قتلة و مجرمون

رامان راغاف: جاك السفاح الهندي

رامان راغاف من مواليد عام 1929، في قرية تاميل نادو بالهند. لم يحظ بأي نوع من التعليم. وكان أبوه رجلا عاطلا ينفق على الأسرة عبر امتهان السرقة التي علمها لابنه في سن صغير. وقد كان الأخير شديد الحب والتعلق به، في حين لم يكن أي نوع من الاحترام لأشقائه ولا حتى لأمه؛ ذلك أن المجتمعات التقليدية القروية في الهند، بحكم الأمية وتشجع على احتقار النساء. وفي مطلع شبابه دبروا له زوجة من ابنة أخته الكبرى، جاروناما التي بدورها لم تكن تحبه ولا ترغب في الزواج به!

blank

رامان راغاف

وللتوضيح، فإن هذا النوع من الزواج، في عالمنا يعد سفاحا للقربى، وفعلا بغيضا في جل المجتمعات والثقافات، لكن في قصتنا اليوم، فإن هذا النوع من الزواج كان شائعا في بعض الطوائف في تاميل نادو.

بعد زواجه، سرعان ما سار رامان على خطى أبيه في العطالة واحتراف السرقة، وبالكاد كان ينفق على زوجته، دائما ما يتعرض لها بالضرب المبرح.

ثم سجن رامان بعد وقت قصير من الزواج، في قضية سرقة. وعندما أطلق سراحه، أكتشف وفاة زوجته في أثناء ولادتها طفل. من رجل آخر!

مجددا دبروا له زواجاً من فتاة أخرى. وما لبث أن اكتشف أن هذه الفتاة كانت تحب رجلاً آخر، تركها بعد ما أنجبت منه طفلاً صغيراً، وعاش في بيت إحدى السيدات وهي من ترسل له نفقته!

شعر رامان بإحساس مرير يمازج ما بين الغضب والتعرض الخديعة، وقرر عندئذ مفارقة القرية ومن فيها، والسفر إلى مومباي.

حياة جديدة

شرع رامان راغاف في تعلم مهنة الحياكة، وبدأ بالعمل في مصنع نسيج. مستأجرا غرفة داخل شقة رجل وزوجته في مومباي. وسرعان ما اتخذ من الرجل صديقا له.

إلى جاء اليوم المشؤوم، الذي أطاح بحياته المستقرة نسبيا، حين أعربت زوجة صديقه ذاك عن رغبتها في إقامة علاقة معه. بالطبع رفض إخلاصا وحبا لصديقه، وتوجه للنوم. غير عارف أنه سيجد نفسه في صباح اليوم التالي في موقع الصديق الغدار، حيث اتهمته الزوجة زورا أنه حاول الاعتداء عليها، وقد صدقها الزوج. فوجد نفسه فجأة بلا صديق أو مأوى.

والواقع أن مرارة الظلم الذي وقع عليه، والتي كانت كعلقم داخل حلقه وخسارته صديقه لم تمثل شيئاً يذكر لرامان، لكن أن صديقه صدق المرأة وكذبه هو الرجل، كانت هذه هي كارثة الكوارث بالنسبة لإنسان تربى على أن كلمة المرأة ليست لها أي قيمة في حضرة الرجال، وكل ما يجب أن تفعله هي أن تسحب خمار رأسها لتغطية وجهها وتستمع فقط، وعندما يموت زوجها يجب أن تحرق معه؛ لأن وجودها لم يعد له فائدة.

بمعنى أن النساء لا غاية تذكر من وجودهن إلا خدمة الرجال وتلبية احتياجاتهم الجنسية، أما وأن الحكومة بدأت بالسماح لهن وتشجيعهن على الخروج والعمل أصبح صوتهن عالياً، فإنها ترمي إلى تحويل الرجال إلى مثليين!

كادت هذه الفكرة أن تطيح بعقله، من فرط إلحاحها على رأسه، حتى إنه أخذ يتجنب المعابد، حيث إن الرب اختار دورغا لتكون من ضمن الآلهة.

الفكرة تصبح حقيقة

في عام 1964 بدأ رامان في التفكير جدياً في أن ينقذ نفسه والآخرين من التحول إلى مخنثين أو مثليي الجنس. فبدأ في التفكير باستهداف الفقراء والمشردين الذين يأخذون من الشارع مأوى. كيف لا وهم من سيكونون الهدف الأول للحكومة في التحويل، وهم الفئة الأكثر هشاشة بظهورهم المنحنية والمكشوفة للعراء؟

وبينما هو يتجول للبحث عن طريدته الأولى وجد كوخا صغيرا بابه مربوط بحبل. نظر من خلاله؛ فوجد امرأة تنام بجوار زوجها وطفلهما الصغير. أخرج مقصاً، وقص الحبل الذي يغلق الباب، متسللا للداخل. تأملهم بضع دقائق، وهو يلقي بظله فوقهم كالجاثوم، ثم هاجم الرجل بعصا غليظة.

استيقظ الأخير من حر الضربات، واستيقظت معه زوجته وابنهما الصغير، أخذ يستميت في الدفاع عن نفسه ضد ضربات رامان، حتى بدأ سيل من الدماء يتدفق من وجهه بغزارة.

‏‏في هذه الأثناء قامت زوجته بسحب ابنها الصغير، واحتضنته وهي تصرخ بقوة حتى يأتي أحد لإغاثتهم، ولكن لم يسمعها أحد!

‏‏انتهى رامان من قتل الرجل، ثم وجه أنظاره ناحية الأم وطفلها، وأخذ بضربهم حتى تركهم جثث هامدة وسط يسبحون في بركة من الدماء في كوخهم الصغير وولى هاربا.

‏شعر بالانتشاء حين رجع ملطخاً بالدم، عاقدا العزم على إعادة الكرة على نحو متكرر، فراحت حوادث القتل تحدث الواحدة تلو الأخرى، وكانت الطريقة هي نفسها تقريبا.. يباغت المشرد النائم تعيس الحظ ليلا، بضربة حادة وقاتلة وأحيانا يكرر الضربات حتى يهشم الرأس.

وكان السواد الأعظم من الضحايا من الفقراء الذين ينامون على الرصيف. وقد زادت حوادث القتل بشكل كبير في المنطقة الشرقية من المدينة خلال الفترة من عام 1965 حتى عام 1966 وخلال تلك الفترة، هاجم القاتل 19 شخصًا توفي منهم تسعة أشخاص متأثرين بإصابات خطيرة.

بدأت الشرطة في التحرك بعد أن بدأ الناس والصحافة في الضغط عليها؛ بسبب خوفهم من هذا السفاح. لدرجة أن حوالي ألفي شرطي كانوا يقومون بدوريات ليلية كل يوم. وألقت القبض على العديد من الأشخاص، من بينهم رامان راغاف الذي كان يتجول في الشوارع، ولم يقدم سبباً مقنع عن جولاته المسائية، حين سأله أحد رجال الشرطة.

وعندما ذهب إلى المخفر واجهته الشرطة بسرقته المتعددة، ولكن بسبب نقص الأدلة، أُطْلِق سراحه مع بقية المشتبه فيهم؛ لأنهم لم يستطيعوا ربط السرقة بالقتل!

وبعد فشل الشرطة الذريع في إيقاف القاتل وكشف هويته، أخذت الناس تسرح بخيالها، وتلفق القصص عن هويته. على سبيل المثال: قال البعض أن لديه قوة سحرية، وبفضلها يمكن له أن يتخذ شكل أي حيوان يريد في أي وقت، لذلك بعد تهشيم رأس ضحيته يتحول إلى حيوان، ويعود زاحفا نحو الغابة، حيث يستعيد هيئته البشرية مجددا. بينما ادعى البعض الآخر أنهم رأوه نائمًا على شجرة في مستعمرة أرى.

وهكذا، شعر رامان أنه أصبح غير مرئي، وأن الإله راض عن أفعاله.

‏رامان راغاف يسقط أخيرا

‏وعلى الجانب الآخر قامت الشرطة في مومباي بتعيين ضابط شرطة شاب متمكن وموهوب يدعى راماكانت كولكارني مسؤول فرع الجريمة في مومباي. ألقى هذا الشرطي نظرة على الملفات جميعها، وبتصميم حديدي، عقد العزم على إيجاد رجلهم المنشود!

بدأ بالتفكير في نظرية علم الجريمة البيئية، وهي تسمى هندسة الجريمة. وهي نظرية تقول إنه بعد أن يرتكب المجرم جريمة في منطقة معروفة، يمكن للمجرم أن يذهب بعيدًا، ويرتكب جريمة أخرى في الوقت ذاته. ومن خلال العمل على هذه النظرية طلب من رجال الشرطة مراقبة مناطق مالاد وجوريجاون وجوجيشواري على نحو خاص.

وقد طوقت بصمات المجرم من إحدى المناطق مع تلك المأخوذة من مواقع الجرائم الأخيرة في المنطقة. وقد كانوا محقين في نظريتهم، فقد بدأت الجرائم تنتشر في منطقة تشينشولي (مالاد)

وبعد ثلاث سنوات في 27 أغسطس 1968. كان أليكس فيهالو، المفتش المساعد لفرع الجريمة، يتجول في منطقة بجنوب مومباي. وكان قد وقف لينتظر الحافلة التي وقفت أمامه لينزل منها رجلاً يرتدي سروالاً قصيراً وقميصاً أزرق طويلاً. شعر حياله فورا بعدم ارتياح، فترك الحافلة تمر دون أن يركبها وبدأ في ملاحقته.

وقد لاحظ أن لديه مظلة مبللة في يده. حيث لم يهطل المطر في ذلك اليوم. فقرر استجوابه حول هذا الأمر، أجابه أنه قادم من شينشولي، مالاد. حيث هطلت الأمطار. حبس أنفاسه ما أن سمع اسم مالاد. فمعظم حوادث القتل وقعت في المنطقة نفسها. لفت انتباهه أيضا حلقة معدنية في إصبعه مثل التي يرتديها الخياطان في أثناء الخياطة، حتى لا تخز الإبرة أصابعهم. ‏مما ذكره بخياط قتيل في مالاد. و ازاددت شكوك فيالهو أكثر.

أخذه إلى مركز الشرطة، وفُحِصَت بصمات أصابعه، ثم تبين أنه متطابقة مع التي عثر عليها في مسرح الجريمة قبل أيام قليلة. وتأكد من أن هذا هو الشخص نفسه الذي ارتكب جريمة القتل. كان اسم هذا الشخص رامان راغاف، وقد عثر معه على نظارات ومشطين ومقص وحامل بخور وصابون وثوم وأوراق شاي وورقة مكتوب عليها بعض الرموز الرياضية. وغير هذا، لم يكن لدى الشرطة الكثير من المعلومات المتعلقة به.

وبدوره حافظ على فمه مغلقا بإحكام، وفشلت محاولات الشرطة في جعله يتحدث سواء بالضغط عليه أو حتى بالتعدي عليه بالضرب.

هنا قرر ضابط الشرطة كولكارني في اتباع طريقة أخرى لجعله يتحدث، فبدأ بالتحدث معه بلطف. ثم سأله عما إذا كان يريد أي شيء، أجاب فورا “أريد الدجاج بالكاري’ وبمجرد تلبية طلبه سأله ضابط الشرطة مجددا “هل تريد أي شيء آخر؟” ‏أجاب هذه المرة أنه يريد عاهرة. وعندما رد الشرطي بأن هذا غير مسموح به، طالب بأشياء من قبيل: زيت جوز الهند ومشط ومرآة، فأحضروا له كل ما طلب وأعطوها له.

فتح قنينة الزيت، ودلك به جميع جسده. ثم مشط شعره، وظل ينظر إلى نفسه في المرآة لبعض الوقت. متناسيا رجال الشرطة الملتفين حوله.

وبعد ذلك وافق على رواية قصته للشرطة. وأخبر الشرطة بعنوان المكان الذي خبأ فيه أسلحته. وعثرت الشرطة هناك على بعض السكاكين والقضبان وبعض الأسلحة الحادة. وقال إنه قتل بها أكثر من واحد وأربعين شخصاً، وقد كان من ضمنهم شقيقته التي انتقلت إلى مومباي حدثيا، فاغتصبها وقتلها هي أيضا!

وعندما سئل عن سبب فعله كل هذا قال أنه خلق على الأرض ليكون ممثل القانون وهو سيد لعالم آخر. وأن الجميع يحاول تغيير جنسه، وقد ظل يكرر أنه رجل بنسبة 101%.

‏وقد كان يعاني أعراض المرض العقلي. مثل الهوس بالجنس والكراهية تجاه النساء، واعترف بارتكاب 41 جريمة قتل، لكن الشرطة اعتقدت أنه ارتكب المزيد من جرائم القتل. وفي هذه الحالات طالب محامي الحكومة بعقوبة الإعدام. لكن المحكمة اعتبرته مريضا عقليا بعد أن خضع للفحص العقلي، وثبت أنه مريض بانفصام الشخصية.


‏حكم عليه بالسجن المؤبد، وأرسل إلى سجن روادا في بيون حيث بدأ يخضع للعلاج في المعهد المركزي للصحة العقلية والأبحاث.

وأثناء وجوده في السجن قص الحلاق دون قصد منه جزء من شارب راغاف، فركض ليقتله. ولم يتحدث مع أحد لمدة سبعة أيام، وظل يردد “لا أريد أن أبدو كامرأة”

وفي وقت لاحق‏ عرض على السلطة منحه كفالة لمدة عام، ومنحه امرأة في مقابل أن لا يقتل أحداً. وكانت شروطه أن يكون عمر المرأة أقل من 30 عامًا، ويمكنها أيضًا تكون عاهرة. لأنه كان مهتمًا بالعلاقة الجسدية فقط

وفي عام 1995 توفي رامان راغاف بسبب مرض الكلى في مستشفى ساسون.

في العام 2016 أنتج فيلم هندي مستوحى من حياة رامان من بعنوان Raman Raghav 2.0

المصدر
wikipedia
guest
3 Comments
الاحدث
الاقدم الاكثر تصويتا
Inline Feedbacks
شاهد جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

مرحباً .. يبدوا أنّك تستخدم حاجب إعلانات ، نرجوا من حضرتك إيقاف تفعيله و إعادة تحديث الصفحة لمتابعة تصفّح الموقع ، لأن الإعلانات هي المدخل المادي الوحيد الضئيل لنا ، وهو ما يساعد على استمرارنا . شكراً لتفهمك