمتي قتل داني جو إيبرل وكريستوفر والدن.

و في السجن حظي جوبيرت بالحبيبة الأولى وهي امرأة إيرلندية تدعي تيريزا أوبراين، تبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً، و قد تراسلا لأربع سنوات، وقال جون جوزيف جوبيرت عنها: “أنا وتيريزا في علاقة حب، فهي تزورني كل ربيع منذ عام 1994، إنها حزينة وقلقة للغاية، لكنها تشبهني إلى حد ما، فهي لا ترى جدوى كبيرة من الحزن الآن. فأنا لم أمت بعد”

وقد كانا يقبلان بعضهما البعض في بداية ونهاية كل زيارة، و يمسكا بأيدي بعضهما طوال فترة مكوثهما معا.

و ما لبثت أن وصلت أخبار علاقته العاطفية داخل السجن لضحايا جرائمه. فصرحت فيكي جوف، البالغة من العمر سبعة وعشرين عاماً وهي أحد ضحايا حوادث الطعن في ولاية ماين:

“لا يهمني كيف يفعلا ذلك، فمن المثير للاشمئزاز أن يلمسني شخص قام بمثل هذه الأشياء بحق الأطفال”.

وعندما أتى دوره أخيراً لتنفيذ حكم الاعدام، اعترف يومها بأنه قتل الأولاد الثلاثة لأنهم ذكروه بنفسه، عندما كان في نفس أعمارهم.

وفي تصريحه الأخير اعتذر جون عن جرائم القتل الثلاثة قائلا : “لا أعرف ما إذا كانت وفاتي ستغير أي شيء أو ما إذا كانت ستجلب السلام لأي شخص”

وقد أردف قائلا”أنا آسف لفقدان الآباء أبناءهم وما فعلته بأسرهم، وإذا وجد الناس مكان في قلوبهم لمسامحتي، فهذا كل ما أطلبه”.

أما جودي إيبرل، والدة داني فقد صرحت قائلة “إن السيد جون يستحق عقوبة الإعدام ليس من باب الانتقام، بل لأنها “العقوبة الوحيدة التي تضمن أنه لن يسير في الشوارع مرة أخرى أبدًا”

في 16 يوليو 1996، توفي جون جوبيرت على الكرسي الكهربائي في نبراسكا .كان عمره 33 سنة.

المصدر
allthatsinterstingWikipediaLilxan
guest
8 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك