قتلة و مجرمون

ديميتريس فاكرينوس: سائق التاكسي الغاضب

في الحياة، يخبئ الكثيرون جوانب من حياتهم خلف قناع أو ربما عدة أقنعة. وقد يبدو لك أنهم أناس طبيعيون نسبة لشكلهم أو ملامحهم أو تصرفاتهم، لكنهم يخفون في دواخلهم العديد من المشاكل النفسية والعقد التي تدفعهم مع الوقت لارتكاب ما لا تتصوره منهم. وديميتريس فاكرينوس واحد من هؤلاء، وسنتعرف في هذا المقال على الظروف التي دفعته ليصبح من أشهر القتلة المتسلسلين في تاريخ اليونان.

نشأة ديميتريس فاكرينوس

ولد ديميتريس فاكرينوس عام 1962 في بيريس، جورتينيا  باليونان لأسرة شديدة الفقر تمتلك أربعة أطفال كان ترتيبه هو الثاني بينهما.

والده كان يعاني إدمان الكحول، ويتجول باستمرار وهو في حالة سكر، مما جعله موضع سخرية في القرية. أما في المنزل، فقد كان الأب يغلظ المعاملة لأفراد أسرته وخصوصاً ديميتريس؛ لأنه كان صغير الحجم ضعيف البنية، مما جعله هدفاً دائماً للإذلال والتنمر؛ ولكن على عكس والده، فقد أحب شقيقته ووالدته كثيراً، وكانتا هما دائما ما تحاولا التخفيف عنه.

ديميتريس فاكرينوس
ديميتريس فاكرينوس

‏وفي المدرسة طالته يد السخرية الغشوم أيضاً، بسبب سلوك والده السكير وقصر قامته؛ فترك المدرسة بعدما فشل في تحصيل الشهادة الابتدائية،‏ ‏وأصبحت مهمته هي رعاية الحيوانات داخل حظيرة عائلته.

حياة المدينة

عندما بلغ الثالثة عشر، وجد فرصة للتخلص من حياة القرية وسخرية الآخرين وتعنيف والده، وذلك عندما عرض عليه أحد أقرباء والدته أن يأتي ليعمل معه في الحانة التي يملكها في أثينا، ويجني بعض المال؛ فوافق فورا، ولم يمانع أبيه بدوره، فمتى كان يفرق معه وجود ابنه من عدمه!

وفي هذه الفترة، عمل باجتهاد كشخص بالغ، أثبت أنه فتى جدير بالمسؤولية.

عندئذ، راح والده يقلب الموضوع داخل رأسه على نحو متكرر، ويفكر إذا كان ابنه المراهق نجح في جني المال؛ لم لا يأخذ بعضه هو أيضاً، ويحصل على عمل مربح له في المدينة. فعزم على تنفيذ ما هداه إليه تفكيره. وهكذا لملم أغراضه، ورحل ليحل على ابنه الوغد الصغير الذي يجني مالاً ضيفاً ثقيلاً.

بدأ العمل كبائع يانصيب، لكنه فشل في تحصيل أي أموال؛ فقرر أن يعود إلى قريته مجدداً، وبالطبع لم ينس جر ابنه معه إلى قريتهما البائسة.

ولكن من هنا بدأ تمرد ديميتريس فاكرينوس؛ إذ رفض البقاء في القرية، وهرب من المنزل ليساعده عامل اجتماعي كي يدخل مؤسسة في إلفسينا. ومكث هناك لمدة عامين، والتحق بالتدريب هناك كعامل لحام كهربائي في أحواض بناء السفن في سكارامانغا، اتخذ منها حرفة، وفي الوقت نفسه فكر أن يعمل في وظيفة أخرى تكسبه داخل إضافي، وقد وجد ضالته في العمل كسائق تاكسي!

زواج فاشل

عندما وجد ديميتريس أنه أصبح يجني ما يكفي من المال، قرر أن يتزوج. وقد وقع اختياره على ليتسا جيراسيموس التي كانت تعمل في ورشة تصليح، لكنها تركت العمل لأجل أن تتفرغ لزواجها، وأن تنجب الأطفال، ولكن بعد الزواج خاب أملها بكل شي.

وذلك يرجع إلى قلة الروابط والاهتمامات المشتركة بينهما، حيث كان يفضل دائما البقاء في المنزل وعدم الخروج منه، وكان يجبرها على البقاء معه، ويرفض في المقابل الذهاب معها إلى أي مكان.

blank
عمل ديميترس كسائق أجرة

وحين فاتحته في موضوع الإنجاب أخبرها أن “الأطفال يجلبون المشاكل” ورفض التحدث في الموضوع مجدداً، وقالها صراحة أن دورها في البيت هو العمل على تلبية احتياجاته، ودوره هو إطعامها.

عند هذا الحد طفح الكيل بزوجته، فأعربت عن رغبتها في الانفصال عنه نهائيا، لكنه رفض الأمر، مما دفعها لإثارة الجلبة وسط الجيران لتطرده شر طردته بعد 14 شهرا فقط!

اتجه فورا إلى مخفر الشرطة، كي يمكنه من العودة، واستعادة زوجته والنوم في منزله؛ ولكنهم أخبروه أنه لا يوجد شيء لعمله له فجن جنونه، وتوجه لحرق منزل والد زوجته، وتكون هذه أول جريمة مسجلة له.

جريمة ديميتريس فاكرينوس الأولى

عندما ترك عمله في شركة لحام أحواض السفن، وبدأ بالتفرغ للعمل كسائق أجرة في عام 1987، تعرف على رجل يدعى باناجيوتيس جاغلياس 43 عامًا. وهو رجل سيء السمعة يدخل ويخرج من السجون بشكلٍ منتظم؛ بسبب عمليات السطو والسرقة، ‏وقد أصبح الأخير شريكه في السكن؛ لكن لم تنشأ بينهما علاقة صداقة، بل على العكس كان جاغلياس يتعامل مع ديميتريس بصلف وحِدّة، وقد شعر الأخير أن السبب الرئيسي في ذلك يرجع إلى قصر قامته حيث كان طوله 165 سم فقط.

في أحد الأيام، طلب جاغلياس من ديميتريس أن يعيره سيارته الأجرة لنصف ساعة لا أكثر، فوافق الأخير على مضض، وسلمه المفتاح، ولبث ينتظره حتى يبدأ مناوبته الليلية.

تمر ساعة واثنتان وثلاث والسيارة لم تعد حتى منتصف الليل، يسمع صوت عجلاتها أخيرا، ينفجر ديميتريس غاضباً في وجه جاغلياس؛ بسبب التأخير وليس ذلك فحسب، بل في أثناء الشجار يخبره إلياس أنه سرق بندقيته، فتأجج سخطه عليه أكثر، فهدده الأخير أنه سوف يبرحه ضربا إذا لم يضع لسانه داخل حلقه ويخرس.

بضعة أيام تمضي بعد هذا الشجار، وتحديداً في ‏6 أغسطس، التقى الاثنان في إحدى الحانات وشربا حتى الثمالة، ودب بينهما شجار آخر مجدداً، انسحبا على إثره سويا إلى البيت معا. وينام جاغلياس قائلاً لديميتريس فاكرينوس:

“أنت أيضًا تريد النوم .. لا تستيقظ وسأوقظك”

ولكنه لن يوقظه مثلما قال؛ لأنه هو نفسه لن يستيقظ مجددا!
فبعد أن قال هذه الكلمات لديميتريس ونام سوف يفتح الأخير عينيه، ليبدأ في حفر طريقه نحو الانتقام.

نهض متسللاً على أطراف أصابعه، وتوجه لأحد المتاجر اشترى عتلة، وعاد بعدها أخذ رفيقه في السكن بغتة، وهو يسدد له الضربات المميتة، بينما كان يغط في نوم عميق، ودماءه تنسل من جسده فائرة تغطي السرير.

ثم جلب سكيناً، وزمع تقطيع الجثة، ولكن ساوره الندم بسبب الدماء الغزيرة من الجسد الميت. فتراجع عن محاولة تقطيع الجثة، واستعاض عن ذلك بتغليفها، وجرها نحو عربته بعد التأكد من أن الطريق خاو، ووضعه في صندوق السيارة، وأخذها إلى مكان مهجور في أرغوس في طرابلس. * طرابلس في اليونان *
ليتوجه بعدها للاختباء في منزل أخته لمدة أسبوع.
ثم يرجع إلى منزله يغسل وينظف الدماء.

وبعد أسبوع تم العثور على الجثة من قبل راعي أغنام بالصدفة؛ ولكن لم يتم الربط بين ديميتريس وجريمة القتل تلك. أما هو، فقد ظلت الكوابيس تطارده لمدة عام ونصف، وضميره يؤنبه جراء جريمته النكراء ومع ذلك ستكون هذه آخر مرة يوبخه ويجلده فيها على أي شيء!

العودة إلى الساحة مجدداً

في 20 نوفمبر عام 1993، كان ديميتريس فاكرينوس يقود سيارته الأجرة عندما أوقفته فتاة تدعى أناستاسيا ديميتري تبلغ من العمر 28 عامًا لتوصيلها إلى مكان ما. وأثناء الطريق بدأت محادثة بينهما، وبدأ كل منهما يحكي مشاكله الشخصية للآخر، وأخبرته بدورها أنها انفصلت عن حبيبها توا، فحمله الظن أن هذه فرصته لإثارة إعجابها وإقامة علاقة معها.

دعاها إلى الشرب في إحدى الحانات، ووافقت الفتاة عن طيب خاطر، وهكذا أساء ترجمة المشهد برمته.

المهم أنهما في أثناء جلوسهما لتناول المشروب الذي دفع ديميتريس ثمناً، وجد أنه حانت اللحظة التي يخبرها بها بما يجول في خاطره، واقترح عليها أن تقضي الليلة معه في أحد الفنادق.

فتضحك الفتاة في وجهه، وتخبره مباشرة أنه قصير القامة للغاية، وتطلب منه أن يوصلها حيث طلبت. وبالتالي تخرج من الحانة، وهو يتبعها بهدوء كأن شيئا لم يكن، في حين تبيت لها نيته شر انتقام.

قاد ديميتريس سيارته بسرعة ناحية أقرب منطقة مهجورة من ماندرا أتيكا. أوقف السيارة، ونزل منها وهو يمسك دلواً صغيراً مملوءاً بالبنزين، وفتح باب سياراته الأجرة حيث تجلس وسحبها للخارج، وبدأ بضربها، ثم ألقى السائل المشتعل عليها، وقبل أن تستوعب المسكينة حتى ما يحدث لها ألقى بقداحة مشتعلة عليها، ووقف وهو يشاهدها تحترق وتصرخ من الألم وتطلب المساعدة.

الجريمة الثالثة “أكون أو لا أكون”

في عام 1993 كان ديميتريس فاكرينوس يقف لمدة عشرين دقيقة كاملة في موقف سيارات الأجرة في إلفسينا بانتظار زبون.

وعندما وجده تفاجأ بسائق أجرة أخرى يدعى ثيودوروس أندرياس، 35 عاماً يتشاجر معه، ويأخذ الزبون منه، ويخبره أن يرحل من هنا.‏ بدأ ديميتريس بالتحرك مبتعدا من أمام السيارة، وهو يدون رقمها الخاص بثيودوروس، ولسوء الحظ رآه الأخير يفعل ذلك؛ فأوقف السيارة وبدأ يكيل له السباب، وأخذ يضربه بعنف إلى أن تدخل أحد سائقي التاكسي الموجود داخل الموقف وبالكاد فرق بينهما.


‏ ‏
‏ليغادر ديميتريس، وفي رأسه ألف خطة كي يرد الاعتبار، وبما أن الانتقام طبق يؤكل بارداً، فقد انتظر قرابة أربعة شهور كاملين، حتى ينسى سائق التاكسي وجهه، وفي 9 يناير بداية عام 1994 استقل سيارة أجرة ثيودوروس أندرياس متظاهرًا بأنه زبون، وطلب منه أن يأخذه إلى كورنثوس. وعندما مروا فوق جسر اشتراكي طلب منه التوقف ليخرج لقضاء حاجته، ‏وبعد الانتهاء يطلب ديميتريس من السائق بعض الماء لغسل يديه.

فخرج ثيودوروس من السيارة ليحضر له الماء الذي احتفظ به في حقيبة داخل صندوق السيارة، فانتهز ديميتريس فرصة إدارة ظهره له، وأخرج مسدسا عيار 45، وأفرغ خمس رصاصات في جسده، مما أدى إلى مقتله فورا.

تحرك باتجاه صندوق الخلفي للسيارة لإغلاقه، تاركاً الجثة على الأرض مضرجة بدمائها،. وراح يقود سيارة المغدور إلى مكان خال، وأشعل النار فيها إخفاء لأي أثر يشير إليه.

عاد أدراجه، وهو لا يطيق صبرا للإعلان عن مقتل السائق، حتى يكتمل انتقامه على أتم وجه.

وأخيراً بعد انتظار على أحر من الجمر، أُعلن العثور على ضحيته، وحضر الجنازة وجلس يشاهد نعشه بينما يتناول المشروبات، ومن الحين للآخر يختلس نظرة حاقدة متشفية على العائلة المكلومة، وغادر ما أن أحس أخيراً أنه استرد حقه من قتيله الوغد.

شجار الدراجة النارية

في 21 ديسمبر عام 1995، كان ديميتريس فاكرينوس يمشي حين قطع عليه أحد الدراجين الطريق، وحدث ما بات روتينا عاديا منذ زمن في حياة سائقنا الغاضب نشبت مشاجرة، وكانت لخصمه الغلبة. على الأقل حتى الآن!

مع رحيل الدراج، أخرج ورقة وكتب رقم لوحة دراجته، ليس لأجل القانون العقيم نفسه الذي لم ينصفه أمام زوجته بالطبع؛ وإنما من أجل أن يسويه هو ودراجته اللعينة بالأرض عقابا على غبائه الذي أوحى له أن كونه هزيل وضعيف البنية يعني أنه لقمة سائغة. أجل، سوف يسويه بالأرض هو ودراجته تحت عجلات السيارة، ولكن مهلا! أين هي تلك السيارة؟

آه، تذكر أنه قد باعها لأخوين وغدين هما: كوستاس سبيروبولوس وأنطونيس سبيروبولوس. كان قد اتفق معهما على 700 ألف، ولكنهما لحظة إمضاء العقود أعطياه 600 ألف فقط. حاول أن يعترض على الظلم المالي. فرد عليه أحد الشقيقين:

“ابتعد من هنا. لقد حصلت على أجر جيد مقابل سيارتك بالفعل!”

إذن عليه أن يذهب لاستعادة سيارته من الشقيقين لدعس فتى الدراجة؟ ليكن إذن!

هكذا ذهب إلى منزلهما بدراجة نارية سرقها لتوه. أخرج نسخة من مفتاح سيارته كان يحتفظ بها، وأخذ يقودها مبتعدا عن ساحة البيت؛ لكن الأخوان سمعا صوت هدير المحرك في أثناء تناولهما الطعام، سرعان ما تركا الطاولة، وركضا خلفه يطلبان منه التوقف فلم يستجب. أخذا سيارة أخرى كي يلحق به، وأخذا في مطاردته، كي يجبره على التوقف. وهو ما حدث نتيجة نفاد البنزين من السيارة، واتجه بدوره ناحية محطة البنزين.
ولكن أظنك عزيزي القارئ تدرك أن كل نصر أمام هذا الرجل هو نوع من الهزيمة.

عندما نزل الإخوان لاسترجاع سيارتهما، أخرج ديميتريس مسدسه، وبدأ في إطلاق النار عليهما، حتى نفدت طلقات مسدسه فتركهما. زحف الإخوان للاختباء داخل محطة البنزين؛ حتى فوجئا بعودة ديميتريس، وفي يديه مسدس آخر كان قد وضعه في السيارة عند سرقتها، وراح يفرغه في جسديهما كذلك إلى أن أصبحا جثتين هامدتين. وهم بمغادرة المكان وسط ذهول عامل المحطة الباكستاني الذي اختبأ منذ أن سمع صوت إطلاق النار.

عندما جاءت الشرطة وبدأت بالتحقيق، رواظتها الشكوك أن مالك السيارة السابق قد يكون متورطاً؛ لأنه الوحيد الذي قد يملك نسخة من المفتاح، ولكن عدا هذا الاستنتاج لم يتقدم التحقيق خطوة واحدة إلى الأمام، وبقي الأمر كما هو عليه. ولم يفكر أحد حتى باستجوابه، برغم ورود اسمه في التحقيقات، بل لم يبحث أحد عن السيارة.

ديميتريس فاكرينوس.. غضب لا يهدأ

في مايو عام 1996 كان ديميتريس معجباً بفتاة تدعى أبوستوليا، ظن أن لديه فرصة جيدة كي ينال إعجابها، لكنها تلاشت عندما ظهر رجل يدعى سيرافيم أجيانيديس، وكما اعتدنا من بطل قصتنا، فإنه قرر أن لا يترك ما حدث يمر بسلام!

ديميتريس فاكرينوس
خلف مظهره الهادئ رجل لا يعرف الرحمة..

فذهب ديميتريس إلى منزله، مرتديًا غطاء السيارة، فقد كان ينوي قتله أولاً، ثم يتجه نحو منزل الفتاة ليوسعها ضربا، ثم يعتدي عليها جنسياً ويقتلها.

‏قرع جرس الباب، ولم يكن الرجل في البيت، لكن والدته كانت هناك. ومن خلال ثقب الباب رأت شخصاً يقف، وعلى رأسه غطاء غريب الشكل، فركضت باتجاه الهاتف كي تتصل بالشرطة. أما هو فقد أحس أن انتظاره سيطول، فنزل ينتظر أمام المبنى حتى وجد جينيسيس قد وصل أخيرا، وعلى أطلق الرصاص عليه. ركضت والدة المغدور متوجسة تستطلع ما يجري، لتشاهد بأم عينيها ابنها ملقى على الأرض غارقاً بدمه. وفي هذه الأثناء حضر رجال الشرطة الذين اتصلت بهم الأم، وركضوا باتجاه ديميتريس لإيقافه، فأطلق عليهم الرصاص هم أيضاً، وفر هاربا من المكان.

ومجددا، فشلت الشرطة في اعتقاله، وربط الجرائم ببعضها؛ لسبب بسيط، هو أن كل شي داخل عقله بشأن تلك الفتاة التي فضلت عليه رجل آخر، كان محض أوهام لا مكان لها خارج رأسه، إذ إنها لم تبادره حتى بأي حديث اللهم صباح الخير متى ما رأته في الحي الذي تقطن به مع والديها، حيث اعتاد ركن سيارته الأجرة هناك.

وقبل ذلك أيضا .. في 14 مارس عام 1993، كان الزوجان سفيروس وبيتولاس على موعد مع اثنين من أصدقائهما. وقد التقى الاثنان بهما في الشارع، وتبادلا الحديث والمزاح الذي يتخلله بعض الكلمات البذيئة والتنابز بالألقاب؛ ولكن ولسوء الحظ. ديميتريس يمشي على مقربة منهم، وانتابه الاشمئزاز مما سمع فأبدى لهم امتعاضه.
‏ ‏
‏ وكان جوابهم على تطفله بأن “. اذهب إلى الجحيم يا سريع الغضب”

‏وعلى ما يبدو، فإنه أراد أن يريهم أنه يمكنه المزاح على طريقته هو الآخر، فسحب مسدسه ذو الـ 45 عياراً، وأطلق النار على سفيروس وبيتولا، وسط صراخ أصدقائهما أصيب الأول في العين والفك، وأصبح بعين واحدة، أما الثانية أصيبت في العمود الفقري، وأصبحت جليسة كرسي متحرك!

ديميتريس فاكرينوس يسطو مجدداً

في 10 ديسمبر، اقتحم ديميتريس سيارة ماريا كريستوفوراتو في سيبوليا. وبينما كان يفتش في السيارة لاحظه مجموعة من الشباب كان من ضمنهم. فاسيليس ديبلاس، وجورجيوس كافكاس، في الخامسة والعشرين من عمرهما.
‏ ‏
‏ أخذا في مطاردته، فأشهر مسدسه ذو ال45 عياراً، وأطلق عليهما النار، فأصاب فاسيليس في ذراعه اليمني، بينما لسوء حظ كل من قادته الصدف أمام هذا الرجل الساخط الناقم، يصاب جورجيوس في صدره وعموده الفقري، ويصبح جليساً كرسي متحركاً إلى الأبد.

من ضحايا ديميتريس فاكرينوس
من ضحايا ديميتريس

ومجددا يشن ديميتريس هجوماً آخر؛ لكن تلك المرة على محطة بنزين، ليس بدوافع السرقة هذه المرة، وإنما لأنه دخل في جدال مع الموظف، فحسم خلافه معه بطلقات مسدسه المفضل، لكنه فشل في قتله.

وبسبب هشاشة النظام الأمني، والبيروقراطية الكسولة، فإن ديميتريس فاكرينوس قد احترف الإجرام والسطو المسلح، وأخذ يسرق كل ما يمكن سرقته من متاجر أو مواقف سيارات أو دراجات، وهو لا يخفى بأكثر من خوذة دراجة نارية. يمكن القول إن الحياة عنده أصبحت بمثابة لعبة فيديو رديئة يكمن نجاحه فيها بارتكاب أكبر عدد الجرائم و إتعاس أكبر عدد من البشر.

الشرطة تستيقظ أخيرا

بدأت الشرطة تربط بين جريمة قتل الشقيقين ومسدس عيار ال45 وجرائم السطو الأخرى، وقد تكلل كل ذلك بوجود امرأة قد شاهدته وهو يسرق إحدى الدراجات النارية، بينما كانت تنزل من سيارة الأجرة، فذهبت إلى الشرطة، وأدلت بشهادتها وأعطت وصفاً لملامحه.

فذهب الضباط إلى ساحة تجمع سيارات الأجرة، وسألوا عما إذا كان هناك رجل قصير وصغير الحجم قد قام برحلة ما: ولكنهم أجابوا بالنفي، أو أعطوا أوصافاً مختلفة عن التي كانت بحوزتهم.

حتى قال أحد الضباط أن القاتل ربما يكون سائق أجرة وليس زبوناً، واعتقدت أيضاً أنه ربما يعيش بالقرب من المتاجر التي يسطو عليها. بدأت الشرطة في عمليات تفتيش المباني السكنية من باب لباب. حتى وجدت ورقة مكتوبة على أحد الأجراس باسم ‏فاكرينوس وهنا تذكروا فورا مقتل الأخوين سبيروبولوس. واسم الشخص الذي باعهم السيارة. لم يكد يمضي وقت إلا وسيصبح المجرم في قبضة العدالة أخيرا ً.
‏ ‏
‏ ‏
‏في 9 أبريل 1997، قامت فرقة الجريمة ضد الحياة، -تسمى هكذا في اليونان-، بإلقاء القبض على ديميتريس. وأثناء أخذه إلى مركز الشرطة بدأ بالاعتراف بجرائم لم يعرفوا عنها شيئاً، وكان يبلغ وقته خمسة وثلاثين عاماً. وقال لهم أن المسدس الذي كان يحمله جعله يشعر بأنه إله.

blank
أعاد تمثيل جرائمه بعد أن اعترف بارتكابها..

‏وجدوا معه أيضا قائمة بالأشخاص الذين كان ينوي قتلهم، ولا يزال يبحث عن تفاصيلهم الشخصية حتى ينال منهم.

محاكمة ديميتريس فاكرينوس

وُجِّهت له المحكمة تهم قتل خمسة أشخاص ومحاولة قتل سبعة آخرين، وارتكاب خمس عمليات سطو. وقد رفض هو توكيل محامٍ.

نالت محاكمته ضجة إعلامية كبيرة، حتى إنه أجرى حواراً مع إحدى الصحف، وعندما سُئِل عن الفتاة التي أضرم فيها النار قال.

“تلك الفتاة التي أحرقتها حية، كان وقتاً سيئاً فحسب. لقد غمرتني الهرمونات. أنت تفهم. جاءت أحد الزبائن، وانتهى بنا الأمر بالشرب معًا. ثم لم ترغب في ذلك. الهرمونات هي المسؤولة”

ثم استطرد أيضا:

“لقد نمت بهدوء بينما كنت أقتل، كانت عيني منبهرة لم أفهم شيئا، بمجرد أن تبدأ، فمن الصعب العودة”

وقال جورجيوس كافكاس إحدى ضحاياه خارج المحكمة قائلا:

“لا شيء يمكن أن يخفف البؤس والألم الذي زرعه هذا الرجل، لقد كنت أرتجف منذ اللحظة التي علمت فيها باعتقاله، لأن هاتين الأمتين من مسدسه، اللتين حكمتا علي بالكرسي المتحرك، قد عادتا إلى ذهني..

لقد أطلق النار علي كما لو كنت شيئًا. هو يستحق العقوبة القصوى. ربما ينبغي أن يعيش معاقًا أيضًا، ليدرك أهمية الحياة البشرية…”.

وقد كُرِّم لاحقاً من قبل وزارة النظام العام هو والشاب الآخر الذي أصيب في ذراعيه لتضحياتهما بميدالية و1.5 ملايين دراخما.

blank
لاقت محاكمته زخما واسعا في اليونان

وقد لاقت محاكمته زخماً كبيراً، فقد تمنى الكثير من الناس لو يستطيعوا الإمساك به، ودق عنقه. وأثناء إعادة تمثيل جرائمه، تجمع العشرات من الأشخاص، يلعنونه، ويطلقون عليه اسم القاتل، والقرد، والوغد، ومصاص الفئران، وغير ذلك الكثير.

أما أسوأ تصريح، فقد جاء من الشخص الذي ضربه وتنمر عليه طوال حياته وهو والده حيث قال:

“لا أعتقد أن ابني فعل مثل هذه الأشياء. أما إذا فعل – كما يقولون – فلا بد أن يسقط في البحر ويغرق، لأننا لسنا من الناس الذين يقتلون

وخارج مكتب المدعي العام، أجاب فاكرينوس على الصحفيين الذين يحاصرونه ببيان..

“ماذا أقول؛ أنا حيوان أستحق أن أعدم”

ليسألوه إذا كان يعاني مشاكل نفسية، فيجيبهم “لكي يصل المرء إلى هذا الحد، بالتأكيد لديه شي ما”

وفي مقابلته الصحفية الأخيرة من داخل الزنزانة، في 14 أبريل/نيسان، ورغبة منه في تبرير تصرفاته قال:

“الرهاب، المخاوف والظلم هي المسؤولة عن كل شيء. لقد ولدت حيوانًا أليفًا، لكنني أصبحت حيوانًا بريًا. الظروف هي المسؤولة. شخص ما كان يهينني ظلما. طوال حياتي أتذكر أنني أحتضن رأسي لحماية نفسي. كنت صغيراً وكان والدي يطاردني ليقتلني مرتين بالسكين، ذات مرة أمسك بي من رقبتي بينما كنت نائماً. ثم ضربوني في كل مكان في إليوسيس، وفي المؤسسة. وكنت دائما على حق.

لقد عملت دائما من أجل الآخرين. لم يكن لدي أي شيء لآكله واضطررت إلى إطعام أختي وبنات إخوتي ووالدي وصهري الكسول. حياة من العمل الجاد من أجل الآخرين. لقد أردت أن أقتله. (يقصد والده) ‏لقد ‏كان يستحق ذلك. لقد حاولت ولكن الأمر كان صعبًا؛ لأنه غادر إلى قريته.

من بين الأشياء التي قمت بها، بعضها كان في الوقت الخطأ، وبعضها كان جيدًا وبعض الأشياء الجيدة كان يجب القيام بها ولم تحدث. من السهل أن تقول أنا آسف، لكن هذا لا يمكن أن يغير أي شيء.
ها أنا الآن أقرأ كتابًا
مسيحيًا. يتحدث عن باب الخلاص، لكنني تأخرت. لو كان بإمكاني قراءة أشياء كهذه في وقت مبكر، ربما لم أكن لأصل إلى هنا.

قبل كل شيء أردت الانتقام من أي شخص أهانني دون داع، كنت لأطلق النار على نملة إذا ظلمتني”

وآخر زيارة له كانت من أخته التي وقفت بجواره، وظلت تطمئن عليه دائما داخل السجن، وكانت معها زوجته الثانية كيرياكولا، التي تزوجها قبل وقت قصير من اعتقاله، وقد طلب منهم الرحيل، لكنهم أصروا على رؤيته.. فخرج لهم أخيرا، وطلب منهم عدم العودة مجدداً، وقال لزوجته سأوقع طلب الطلاق ولا أريد أن تزوريني مجددا.

وُصف ديميتريس فاكرينوس بأن له خلفية نفسية مرضية واضحة، والتي ترتبط في المقام الأول بطفولته، وترتبط بالقمع الجنسي، وانخفاض احترام الذات.

ويبدو أن رد فعله المبالغ فيه تجاه أي إهانة، والذي يؤدي إلى غضبه الانتقامي، كان تعويضا عن افتقاره إلى اللياقة البدنية الرجولية، كونه قصير القامة. وبالتالي، فلأنه لم يستطع الرد بشكل مناسب على أي تحديات أو إهانات، فقد رد بالسلاح.

في 12 مايو عام 1997 عُثر على ديميتريس فاكرينوس ميتًا في زنزانته، بعد أن شنق نفسه برباط حذائه، قبل أن تنتهي محاكمته.

المصدر
murderpediaWikipedianotospressevidencelockerpodcast
guest
24 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك